هيجل: المستقبل لا يمكن التنبؤ به
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
هيجل تحديدًا هو الفيلسوف الأكثر انفتاحًا على المستقبل، تلك هي الفكرة التي أودّ إيضاحها في هذا المقال، وهذا يعود لقيامه صراحة بتقييد أي مشروع يحاول تحديد الشكل الذي يجب أن يكون عليه المستقبل. فكما يقول هيجل في الجزء الأخير من مقدمة كتابه «فلسفة الحق» (1820)، إن ما تستطيع الفلسفة فعله فقط هو طلاء «الرمادي بالرمادي»، و«أن بومة مينيرفا لا تبدأ في التحليق إلا بعد هبوط الليل». أي أن الفلسفة لا يمكن أن تُترجم بأثر رجعي إلى بنية مفاهمية «رمادية» (أي: بلا حياة) إلا بعد بلوغ شكل من أشكال الحياة وصل بالفعل إلى ذروته وبدأ في مراحل انحطاطه، حيث يصبح هو نفسه «رماديًا».
وببساطة وبثبات، هذا هو السبب الذي يدفع لرفض جميع تلك القراءات لهيجل التي ترى في أفكاره نموذجًا لمجتمع مستقبلي متصالح مع ذاته، وتاركًا خلفه اغتراب الحداثة. إنني أُطلق على هؤلاء القُرّاء «الذين لم يصبحوا هيجليين بعد».
أكّد الفيلسوف الأميركي «روبرت براندوم» في عمله الأخير المذهل «روح من الثقة» (2019) أنه ربما يكون أحد أبرز «الذين لم يصبحوا هيجليين بعد». فبالنسبة له، قد حدد هيجل الخطوط العريضة للمثل الأعلى الذي لم نصل إليه بعد:
وبناءً على ذلك، يستعرض براندوم ثلاث مراحل من التطور الأخلاقي التاريخي. المرحلة الأولى، هي المجتمعات التقليدية، أو (السيتليشكيت – Sittlichkeit)، وهو مصطلح هيجلي يعني المنظومة الأخلاقية العرفية المعمول بها كحقيقة طبيعية، والتي لا تتضمّن ذاتية بالمعنى الحديث، أو ما نطلق عليه الفردانية. ثم المرحلة الثانية التي يظهر فيها الاغتراب، حيث تنال الذاتية الحديثة حريتها وتنفر من الأسس الأخلاقية لمجتمعها. وأخيرًا المرحلة الثالثة، والتي يبدو أنها تلوح في الأفق، حيث يتبلور شكل جديد من (السيتليشكيت) يتوافق مع الذاتية الحرة:
ماذا إذن عن إصرار هيجل على أن الفلسفة لا يمكنها إلا طلاء «الرمادي بالرمادي»، لأنها مثل بومة مينيرفا، لا تبدأ في التحليق إلا بعد هبوط الليل، بمعنى أن الفلسفة لا تستطيع فهم التاريخ إلا بعد حدوثه؟ هنا يتحدّث براندوم ليس مثل هيجل، بل مثل ماركس، إذ إن المعرفة المطلقة بالنسبة له تشبه صياح الديك عند بزوغ الفجر (كما قال ماركس عن التفكير الثوري). حيث إنه يُبشّر بعصر اجتماعي جديد يتطلّب وجود ممارسات ومؤسسات جديدة للتغلب على الاغتراب البنيوي للحياة الحديثة.
إن المراحل الثلاثة لبراندوم مؤسسة على محورين، هما: وجود السيتليشكيت أو عدم وجود السيتليشكيت، ووجود الذاتية الحديثة الحرة أو عدم وجود الذاتية الحديثة الحرة. ذلك التأسيس ينتج ثلاثة نماذج، هم: المجتمع التقليدي (سيتليشكيت بدون ذاتية حرة)، والمجتمع الحديث (ذاتية حرة من دون سيتليشكيت)، والمجتمع ما بعد الحداثي المنتظر (سيتليشكيت مع ذاتية حرة). هنا يقوم براندوم فورًا بطرح سؤال حول الاحتمالية الرابعة، والتي لا تتناسب مع أي من تلك المراحل الثلاثة، وهي: عدم وجود سيتليشكيت مع عدم وجود ذاتية حرة، حيث تساءل «ماذا عن فكرة اغتراب ما قبل الحداثة؟».
ولكن لماذا يُفهم غياب الذاتية الحرة تلقائيًا على أنه «ما قبل حداثي»؟ ماذا عن إمكانية وجود حالة ما بعد حداثية مُناسبة لغياب الذاتية الحرة بالتوازي مع الاغتراب عن المنظومة الأخلاقية المجتمعية أيضًا؟ أليست هذه هي الشمولية؟ ألا تعد تلك الحالة قريبة أيضًا من الكيفية التي تظهر من خلالها «السلطوية الرقمية»؟ ألن تكون هذه رؤية هيجلية حقيقية لديالكتيك الحداثة؟ حيث إننا نريد التغلب على الفجوة بين الأخلاق المجتمعية والذاتية الحرة التي لم تعد تعترف بأن الأخلاق تخصها، ولكن بدلًا من جمعهم معًا في نوع من الوحدة التركبيبة العليا، نفقد كليهما. على سبيل المثال، ألم يعِد ستالين بتحقيق تركيبة تجمع الروح الجماعية القوية والفردانية الحرة؟ ألم يعِد بتوفير الحرية الفعلية؟ وألم تكن النتيجة فقدان الحرية ذاتها في ظل الاغتراب التام؟
الخطيئة والغُفران
يرى براندوم أن المفتاح للمرحلة الثالثة من المجتمع- الذاتية الحرة المُدمجة مع الأخلاق- يكمُن في مفهوم «التغافُر» الذي تحدّث عنه هيجل في نهاية الفصل الخاص بالروح بكتابه «فينومينولوجيا الروح» (1807). حيث يتم من خلاله التغلُّب على الفجوة بين صانع الفعل (المُخطئ) ومُقيّم الفعل (الديّان الصارم) عن طريق المصالحة، والتي تتحقق ليس فقط من خلال اعتراف المخطئ بخطيئته، ولكن أيضًا من خلال اعتراف الديّان بالاشتراك مع المخطئ في خطيئته، لأنه كما يقول هيجل: «الشر يكمُن في النظرة التي تستطيع أن ترى الشر في كل مكان».
تُعد فكرة براندوم عن «التغافُر» مفيدة على نحو خاص في الوقت الحالي، إذ إنها تمكننا من وضع أيدينا على أماكن الخطأ في مواقف الأشخاص الذين يدافعون عن «التسامح» ويرفضون «خطاب الكراهية». ألا يعد الإنسان الملتزم بقواعد الصوابية السياسية، والذي يدين بشدة أولئك المتهمين بممارسة خطاب الكراهية ممثلًا لحالة نموذجية معاصرة لممارسة أحكام أخلاقية صارمة؟ جميعنا نعلم كيف يمكن أن تكون مثل تلك الأحكام متسرعة وقاسية- كلمة واحدة خطأ، أو مزحة واحدة غير مناسبة، يمكنها أن تقضي على حياتك المهنية بالكامل.
يمكن أن نذكر ما حدث، مؤخرًا، للناقد السينمائي ديفيد إدلشتاين؛ عندما توفي مخرج الفيلم الشهير «رقصة التانجو الأخيرة في باريس» (Last Tango in Paris)، بيرناردو بيرتولوتشي، قام إدلشتاين بنشر مزحة سخيفة عبر صفحته الشخصية على «فيسبوك» مصحوبة بأحد أشهر مشاهد الفيلم بين ماريا شنايدر ومارلون براندو. إلا أنه سرعان ما قام بحذف المنشور، ليس كرد فعل على الغضب الجماهيري للمتابعين، ولكن بسبب أن الممثلة مارثا بليمتون غرّدت لمتابعيها: «اطرده فورًا»، وهو ما حدث في اليوم التالي بالفعل، حيث أعلنت مؤسسة NPR التي يعمل لديها إدلشتاين قطع علاقتها معه لأن منشوره «كان مسيئًا وغير مناسب، وخصوصًا مع الأخذ في الاعتبار تجربة ماريا شنايدر أثناء تصويرها للفيلم».
إذن، ما تداعيات تلك الحادثة، أو بالأحرى ما القواعد غير المعلنة التي يجب استخلاصها من تلك الحادثة؟ تشير الكاتبة والناقدة الأميركية لاورا كيبينس إلى أنه «ليس ثمّة شيء غير مُتعمّد بشأن جريمة غير مُتعمّدة»، أو بعبارة أخرى، لا يمكن تبرير مثل تلك الأفعال على أنها أخطاء مؤقتة، بل يجب اعتبارها على أنها تفضح شخصية الجاني الحقيقية.
هذا هو السبب وراء أن مُجرّد خطأ واحد من هذا النوع سيظل وصمة دائمة على جبينك مهما قدمت من اعتذارات، هفوة واحدة كفيلة بالقضاء عليك، منشور مُتسرع واحد على مواقع التواصل الاجتماعي بإمكانه إزالة تاريخك المهني بالكامل مهما بلغ من جودة. ربما تكون العملية الوحيدة التي قد تساعدك في تحسين موقفك هي عملية النقد الذاتي ممتدة الأمد، فإذا لم تستطع فعل ذلك على نحوٍ مستمر قد تجد نفسك متورطًا في جرائم ضد المرأة، إذ إنه عليك إثبات عكس ذلك مرارًا وتكرارًا وإلى الأبد، لأنك كرجل لا يمكن افتراض حسن نيتك بشكل مسبق، «حيث إن الرجال مُتوقّع منهم القيام بأي شيء».
ما الذي قد يعنيه «التغافُر» في هذه الحالة؟ يعني أنه لن يكون لزامًا على المُدّعين أن يغفروا للمُتَّهم خطاب الكراهية الذي كان مسؤولًا عنه فقط، بل يجب عليهم أيضًا الاعتراف بممارستهم للكراهية ونبذهم لها. حيث يمكن تمييز الكراهية الشديدة بسهولة في تلك المطالب القاسية المرتبطة بالصوابية السياسية، والتي تسعى لتنفيذ إجراءات عقابية سريعة، إذ إنها بالتأكيد- في هذه الحالة- تُعبّر عن كراهية بقدر أكبر من الفعل المُدان نفسه. وربما يكون مناسبًا إعادة صياغة مقولة هيجل عن الشر هنا، لتكون «الكراهية تكمُن في النظرة التي تستطيع أن ترى الكراهية في كل مكان».
يظهر بالتأكيد من خلال خطاب الكراهية أشكال من الغطرسة المقيتة والتهكُّم السافر وما شابه، ولكن نادرًا ما نرى كراهية محضة. وفي المقابل، تظن الخوارزميات الحاسوبية التي تمارس أحكام الإدانة القاسية أنها تحقق العدالة التي لا ريب فيها، غير أن ذلك غير صحيح، فتلك الخوارزميات لا تكلف نفسها عناء إعادة صياغة المنطق الذي اتبعه الجاني حتى. فرُبما قد يكون منشور إدلشتاين على «فيسبوك» اعتُبر أنه مجرد دعابة سخيفة وليس إساءة، وهذا يجعلنا أمام حقيقة مزدوجة، وهي: كيف كانت الأشياء بالنسبة لوعي المُتّهم، وكيف كانت الأشياء «في ذاتها»، أي في نظر الديّان أو الشخص الذي أُسيء إليه.
وتوجد تلك المفارقة أيضًا في فعل الإدانة الذي يمُارسه الديّان الحاسوبي نفسه، حيث تكون الحقيقة المزدوجة حاضرة أيضًا في الفجوة بين كيفية وجود الأشياء في وعي الديّان (إصدار أحكام عادلة) وكيفية وجودها في ذاتها (تعريض المتهم للكراهية بهدف تدمير حياته الشخصية والمهنية).
لنتناول مثالًا آخر، في ديسمبر/كانون الأول عام 2016 عندما توفيّت المُمثلة الأميركية كاري فيشر بشكل مفاجئ، غرّد المُمثل الأميركي ستيف مارتن: «عندما كنت شابًا كانت كاري فيشر المخلوق الأجمل الذي رأيته في حياتي، قبل أن تتحول لتصبح جميلة وبارعة أيضًا». وعلى الفور تعرض مارتن لهجوم عنيف، حيث اتهم «بتشييء» كاري فيشر من خلال التركيز على جسدها بدلًا من تقدير موهبتها أو تأثيرها. وجاء رد أحد مستخدمي «تويتر»: «أعتقد أنها بالتأكيد تُفضل أن تكون أكثر من مجرد امرأة جميلة، كيف تُحب أن يتذكرك الناس؟» وهو ما دفع مارتن لإزالة تغريدته، على الرغم من سهولة إعادة صياغة المنطق الذي اتبعه مارتن هنا: لقد أراد إظهار احترامه لفيشر بما يتجاوز جمالها، لقد عبر عن افتتانه بجمال فيشر في بادئ معرفته بها، ثم انتقل فورًا إلى التعبير عن براعتها بجانب جمالها، إن المغذى الأساسي من تغريدته هو التعبير عن كونها أكثر من مجرد جميلة.
إن الموقف المُنطلق من مفهوم «التغافُر» في هذه الحالة من شأنه أن يوبّخ مارتن لأنه لم يأخذ في الاعتبار التأثير الذي قد ينتج عن تغريدته، لكنه يظل يفغر له فعلته، ويطالبه فقط بأن ينبذ تقديره لفيشر بتلك الطريقة، دافعًا إياه لإعادة صياغة تقديره على نحو أكثر ملائمة. ذلك الأمر الذي لا يتحقق في الإدانة العاجلة التي ترى في تغريدته مُجرّد تشييء شوفيني ذكوري للمرأة.
حدود الغُفران
توجد حدود واضحة لمفهوم التغافُر، ويمكن أن نضرب مثالًا في غاية البساطة لتلك القضية: هل يمكننا أن نطبّق مفهوم التغافُر على هتلر؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي، هل ذلك يعني أن هتلر لا يُمكن أن يُغفر له؟ أو لأننا لم نصل بعد إلى مستوى متقدم من التفكير الأخلاقي بما يكفي للقيام بذلك؟
إن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك دون التراجع لحالة «الذات المتسامحة» التي تصدر أحكامًا من منظور منفصل عن الواقع هي اختيار الاقتراح الثاني، ألا وهو أن انتقادنا لهتلر باعتباره شرًا يجب أن يكون انعكاسًا مُحددًا للشر الذي تنطوي عليه أنفسنا، أي أنه لا يُعبّر عن الموقف الذي نُصدر من خلاله الأحكام.
نُلاحظ، أخيرًا، أن هناك العديد من المفكرين اليمينيين المتطرفين يحاولون تمرير موقف يتم من خلاله الغفران لتهلر. حيث يعترفون بقيامه بأخطاء فظيعة وجرائم مروعة، ولكن مع ذلك يدّعون أنه كان يقاتل في سبيل قضية نبيلة وإن كان الأسلوب خطأ، ألا وهي محاربة الفساد الرأسمالي المُتمثل في اليهود.
يحاول هؤلاء اليمينيون أيضًا توزيع المسؤولية بشكل متوازن عن طريق أسلوب هيجيلي غير منضبط: ألم تأتي جرائم هتلر نتيجة للموقف اليهودي الأحادي الذي رفض الاندماج في الأمة الألمانية؟ ومن خلال تلك الأطروحة يمكن بسهولة بناء نسخة أكثر عقلانية وغير يمينية تنتقد مطالبنا نحن غير اليمينيين الذين ندين النازية من أجل الغفران للشر من منظورنا الخاص والحصري.
يستخدم اليمينيون المدافعون عن هتلر العديد من الأطروحات، منها على سبيل المثال، الادعاء بأنه لم تكن معاداة السامية مُقتصرة فقط على ألمانيا بل كانت موجودة بقوة في الدول المُعادية لألمانيا أيضًا، أو الظلم البيّن لمعاهدة فرساي باعتبارها عملًا انتقاميًا ضد الألمان المهزومين في الحرب العالمية الأولى، والذي أسهم في صعود النازيين إلى السلطة، أو ربما على مستوى أكثر عمومية، الذهاب إلى أن الفاشية نشأت بسبب الآليات المُتناحرة للرأسمالية الغربية.
فبينما يجب أن نرفض هذا المنطق بشكل قاطع، يجب علينا أيضًا معرفة أن الحل يكمُن بالتأكيد في عدم رسم خط فاصل بين الخطايا التي يُمكن غفرانها والخطايا الأعظم من أن تُغفر، فمثل هذا الإجراء ينطوي على ازدواجية تتعارض تمامًا مع منهجية هيجل، ولكن بدلًا من ذلك يجب علينا تغيير مفهوم التغافُر، لتخليصه من أي شوائب متعلقة بفكرة أن تقول لشخص: «مغفورة لك خطاياك، لم تعد إنسانًا سيئًا».
وقد أشار براندوم بالطبع لتلك المُشكلة:
ويأتي رده الفوري على ذلك:
ولكن في حالة الهولوكوست، هل يجب أن نعترف على الأقل بالمسؤولية المتساوية بين الجاني والشخص الذي لم ينجح في الغفران؟ وهل ينبغي علينا أيضًا أن ندّعي مع براندوم أن المرء يتحتم عليه الإيقان بأن الفشل في الغفران- أي عدم الغفران للجاني بشكل كاف- سيتم في المستقبل على نحو أنجح بسبب أن المُقيّمين المُستقبليين سيكونون على دراية أكبر وأكثر مهارة في معالجة الأمر؟
وفضلًا عن ذلك، ماذا عن حالات مثل ختان الإناث، أو التعذيب، أو العبودية التي نراها اليوم شرًا محضًا، ولكن مع ذلك يمكننا تصوّر النسق الفكري الذي جعل تلك الأفعال مقبولة ليست فقط لدى مُرتكبيها، بل وحتى لدى الضحايا أحيانًا؟ وماذا عن الحالات التي تقوم فيها الأحكام بأثر رجعي بجعل الأفعال تبدو غير مقبولة بشكل أكبر مما كانت عليه في سياقها الأصلي؟ إذا قُمنا بتقييم مثل تلك الحالات بصرامة فسنجد أننا لا نصنع معايير جديدة ونقيم من خلالها الأفعال التي حدثت في الماضي فحسب، بل سنكتشف أيضًا أننا ندّعي بشكل ما أن تلك الأفعال لطالما كانت غير مقبولة، حتى لو لم تكن كذلك. والعبودية خير مثال على ذلك.
لنتناول مرة أخرى مثال هتلر والهولوكوست، إذ ربما تشير قصة النبي حبقوق التوراتية إلى طريقة التعامل معه، حيث تُجسّد التعبير الأكثر إثارة لما يمكن أن نُطلق عليه «صمت الآلهة»، إذ إنها تتناول السؤال الأكبر الذي وجّه إلى الله منذ أيوب فصاعدًا: أين كنت عندما حدث كل هذا الرعب، لماذا صمتت ولم تتدخل؟ إليكم النص التوراتي لشكوى حبقوق:
كيف أجاب الله على ذلك؟ ينبغي علينا أن نقرأ الجواب بعناية شديدة: «انظروا بين الأمم، وأبصروا وتحيروا حيرة. لأني عامل عملًا في أيامكم لا تصدقون به إن أُخبر به». هذا ليس مبررًا غائيًا بسيطًا على شاكلة «تحلى بالصبر، إن أساليب الرب عجيبة»، بل هو ادعاء بأن معاناتك تحقق غرضًا في الخطة الإلهية الكبرى التي لا يمكنك استيعابها من خلال فهمك الضيّق والمحدود.
في الواقع، ومن منظور مسيحي، فإن القول بأن الهولوكوست أو أي معاناة مماثلة تخدم غرضًا أسمى ومجهولًا بالنسبة لنا، يعد موقفًا معاديًا للمسيحية بشكل واضح، حيث إن المُنطلق الأساسي لتعاطف المسيح مع البشر هو التضامن غير المشروط مع جميع الذين يعانون. أو بالأحرى كما قال جورجيو أجامبين، ينبغي على المرء في تلك الحالة أن يتحلّى «بشجاعة اليأس» بشكل كامل.
إذن ماذا يعني ذلك؟ ماذا يعني أننا سنُصعق تمامًا، وأن شيئًا ما سوف يحدث ولن نصدقه حتى ولو قيل لنا؟ إن الحدث المقصود هنا هو عودة اليهود إلى أرض الميعاد، والتي يظن البعض أنها لم تكن لتحدث لولا الهولوكوست. ربما يُمكننا أن نغفر لهتلر بأثر رجعي فقط في تلك الحالة، حيث يتعلّق الأمر بوجود دولة إسرائيل والتي أسهمت جرائمه في ولادتها. ولكن ينبغي علينا أن نتحرى الدقة بأكثر ما يمكن هنا: هذا الأمر لا يبرر بأي حال من الأحوال الهولوكوست باعتباره التضحية التي دفعها الشعب اليهودي ثمنًا للعودة إلى أراضيهم (فرضية بعض معادين السامية) كما أن الهولوكوست أيضًا لم يكن جزءًا من خطة إلهية سرية لتمكين اليهود من العودة لأراضيهم (فرضية أخرى لبعض معادين السامية).
إن هذا يعني فقط أن تأسيس دولة إسرائيل كان أمرًا غير مخطط له، وكان نتيجة غير متوقعة للهولوكوست ليس إلا، كما أن هذا لا يُخبر بأي شكل من الأشكال عن المظالم العديدة التي نتجت عن عودة اليهود لأرض الميعاد، حيث إن الأرض التي عاد إليها اليهود كانت لفترة طويلة مأهولة بأشخاص آخرين، ولا يمكن تصنيفها ببساطة على أنها أرض يهودية.
إن الفخ الرئيسي الذي يجب أن ننتبه لعدم الوقوع فيه هنا هو الغائية الشاملة، أي فكرة أن الحدث الذي يبدو كارثيًا يمكن أن يكون عنصرًا يسهم في تحقيق الانسجام العالمي من منظور أكبر، بنفس الطريقة التي تسهم بها بقعة على لوحة كبيرة في إظهار جمالها إن نظرنا إليها من مسافة مناسبة. إن قصة النبي أيوب الذي لم يجد من الله تفسيرًا لمعاناته، تمنعنا من اللجوء لفكرة الإله المتعالي بصفته قائدًا سريًا يعرف المعنى الكامن وراء الكوارث التي تبدو لنا بلا أي معنى، أي الإله الذي يرى الصورة بأكملها، حيث يلعب ما نعتبره «بقعة» دورًا في تحقيق الانسجام العالمي.
عند التعرُّض لحدث مثل الهولوكوست، أو وفاة الملايين في الكونغو، مؤخرًا، أليس من السافر الادعاء بأن مثل تلك الحوادث تساهم في تحقيق الانسجام الكلي؟ هل يمكن أن يوجد ما يبرر حدثًا مثل الهولوكوست، وبالتالي يجعله مقبولًا؟ إن موت المسيح على الصليب بالأحرى يجب أن يُفهم من خلاله أن على المرء التخلّي التام عن فكرة الله باعتباره راعيًا متعاليًا يضمن سعادة البشر النهائية مهما كانت أفعالهم، أي ضمان الغائية الشاملة، إذ إن موت المسيح على الصليب يعني تحديدًا موت هذا الإله.
وبدلًا من ذلك الافتراض بشأن الغائية الشاملة، يُعيد هذا الحدث- موت المسيح- الإشارة إلى استنتاج النبي أيوب، أي رفض أي معنى أعمق بإمكانه التشويش على واقع الكوارث الوحشي. حتى النسخة الأكثر صلابة من هذا المنطق، وهي فكرة أن الغفران لا يعني إزالة حدث معين بل الاعتراف بأن هذا الحدث كان ضروريًا لتحقيق الصالح العام، ليست صلبة بما يكفي.
تحليل الماضي
يبدو مفهوم التغافُر غامضًا، فعلى المستوى الأخلاقي يُمكن فهمه على أنه «محاولة لاستيعاب ما يبدو لنا على أنه شر»، أي إعادة صياغة دافع إيجابي مُستتر ظهر في صورة فعل خطأ. غير أنه في الواقع الأحكام بأثر رجعي تنطوي على منظور لاحتمالات المستقبل أكثر راديكالية، ألا وهو أن الأشياء ليست ما هي عليه الآن، بل هي ما سوف تكون عليه في المستقبل، أي أن حقيقة الأشياء تتحدد بعد أن تنتهي من الحدوث:
على مستوى الحقائق المباشرة تظل الأشياء كما هي، ففي الهولوكوست مثلًا مات الملايين، ليس ثمة شيء يمكنه تغيير ذلك بأثر رجعي، فالماضي لا يمكن تغييره إلا على مستوى وظيفته الرمزية، أي ما يعنيه للأشخاص الذين يستحضرونه، لكن عند تلك النقطة تبدو الأمور معقدة. ماذا عن الحالة التي تطرّق لها هيجل والتي يتصرّف فيها الفاعل بحسن نيّة ولكن العواقب غير المتوقعة تكون كارثية؟ ما الدور الذي يلعبه التغافُر في تلك الحالة؟ هل يمكن للديان أن يتخذ موقفًا متسامحًا بشكل جزئي من خلال ذهابه إلى أن النتيجة المحتملة كانت خيرًا ولكن الكارثة وقعت بسبب حوادث غير متوقعة؟ وماذا لو طرحنا مستوى ثالثًا في الجزء المتعالي من النية الذاتية المزدوجة للفاعل؟ وتحديدًا في جزئية أداء الفعل مقابل النتيجة الحقيقية للفعل، أي الدوافع اللاواعية.
لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يقتصر هذا المستوى الثالث على اعتبار الدوافع الرئيسية للفعل هي الحقيقة المخفية وراء الدوافع النبيلة المعلن عنها، فعلى سبيل المثال: عندما يدّعي شخص أنه قام بعمل ما بدافع الشعور بالواجب، بينما كان فعله في الحقيقة بدافع الانتقام. كما أنه يجب أيضًا الأخذ في الاعتبار النموذج المقابل، أي عندما يقوم شخص بفعل ما معتقدًا أن دوافعه كانت شخصية، بينما كان الدافع الرئيسي في الحقيقة هو شعور أعمق بتحقيق العدالة.
إذا سلّمنا بأن الأهمية الفعلية لفعل ما هو ما «سيكون» عليه هذا الفعل، فإننا نجد أنفسنا أمام تناقض أخلاقي، تلك الفكرة التي جاءت في كتاب «الحظ الأخلاقي» (Moral Luck) (1981) لبيرنارد ويليامز. يتناول ويليامز حالة الرسام بول جوجان الذي هجر زوجته وأطفاله وانتقل لتاهيتي من أجل تطوير عبقريته الفنية، هل كان هناك مبرر أخلاقي لما قام به؟ يرد ويليامز بأنه لا يمكننا الإجابة على هذا السؤال إلا لاحقًا بعد إدراكنا لنتيجة مغامرته، أي هل تطور لفنان عبقري أم لا؟
هذا الأمر الذي يظهر جليًا في فلسفة إيمانويل كانط بالنسبة للوضع القانوني للتمرُّد، حيث إن الطرح هو: إن ما يرتكبه المتمردون يُعد جريمة تستوجب العقاب حقًا إذا اتخذ الحُكم في خضم ثورة التمرُّد، ولكن بمجرد ما أن ينتصر المتمردون ويؤسَّس نظام قانوني جديد، فإن الوضع القائم الذي اتخذ من خلاله الحكم القانوني- الذي أصبح من الماضي- لم يعد له وجود.
إليكم إجابة كانط على سؤال: «هل التمرد يُعد وسيلة مشروعة يمكن للناس أن يستخدموها للتخلص من بطش طاغية ظالم؟»:
ألا يُمكن اعتبار أن كانط هنا يحاول تقديم نسخته الخاصة من «الحظ الأخلاقي»، أو بالأحرى «الحظ القانوني»؟ إذ إن الوضع القانوني للتمرُّد يُحدد بأثر رجعي، أي أنه إذا انتصر التمرُّد وأسس نظامًا قانونيًا جديدًا فإن ذلك يقود إلى حلقة مُفرغة تُمحى من خلالها الأصول غير القانونية للتمرد عن طريق طرح مفارقة التأسيس للتمرُّد بأثر رجعي.
يذكر كانط هذه المفارقة بشكل أكثر وضوحًا في نفس الكتاب، حيث قال:
إن الأمر في غاية الوضوح: الوضع القانوني لنفس الفعل يتغير بمرور الزمن، وما يكون أثناء الثورة جريمة يُعاقب عليها القانون يصبح نقيضه بعد تأسيس نظام قانوني جديد، أو بتعبير أدق، الجريمة تختفي بأثر رجعي على مستوى الوظيفة الرمزية لها بمنتهى البساطة، أي أنها تُمحو نفسها من خلال نتيجتها.
إن مثل تلك التفسيرات ذات الأثر الرجعي تحدث باستمرار على المستوى الرمزي، إذ إنني عندما أقول شيئًا أو أفعل شيئًا فإن كلماتي أو أفعالي لا تعبر أبدًا عن دوافعي المُضمرة، ولكن يُحدد معناها بأثر رجعي من خلال دمجها بالصورة الكبيرة.
تُركز قصة إيتالو كالفينو «يوم جميل للمسير» (1993) على العواقب غير المقصودة لحادثة قتل يوليوس قيصر، فبينما أراد المتآمرون قتل طاغية، وبالتالي استعادة روما لمجدها الجمهوري، فإن ذات العمل نفسه يتعارض مع الظروف التي خلقت الهدف المنشود من وراء الفعل. كما كتبت مولي روثنبرج في هذا الصدد أيضًا:
لنتناول حالة متطرفة من التغافُر (حالة لا تتضمن كثيرًا من الغفران، ولكنها تتضمّن المزيد من إسناد المسؤولية والشعور بالذنب بأثر رجعي). نُلاحظ أن الجنس في أغلبه حتى أوائل القرن العشرين أو ربما منتصفه، يُعد اغتصابًا بالمعايير المعاصرة، ذلك الأمر الذي يعتبره كثيرون دليلًا قاطعًا على شكل من أشكال التقدُّم.
ما نحن بصدده هنا هو السمة الرئيسية للرمزية، فهو يستعرض «الانفتاح» الأساسي الذي يقدمه الرمز إلى الواقع، أو بعبارة أخرى، إننا بُمجرد ما أن نتعاطى مع الرمزية، فإن الأشياء لا تكون أبدًا ما هي عليه الآن بتلك البساطة، بل تكون ما سوف تصبح عليه في المستقبل، كما لو أنها تستعير جزءًا من وجودها من المستقبل. هذا الابتعاد عن المركز يُقدّم أطروحة غير قابلة للاختزال، حيث يكون لا وجود لغاية أعمق في تلك الحالة، وليس ثمّة قوة خفية يمكنها ضمان النتيجة النهائية السعيدة.
نظرًا لمعرفة براندوم بهيجل، كان يتعيّن عليه الاعتراف بهذا الجانب الرجعي لطبيعة التقدم التاريخي:
ويختتم براندوم المقطع بتعبير هيجل حول الثقة، وهو استدعاؤه للجيل القادم للقيام في عصره بنفس ما قام هيجل بفعله من أجل الأجيال القادمة، أي بتفعيل حالة التغافُر التي تصنع تاريخًا عقلانيًا.
إنني لا أجد تبريرًا كافيًا في هذه القفزة للمستقبل، وهذا الإيمان في التقدُّم، فضلًا عن وجود تعارض مع الموقف الميتافيزيقي الأساسي لهيجل. لماذا؟ لأنها تتضمن فجوة بين مستويين: موقف هيجل الفعلي (المُقيّد بمعرفة عصره- طلاء الرمادي بالرمادي)، والمنظور الذي يحدد موقع فكر هيجل من سلسلة فكرية تتقدم باستمرار، والتي صممها براندوم على شكل دورة تبدأ بالاعتراف بالخطأ ثم الثقة ثم التغافُر، ويليه الاعتراف بعدم كفاية ذلك الغفران ثم الثقة في الغفران اللاحق لذلك الإخفاق.(14)
إن ما قام به هيجل من أجل ماضيه بأكمله وصولًا إلى عصره (أي استحضاره في صورة مجمل عقلاني)، هو نفس الشيء الذي يحاول براندوم فعله بهيجل (أي إعادة صياغة فكر هيجل بمصطلحات معاصرة)، كما أنه يدعو قُرّاءه المُستقبليين لفعل نفس الشيء بأفكاره الخاصة. وهذا يُحيلنا إلى ما أطلق عليه هيجل «اللانهاية المُزيفة».
هناك أيضًا جانب آخر لهذا التناقض، إن كانت الضرورة التاريخية دائمًا ما تكون بأثر رجعي، فما الذي يضفي الشرعية على قراءة براندوم لفكرة هيجل عن المعرفة المطلقة بأنها تذهب إلى ما هو أبعد من «طلاء الرمادي بالرمادي»، ومن ثم الإشارة إلى مستقبل اجتماعي متحرر يتجاوز اغتراب الحداثة، أو ما يطلق عليه براندوم المرحلة الثالثة؟ يقول براندوم: «إن طموح هيجل الاستثنائي يهدف لإرشادنا نحو عصر جديد لروح العالم الذي يُعتبر هيكله المعياري تحسينًا للعصر الحديث، كما كان العصر الحديث تحسينًا للعصر التقليدي».
ولكن ألن يكون التصرف الهيجلي الصحيح هو تحديدًا ترك المجال مفتوحًا من أجل الإدراك بأثر رجعي لهذا المستقبل المُتمثّل في المرحلة الثالثة، وإتاحة المجال له ليبرز تناقضاته وصراعاته الجديدة التي لا يُمكن التنبؤ بها؟ وما هو أكثر من ذلك، ماذا لو تطلّب الأمر أن يُغفر لنا هذا الفعل تحديدًا، أي الأمل الوهمي بأننا نستطيع فعل أكثر من مجرد «طلاء الرمادي بالرمادي»، وإيماننا بأننا نستطيع تحديد الخطوط العريضة لعصر جديد من التحرر الكامل في المستقبل حيث سيستمر التاريخ في التقدم؟
ألن يكون التصرف الهيجلي الصحيح هو الافتراض المسبق بأن هذه المرحلة ستسلُك طريقًا كارثيًا على نحو ما كما حدث مع الفاشية والستالينية وغيرها؟ فعلى سبيل المثال، لا يكفي أن نلعب اللعبة الشهيرة عن كيفية إساءة استخدام رؤية ماركس النبيلة، وكيف لا ينبغي أن يُحاسب على إساءة الاستخدام تلك. بل بالأحرى، ما يتوجّب أن يُغفر لماركس تحديدًا هو أنه ظل أعمى عن كيف لرؤيته للشيوعية أن تُلهم أشكالًا جديدة من القمع والإرهاب.
الخُلاصة
لذلك، وفي الختام: ألا يجب أن نُغير فكرة براندوم عن «روح من الثقة»؟ أليست السمة الأعمق للمقاربة الهيجلية المنضبطة هي روح من عدم الثقة؟ هذا يعني أن المُسلمة الأساسية لهيجل ليست الفرضية الغائية الشاملة القائلة بأنه بغض النظر عن مدى كارثية الحدث فإنه في النهاية سيتحول لمساهمة في الانسجام العام بين العالم والتاريخ. ولكن مُسلمته الأساسية هي بالأحرى أنه بغض النظر عن مدى حُسن التخطيط ونُبل الدوافع لفكرة أو مشروع ما، فإنه سوف ينحرف إلى حد ما: كما تحول المجتمع اليوناني المُنضبط قانونيًا إلى الحرب الأهلية، وكما تحول الولاء القائم على الشرف في العصور الوسطى إلى التملُّق الفارغ، وكما تحول النضال الثوري من أجل الحرية العالمية إلى الإرهاب.
إن وجهة نظر هيجل لا تكمُن في أنه كان من المستطاع تجنُّب انحراف ما، أي على سبيل المثال: إذا التزم الثوار الفرنسيون بتحقيق الحرية الملموسة لمختلف المقاطعات بشكل واقعي، بدلًا من محاولة تحقيق الحرية المجردة وإقرار المساواة للجميع، كان من الممكن تجنُّب إراقة الدماء. ولكن وجهة نظر هيجل تتمحور في الأساس حول فكرة أننا علينا أن نقبل بعدم وجود طريق مباشر للحرية الملموسة، وأن «المصالحة أو الترضية» الخاصة بنا تكمُن في الاستسلام لحقيقة خطر الدمار الذي يلاحقنا دومًا، والذي هو شرط لحريتنا.
إن رؤية هيجل للدولة تتمثل في النظام الهرمي للمُمتلكات المُتحدة والمتماسكة خوفًا من خطر الحرب الدائم. إذن ماذا لو اعتبرنا أن هناك تقدمًا يذهب إلى أبعد من ذلك، أي نحو الديمقراطية الليبرالية ما بعد الهيجلية؟ من السهل أن نتخيل السعادة التي كان هيجل سيحلل من خلالها كيف يقود المجتمع الليبرالي إلى الفاشية، أو كيف ينتهي مشروع تحرري راديكالي إلى الستالينية. كما أنه كان من السهل على هيجل أيضًا أن يُشير إلى مذابح الحرب العالمية الأولى باعتبارها حقيقة التقدم السلمي التدريجي الذي حدث خلال القرن التاسع عشر. إن هذا الأمر في الواقع هو المهمة الحالية لنا نحن الهيجليين.