«حازم حسني» مستشار عنان: هل أفرط في التفاؤل؟
لم يكن أمرًا مفاجئًا أن يعود الفريق «سامي عنان» مرة أخرى إلى المشهد السياسي في مصر عبر إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المزمع عقدها نهاية مارس/آذار المقبل، فالطموح السياسي لرئيس الأركان الأسبق ليس بجديد أو حديث عهد. فقد سبق وأن أعلن عنان نيته الترشح لانتخابات 2014 قبل أن ينسحب من السباق مبكرًا ويتوارى عن الأضواء بعدها، ليعود إليها مرة أخرى في 2018 بتسجيل مصوّر قصير، أعلن فيه رسميًا اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية ويتحدث فيه عن الحريات وتداول السلطة وتقاسمها وتمكين المجتمع وما تمثله تلك المبادئ من أسس لحملته الانتخابية.
كما أعلن اختياره لنواة مدنية لمنظومة الرئاسة تتكون من الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار «هشام جنينة»، نائبًا لشؤون حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية وتفعيل الدستور. والأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية «حازم حسني»، نائبًا لشؤون الثروة المعرفية والتمكين السياسي والاقتصادي، ومتحدثًا باسمه.
كان المفاجئ إذن مدى جدية الرجل واستعداه الجيد لخوض معركة جديدة أمام السيسي، والذي يبدو حتى الآن أنها لن تكون كجولتها الأولى في 2014. وما لم يدعه عنان سرًا للتكهن أو التخمين أن الدكتور «حازم حسني» قد أصبح هو العقل المفكر له ولحملته والرقم الأصعب فيها، فهو من أقنع رئيس الأركان في عهد مبارك وفترة حكم المجلس العسكري الصعبة والمريرة بالحديث عن الحقوق والحريات والمدنية.
من هو حازم حسني؟
ولد حازم أحمد حسني في أغسطس/آب 1951. يعمل أستاذًا متفرغًا بقسم تطبيقات الحاسب الآلي في العلوم الاجتماعية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة. وهو أحد المعروفين على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتوتير بانتقاداته الحادة والدائمة لنظام الرئيس «عبدالفتاح السيسي». آراء ومواقف أغضبت منه الكثير من أساتذته وزملائه الذين يسيرون في ركاب السلطة الحالية، فحاولوا التقليل من شأنه بعد خطاب «عنان» الأخير، بالترويج لكونه يعمل أستاذًا للحاسب الآلي وليس للعلوم السياسية، وما لدينا من معلومات أنه عمل في قسم تطبيقات الحاسب الآلي بعدما استُحدث القسم عام 1994، وأساتذة هذا القسم ممن درسوا الاقتصاد والعلوم السياسية، واستمروا بالبحث والتعليم في مجال تطبيقات الحاسب الآلي في العلوم الاجتماعية.
وقد أجرت «إضاءات» اتصالًا بالدكتور «حازم حسني»، وسألناه عن رأيه فيما تعرّض له بعض الأكاديميين في جامعة القاهرة، وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تحديدًا، مما يمكن أن نسميه «اضطهاد أكاديمي» بسبب آرائهم أو مواقفهم السياسية؟
فأجاب: بالطبع من حق الجميع أن يعبر عن رأيه ضمن الدستور والقانون بطبيعة الحال، ومن حق أي أستاذ أكاديمي سواء داخل كلية الاقتصاد أو غيرها أن يعبر عن رأيه، بل أن يهاجم السياسات العامة للنظام الحاكم دون أن يتعرض لأي نوع من الاضطهاد أو المضايقة. ونحن قد ترشحنا لتغيير تلك الأوضاع بحيث يتاح للجميع حقهم في إبداء آرائهم، لكننا لا نحمل أي مظالم شخصية، فلسنا مرشحي دائرة انتخابية، ولسنا بصدد الدفاع عن شخصيات بعينها.
هل حازم حسني إخواني؟
فور انتهاء خطاب عنان بدأت الأذرع الإعلامية للنظام الحالي في مهاجمة حسني، باتهامه كونه «إخوانيًا»، لكن ما تخبرنا به صفحة حسني على الفيس بوك عكس ذلك تمامًا. فحسنى كان من أبرز المعادين لجماعة الإخوان وحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي منذ أيامه الأولى، وكان يرى أن حكم مصر قد وقع في قبضة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين والتي كان يراها مخترقةً حتى النخاع من المخابرات البريطانية لتقويض الدولة المصرية.
شارك حسني في تظاهرات الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، وكان من أبرز داعمي المسار السياسي الذي أعقبها، وأيد الدعوة لتفويض السيسي وكان من أوائل من نادوا بضرورة تصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، منتقدًا موقف الدولة المرتبك والمتردد في التعامل مع الجماعة. كان يرى خطأ الدولة بفض الاعتصامات والمظاهرات المؤيدة لعودة مرسي دون أن تستصدر قبله قرارًا سياديًا يُصنف التنظيم بأنه تنظيم مناهض للدولة وسيادتها، وأن كل من يرتبط بهذا التنظيم بشكل أو بآخر فهو مرتكب لجريمة الخيانة العظمى، وهو الأمر الذي كان سيكسب الدولة شرعية سياسية، تمكنها من فض تلك الاعتصامات والمظاهرات دون أن يكلفها ذلك عناء المواجهة مع الموقف الدولي الذى ترتبط مصالحه بجماعة الإخوان.
السيسي يقوض الدولة المصرية
لم يكن حسني متحمسًا لترشح السيسي لرئاسة الجمهورية – رغم إيمانه بحقه الدستوري في ذلك – وكانت تساوره الشكوك في قدرة السيسي على الفصل بين مؤسسة الجيش وبقية مؤسسات الدولة. وأن تتوارى الدولة ومؤسساتها خلف مؤسسة الجيش في عهده، وهي الشكوك التي كانت في محلها، فتحول حسني إلى واحد من أبرز المهاجمين للسيسي ونظام حكمه. وانتقل من ساحات الفضائيات والمحطات التلفزيونية التي كان ضيفًا دائمًا عليها إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبح أحد روادها ومشاهيرها بفضل كتاباته الحادة والمستمرة ضد السياسات الفاشلة والبلهاء للنظام – على حد قوله – على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والدستورية، والتي قوضت الدولة المصرية ومؤسساتها المدنية والدستورية.
يري حسني أن السيسي قد أحل نظامه السياسي في الدولة ومؤسساتها فتحولت الدولة في عهده لخط الدفاع عن نظامه، وباتت كل الانتقادات الموجهة للنظام موجهة إلى الدولة نفسها، وتلك هي الخطيئة الكبرى التي ارتكبها السيسي ونظامه، والذي إن استمر في السلطة فإنه لا محالة سيؤدى إلى هدم تلك الدولة وتدميرها.
البحث عن طوق النجاة
يؤمن حسني بأن مصر تستحق أن يحكمها واحدٌ من مدنييها الأكفاء الكثر، المنتشرين داخل أجهزة الدولة ومؤسساتها. لكن النخبة السياسية المصرية قد عجزت عن تقديم شخص واحد تدفع به نحو انتخابات الرئاسة، فضلًا عن فشلها في إقناع عموم الشعب بقدرة مرشحها على أن يجد حلولًا لمشاكلهم، وتكون له القدرة على نيل ثقة مؤسسات الدولة التي يحكمها، وعلى رأسها مؤسسة الجيش، بيد أن هذا الأمر غير متحقق في مصر في الوقت الراهن، لصعوبة المطلب الأخير تحديدًا.
ولذلك فإنه لابد من التخلي عن المراهقة الثورية والمثالية الأكاديمية والتحلي بقليل من البراغماتية السياسية والبحث عن رجل من داخل جهاز الدولة يستطيع تحييد المؤسسة العسكرية وبقية المؤسسات الموالية للسيسي، وقد وجد حسني ضالته في «سامي عنان» رئيس الأركان الأسبق، الذي كان واحدًا من المعجبين بحازم حسني وكتاباته بحسب ما قال «حسني» في حديثه لـ عربي 21.
ورغم ضراوة الهجوم الذي كان لاقاه عنان قبل ذلك أثناء فترة حكم المجلس العسكري، حيث كان حسني يعتقد أن المجلس ورأسه المتمثل في المشير طنطاوي والفريق عنان هو المسئول عن كل المآلات السلبية لثورة يناير بسبب إدارته الكارثية للمسار السياسي بعد الثورة وما تخلله من أحداث دامية. طلب عنان مقابلة حسني واستطاع إقناعه بأن ما تم تصديره بخبث بعد الثورة من خريطة للأحداث ليس هو الخريطة الحقيقية لها، وأن ثمة حقائق وملفات سيتم فتحها حال استطاع الرجل الدخول في منافسة حقيقية مع السيسي.
وهو ما جعل حسني يوافق على مرافقة عنان في معركته الصعبة والشاقة من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية على أمل أن يكون ذلك طوق النجاة الذي ينقذ مصر من الضياع والهلاك إن استمر السيسي ونظامه على رأس السلطة.
ولدى اتصالنا بـ «حسني»، أوضح أنه يرى في سامي عنان المرشح الأنسب لرئاسة مصر في الفترة القادمة لأنه لم يتقدم إلى الآن مُرشح قادر على تحقيق التوازن بين المدني والعسكري، وإنهاء حالة العسكرة الشديدة التي هيمنت على الأوضاع في مصر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما نحتاجه في المرحلة الحالية، والفريق سامي عنان هو القادر على تحقيق ذلك.
وبسؤال عما إذا كان يرى أن ترشحه يهدف بالأساس إلى تشكيل كتلة معارضة صلبة على الأرض وأن فرص وصوله إلى السلطة ضعيفة كما هو الحال مع الأستاذ «خالد علي». أجاب أن هذا أمر يخص مؤيدي الأستاذ «خالد علي» فقط، أما الفريق «سامي عنان» فقد ترشح ليصل إلى الاتحادية وليس للحصول على أي مكاسب سياسية من موقع المعارضة. الفريق «سامي عنان» جاد في محاولته للوصول إلى السلطة، ويستطيع أن يحقق ذلك.
هل عنان هو شارل ديجول الذي يحلم به حازم حسني؟
لا يُعرف عن حازم حسني أي انتماء سياسي أيديولوجي أو ثقافوي. ولم يسبق له الانضمام إلى تنظيمات أو مجموعات سياسية شعبوية أو نخبوية موالية للسلطة أو معارضة لها. فالرجل الذي يتصدر مصطلحا «الدولة» و«الجمهورية» معظم أحاديثه وكتاباته، والذي كتب عدة مقالات سابقة تحت عنوان «مصريون من أجل الجمهورية» ليس نموذجًا لمثقفي السلطة الموالسين للأنظمة وحكامها، بل هو مثقف دولتي/دولاني يرى العالم والسياسة من وجهة نظر حسنة الظن بالواقع وأزماته، ترى أن أزمة السياسة في مصر منذ عقود ما هي إلا أزمة فقدان من صعدوا للسلطة للإرادة السياسية والتاريخية لإصلاح ما اعترته بنية تلك الدولة من تشوهات وتجريف على مدار تلك العقود.
ومن هنا تنبع وجهة نظره بمعارضة أنظمة مبارك والإخوان والسيسي التي اشتركت في تجريف هذه الدولة عبر مداخيل الفساد وعدم الرشادة أو تكوين أنظمة موازية لتلك الدولة تقوض من مؤسساتها. ولذلك يؤمن «حسني» بأن خلاص مصر ودوائها من أمراضها العضال يتمثل في البحث عن رجل دولة لا موظف عمومي يمتثل قيم النظام الجمهوري والدستوري ويمكن الدولة ومؤسساتها من عمليات الإصلاح وتصعيد الكفاءات المدنية على غرار ما فعله الجنرال ديجول، مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة. وهو الأمر الذي قد يفسر قليلًا قبوله لدعوى الجنرال السابق وإقناعه بتعيين الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المعروف بانضباطه البيروقراطي نائبًا. فكلاهما رجال دولة سابقون يستطيع أن يكمل هو لهما عنصر الرشادة السياسية والتاريخية من أجل إنقاذ الدولة من ويلات هلاكها مع النظام الحالي.
وقد اختار الفريق سامي عنان الملفات التي أعلن عنها، شئون حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية وتفعيل الدستور، وشئون الثورة المعرفية والتمكين السياسي والاقتصادي، لأنه يرى أننا في أمس الحاجة إلى تلك الملفات في المرحلة الحالية. وهذه ليست ملفات للدعاية الانتخابية، وإنما أهداف أساسية سنسعي لتفعيلها بمجرد الوصول إلى الاتحادية.
وبسؤال الدكتور حازم عما إذا كانت هناك تخوّفات أن يكون الفريق سامي عنان -حال وصوله إلى الحكم- نموذجًا جديدًا للحكم العسكري، عما إذا كانت هناك ضمانات تقدمها الحملة لنفي تلك التخوفات؟
أجاب: بالطبع لا، فما يحدث الآن لم يحدث من قبل، أن يقدم الفريق سامي عنان فريقًا رئاسيًا يحقق التوازن بين المدني والعسكري ويضم شخصيات مدنية مسئولة عن ملفات محددة بحيث يتحقق الفصل الصحي بين المدني والعسكري.
علي أي حال، ورغم أن عنان لن يستطيع الدخول للسباق الرئاسي، فضلًا عن استطاعته المنافسة والفوز بتلك الانتخابات، لكن إن حدث ذلك فما يحلم به حسني هو نوع من المستحيل السياسي. ففضلًا عن أن عنان ليس بالتأكيد شارل ديجول أو أن مصر حاليًا ليست فرنسا بعد أن تخطت شبح النازية، لكن رؤية حسني وأفكاره تعمى عن رؤية الواقع المصري وأزماته المستفحلة. فالدولة المصرية التي يبحث عنها حسني قد دخلت منذ عقود طويلة في غيبوبة طويلة الأمد من الفراغ الأيديولوجى والجمود الاجتماعي التام لتصبح دولة بلا هوية أو عقد اجتماعي واضح، حتى انهارت وتفككت إلى شبكات ومصالح عصبوية وقبلية سياسية وبيروقراطية تصارع بعضها عبر أداء إجرامي من أجل مزيد من الثروة والنفوذ والهيمنة.