«شرطة الزمن»، نظرية «هوكينغ» عن حُراس التاريخ المخلصين
هوكينغ والمفارقات
في 1990 قرأ هوكينغ ورقةً بحثيةً لزملائه، تقترح نسختهم عن آلة الزمن، وأصبح متشككًا فيها على الفور. فقد أخبرته غريزته أن السفر عبر الزمن ليس ممكنًا، لأنه لا يوجد سياح من المستقبل. ولو كان السفر عبر الزمن شائعًا مثل التنزه في حديقة، فسيزعجنا المسافرون من المستقبل بكاميراتهم ويطلبون منا أن نقف لنتصور لألبوماتهم.
طرح حينها ستيفن هوكينغ ما يعرف بحدسية حماية التسلسل الزماني (الحدسيّة هي كل ما عجز الرياضيون على الإتيان ببرهان يؤكد صحة المقولة أو يقدم الدليل على خطئها) حيث يقترح أن قوانين الفيزياء بطبيعتها تمنع السفر عبر الزمن، واستثنى من ذلك العوالم الكمومية البالغة الصغر.
في 1992 قدّم هوكينغ ورقة بحثية، وذكر فيها مصطلح “وكالة حفظ التسلسل الزمني” كحلّ شخصيّ لتبسيط كيفية حلّ قوانين الفيزياء لمفارقات وتناقضات السفر عبر الزمن، وقال فيها:” يبدو أنّ هناك ما يشبه وكالة حفظ التسلسل الزمني، التي تمنع ظهور المنحنيات الزمنية المغلقة، وبالتالي تجعل العالم آمنًا وملائمًا لكتّاب التاريخ”.
تم استخدام هذه الفكرة -وكالة حماية الزمن- في كثير من كتب الخيال العلمي وجعلها تبدو كـ«شرطة الزمن» و”عملاء الزمن” الذين يعملون بشكل مستمر لمنع المسافرين عبر الزمن من إحداث تغييرات مهمة في التاريخ.
لكن الشيء المحرج فعلًا، أنه مهما حاول الفيزيائيون فإنهم لم يعثروا على قانون فيزيائي يمنع السفر عبر الزمن، لذلك غير هوكنغ رأيه أخيرًا وقال “قد يكون السفر عبر الزمن ممكنًا ولكنه ليس عمليًا”
وفي إجابته لسؤال: ما الذي يمكن أن نفعله لجعل السفر عبر الزمن حقيقة، وهل يغير ذلك حقيقة الحاضر الحالي؟
يقول هوكينغ: “نحن نسافر باتجاه الأمام في خط الزمن، يمكننا أن نزيد سرعتنا بركوبنا صاروخًا يسير بسرعةٍ عاليةٍ، ثم العودة إلى الأرض لنجد الجميع أكبر مما تركناهم فيه أو ربما أموات. وتسمح نظرية آينشتاين في النسبية العامة بطوي الزمكان بطريقة ما لنسافر إلى الماضي. على كل حال، إنّ طيّ الزمكان قد يسبب إشعاعًا هائلًا يؤدي بدوره لتحطيم المركبة الفضائيّة وربما تمزيق نسيج الزمكان نفسه. وبالنسبة لي، فقد قمت بدعوة المسافرين بالزمن إلى حفلةٍ خاصةٍ وانتظرتهم لوقت طويل، ولم يلبِ الدعوة منهم أحد!
ستيفن كينغ والسفر عبر الزمن
في روايته 11\22\63 يحاول ستيفين كينغ العودة في الزمن لمنع اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، بإرسال جاك إيبينغ إلى الماضي لمنع لي أوزولد من الضغط على الزناد وقتل الرئيس.
في الرواية، تصطدم الشخصية الرئيسية بالكثير من العوائق أثناء محاولتها تحقيق مهمتها، وكأنّ الكون يتآمر فعلًا ضدها، يقول كينغ أنّ أهمية الحدث تنبع من تأثيره في المستقبل، فإذا أردت مثلًا أن تعود بالزمن لتتحدث مع شخصٍ لمدة خمس دقائق وتجعله يتأخر عن موعده مع الطبيب، فإنّ ذلك قد لا يحمل أهميّة كبرى، لكن إيقاف اغتيال رئيس الولايات المتحدّة، ذاك أمرٌ شديد الصعوبة، وسيحاول الماضي في هذه الحالة حماية نفسه.
لبطل القصة صديق يعمل كطبّاخ، وفي خلفيّة مطعمه الصغير توجد فقاعة زمنيّة من نوعٍ ما، تسمح لهذا الطباخ أن يعود إلى يوم من أيام سبتمبر، 1958 وإلى هذا التاريخ فقط، ليقوم بشراء اللحم بسعره في ذاك الوقت ثم العودة إلى الحاضر، وكان ذاك الطباخ يقوم بهذه الحيلة كلّ مرة. يسأل البطل صديقه “هل يمكنك العودة بالزمن وقتل جدك؟” فيجيبه الطباخ بكل ثقة “لماذا قد أفكر بفعل ذلك!”.
لكن ما كان الطباخ يفعله فعلًا، مهما بدى أثره بريئًا، حمل تأثيرًا أكبر بكثيرٍ مما كان يتوقعه، ففي كلّ مرة تعود إلى الماضي وتغيّر شيئًا ما، تخلق خطًا زمنيًا موازيًا للخط الأصلي، بسبب تشويهك لكينونة الزمكان بهذا الفعل. في نهاية القصة يلتقي جاك بأحد “حرّاس” الوقت، الذي يخبره أنّ كل تغيير يقومون به يؤدي لجعل الأمر أكثر سوءًا، وفي النهاية قد ينهار كلّ شيء بسبب شيء بسيطٍ جدًا.
يشبّه كينغ الحالة بحذف ملفٍ على الحاسوب، ضغطة بسيطة تحذف الملف ويعود كلّ شيء كما كان، لكن فعليًّا الملف لم يحذف حقًا، كذلك الأمر للسفر عبر الزمن، وهذا ما يخبره حارس الزمن لبطل القصة.
هل يوّد أن يسافر عبر الزمن إن وجد معبرًا؟ كينغ لا يفضّل ذلك فعلًا، رغم الإغراءات، لأنّ أثر الفراشة يشكّل هاجسًا كبيرًا وربما حدثٌ بسيط واحد يغيّر أشياء كبيرة أخرى.
وبالنسبة لكينغ، فإنّ العودة إلى الماضي الأقدم تشكّل خطورة أكبر، أيّ كلما عدت إلى الوراء زاد احتمال تغييرك للزمن وتشويهك للزمكان بصورة أكبر.
لكن، هل يوجد السفر عبر الزمن حقيقةً؟ الجواب: نعم، على الأقل باتجاه واحد، إلى المستقبل، وذلك بسبب تمدد الزمن Time Dilation
تمدد الزمن
حسب نظرية النسبية العامة والخاصة لآينشتاين، فإن مفهوم تمدد الزمن هو مفهوم ممكن وفعليّ، حيث أنّ الوقت، بالنسبة لمراقب خارجي، يمر بسرعة أقل بالنسبة لجسم يتحرك بسرعةٍ أكبر من سرعة المراقب، أو لجسم يخضع لجاذبيّة أكبر من تلك التي يخضع لها المراقب. ففي مفارقة التوأم، يقوم أحد التوأمين برحلة إلى الفضاء بواسطة صاروخ فضائي عالي السرعة ثم يعود إلى موطنه ليكتشف أنه قد أمضى عمرًا أقل من أخيه التوأم الذي ظل على الأرض. تبدو هذه النتيجة كلغز محير لأن كلا من التوأمين ينظر للآخر على أنه مسافر بالنسبة للآخر، وهكذا، ووفقا لتطبيق تباطؤ الزمن، فإن كل منهما يفترض أن يكتشف أن الآخر قد عمر أكثر منه على نحو متناقض.
حسب النسبية العامة، فإنّ التمدد يحصل إذا كانت إحدى ساعتين تتعرض لجاذبية أكبر من الأخرى، حيث أنّ الساعة الموجودة في مكان ذو جاذبية عالية تختبر الوقت بشكلٍ أبطأ. وبعد الحسابات الرياضيّة تبعًا للنسبية العامة، يمكن لشخص أن يسافر إلى المستقبل بوضعه في مركبة كرويّة، بقطر 5 أمتار وكتلة المشتري. كلّ ثانيّة يقضيها الشخص داخل هذه “المركبة” يقابلها مرور أربع ثوانٍ عند المراقب الخارجي.
وكذلك أيضًا -حسب نظرية النسبية- فإنّ رواد الفضاء الموجودين على المحطة الدولية يكبرون بشكل أقلّ مقارنةً بالناس على كوكب الأرض، وذلك بسبب سرعة المحطة الكبيرة في مدارها، وذلك يعني أنّ رواد -الفضاء يعودون بعمرٍ أصغر من قرنائهم على الأرض، ويمكننا اعتبارهم في هذه الحالة قد سافروا “إلى المستقبل”، لكن هذا التأثير ضئيل جدًا، فإنك تحتاج أن تقضي 100 عام على المحطة لتقفز ثانيةً إلى المستقبل.
يحمل سيرجي كريكاليوف، رائد الفضاء الروسيّ، لقب أكثر إنسانٍ عاش في الفضاء- المحطة الدولية- حيث قضى فيها 803 أيام وتسع ساعاتٍ وتسع وثلاثين دقيقة، وبذلك تخطى زمن الأرض وسافر 20 ميللي ثانية. فهل تريد أن تسافر خارج الكوكب دون أن تتأثر ساعتك البيولوجية؟ عليك إذًا أن تسافر في مدار يبعد 3174 كم عن سطح الأرض، حيث يلغي كلّ من تأثير السرعة والجاذبية بعضهما لتسافر وتكبر بنفس سرعة أقرانك على سطح الكوكب