هل تحسم التدخلات العسكرية الحرب في اليمن؟
في ظل حصار خانق من الحوثيين وقوات موالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، احتفل مئات الشباب في مدينة تعز في الذكرى الخامسة لانطلاق الثورة اليمنية والتي يبدو أنها لم تطح به جيدًا، في مصير لم يختلف كثيرًا عن الثورات العربية الأخرى.فبقبول الأطراف دخول ثورة التغيير اليمنية في مسارات مفخخة بين ثنائيات التوافق والمحاصصة وبين السياسة والبيروقراطية وبين العجز عن تلجيم الجيش وهشاشة السلطة، كل هذا خلق حالة من الفراغ كانت محاولات الأطراف لملئه.لتصل الثورة الشعبية التي هدفت للتغيير وحافظت على سلميتها في بلد مسلحة رغم عنف النظام، عاد اليمن إلى حالة تقترب من ماضي حروبه الأهلية، ساهمت الأدوار الإقليمية في تعقيد صراعه بقدر رغبتها في حسمه.
إشكالية التدخلات الدولية
لا يسهل رسم حدود فاصلة بين التدخل والعدوان؛ فالتدخل، والذي يعني ممارسة دولة لسلطة على دولة أخرى والسعي لضمان فرض رؤيتها وتأثيرها في شئون تلك الدولة. ومن هنا تأتي المفارقة أن التدخلات تكون أحيانًا أسوأ من الاحتلال، فطبيعة التدخلات قصيرة المدى وإن اتجهت لحسم الصراع لكنها تعقد في أحيان كثيرة العوامل الاجتماعية والسياسية وراء النزاعات.ويمكن النظر لآثار التدخلات في بُعدين:1- عدم ثبات أحجام الكتل المتصارعة، فتقوى أو تضعف وفقًا للمتغيرات الخارجية وليس وفقًا للقدرات الذاتية. فكل قوة تحارب بحجم حلفائها لا بحجمها الحقيقي، ليستمر سباق الطموح والأمل للإمكانيات مما يزيد أمد الصراع، كما لا يضمن عدم تكراره.2- أثره على مستقبل البنية الأساسية للدولة، فغرض تحقيق نصر سريع وحاسم يخلق الثأر والمظلومية قد تجدد الصراع فيما بعد، مما يجعل من الصعب بناء عملية سياسية مستدامة. هذا بجانب التكلفة البشرية والاقتصادية الفادحة والتي ستعاني منها البلاد لسنوات قادمة.
وبالعودة للأزمة اليمنية وإشكالية التدخلات العسكرية الدولية في الصراع اليمني ما بعد احتلال أنصار الله والقوات الموالية لعبد الله صالح لصنعاء، لنحاول هنا تلمّس أبرز الأدوار الإقليمية وأهدافها ومدى حجمها وشكل تدخلها.
1. فزاعة إيرانورغم ما قد يبدو من المبالغة الإعلامية في الدور الإيراني في مشهد اليمن بالمقارنة بدورها في عواصم عربية أخرى، لكن اهتمام إيران باليمن يمكن فهمه في إطار أسباب جغرافية وإقليمية، فتهديد العمق السعودي وإشعار المملكة بالمحاصرة والتمركز في الممرات المائية وتهديد الأمن القومي العربي تضمن لإيران أوراق نفوذ قد تحتاج إليها في صراعات حالية أو قادمة.
فيتواصل إرسال المساعدات الإيرانية للحوثيين والتي تكون في الأغلب بحرًا عبر بعض الموانئ في عدن أو مع الحدود العمانية، وفي البحر الأحمر لميناء الحديدة، أو من أريتريا لسواحل قريبة من صعدة.
ففي أوائل عام 2013 تم القبض على السفينة الإيرانية جيهان 1 المحملة بالأسلحة وبعدها مباشرة تم توقيف سفينة أسلحة جديدة جيهان 2. ثم كانت أزمة سفينة المساعدات الإنسانية (إيران شاهد) بداية صيف 2015، والتي أوقفتها قوات التحالف وانتهى بها الأمر لتفريغ حمولتها في جيبوتى برعاية الأمم المتحدة وقالت إيران وقتها: “نقف بجوار المظلومين في المنطقة”.
وتتحدث مصادر عن عدم اقتصار الدعم الإيرانى للحوثيين على السلاح فقط بل يمتد إلى تحويل الأموال والتدريب داخل اليمن وخارجه في لبنان وإيران، كما يتواجد في اليمن عدد من المستشارين العسكريين الإيرانيين.
2. السعودية تقلب الطاولة
أهداف السعودية المباشرة بواسطة حملتها العسكرية “عاصفة الحزم” ومن بعدها “إعادة الأمل” هي إعادة الشرعية لنظام عبد ربه منصور، ومنع سقوط كامل اليمن في أيدي الحوثيين، والعودة لبنود المبادرة الخليجية.رغم توتر العلاقات على طول تاريخ المملكة السعودية مع اليمن بداية من ظروف نشأة الجمهورية وحربها مع اليمن الجنوبي والموقف من حرب الخليج وبعض المشاكل الحدودية، إلا أن السعودية تعتبر اليمن دومًا امتدادًا طبيعيًا لها.فاستطاعت في حراك الثورات العربية أن تحتوي اليمن في مبادرة خليجية لتستيقظ بعد أعوام على نسف لبنودها مع تصاعد لنفوذ إيراني يتمدد ليفرض شعور الحصار ضرورة التحرك الحازم.ورغم تهاوي أسعار النفط لأقل من 30 دولارًا، تستمر المملكة بدعم المقاومة الشعبية بالضربات الجوية التي تستهدف القوة العسكرية للحوثيين عبر مقاتلاتها، حيث تملك السعودية وفقًا لجلوبال فاير باور ما يقرب من 390 طائرة مقاتلة. وبحريًّا، تمتلك السعودية حوالي 55 قطعة بحرية منها 7 فرقاطات، وتدعم قوات الشرعية بريًّا، وتشارك السعودية بلواء كامل في عدن.
3. أهداف مختلفة لدول التحالف العربي
تشارك قوات عشر دول في التحالف العربي ضد الحوثيين؛ هم مجلس التعاون الخليجي: الإمارات والبحرين وقطر والكويت عدا سلطنة عمان، ودول إسلامية كمصر والمغرب والسودان وباكستان.ويمكن إيجاز أهداف التحالف في محاولة الحفاظ على التوازن والأمن القومي العربي في منطقة الخليج بإيقاف التهديدات الإقليمية على المملكة السعودية، وعودة الشرعية في اليمن، وتأمين الملاحة في باب المندب.فرغم استقبال واعتراض السعودية المتكرر لصواريخ باليستية من قبل الحوثيين، نجحت قوات التحالف في القضاء على عدد كبير من الأسلحة الثقيلة كالدبابات والصواريخ وفي السيطرة على المجال الجوي اليمني.كما استطاعت قوات التحالف السيطرة على مضيق باب المندب وتأمين جزء كبير من الساحل اليمني عبر حصار بحري لمنع إيصال المساعدات والأسلحة للحوثيين، كما تتواجد قوة برية قوامها أربعة آلاف جندي من الإمارات والسعودية والبحرين والسودان يقومون بالقتال في الخطوط الأمامية وتدريب آلاف اليمنيين.
وتطل مأساة تعز حيث يشتد الحصار المضروب عليها من الحوثيين في ظل تململ من بعض قوات التحالف من سيطرة المقاومة الإسلامية على المدينة (التجمع اليمني للإصلاح)، ليطرح أسئلة حول تضارب أولويات الأسباب السياسية لبعض دول التحالف كالإمارات مع إرادة الحسم وتحقيق الانتصار.
وهنا يتبدى سؤال :كيف أثرت التدخلات الاقليمية في أوزان أطراف الصراع؟
1. أنصار الله: الضربات التي لا تقصم ظهرك
لم تكن تصريحات الرئيس اليمني هادي عام 2012 برفض التدخلات الإيرانية في بلاده الأولى، فقد سبقه سلفه/خصمه المخلوع علي عبد الله صالح بهذه الاتهامات وقت حربه ضد الحوثيين.
2. قوات المقاومة اليمنية: هل تقترب معركة تحرير صنعاء؟
تشكلت المقاومة اليمنية بعد دخول الحوثي صنعاء خريف 2014 وقويت شوكتها مع بدء عملية عاصفة الحزم مارس 2015.
وبدأت المقاومة فرديًّا وقبليًّا باتجاه تحرير المحافظات الشرقية والجنوبية، وتشكلت من ألوية الجيش المؤيدة لشرعية هادي وفصائل من المتطوعين القبليين والفصائل المسلحة ذات الولاءات الحزبية خاصة من الجنوب.
ورغم نقص الخبرة العسكرية للمقاومة في مقابل قوات مدربة لكنها بدأت في النضوج وتطوير تكتيكاتها لتنجج في تحرير محافظات بالكامل مثل عدن ولحج والضالع بدعم بحري وجوي من قوات التحالف.
وتتبدى أهم ملامح أثر التحالف العربي في تطوير قدرة قوات الشرعية عبر محاور الإمداد بالسلاح والذخيرة والمواد الغذائية وأجهزة اتصالات والغطاء الجوي وإضعاف قوة الحوثي وإدخال مدرعات وشحنات أسلحة ثقيلة وصواريخ لتدمير الدروع، كما أيضًا التدريب تحت إشراف قوات التحالف العربي سواء في اليمن أو خارجه، هذا بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية بالتزامن مع التحركات.
نهاية الصراع: بين مزاعم اقتراب الحسم وواقع الحرب الأهليةسجلت إحصاءات الأمم المتحدة الحالة المتردية لليمنيين، ليبلغ عدد القتلى ستة آلاف نصفهم من المدنيين، كما اتهمت هيومان رايتس واتش طرفي الصراع باستهداف المدنيين سواء باستخدام الطائرات العنقودية وبتلغيم الطرق عشوائيًّا؛ لينزح حوالي 1.4 مليون شخص من منازلهم ووصل الأمر ببعضهم للهروب بقوارب إلى جيبوتي والصومال.وبعد حوالي عام من المعارك الضارية لم يستطع طرف حسم المعركة بل ازدات الصراعات تعقيدًا وتحولت إلى حرب إقليمية أخرى مع سيناريوهات بانفصال بعض الأقاليم، ليلحق التدمير بنية تحتية ضعيفة أصلًا في ظل توسع للقاعدة وداعش مستفيدة من هذا الصخب، ليزداد التعقيد مع اقتران الفشل الدولي فى إقرار تسوية سياسية بمواصلة أقطاب المنطقة بتأسيس تحالفاتهم الإقليمية للصراع في جبهات جديدة.يبدو أن الصراع لن يحسم سريعًا وأنه سيظل رهن اتفاقات لأوسع، وأن الحلول السياسية المراعية لواقع النسيج الاجتماعي والساعي لبناء عملية سياسية تراجع المبادرات الهشة وتسعى لزيادة فرص الشعب اليمني الاقتصادية هي ما يمكن التعويل عليه. وقد يكون تحرك السعودية بتلبية مطلب قديم لانضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي كتدخل إيجابي أولى خطوات الخروج من دوامة الصراعات الداخلية اليائسة وشعور الشعب اليمني بإمكانية مستقبل جيد.