نمر من ورق: هل بالغنا في تقدير قوة الجيش الروسي؟
فور إعلان غزو روسيا لأوكرانيا حتى توقّع العالم أن تلتهم قوات بوتين جارتها الصفراء في ظرف ساعات، وهو ما لم يحدث رغم الحشود العسكرية الهائلة التي اقتحم بها الروس أوكرانيا، ورغم الضعف المتنامي في قدرات كييف العسكرية التي لا تجعلها ندًّا للجيش الروسي أبدًا، وفقًا لأي معادلة عسكرية منطقية.
فشل الروس في اقتحام العاصمة كييف، توقّفت قواتهم عن التمدّد في الفضاء الأوكراني مكتفية بما حققته من انتصارات في الشرق الأوكراني، فيما أبدت أوكرانيا روح مقاومة لم يتوقّعها أحد؛ عطّلت تقدُّم الروس، قتلت جنرالات الجيش الكبار وأغرقت بارجته البحرية الأهم، ودمّرت دباباته وطائراته الحصينة.
كيف جرى كل ذلك، هل بالغنا في تقدير حجم قوة الجيش الروسي الذي لم يُختبر- بشكلٍ جدّي- منذ عقود؟
هل كان قويًا أصلاً؟
اعتبر السير لورانس فريدمان الخبير العسكري البريطاني، أن الجيش الروسي ليس قويًا أصلاً، وأنه يمتلك تاريخًا طويلاً من «الخزي العسكري»، معتبرًا أنه تلقّى هزيمة مدوية أمام اليابان عام 1930م، وأن الانتصار الأبرز في تاريخ روسيا خلال الحرب العالمية الثانية لم يكن ليتحقق لولا دعم الحلفاء لهم ضد النازيين.
وبحسب فريدمان، فإن الروس لطالما وجدوا صعوبات في التعامل مع دول ضعيفة عسكريًّا مثل فنلندا وأفغانستان، كما لم يُختبر عسكريًا مؤخرًا إلا في سوريا حين واجه تنظيمات متطرفة هشّة أو أوكرانيا في عام 2014م حين كانت تفتقر إلى كافة مقومات الصمود العسكري.
ويكشف هذا التحقيق حجم الفساد الذي يغرق فيه الجيش الروسي والذي يتجلّى في عمليات سرقة منتظمة للأزياء العسكرية والوقود والمعدات، بل وقد تمتدُّ إلى الإخلال بعمليات تدريب الجنود في أوقات السِلم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هي فضيحة الفساد التي أطاحت بأناتولي سيرديوكوف، وزير الدفاع الروسي السابق، من منصبه في 2012م.
وهو ما دفع بعض الخبراء لاعتبار أن الفساد في الجيش الروسي هو الذي سينقذ أوكرانيا.
هذا التحليل قد يدقُّ ناقوس الخطر إلى أن السُمعة التي امتلكها الجيش الروسي، ربما هي أكثر مما ينبغي، وبسبب نجاح المؤسسات العسكرية الروسية في تصدير الأسلحة بكثافة للخارج، ما عضّد من سمعة موسكو كقوة عسكرية لا تُقهر، ولكن يبدو أن الأسلحة الحديثة لم تكن حاضرة في أوكرانيا لأسبابٍ سنشرحها لاحقًا.
سوء الجيش الروسي
لا يُمكن أبدًا التهوين من قُدرات جيش بحجم روسيا صُنِّف كثاني أقوى قوة عسكرية بالعالم، ورغم ذلك فإن تلك القوة لم تُظهر نجاحًا كبيرًا في تنفيذ عملياتها العسكرية حتى الآن، وذلك يرجع إلى أسبابٍ متباينة تبارَى المحللون العسكريون على توضيحها عبر مختلف المنصّات الإعلامية.
مشاكل كبيرة تتعلّق بضعف تدريب الجنود وعدم الاستعداد اللوجيستي واجهت الجيش الروسي بعد أيامٍ من اندلاع المعارك، وإضافة إلى ذلك فإن أيام القتال تلك أثببت مدى ضعف الاحتياطي العام الذي تمتلكه روسيا من المشاة المحترفين، ولهذا اعتمدت على تجنّيد أعدادٍ كبيرة من سكان الجمهوريات الانفصالية عن أوكرانيا مثل دونيتسك ولوهانسك، وهي قوات سيئة التدريب لا تمتلك أسلحة حديثة مثلما كشفت عنه بعض الفيديوهات التي أظهرتهم وهم يعتمرون خوذات صُنعت في الخمسينيات وبنادق حربية من طراز 1891م!
استعانة الروس بأسلحة قديمة تجلت في الفيديوهات التي أظهرت أرتال دبابات T-72 التي دخلت الخدمة لأول مرة عام 1971م، تحميها طائرات T-64 التي تعود إلى فترة السيتينات.
وعلاوة على ذلك، يضيف بيتر منصور الخبير العسكري في جامعة أوهايو الأمريكية، أن المخابرات العسكرية الروسية أثبتت فشلاً كبيرًا في تقدير قيمة خصمها، وهو ما أظهر «عجزًا مذهلاً» في أداء القوات العسكري، ويضيف: لو أثبتت هذه الحرب شيئًا فهي أن الجيش الروسي ليس قادرًا على خوض حربٍ شاملة.
بينما في هذا المقال اعتبر غاري أندرسون، الخبير العسكري الأمريكي أن الجيش الروسي ليس مؤهلاً لحروب المدن، مؤكدًا أن مثل هذه الأنواع من الحروب تستلزم من قادة الجيوش تدريب جنودهم بشكلٍ خاص ولفترة طويلة قد تصل إلى عامٍ كامل قبل دفعهم في المعارك، وهو ما لم يتم في الحرب الحالة، ما دفعه للتصريح بأن هذه المعركة «لن تحمل نهاية سعيدة لروسيا».
وهكذا تعانقت تلك المشاكل جميعًا لتظهر على أرضية الميدان، وتعثّر التقدم الروسي على أراضي أوكرانيا، ولكنها لم تكن السبب الوحيد لذلك، ففي المقابل أظهر الجانب الأوكراني جودة قتالية غير متوقّعة بالمرة زادت من مصاعب الروس في عملياتهم العسكرية.
مفاجآت الأوكرانيين
على الجانب الآخر، لم تكن المقاومة الأوكرانية بـ«الخفة» التي توقعها الروس والعالم من خلفهم، بعدما أثبتوا نجاعة كبيرة في استغلال نقاط ضعف العملية العسكرية الروسية، مثل المداهمات الناجحة لخطوط الإمداد الضعيفة، واستغلال الهجمات من دون طيار لتدمير الآليات الحربية الروسية.
ووفقًا لما كتب المحلل السياسي ماكس بوت في «واشنطن بوست»: بينما تُصبح روسيا أضعف تزداد أوكرانيا قوة، والآن بات لديها دبابات أكثر مما كانت تملكها في بداية الحرب، وأيضًا تملك مدفعية أفضل وأسلحة أكثر».
وفي مقاله استعرض بوت الخسائر الروسية في الحرب- وفقًا للتقديرات الأوكرانية- والتي بلغت 25 ألف جندي، وهو رقم قد يكون مبالغًا فيه بدرجة ما لكن الخسائر البشرية الحقيقية لن تبتعد عنه كثيرًا، وعلاوة على ذلك- وبحسب تقارير دولية- خسرت روسيا قرابة 3500 ألف مركبة عسكرية- منها 600 دبابة- و121 طائرة حربية و9 سفن حربية. فيما أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن الروس خسروا ثلث جيشهم في هذه المعارك، وهي خسائر لم تتكبّدها روسيا منذ الحرب العالمية الثانية.
ولا يُمكن قراءة هذا الأداء الأوكراني المتفوّق بمعزلٍ عن المساعدات الأوروبية والأمريكية التي تدفّقت على أوكرانيا فور وقوع الحرب، والتي تجلّت في تزويدها بمئات الملايين من الدولارات، وأطنان الأسلحة والذخائر وعلى رأسها صواريخ «جافلين» المضادة للدبابات و«سيتنجر» المضادة للطائرات، والتي يسّرت الأمور كثيرًا على الأوكرانيين، ومكّنتهم من إلحاق أفدح الخسائر بالروس في وقتٍ وجيز.