حاتم الجمسي: قصة طباخ كشف سقطات التليفزيون المصري
من زاوية صغيرة في المطعم المتواضع مزين الجدران بخرائط للعالم، يظهر للوهلة الأولى أن المتحدث من نيويورك عبر سكايب على الشاشات المصرية من السياسيين المخضرمين، ذو بدلة أنيقة وسماعات أذن، قبل أن تكتشف مهنته الحقيقية التي لم تظهرها كاميرات الفضائيات المصرية مطلقًا، إلا حين نشرت صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية في صفحتها الأولى التي حملت تحقيقًا مطولًا، أثار حالة من الجدل داخل الولايات المتحدة، وانتقلت القصة بسرعة الصاروخ إلى مصر، لتصبح بين ليلة وضحاها حديث الإعلام المصري.
اعتبرت الصحيفة الأمريكية الشهيرة ما نشرته في تقرير لها تحت عنوان «اترك ساندويتش البيض.. التلفزيون المصري يتصل»، عن حقيقة «حاتم الجمسي»، صاحب مطعم وبائع الساندوتشات الذي تستضيفه وسائل إعلام مصرية باعتباره محللًا سياسيًا متخصصًا في قضايا الولايات المتحدة والشرق الأوسط «فضيحة» بكل المقاييس.
يظهر المحلل المصري-الأمريكي عبر سكايب لمداخلة على الشاشات المختلفة، بعدما ينتهي البث يستبدل بالبدلة القفازات البلاستيكية وغطاء الرأس ومرويل المطبخ، ويفتح باب «المرحاض» المخصص للاستوديو المؤقت والملحق بالمتجر، ثم يعود إلى زبائنه في متجره الصغير ليسألهم «إن كانوا يريدون المزيد من الكاتشاب على ساندويتشات البيض التي طلبوها».
وتمكن «صانع الشطائر» من الاستحواذ على اهتمام قنوات تلفزيونية مصرية خاصة، مثل «سي بي سي» و«أون تي في»، وأخرى رسمية، مثل «النيل للأخبار»، لتقديم تحليلات بخصوص أبرز قضايا السياسة الأمريكية والشرق الأوسط وكوريا الشمالية.
إذ يمتلك «الجمسي» مطعم «لوتس دلي» في حي ريدجوود كوينز بولاية نيويورك، ويقدم الشطائر، وخاصة البيض منها والبيرة، ولكن لا أحد من مشاهديه في مصر يعرف أن الرجل الذي يطهو ويبيع الساندويتشات هو نفسه الذي يظهر على البرامج التلفزيونية المصرية الشهيرة، ليحلل الشأن السياسي الأمريكي.
البداية: «تغريدة» فجرت الأزمة
الصدفة هي ما أوقعت الشاب ابن محافظة المنوفية المهاجر وفضحت أمره، ليكون محط أنظار الصحف العالمية، وذلك حينما كتبت صحفية أمريكية بـ «ديلي بيست» عبر موقع التدوينات المصغر «تويتر»: «مصري يعيش في المنطقة التي أقطنها ويمتلك مشروعًا صغيرًا، وبجانب هذا يكتب في السياسة، وأنا سعيدة به»، الأمر الذي لفت انتباه الصحفية «سارة ماسلين مير» لتدعو طاقم عمل «نيويورك تايمز» لزيارة الجمسي في مطعمه من أجل أن يروي قصته كمهاجر من الشرق الأوسط أسس مشروعًا ناجحًا.
كان للجمسي العديد من الكتابات كهاوٍ، ولكن المقال الذي تنبّأ فيه بانتصار دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية لفت انتباه مُعد في قناة «النيل» الناطقة بالإنجليزية، كان يتطلع إلى إجراء مقابلة مع مصري-أمريكي؛ حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالفعل نجح في الوصول إلى الجمسي وأجرى معه مقابلة، كانت بداية ليستقبل هاتفه المزيد من طلبات القنوات المصرية.
وبذلك، انتقل «الجمسي» من الهواية للاحتراف، واستطاع أن يفرض نفسه على الساحة الإعلامية لمدة تقارب العام والنصف تقريبًا، كمحلل سياسي لكل الشئون الخارجية، بداية من الانتخابات الأمريكية الأخيرة بين دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الحالي وهيلاري كيلنتون وتحليله لموقف كلا المرشحين، نهاية بكل الأحداث المتعلقة بالشئون الخارجية.
«ابن القرية».. ضحك على الإعلام وأصبح نجمًا تليفزيونيًا
بدأت القصة، عندما قرر مدرس اللغة الإنجليزية، الذي يسكن في قرية بمركز قويسنا التابع لمحافظة المنوفية، الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1999، ثم توجه لدراسة اللغة الإنجليزية في جامعة «سانت جونز»، قبل أن يسكن في بروكلين، ويحصل على وظيفة في سوبر ماركت في مانهاتن.
عمل الجمسي (48 عاماً) الحاصل على ليسانس آداب لغة إنجليزية، في بعض شركات الترجمة المتخصصة في الإعلانات الأمريكية التي تبث في الشرق الأوسط، وتزوج من أمريكية مختصة بالعلاج النفسي، وأصبح أبا لابنين: فايزة وعمر، البالغين 12 و8 أعوام.
تطورت حياة الجمسي، حين أصبح يمتلك «مطعم مأكولات» منذ 4 سنوات بولاية نيويورك الأمريكية، ولكن ظل شغفه بمتابعة التحليلات السياسية العالمية والمحلية، وكتابة المقالات السياسية، وإرسالها إلى بعض الصحف ووسائل الإعلام المصرية، حتى دعاه بروفيسور يُدعى «أرى جولمان» لإلقاء محاضرة لطلاب كلية الإعلام بإحدى الجامعات الأمريكية.
ومن جانبه، أكد الجمسي أنه لم ينزعج من وصف البعض له بـ «الفطاطري»، مشيرًا إلى أن «المشكلة في فكر المصريين، حيث يسعى الشاب المصري للهجرة إلى البلدان الأوروبية لأنه يعمل في أي مجال دون الخجل من النظرة الدونية المجتمعية السائدة في المجتمع المصري».
ولفت في تصريحات تليفزيونية إلى أنه من دواعي فخره أن تنشر قصة صحفية عن حياته في صدر الصفحة الأولى من جريدة «النيويورك تايمز»، وقال إنه «نموذج مشرف لمواطني نيويورك المهاجرين الذين يؤمنون بأنه لا توجد حدود للطموح وتحقيق الأهداف في مدينتهم العريقة»، وعن الراغبين في رجمه بالحجارة أوضح: «وفروا حجارتكم وسهامكم لأن حاتم الجمسي لا يأبه ولا يكترث».
هل للهواة مكان في الإعلام؟
بعد تزايد زخم الأحداث في المجتمع المصري، ظهر على السطح أشخاص يسمون أنفسهم بالمحللين السياسيين، لكن يجهل المتابع في الغالب هويتهم أو طبيعة دراستهم؛ ولهذه المستجدات على الساحة الإعلامية ظهرت الحاجة لإنشاء المجلس الأعلى للإعلام، وكان هدف ذلك المجلس الحد من الفوضى المنتشرة في الإعلام المصري بشكل كبير، في ظل ارتفاع عدد الفضائيات المصرية، وكذلك برامج التوك شو.
ومع نشر تقرير نيويورك تايمز، أعرب بعض خبراء الإعلام عن اعتقادهم بأن تقمص دور محلل سياسي تمثل «سقطة إعلامية» تستجوب مساءلة منتجي الأخبار في هذه المحطات التلفزيونية؛ لكون مصداقية الوسيلة الإعلامية تأتي من مصداقية الضيوف الذين يظهرون عليها.
وما بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، تختلف الصورة الذهنية عن المهاجر المصري حاتم الجمسي، الذي بات بين يوم وليلة حديث الجميع ومحل جدل لا ينقطع، ما بين مهاجر مصري اخترع المعجزات، وبين «نصاب» باع الوهم بلسانه الطليق للفضائيات.
طال المهاجر المصري صاحب «مطعم السندوتشات» الكثير من موجات السخرية والاستهزاء، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المواقع الإخبارية، واستغرب البعض من كونه يعمل «طباخًا»، ويظهر على القنوات الإخبارية كمحلل سياسي، وهاجم البعض الآخر القنوات التي تستضيفه، واصفين ما يحدث بـ «خداع المشاهدين»، وغرّد أحدهم ساخرا: «حاتم الجمسي بياع سندويتشات وطباخ ومنوفي كمان، دة بقى المحلل السياسي لقنوات السيسي الرسمية، محلل بالمخلل»، وكتب آخر: «سحرة فرعون كلهم إعلاميون كاذبون».
الأمر الذي حدا بـ «الجمسي» للظهور على الشاشات مجددًا مدافعًا عن نفسه، قائلًا: « لا أزال أقوم بالتحليل السياسي بكل دقة من خلال متابعتي للشأن الأمريكي شاء من شاء وأبى من أبى»، متسائلًا: «لماذا يحجرون عليّ حرية الرأي وأنا متابع للشأن الأمريكي منذ 20 عامًا».
وفي جملة مقتضبة، أنهى «الجمسي» حالة الجدل حوله: