ميليشيا «هاشميون»: توطين النفوذ الإيراني في سوريا
مع تزايد التكلفة التي تتكبدها طهران من جراء تدخلها العسكري في سوريا، تسعى إلى غرس نفوذها في نسيج المجتمع المحلي لتوطين مشروعها بحيث يصبح عصيًا على محاولات إبعادها من البلاد وتصفية نفوذها، سواء من جانب الأعداء أو حتى الحلفاء الذين لا يريدون مقاسمة إيرانية في سوريا.
لذا، شرع الإيرانيون في العمل ضمن مشروعهم الخاص بعيدًا عن نظام بشار الأسد؛ كي لا يكون نفوذهم رهنًا بشخص الرئيس الذي لم يعد صاحب القرار في كثير من الملفات مع تعدد اللاعبين واختلاف مشاريعهم، كما أن تقارير مسربة تحدثت عن خلافات بين نظام الأسد وقائد فيلق القدس في سوريا، مصطفى جواد غفاري، الذي تمت إقالته مؤخرًا بعد اتساع الفجوة بينه وبين قادة النظام.
لكن على عكس لبنان واليمن والعراق، لم تجد طهران طائفة شيعية يُعتمد عليها في سوريا، مما جعل مهمتها أشق وبالتالي عملت على اختلاق تلك الطائفة التي لا غنى لها عنها لتنفيذ أطماعها وترسيخ أوتادها في الأرض السورية.
ميليشيا «هاشميون»
وقع الاختيار على صحراء الشرق لتكون منطلقًا لتنفيذ تلك الخطوة فجمعت قوات الحرس الثوري الإيراني عددًا من المواطنين في مدينتي البوكمال والميادين من أجل إنشاء ميليشيا جديدة، تحت ذريعة حماية المراقد الشيعية المقدسة، مثل قبة علي في السويعية بريف البوكمال، ونبع عين علي في مدينة القورية بريف الميادين، وهي مزارات دينية بُنيت حديثًا لإضفاء طابع مذهبي معين على المنطقة.
وركز المخطط الذي ينفذه مسؤول الأمن في الميادين، الحاج دهقان، تحت إشراف الحاج عسكر، القائد العام للحرس الثوري الإيراني هناك، على تجنيد أشخاص يعود نسبهم إلى آل البيت النبوي ليكونوا الكتلة الصلبة للطائفة المؤيدة لإيران في سوريا، وأطلق على الميليشيا الجديدة اسم «هاشميون» نسبة إلى هاشم بن عبد مناف جد الرسول صلى الله عليه وسلم، ووقع الاختيار على عشيرة المشاهدة لأنها تنتسب إلى شجرة السادة الأشراف، كما يُمنح من ينضم إليها وثيقة تقول إنه من نسل الهاشميين والبيت الحسيني بالذات، ومرتبًا شهريًا، وينضم أبناؤه من طلاب المدارس الإعدادية والثانوية إلى تشكيلات الأشبال التابعة لقوات الحرس الثوري، ومنح تعليمية للشباب في جامعات إيران أو معاهد دينية في مدينة قـُم المقدسة وفق المذهب الشيعي.
وتولى قيادة الميليشيا أحد رموز عشيرة المشاهدة، وهو أبو عيسى المشهداني، القيادي في الفوج 47 التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني في البوكمال، حيث اشتُهر في المنطقة بعمليات السلب والنهب وفرض الإتاوات ضمن القوات التي يُطلق عليها الأهالي مسمى «الشبيحة».
أنشأ المشهداني أول مقر له في شارع الانطلاق بمدينة البوكمال، وبدأ بضم العشرات من عشيرته وأبناء بلدة السكرية وعدد من سكان مدينة البوكمال وريفها، ونشط في جهود نشر التشيُّع في المنطقة.
ورغم حداثة تكوين الميليشيا إلا أنها واجهت انشقاقات بسبب تكليف أفرادها بمهام في مناطق معرضة للهجمات، مما أدى إلى فرار عدد من منتسبيها إلى مناطق سيطرة قوات قسد الكردية المدعومة أمريكيًا.
وشهدت السنوات الماضية تجارب لإنشاء ميليشيات من السوريين مثل «لواء الباقر» في حلب، لكنها كانت غير عقائدية بل انضم منتسبوها كمرتزقة بسبب الأوضاع المعيشية بالغة السوء، وكذلك تم بذل جهود عديدة لنشر التشيع في مناطق مختلفة، لكن التركيز اليوم على ربط الاثنين معًا لخلق بؤر تمركز للمشروع الإيراني في سوريا.
وعملت الميليشيات الأجنبية مثل «فاطميون» الأفغانية و«زينبيون» الباكستانية التي تم تدريبها على أيدي الضباط الإيرانيين، على تدريب ميليشيات من السوريين؛ فعلى سبيل المثال تولت زينبيون مسؤولية ميليشيا «القوة الجعفرية» التي يشكل «لواء السيدة رقية» عمودها الفقري فضمت شيعة محليين وأولتهم اهتمامًا كبيرًا.
وتم التركيز على ضم كل من ينتمي للمذهب الشيعي إلى وحدات عسكرية خاصة وتدريبها وتمويلها مثل كتيبة الفوعة من شيعة بلدة الفوعة، واللواء 313 في درعا بالجنوب، وكتيبة الزهراء من أبناء بلدة الزهراء شمال مدينة حلب، وكتيبة شهيد المِحْراب من أبناء بلدة نبّل شمال حلب، وكتيبة العباس من ريف إدلب، ومؤخرًا أنشأ الحرس الثوري «فوج الحاج قاسم سليماني»، في ريف حلب الشمالي من أبناء عشائر المنطقة، كالبقارة والبوسرايا والعكيدات، فتجربة إنشاء ميليشيات محلية من قلب النسيج المجتمعي ثبت أنها أجدى من جلب محاربين أجانب ليس لهم جذور في الأرض السورية.
إعادة بناء الهوية
وبالتوازي مع تلك الجهود، لم تتوقف عمليات تجنيس الشيعة الأجانب وتشجيعهم على إحضار عائلاتهم والاستقرار في سوريا باعتبار ذلك أحد أساليب إعادة بناء هوية سورية جديدة قوامها المذهب الشيعي، الذي يحصل من يعتنقه على مزايا كبيرة كمضاعفة راتبه أو شقق سكنية أو حتى تصريح أمني من المخابرات السورية للسفر إلى أي مكان في البلاد وهي مهمة أصعب من السفر إلى دول أجنبية.
وجهرت بعض العائلات بانتمائها الشيعي لأول مرة إذ لم يكن لهم أي حضور سابقًا، بل كانوا أحرص ما يكونون على التخفي والتغلغل في المجتمع المحلي، دون أن يعرف معظم الناس عقائدهم.
وأصبح للمناسبات والأعياد الشيعية حضور قوي في البلاد، فدمشق عاصمة الأمويين ألد أعداء المذهب الشيعي، أصبحت تتشح بالسواد في عاشوراء وترفرف رايات العزاء على أسواقها وحاراتها، وتنطلق مسيرات عاشوراء تُقام في شوارعها لا سيما حي السيدة زينب وبعض أحياء المدينة القديمة، بعد أن كانت هذه الذكرى يوم بهجة للدمشقيين يأكلون فيها حلوى العاشوراء السورية الشهيرة، ويصومون نهارها لأنه يوم نجاة سيدنا موسى عليه السلام من فرعون وجنوده.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن المواطنين السوريين تُوجه لهم دعوات لحضور دورات دينية لتعليم مبادئ المذهب الشيعي الإثناعشري، وفي نهاية الدورة يحصل كل من يجتازها على جوائز مالية كبيرة وسلال أطعمة مجانية له ولأسرته.