في عام 2011، أجرى «سيد لو»، الصحفي بجريدة الجارديان البريطانية،حوارًا مع الإسباني تشابي ألونسو، كانت إسبانيا حينها بطلة أوروبا والعالم، وكانوا يلعبون كرة غير تلك التي اخترعها الإنجليز وظلوا أوفياء لها. كأنهما عالمان مختلفان تمامًا، وبأناقة ألونسو المعهودة أشعرهم بأن ذلك العالم المليء بالكرات الطويلة، والكرة الثانية، ومهاجمي الـ «Target Man»، والعرقلة – في طريقه للزوال.

أنا لا أستطيع فهم كرة القدم بهذه المعايير. العرقلة حل أخير قد تلجأ إليه، لكنها لا تعبر أبدًا عن جودة اللاعب. هذا يصعب تغييره هنا لأنه أحد جذور ثقافة الإنجليز في كرة القدم، لكنني لا أفهمه.
تشافي ألونسو في حوار سابق.

هكذا عبر لاعب ليفربول السابق عن رأيه – الغريب نوعًا ما – في العرقلة. وبعد مرور عدة سنوات على هذا الحوار، بدأ الإنجليز يتركون عالمهم نحو عالم جديد، بدأوا يتساءلون فيه: هل بدأت تختفي العرقلة من ملاعبهم وأصبح البريميرليج ناعمًا؟ أم أن هنالك أمورًا أخرى لا نلاحظها؟

التفسير الأول: اسأل كيليني

في بداية هذا الموسم، تم طرح السؤال في أحد إستديوهات قناة «BT Sport»، وبدون استعراض أية أرقام كانت الإجابات غير مقنعة. بمجهود بسيط، تستطيع عزيزي القارئ استعراض عدد العرقلات المرتكبة في كل موسم من الموقع الرسمي للبريميرليج لهذا الموسم وسابقه حتى تصل لأول موسم بدأت فيه تلك الإحصائيات بالظهور. ستكتشف أن الأرقام لا تعبر أبدًا عن انخفاض واضح في استخدام الـ «Tackling» في الدوري الإنجليزي الممتاز، إذن لماذا السؤال من الأساس؟

لنفهم ذلك، يجب علينا العودة إلى تصريح مدافع نادي يوفنتوس «جورجيو كيليني»، والذي تحدث فيه عن تغير نوعية المدافعين. حيث رأى الدولي الإيطالي أن المدافعين مؤخرًا أصبحوا يجيدون التمرير والبناء من الخلف أكثر من إجادتهم للرقابة رجل لرجل، بسبب هوس الجميع بطريقة لعب بيب جوارديولا. وعليه فإن ذلك المدافع الذي يفضل دائمًا استخدام العرقلة والاندفاع البدني بدأ يتحول شيئًا فشيئًا بسبب مهامه الجديدة.

وفقًا لأرقام موقع الإحصائيات الشهير Opta، في موسم 2011/12 كان مدافعو الدوري الإنجليزي يساهمون بنسبة 17% من تمريرات فريقهم؛ أي بمعدل 30 تمريرة في المباراة. وأخذت تلك النسبة في الارتفاع بشكل طفيف حتى وصلت في موسم 2018/19 إلى 24%؛ أي بمعدل 40 تمريرة في المباراة. وعلى مستوى الستة الكبار فإن النسبة ارتفعت من 18% موسم 2011/12 «40 تمريرة في المباراة» إلى 25% في هذا الموسم؛ أي بمعدل 60 تمريرة. يبدو أن كيليني كان محقًَا، لكن هذه ليست الصورة كاملة.

معدل تمريرات مدافعي البريميرليج بداية من موسم 2011/12 حتى موسم 2018/19
معدل تمريرات مدافعي البريميرليج بداية من موسم 2011/12 حتى موسم 2018/19

التفسير الثاني: لا تكن مثل دي يونج

يعلق الحكم الإنجليزي السابق «بيتر والتون» على استخدام العرقلة قائلاً:

اعتقد أن على اللاعبين هذه الأيام أن يكونوا أكثر حرصًا مما كانوا في الماضي فيما يخص نتائج أفعالهم. (يقصد ارتكاب المخالفات).
الحكم الإنجليزي السابق «بيتر والتون»

شهد «والتون» بنفسه واحدة من أسوأ الإصابات التي شهدتها الملاعب الإنجليزية. عند إدارته لمباراة أرسنال وستوك سيتي في 2010، فحدثت إصابة «آرون رامسي» بكسر مضاعف في ساقه بعد تدخل عنيف من قبل اللاعب «رايان شاوكروس». وباستعراض قائمة طويلة من اللاعبين الذين لحقت بهم الإصابة جراء عرقلة عنيفة، فإن الحرص أصبح واجبًا خاصة مع توجُّه القوانين نحو المزيد من حماية اللاعبين.

ثم يأتي ذلك الهاجس الذي يطارد بعض اللاعبين، خشية اختصار مسيرتهم في بعض اللقطات العنيفة. ويعد الدولي الهولندي السابق «نايجل دي يونج» أحد هؤلاء. ففي حواره مع مجلة «fourfourtwo»، تم سؤاله عن شعوره حيال تلخيص أدائه في كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا في تلك الركلة التي وجهها لصدر «تشابي ألونسو» في المباراة النهائية التي جمعت منتخبي إسبانيا وهولندا.

ورغم تعبير لاعب مانشستر سيتي السابق عن عدم استيائه من ذلك، إلا أن الواقع ليس كذلك. فبمجرد ذكر اسمه، يتبادر إلى ذهنك تلك الإصابة التي تسبب بها لـ«حاتم بن عرفة» لاعب نيوكاسل السابق. وإذا واصلت البحث في اليوتيوب فإنك ستجد قائمة طويلة من ألعاب مشابهة، حاولت صحيفة الماركا الإسبانية اختصارها في 7 لقطات تحت عنوان «Nigel De Jong’s 7 worst tackles».

بالطبع لن يكون هناك شخص طبيعي مسرورًا بأن تكون تلك هي صورته في أذهان الجماهير بعد اعتزاله، خاصة مع الانتشار الواسع للسوشيال ميديا التي لا تترك شاردة إلا وسجلتها عبر فيديوهات تحقق ملايين المشاهدات.

ركلة دي يونج في صدر تشافي ألونسو بنهائي كأس العالم 2010
ركلة دي يونج في صدر تشافي ألونسو بنهائي كأس العالم 2010، والتي لم يتحصل بسببها على الكارت الأحمر
/ Youtube

التفسير الثالث: تكنيك جديد

لا أظن أن العرقلة ستختفي مع تطور أساليب اللعب، لكن الأمر دائمًا يتعلق بالقوة التي تنفذ بها العرقلة.
مدافع مانشستر يونايتد السابق ريو فيرديناند عن العرقلة.

هكذا يرى مدافع مانشستر يونايتد الأسبق «ريو فيرديناند» الأمر. فالمشكلة في القوة التي تُرتكب بها العرقلة، والقوة يتحكم بها التكنيك. في التكنيك المعتاد، تذهب القدم البعيدة إلى الكرة، بينما تكتفي القدم الأخرى بدور المساعد على الانزلاق. لكن ماذا لو ظهر تكنيك آخر أكثر حذرًا من هذا؟

نشر موقع «footballwhispers» تقريرًا يوضح تكنيكًا جديدًا في القيام بالعرقلة، حيث يذهب المدافع إلى الكرة بالقدم القريبة بدلاً من البعيدة. ويعد «جون ستونز» مدافع مانشستر سيتي هو أكثر لاعبي الدوري الإنجليزي الممتاز اعتمادًا على هذا التكنيك الجديد.

تكنيك العرقلة المعتاد يمينًا، والتكنيك الجديد يسارًا
تكنيك العرقلة المعتاد يمينًا، والتكنيك الجديد يسارًا

قد يبدو التكنيك الجديد أصعب في التنفيذ لكن مميزاته أكثر من نظيره المعتاد. ولتوضيح الفارق، استحضر التقرير تلك العرقلة التي نفذها «ريان بينيت» مدافع ولفرهامبتون ضد «ويلفريد زاها» جناح كريستال بالاس، وموقف آخر مشابه ل«جون ستونز» ضد «هيونج مين سون» جناح توتنهام.

استطاع «زاها» – كما توضح الصورة السابقة – بسرعة بديهته أن يدفع الكرة قليلاً والحصول على ضربة جزاء؛ ويرجع السبب إلى أن العرقلة المعتادة تتطلب وقتًا أطول، لأن مركز بدايتها أبعد. بينما على الجانب الآخر نجح «ستونز» في إبعاد الكرة رغم ذلك التكنيك الصعب، لكنه ينفذه عن قرب وفي وقت أقصر بكثير فيصبح أكثر فاعلية ويقلل من احتمالات حصول المنافس على ركلة جزاء.

في نهاية الأمر، كرة القدم هي لعبة التحامات «Contact Sports»، ولن تخلو أبدًا من العرقلة؛ لا مع تطور أساليب اللعب ولا مع ظهور «تكنيك – ستونز». فقط ما يأمله الجميع بتطور أساليب اللعبة هو عدم رؤية لاعبين مثل «دي يونج» مرة أخرى.