عقب الثورة الإسلامية في إيران، واجه النظام الإيراني الجديد آنذاك عقوبات وعزلة دولية، خاصة من قبل الولايات المتحدة. حاول النظام التغلب على الأمر في معظم المجالات. كانت القوة العسكرية أبرز هذه التحديات، فنظام الشاه رضا بهلوي، كان يعتمد في تسليح القوات الإيرانية على الولايات المتحدة وخاصة القوات الجوية.

حاول النظام الجديد معالجة الخلل. نجح بشكل كبير في بعض الفروع مثل منظومات الصواريخ بأنواعها المختلفة، وكذلك سلاح البحرية، مما منح طهران قدرة ردع قوية لبعض خصومها بجانب استغلالها كأداة تفاوض وحماية مصالحها ودعم نفوذها.

أما القوات الجوية، فظلت كما تركها الشاه، وظل قطاع الطيران بشقيه المدني والعسكري يعاني. ومع توقيع إيران الاتفاق النووي عام 2015. تمنت إيران أن تزال العقوبات المفروضة على قطاع الطيران وقطع غياره حتى المدني منه على الفور، إلا أن الأمر ظل معقداً، فتوقيع صفقات عسكرية ذات طابع هجومي مثل الطائرات المقاتلة يتطلب موافقة مجلس الأمن الدولي كما اشترط الاتفاق.

وفقًا لموقع «Global Fire Power»،تعتبر إيران القوة العسكرية رقم 13 على مستوى العالم لعام 2018، وتمتلك 150 طائرة مقاتلة، و158 طائرة هجومية، و192 طائرة نقل، و12 طائرة هليكوبتر هجومية، ومعظمها أمريكية الصنع تعود لحكم الشاه، وجزء آخر من الحقبة السوفيتية. ورغم علاقة إيران الجيدة بروسيا، فإنها لم تحصل حتى الآن على صفقات متقدمة، رغم الاتفاق على صفقة مقاتلات طراز «سوخوي سو-30»، منذ عام 2016 إلا أنها لم تتسلمها إلى الآن.

أيقنت إيران أنه لن يسمح لها بامتلاك السلاح ذي الطبيعة الهجومية حتى من حليفتها روسيا، لتلجأ إلى محاولات استنساخ وتطوير الترسانة الجوية البالية. من بين هذه المشاريع، طائرة «كوثر» التي اختبرتها وزارة الدفاع أواخر أغسطس/آب الماضي، وقالت إنها محلية الصنع بالكامل ومتوافقة مع الجيل الرابع، وبعد تجربتها بأيام، تم الكشف عن مقتل طيار إيراني قيل إنه كان يقود المقاتلة الجديدة التي تباهى بها روحاني خلال حضوره حفل الاختبار.

https://www.youtube.com/watch?time_continue=167&v=6u2-FItqkbQ

سرعان ما تعرضت المقاتلة لانتقادات حادة واتهامات بسرقة التصميم، فالخارجية الأمريكية، قالت إنها تشبه إلى حد كبير مقاتلة أنتجتها الولايات المتحدة قبل عقود ولدى إيران أسطول قديم منها، وهي طائرات «إف-5 إف تايغ»، المصنوعة منذ ما يقرب من 42 عامًا، بل شككت مواقع عسكرية في إدخال طهران حتى مجرد تحسينات متطورة على الطائرة الأمريكية، معتبرة أن التجربة وهمية كتجربة مقاتلة «قاهر».

وسبق مشروع «كوثر»، مقاتلة «قاهر» التي أعلن عنها الرئيس السابق أحمدي نجاد، ووصفها وقتها بأنها مقاتلة شبحية من الجيل الخامس، وستتفوق على مقاتلات «إف 22» و«إف 35» الأمريكيتين. استمرت طهران في الإعلان كل عام عن قرب اختبارها لتكون ردعًا للأعداء.

لكن وزارة الدفاع الإيرانية خرجت في يناير/كانون الثاني 2018، معلنة وصولها إلى مرحلة اختبار تسمى «Fast Taxi»، استعدادًا للطيران والتحليق،لكن الطائرة ستستخدم كطائرة تدريبية تتمتع بإمكانية الدعم القريب للقوات البريّة، وليس مقاتلة شبحية كما روج النظام، وحتى الآن لم تدخل الخدمة فعليًا من الأساس.

وقبل أن تحصل طهران على صفقات عسكرية جديدة أو حتى تنفذ أي اتفاقيات استراتيجية أخرى سواء اقتصادية أو عسكرية، أعلن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، في مايو/آيار 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، ومهددا أي دولة أو كيان يدعم إيران. خاف الجميع بما فيها شركات أوروبية، من الرجل المتهور.

انسحب كثيرون من تلقاء أنفسهم رغم تطمينات الاتحاد الأوروبي، وكان قطاع الطيران المدني الأكثر تضررًا، فقد سحبت وزارة الخزانة الأمريكية الترخيص الممنوح لشركتي بوينج وإيرباص، لتصدير طائرات مدنية وقطع غيار لطهران تتجاوز قيمتها 40 مليار دولار، فترامب يصر على حرمان النظام من هذا السلاح الاستراتيجي.


لماذا فشل النظام الإيراني في تطوير القوات الجوية؟

فشلت إيران على مدى ما يقرب من 40 عامًا في النهوض بالقوات الجوية، وذلك لعدة أسباب، أهمها العقوبات الدولية، فالولايات المتحدة تمتلك أقوى سلاح جو على مستوى العالم من الناحية العسكرية، وتسيطر على جزء كبير من صناعة الطائرات حول العالم، ولا يمكن لمعظم الشركات تصدير طائرات دون موافقة واشنطن لأنها سوف تتعرض للعقوبات الأمريكية، بالتالي لن تغامر بعلاقتها واستثماراتها لصالح إيران، وهو ما أضعف قطاع الطيران بشقيه العسكري والمدني في إيران، التي تنفست الصعداء وعلقت آمالا على تطويره بعد الاتفاق النووي، لكن ترامب قضى على الحلم في مهده.

ومن ضمن الأسباب أضعفت سلاح الجو الإيراني، عدم وجود حلفاء أقوياء لها في المجال، ففي قطاع الصواريخ بأنواعها المختلفة (باليستية، كروز، دفاع جوي) والطاقة النووية،تعاونت مع كوريا الشمالية التي تمتلك بالفعل منظومة قوية من الصواريخ سواء الباليستية أو الكروز، منحتها قدراً كبيراً من الردع في مواجهة خصومها، وهو ما لم يتوفر في قطاع الطيران.

وبخلاف ذلك استهدفت إيران سلاح الطيران الذي كان ولاؤه كثيراً للشاه بخلاف أن الولايات المتحدة كانت تشرف على هذا السلاح، وهو ما جعل نظام الثورة يستهدف الطيّارين، ويعزل كثيرًا منهم عن العمل العسكري أو حتى السياسي.

ومع فشل إيران في إيجاد شريك قوي، يمكن من خلاله تطوير القوات الجوية مثل المنظومات الصاروخية والبحرية، أخفقت أيضاً الحكومات الإيرانية في استيراد طائرات متقدمة حتى من حلفائها، ولا يوجد هنا سوى روسيا التي تمتلك ثاني أقوى سلاح جوي على مستوى العالم بعد واشنطن، أما باقي الدول المتقدمة في صناعة الطيران ومعظمها حليف لواشنطن، لا يقدر على عقد صفقات معها من هذا النوع. فحتى موسكو لا تقدر على خسارة شراكتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي تتخوف من امتلاك إيران لمنظومة جوية متقدمة.

يضاف إلى لذلك العقوبات الدولية التي منعت إيران من تطوير قواتها الجوية، التي تتميز بتقنيات متقدمة، حتى الاتفاق النووي اشترط موافقة مجلس الأمن على أي صفقات عسكرية ذات طبيعة هجومية تعقدها إيران مع دولة أجنبية، وقبل الوصول للاتفاق فرضت عقوبات قاسية على قطع غيار الطيران حتى المدني، لأن هناك تخوفات دولية من استخدام ذلك لأغراض عسكرية سواء لتطوير منظومات الصواريخ أو سلاح الجو.


الدفاع الجوي: البديل الرادع

أدركت إيران حاجتها إلى أداة ردع تمكّنها من مواجهة خصومها وحماية ذاتها، وتكشّف الأمر سريعًا مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 وحتى عام 1988، فالجيش العراقي كان متفوقًا في سلاح الجو مقارنة بنظيره الإيراني، بسبب افتقار الأخير إلى قطع الغيار والصيانة اللازمة المطلوبة من الولايات المتحدة. اتجهت إيران إثر ذلك إلى الاعتماد على سلاح الصواريخ حتى وإن كانت بدائية، لتحقيق قدر من التوازن والصمود أمام الآلة العراقية، فاستوردت السلاح من سوريا والصين وروسيا وغيرها.

بعد انتهاء الحرب، أدركت طهران ضرورة امتلاك أداة عسكرية ليس للدفاع فقط وإنما تعمل كأداة ردع، من هنا جاء الاهتمام بالمنظومة الصاروخية، فلم تعتمد على الاستيراد وإنما التصنيع، فعملت على تطوير منظومات سوفيتية عتيقة مثل «سكود» التي طورت منها سلسلة صواريخ «شهاب» (1 و2و3و4و5و6) التي يصل مداها إلى 2000 كم، وهو ما يهدد أهم خصومها بمنطقة الشرق الأوسط.

اقرأ أيضا:بيدك تفرض إرادتك: قصة البرنامج الصاروخي الروسي

نتيجة للتقدم المتزايد للمنظومة الصاروخية الإيرانية، طالب ترامب مراراً بوقف الاختبارات والأبحاث عليها، وهو ما رفضه النظام الإيراني، ويعلم أن ثمن رفضه إلغاء الاتفاق النووي، لكنه أصر على التمسك به فهو الورقة الرابحة في أي صراع مقبل.

يمكن القول إن إيران لا تمتلك سلاح جو قوياً سواء من ناحية المعدات العسكرية، أو من ناحية الخبرات البشرية سواء الطيارون أو الفنيون القادرون على تطوير القطاع مثلما جرى مع المنظومات الصاروخية، ومستقبلاً لا يمكنها التعويل على الاستيراد حتى من قبل حلفائها، إلا أن هذا لم يجعل سماءها مستباحة لخصومها، التي تتكفل الآن بحمايتها، لكن هذا يجعلها في وضع دفاعي وليس هجومياً قادراً على إحداث خسائر سريعة وواسعة النطاق مثلما تفعل القوات الجوية.