هل أصبح «هاري كين» أفضل مهاجمي العالم؟ الأرقام تجيب
كانت الابتسامة تعلو وجه أسطورة إنجلترا «ألان شيرار» أثناء حديثه عن إمكانية تحطيم مهاجم السبيرز «هاري كين» لرقمه التاريخي الذي يحتفظ به كأكثر المهاجمين تسجيلًا بالمبريرليج بواقع 260 هدفًا.
«نعم رقم هاري مازال 82 هدفًا، لكن أمامه عشر سنوات أظنه سيحطم رقمي أثناءهم» يستكمل «شيرار» بعد تسجيل «كين» هدفين بمبارة فريقه الأخيرة مع ويستهام ليكون بذلك أسرع من وصل لـ82 هدفًا فقط في 122 مباراة، أسرع من «روني، نيستلروي، أجويرو» بل وأسرع من أسطورة نيوكاسل نفسه!
«شيرار» أضاف للقصيدة بيتًا عندما سُئِل عما يفتقده ابن جلدته ليجيب بأنه لا يعرف ميزة رئيسية للمهاجم لا يجيدها «هاري»، فصاحب الـ24 عامًا يستطيع التهديف بأي وضعية مستغلًا إمكانياته الفنية والبدنية. وكأن «شيرار» يقرأ الطالع؛ فبعد أيام بسيطة من تلك التصريحات كان «هاري» يقود توتنهام لمواجهة سهلة أمام النادي القبرصي أبويل بالجولة الثانية من دور المجموعات، المواجهة التي سجل خلالها أول هاتريك أوربي بتاريخه والتاسع بتاريخ ناديه عززت شعورًا أن السبيرز يمتلك حاليًا أكثر مهاجمي العالم جاهزية أمام المرمي، فقط كل ما يحتاجه التوزيع السليم الذي يتكفل به «إريكسون، ألي، ديمبيلي» وسيتحول هو لكابوس أي حارس مرمي!
واليوم لا ينفك الإعلام الإنجليزي تحليل أداء اللاعب الذي بات يمثل أمل بلادهم بمونديال 2018 خصوصًا بعد ظهور اسمه بالقائمة التي أعدتها الفيفا للوصول لأفضل تشكيل بالعالم وشملت 55 لاعبًا ثم عرضتها علي أكثر من 25 ألف لاعب وخبير حول 75 دولة، «هاري» كان الإنجليزي الوحيد بين قائمة «رونالدو، ميسي، نيمار، بونوتشي»!
مع الأرجنتيني
امتلك «هاري» كل الأسباب التي مكنته من اكتساب ثقة مدربه، لكن أهمها هو ذلك الذي يذكرنا به «بوكتينيو» عن مدى ملاءمة «كين» لأسلوب لعبه، فالمدرب الذي يقوم بعمل رائع مع الفريق اللندني عبر المواسم الثلاث المنقضية قادر على حجز مركز متقدم شبه دائم بجدول الترتيب يعتمد أسلوب لعب هجومي يقوم على الاستحواذ والجماعية، الأمر الذي يدفع كثيرا من الخصوم لمحاولة التضييق على مفاتيح اللعب وسد الثغرات وفي مقدمتها بالتأكيد حصار “كين”.
وهنا يبرز التحدي الذي اجتازه المهاجم منذ أن اعتمد عليه مدربه الأرجنتيني مفضلًا إياه على أسماء أكثر خبرة، فعلى مدار موسمين كان «هاري» أحد أهم العوامل لتفوق فريق «بوكتينيو» على أرض الملعب وتوفير الأفضلية الفنية التي تمكنت كثيرًا من اختراق دفاعات الخصوم وتدمير حصونهم، بل إنه تفرد بقدرته على تهديد تلك الدفاعات أكثر من أي مهاجم آخر بالبريميرليج فائزًا بلقب الهداف والحذاء الذهبي للبطولة خلال الموسمين!
لجأ «بوكتينيو» لرسم تكتيكي متنوع خلال مبارياته بين 1/3/2/4 و1/2/4/3 و3/4/3 يقوم على التجانس الاستثنائي بين خطوط فريقه خصوصًا بعملية تسليم واستلام الكرة فنادرًا ما يحدث خطأ يتسبب بكسر نسق الفريق أثناء الخروج بالكرة من مناطقه أو تهديد مرمى الخصم. هذا التجانس يظهر بشكل أوضح داخل الخط الواحد، فالثلاثي «هاري، ألي، إريكسون» يظهرون بشكل ما يوحي للمشاهد أنهم أفنوا سنوات عديدة باللعب سويًا، «إريكسون» يتولى مهمة صناعة اللعب من العمق بالاستلام في نصف الملعب الهجومي والتوزيع للثنائي الذي يتمركز ويتحرك بعرض الملعب «هاري، ألي»!
لكن ذلك لا يعني أن «كين» يقف منتظرًا الكرة بالثلث الأخير من الملعب، على العكس تمامًا فإن «هاري» أحد أفضل مهاجمي البريمرليج قدرة على صناعة المساحة، يبدأ الأمر عادة وقت تضييق الخصوم علي «إريكسون أو ديمبيلي»، عندها يبدأ «كين» بالنزول لعمق الملعب للاستلام فيما يرافقه المدافع المسّاك لتتشكل من خلفه مساحة يتمكن خلالها أي من زملائه بالانطلاق الطولي، الأمر الأهم الذي يساعد «كين» للقيام بتلك المهمة هي قدرته على استلام وترويض الكرة تحت ضغط بل وتوزيعها بشكل سريع على أطراف الملعب وللمنطلقين لصناعة خطورة على الخصم.
والحق أن الأمر لا يتوقف علي خلق المساحة وسحب المدافعين من منطقة الجزاء، بل إن «هاري» يجيد أيضًا صناعة الفرص والأهداف وبصور متنوعة، فقد شهد الموسم الماضي اختراق «كين» لطرفي الملعب وإرسال عرضيات مؤثرة استفاد منها «سون أو ألي»، الأمر الآخر الجدير بالذكر هي بينيات «كين» التي شكلت خطورة على أكثر من فريق خصوصًا تلك التي تميل للتكتل بمنطقة جزائها،موقع «squawka» يخبرنا أن «كين» خلق 41 فرصة لزملائه خلال الموسم الماضي أكثر من «أجويرو، لوكاكو» ومتساويًا مع «دييجو كوستا»، يساعد «كين» بأمر صناعة الفرص حساسيته الرائعة بالكرة وتمركزه الجيد لجانب سرعته المقبولة ذلك لأنه سبق أن لعب كوسط ملعب مهاجم بأكاديميات توتنهام وواتفورد.
«بوكتينيو» يعتمد الضغط العكسي ولكن ليس بالصورة الهيستيرية التي يقدمها «كلوب أو جوارديولا» لذلك هو لا يطلب من مهاجميه الإنقضاض بشكل مندفع لضرورة إستخلاص الكرة من مدافعي الخصوم لكن فقط الضغط حتى لا يتمكن الخصم من بناء الهجمة بشكل سليم واللجوء للكرة الطويلة أو التشتيت على الأطراف، ذلك لأن جميع لاعبيه بخط الوسط والدفاع يجيدون الألعاب الهوائية ومن ثم الحصول على الكرة مرة أخرى!
والخلاصة أن الأرجنتيني قدم أفضل نسخة ممكنة من «هاري» حتي الآن، مستفيدًا إلى أقصي حد من توظيفه بأسلوب لعبه القائم على تجانس الخطوط، أضِف لذلك العمل الفني التطور بالمردود البدني الذي عليه “كين” الآن، فقد بات أحد أصعب مهاجمي البرميرليج في مواجهة المدافعين بالكرات الهوائية أو المشتتة، لكن «بوكتينيو» يراهن دومًا على «هاري» لسبب أبسط من ذلك كله، وهو أنه صاحب اللمسة الأخيرة المسئول عن تتويج كل مجهودات الأرجنتيني الرائعة مع الفريق.
علي اليمين بوكيتينيو مدرب توتنهام رفقة مهاجمه كين.
عامل الحسم
بنظرة سريعة على الجدول الختامي للموسم المنصرم من الدوري الإنجليزي، ستفاجأ أن توتنهام هو أكثر الفرق تسجيلًا للأهداف وصاحب المرمى الأقل تلقيًا للأهداف، لكن الملاحظة الأهم التي تعكس مدى تأثير «هاري» بمشروع توتنهام أنه وحده سجل أكثر من ثُلث أهداف الفريق!
بالطبع «بوكتينيو» يقصد ما يقول بشأن «كين»، فالمنطقي أن الأرجنتيني كان يحتاج لمهاجم بتلك الصفات أمام المرمى لترجمة كل هذا العمل الملفت الذي قام علي إنشائه بخطوط فريقه، بل لا يُتصور أن يطلب المزيد من مهاجمه الذي سجل 29 هدفا بـ30 ظهور بالدوري أي بمعدل يقترب من الهدف خلال كل مباراة.
الملحوظ هو إتقانه لتلك الطرق التي يسجل من خلالها، فــ«هاري» مثلًا متمكن من العرضيات سواء الهوائية أو الأرضية، فمثلًا يمتلك الإنجليزي أفضلية دومًا بالكرات العرضية من الجانبين على المدافعين، فسواء كانت العرضية أرضية أو هوائية، مراقبًا أو يمتلك المساحة، نجح كثيرًا «كين» بالخطف والتسديد والتمركز بالشكل الذي يمنحه أفضل وضعية ممكنة لاستقبال الكرة.
الأمر الذي يجعل منه مهاجمًا مزعجًا لحراس المرمى هو كونه لاعبا مبادرا وشجاعا يطلب الكرة ويكتسب ثقة زملائه بالتمرير طالما يطلب منهم، بالإضافة لكونه لاعبا متحركا لا يواجه مشكلة بالتسديد من الزواية الحادة هو فقط مشغول بأقل حيز من المساحة التي تمكنه من توجيه الكرة، هل تذكر هدفه الأشهر بتشيلسي في كأس الإتحاد الإنجليزي؟!
https://www.youtube.com/watch?v=IJPhDM_nf9g
«كين» مهاجم يجيد كسر خطوط التسلل، ذلك لأنه لا يتمركز منعزلًا عن فريقه ويمتلك سرعة وقوة تؤهلانه للدخول بسباق مع المدافعين، بالطبع «هاري» مراوغ رائع لكن الجدير بالذكر أنه ليس من تلك النوعية التي تلجأ للمراوغة بلا فائدة بل هو لاعب تعرف قدماه طريق المرمى.
هناك بعض المهاجمين يجيدون فقط التسجيل من داخل منطقة الجزاء، «هاري» ليس واحدًا منهم لأنه يحسن التسديد من مسافات بعيدة خصوصًا من يسار الملعب بقدمه اليمنى، يقول موقع «Outsideoftheboot» إن متوسط تسديدات «كين» بالمباراة الواحدة هو أربع تسديدات، منهم بالفعل من أصاب المرمى من مسافة تبعد عن منطقة الجزاء.
صحيح أن «هاري» يستخدم قدمه اليمنى، لكن ذلك لم يمنعه أبدًا من التهديف بقدمه اليسرى بواقع 7 أهداف لمهاجم توتنهام.
وبذكر فريقه، فإن حارس وقائد توتنهام «هوجو لوريس» خرج بتصريح دقيق جدًا فيما يخص حالة «كين» داخل مشروع الفريق الأبيض، حين قال «كين هو ميسي أو رونالدو داخل توتنهام»، أراد «لوريس» أن يخبرنا بأن صاحب القميص رقم 10 هو عامل الحسم الذي يرجح كفّة السبيرز والقادر على قيادة زملائه لترجمه مجهوداتهم ليس لأهداف فقط ولكن لبطولات، صحيح أن «بوكتينيو» قدم لنا نموذجًا يستحق التقدير على المستوى الفني بالملعب مستعينًا بلاعبين شاهدنا نحن حجم التطور بمستواهم كـ«ألديرفيلد، فيرتوجين، واكر، وانياما، داير، إريكسون، ألي» لكن يبقي «هاري» هو أكثر المعبرين عن شخصية توتنهام الجديد؛ الموهبة والقوة والجاذبية إلى جانب كثير من الأهداف.
الأفضل بالعالم ؟
بالعودة للسؤال بعنوان المقال، فإن أرقام الإنجليزي التهديفية وإحصائياته بالمباريات تجيب بأنه بات ضيفًا شبه دائم بقائمة تشمل «ليفاندوفسكي، سواريز، أوباميانج، أجويرو» لكن أعضاء تلك القائمة يتفقون علي “هاري” بشيء واحد فقط، جميعهم يمتلكون أكثر من صورة رفقة بطولات جماعية وليس جوائز فردية!
«بوكتينيو» نفسه يرى أن «كين» بات من أفضل مهاجمي العالم، لكن لا يزال ينتظره بعض الأعمال لينهيها، بالتأكيد يقصد تحقيق البطولات خلال هذا الموسم الذي يفترض أن يظهر خلاله السبيرز بشكل أكثر نضجًا وتفاديًا لخسارة النقاط بالدوري وشخصية أقدر في دوري الأبطال.
«هاري» أمامه موسم في غاية الأهمية، فبعيدًا عن الخبرة التي اكتسبها وأسلوب اللعب الذي تمرس عليه عبر المواسم المنقضية إلا أن أهمية ذلك الموسم تنبع من حالة توتنهام التي تحتاج لتخطي حاجز الحصان الأسود صاحب الأداء الفني الممتع واللاعبين الموهوبين للتتويج بالبطولات، المعضلة تمكن في قدرته على مقارعة الإمكانيات الضخمة التي تقع تحت يد الثنائي «مورينهو، جوارديولا» اللذين استعادا كثيرًا من اتزانهما خلال هذا الموسم بالتوازي مع استمرار تشيلسي كمنافس دائم على الألقاب مع «كونتي».
حالة منتخب إنجلترا هي الأخرى بأشد احتياج لتألق «هاري» لتجاوز الخيبات المتتالية عبر البطولات الماضية، ذلك أن «هاري» سيكون ورقة الإنجليز الأولى بالمونديال متحملًا عبء قيادة بلاده للعبور لأدوار متقدمة التي غابوا عنها كثيرًا ومناطحة الكبار.
هذا الموسم سيحسم الإجابة على السؤال الوارد بعنوان المقال خصوصًا إذا تمكن من الفوز بالبطولات، غير أن «هاري» فعليًا من أفضل مهاجمي العالم وينتظره مستقبل كبير إذا حافظ على هذا النسق والرتم!