التحرش ودوائر الجحيم: القاهرة ليست وحدها
تلك كانت نتائج لعدد من الدراسات التي أُجريت حول العالم فيما يتعلق بحوادث التحرش الجنسي، وهي نتائج مُرعبة، حاولت العديد من الجهات داخل هذه الدول التشكيك بها، وكذلك الطعن في معايير إتمام هذه الدراسات.
لم تنكر هذه الجهات وجود الظاهرة من الأساس، ولكنها ترى أن مثل هذه الإحصاءات ليست إلا من قبيل المبالغة. فهل يموج العالم فعلاً في دوائر متوارية من جحيم التحرش الجنسي، أم أن هذه الدراسات تحاول المبالغة أملاً في منح قضايا التحرش المزيد من الاهتمام العالمي؟.
رويترز تُفاجئ القاهرة
أجرت مؤسسة «تومسون رويترز» لقضايا المرأة دراسة استقصائية في 19 مدينة ضخمة على مستوى العالم، كمؤشر عن معدلات العنف الجنسي والممارسات الثقافية الضارة التي تعانيها النساء في تلك المدن، وعن مدى إمكانية حصولهن على الرعاية الصحية الجيدة والتمويل والتعليم. وقد قام بالدراسة 15 خبيرًا في قضايا المرأة من مختلف الدول.
وجاءت نتائجها بأن القاهرة -أكثر المدن العربية اكتظاظًا بالسكان- أسوأ دول العالم من حيث التحرش الجنسي بالنساء، تلتها كلٌ من كراتشي في باكستان، وكينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ثم العاصمة الهندية نيو دلهي، بينما تصدرت لندن أكثر الدول تصالحاً مع المرأة تلتها طوكيو ثم باريس.
وركزت الدراسة على الممارسات الاجتماعية والاقتصادية ومدى حصول النساء على الرعاية الصحية، فاحتلت مصر مركز أسوأ مدينة من حيث الممارسات الاجتماعية وذلك بناء على ارتفاع نسبة الختان للإناث، والزواج المبكر أو القسري لهن. أما بالنسبة للفرص الاقتصادية المتاحة أمام النساء فجاءت مصر محتلة للمركز الثاني من القائمة. بينما احتلت ثالث أسوء مرتبة بالنسبة للحصول على الرعاية الصحية وذلك وفقًا لنسب الوفيات للأمهات ومتابعة صحتهن الإنجابية.
جدل عام
أحدثت النتائج جدلاً واسعًا بين هيئات مختصة بحقوق المرأة وبين ناشطي المجتمع المدني. ولقي انتقادًا من جهات حكومية وبعض العاملين في المجتمع المصري، حيث إنهم رأوا أن التقرير ركز على قضية التحرش فقط بغض النظر عن معايير أُخرى شملها التقرير.
فرفض المجلس القومي ما جاء في الدراسة التي أصدرتها رويترز حول أوضاع النساء في العالم. فانتقدت «مايا مرسي»، رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، المنهج الذي اتبعته مؤسسة تومسون رويترز في تقريرها، وأكدت أنه مثل كل دول العالم لا ننكر أن هناك حالات تحرش وعنف في مصر، ولكن لا يمكن وصم عاصمة بأنها الأسوأ فقط بناءً على رأي 15 خبيرًا.
وأشارت أيضًا إلى أن وزارة الداخلية لديها وحدات لحماية المرأة من التحرش في الشوارع، وأنه تم تغليظ عقوبة ختان الإناث في الآونة الأخيرة، بجانب العقوبات المفروضة على المتحرشين. كما أن البرلمان المصري يناقش حاليًا مشروع قانون لحماية المرأة من العنف وذلك ضمن إستراتيجية عام 2030.
بينما رفضت «عزه كامل» منسقة مبادرة «شفت تحرش» ما جاء في التقرير. وألمحت أن معظم المبادرات لم يعد بإمكانها النزول إلى الشوارع لرصد حالات التحرش وذلك لتعذر الحصول على تصاريح اللازمة من وزارة الداخلية.
الأمر الذي أقره «فتحي فريد» المنسق العام لمبادرة «أمان لمجابهة العنف ضد المرأة»، حيث ذكر أن تصاريح العمل الميداني رُفض منحها للجمعيات، وبقي المتطوعون ينزلون الشوارع على مسئوليتهم الشخصية لحماية النساء في المناسبات العامة. كما أن إحدى الجمعيات أصدرت تقريرًا عام 2015 بشأن تورط عناصر الشرطة في وقائع ضد المرأة، واعتبر أن الحكومة المصرية مشاركةً في جريمة التحرش.
وأعربت «أميمة أبو بكر»، المؤسس المشارك لمؤسسة المرأة والذاكرة، في القاهرة، أن مصر ما زالت تُعتبر دولة محافظة، ومن الصعب اتخاذ أي خطوات تقدمية جذرية في مجال المرأة وقوانينها.
من الفردية إلى المجال العام
بدأ المجتمع المصري في الحديث عن ظاهرة التحرش باعتبارها ظاهرة مجتمعية بداية من عام 2006، حينما تعرض عدد من الفتيات والنساء للتحرش الجماعي من قبل عدد من الرجال أثناء عطلة العيد في وسط القاهرة؛ الأمر الذي سكتت عنه الصحف الرسمية وتناقله بعض المدونين على شبكة الإنترنت.
وفي أعقاب ثورة يناير/كانون الثاني عام 2011 شكّل متطوعون مجموعات شبابية لحماية النساء من هجمات التحرش الجماعي، إلى جانب رسم لوحات غرافيتي على جدران وسط القاهرة داعية لمكافحة التحرش.
وفي فبراير/شباط 2013 قادت مئات السيدات مسيرات في الشارع رافعةً السكاكين كرمزية للاحتجاج على ما تعرضن له من العنف الجنسي أثناء المظاهرات المعارضة للرئيس السابق «محمد مرسي».
وقد خرجت دراسة في ذلك الحين من الأمم المتحدة تفيد بأن 99.3% من المصريات تعرضن لنوع من أنواع التحرش، فيما قالت 82.6% منهن أنهن لا يشعرن بالأمان في الشارع.
وفي يونيو/حزيران 2014 جرّمت السلطات المصرية التحرش الجنسي وغلظت العقوبة للمتحرشين. فَحُكم على 7 رجال بالسجن المؤبد، بينما حُكم على اثنين آخرين بالسجن 20 عامًا، وذلك على إثر وقائع تحرش ارتكبوها في محيط ميدان التحرير.
وصدرت دراسة الشئون الصحية في مصر عام 2015 تفيد بأن 9 من أصل 10 نساء تعرضن لإزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية، بالرغم من أن مثل تلك الممارسات مُنعت قانونًا من 2008. بينما تزوج 17% من الفتيات قبل بلوغهن سن الثامنة عشر عامًا؛ و2% منهن قبل سن الخامسة عشر عامًا.
بين تقرير رويترز والمؤسسات الأُخرى
جاءت تقارير «منظمة الصحة العالمية» معتبرة العنف الجسدي والجنسي تجاه النساء من مشاكل الصحة العمومية التي تؤثر على ما يزيد عن ثلثي نساء العالم. حيث أقرت التقارير أن 35% تقريبًا من النساء تعاني من العنف الممارس عليهن من الشريك الحميم أو من سواه، وأن هذا النوع من العنف من أكثر أنواع العنف الممارس ضد المرأة في العالم.
وجراء العنف الجنسي من قِبل الشريك الحميم فإن 38% من النساء يتعرضن للقتل على يد الشريك، ويصاب 42% بإصابات جسدية بالغة جراء العنف. وأنهن عرضة بمعدل مرة ونص للإصابة بالأمراض الجنسية مثل الزهري والسيلان. وتزداد معدلات إصابتهم بالاكتئاب والحمل والإجهاض غير المرغوب فيهم. ومع الولادة فإن الرضيع قد ينخفض وزنه عند الولادة بنسبة 16%.
وبالرغم من خوف النساء من وصمة المجتمع التي قد تلاحقهن حال الإبلاغ عن العنف الممارس ضدهن، إلا أن الاستعراض الذي قامت به منظمة الصحة العالمية يشير إلى أن 7.2% من النساء يبلغن عمن مارس عليهن العنف الجنسي.
نظرة على باقي دول العالم
سجلت الدراسات والإحصائيات ارتفاعًا في حالات العنف الجنسي ضد النساء في كل من فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية؛ الأمر الذي دعا بعض الحكومات لشن حملات توعية وفرض عقوبات ضد المتحرشين.
فرنسا
تم تسليط الضوء على المضايقات الجنسية التي تعانيها النساء في فرنسا بعد اتهام رئيس صندوق النقد الدولي السابق،دومنيك شتراوس، بالاعتداءات الجنسية عام 2011؛ الأمر الذي جعل البرلمان الفرنسي يوافق بالإجماع على تشريع يُجرّم التحرش الجنسي، ويعتبره جريمة جنائية يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل ثلاث سنوات وغرامة قد تصل إلى 45 ألف يورو. وعرف القانون لفظة «المضايقات الجنسية» بشكل أوسع وجعلها تشمل التخويف أو العدائية والتحرش الأخلاقي في أماكن العمل.
ومع ازدياد حالات التحرش الجنسي والتعديات اللفظية في وسائل المواصلات العامة التي وصلت حد العدائية، شنت الحكومة الفرنسية حملة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 للحد من تلك الممارسات ضد الفتيات والنساء.
وقد أقر التقرير الذي أُعد من قبل وزيرة الدولة لحقوق المرأة، باسكال بويستارد، والتي أجرت استطلاع رأي على 300 امرأة، أن 100% من النساء قد تعرضن للتحرش أو الاعتداء الجنسي مرة واحدة في وقت من خلال وسائل المواصلات العامة.
أمريكا
في عام 2014 أعلنت الأمم المتحدة بأن 35% من النساء في الولايات المتحدة الأمريكية قد عانين العنف الجنسي من جانب الشريك الحميم. وتم اغتصاب ما يقارب من 19% من قِبل الشريك الحميم. وأنه يتبقى نحو 30 مليون فتاة تحت سن 15 سنة مهددة بتشويه أعضائهن التناسلية.
ويُقدر عدد النساء اللواتي تزوجن ولم يزلن صغيرات نحو 700 مليون امرأة، منهم 250 مليون تزوجت دون سن الخامسة عشر.
الأمين العام السابق بان كي مون
وسجلت إدارة المعلومات الجنائية الفدرالية قدر نحو 17 ألف حالة تحرش جنسي داخل مدارس البلاد خلال أربع سنوات، وأن نسب التحرش الجنسي داخل وحدات الجيش في تزايد مستمر.
ألمانيا
يلزم القانون الألماني رب العمل أو المدير بتوفير الحماية للعاملين عنده. وبالرغم من ذلك فقد سجلت دراسة قام بها مركز مكافحة التمييز في ألمانيا أن امرأة من أصل خمس نساء قد تعرضن للتحرش الجنسي، وأن نصف النساء اللاتي شملتهن الدراسة قد تعرضن للتحرش اللفظي.
كما أن الدراسة أظهرت أن 82% لا يعرفن نصوص القانون التي توفر لهن الحماية ولا يعرفن من يلتجئن له حال تعرضهن للتحرش أو الاعتداء الجنسي. وعند إعلامهن بنص القانون ارتفعت النسبة من 17% فقط من النساء قد أقروا أنهن تعرضن لتحرش إلى 52% رجالاً ونساءً.
وأظهرت دراسات أخرى أن واحدة من كل 7 نساء ألمانيات قد تعرضت للاغتصاب أو أُكرهت على ممارسة الجنس تحت طائلة التهديد مرة واحدة في حياتها على الأقل؛ الأمر الذي جعل تقرير العائلة الألمانية يعتبر أن اغتصاب النساء في ألمانيا تقليدًا شبه يومي.
وسجلت منظمة «عالم المرأة» على صفحتها الإلكترونية نحو 160 ألف حالة اغتصاب أو إكراه جنسي سنويًا، حيث تقام منهم 8 آلاف قضية فقط ضد المغتصبين ويصدر عن المحكمة ألف حكم إدانة فقط. وقدّرت المنظمة بأن هناك جريمة اغتصاب تحدث كل 3 دقائق تقريبًا. وأن القضاء الألماني لا ينجح إلا في إدانة 8.4% من المتهمين في قضايا الاغتصاب، وتلك النسبة قد تدنت لما كانت عليه من 20 عامًا، حيث إن نسب الإدانة كانت تصل إلى 21.6%.
الهند
أتت حادثة تعرض امرأة للاغتصاب الجماعي المميت في 2012 سببًا لاحتجاجات عامة في نيو دلهي؛ الأمر الذي جعل الحكومة تشدد العقوبات ضد جرائم الجنس. وحاولت التقارير الإعلامية والحملات الحكومية وبرامج المجتمع المدني العمل على زيادة الوعي العام بحقوق المرأة؛ الأمر الذي سهّل على المرأة تسجيل الانتهاكات التي تتعرض لها. وبالرغم من ذلك سجّلت السلطات الهندية 4 عمليات اغتصاب كل ساعة في عام 2015؛ الأمر الذي صرح على إثره المحامي «ريشي كانت» من الجمعية الخيرية لتقديم الدعم لضحايا الاغتصاب، قائلاً: