«هاري كين» والأعراض الجانبية لصراع الحذاء الذهبي
خسر المهاجم الإنجليزي «هاري كين» صراع الحذاء الذهبي المحلي لموسمين على التوالي، 2017/18 و2018/19، وبالرغم من أن الجائزة في الموسم الأخير قد تقاسمها الثلاثي: «ساديو ماني»، «محمد صلاح»، و«أوباميانج»، لكنه فشل في مزاملتهم بالمركز الأول. قبل ذلك، كان قد استحوذ على اللقب لمدة موسمين أيضًا، وبقدرات تبدو متكاملة لمهاجم مثالي لفريقه ولمنتخب بلاده.
يقول «آلان شيرار»، أحد أعظم المهاجمين في تاريخ إنجلترا، إن لاعب توتنهام باستطاعته القيام بأي شيء يقوم به أي مُهاجم، لا يمكن مقارنته، ولا يمكن تخيل شخص يضيف للفريق اللندني أكثر منه.
يؤكد «هوجو لوريس»، قائد الفريق وحارسه، الأمر ذاته حيث يضع هاري بمثابة «ميسي» أو «رونالدو» بالنسبة للسبيرز. إذا ما تأكدنا من تلك الحقائق، بالأرقام، أيُمكن وضع كل ما يجري لتوتنهام فوق عاتق المُهاجم الإنجليزي الشاب أم أن العكس هو الصحيح؟
ارتبط كين بعديد الفرق الكبرى في أوروبا ومع ذلك الارتباط اقترن خوف طبيعي من إتمام الصفقة لكونه متطابقًا تمامًا مع أسلوب الفريق الإنجليزي بدرجة تُشعرك بأنه لن يستطيع القيام بأي شيء خارج أسوار «وايت هارت لين»، أو لكي تقوم بالصفقة عليك أن تصحبه بمدربه الأرجنتيني «بوتشيتينو» من أجل الحفاظ على الثنائية الناجحة خلال سنوات في لندن.
النهائي الخادع
وصل كين بفريقه لنهائي دوري أبطال أوروبا بنهاية موسم 2018/19. وتحت ولاية مدربه، حققوا المفاجأة بإقصاء مانشستر سيتي، والتي كانت مفاجأة كبيرة أبعدت الأنظار عن نهاية الموسم السيئة التي لحقت بتوتنهام. حيث أنهوا الترتيب المحلي في المركز الرابع، بعد أن خسروا 5 من آخر 10 لقاءات في البطولة الإنجليزية، بجانب تعادلين مخيبين.
مضافًا إلى ذلك، فلقد شاركوا في إخراج واحد من أسوأ نهائيات البطولة الأوروبية آخر 10 سنوات، من حيث المستوى، بعدما قدموا نسخة باهتة تمامًا، لم يكونوا فيها ندًّا يستحق بلوغ نهائي البطولة. استمر ذلك السوء في المستوى حتى بداية الموسم التالي، بل بالأحرى ساء الوضع، ودخل الفريق اللندني لشهر تشرين الثاني/نوفمبر من الموسم الجديد وهم في المركز الـ14.
يظهر من خلال أجهزة شبكة «statsbomb» أن هناك انخفاضًا حادًّا في أداء توتنهام على الصعيدين الهجومي والدفاعي وليس فقط مع بداية موسم 2019/20، ولا حتى نهاية موسم 2018/19، لكن منذ منتصف عام 2017 تقريبًا. سجل شهر آب/أغسطس بداية أول انهيار في أداء الفريق اللندني، ووصل ذروته بحلول بداية الموسم الأسوأ لولاية بوتشيتينو.
وداعًا للضغط العالي
حطم توتنهام رقمه القياسي في استقبال تصويبات على مرماه، وذلك من خلال لقائي أرسنال ومانشستر سيتي في بداية موسم 2019/20. حيث استقبل 30 تصويبة في ملعب الاتحاد و26 تصويبة على ملعب الإمارات. كان الرقم الأعلى هو 23 تصويبة فقط أمام السيتيزنس في لقاء الدور الثاني من موسم 2018/19.
لا يمكن رمي كل ذلك الخلل الدفاعي فوق انخفاض مستوى هاري كين وحده، لكن كذلك يصعب إغفال تقصيره الواضح في أداء أدوار دفاعية اعتاد عليها.
تسجل عدادات «Opta» أرقامًا دفاعية منهارة تمامًا للمهاجم الإنجليزي منذ بداية موسم 2017/18، حيث تُبين أرقام تدخلاته الدفاعية بـ44 تدخلًا مباشرًا، بنسبة نجاح 65% تقريبًا. مع 13 اعتراضًا للكرة، ونسبة نجاح في الكرات الهوائية أقل من 45%، بعد أن كانت الأخيرة أحد أهم مميزاته ومميزات فريق توتنهام بشكل عام.
للمقارنة، يسجل المهاجم، غير الصريح بالمرة، «روبيرتو فيرمينيو» أرقامًا تقترب من أن تكون مضاعفة لأرقام المهاجم الإنجليزي. حيث سجل 148 تدخلًا مباشرًا، بنسبة نجاح 75%، مع 392 استعادة للكرة، في مقابل 206 لمهاجم إنجلترا الأول. بينما نجح فيرمينيو، وفقًا لأرقام شركة أوبتا، في استعادة الكرة 90 مرة من الثلث الأخير من الملعب، في حين لم ينجح هاري كين في قطع الكرة إلا في 69 مرة فقط وخلال نفس الفترة.
في حين تُظهر إحصائات شبكة «independent» انهيارًا كبيرًا لمعدل تدخلات هاري كين المباشر على دفاعات الخصم، حيث بدأ في عام 2013/14 بمعدل 1.6 تدخل ناجح لكل مباراة، حتى أخذ في الانخفاض ووصل إلى 0.3 تدخل ناجح فقط لكل مباراة الآن، بعد أن كان وصل لقمة مستواه في موسم 2015/16 بـ 1.8 تدخل ناجح بكل مباراة.
لا يطلب بوتشيتينو من لاعبي خط هجومه تدخلات دفاعية كثيفة، لكن الاعتماد عليهم فيما يخص الصراعات الهوائية ومنع بناء الهجمة السلس وقت فقدان الكرة من لاعبي توتنهام، كانت ولا تزال مهمة أساسية لا يمكن التضحية بها. السؤال الآن، هل تأثرت سياسة توتنهام بسوء مستوى هاري كين على الأصعدة الدفاعية أم العكس؟
مجبر أخاك لا بطل
أوضحت الأرقام خلال بداية موسم 2019/20 رغبة المدرب الأرجنتيني في التراجع عن الضغط العالي في منتصف ملعب الخصم، وخلال لقائهم أمام أرسنال تعاظمت هذه الرغبة، حيث بدا هاري كين متواجدًا في عمق الملعب أكثر من تواجده في مقدمته، مما أرجع آلة الضغط عند توتنهام لنصف الملعب ولاعبيه.
اقرأ أيضًا: رحيل «بوتشيتينو»: الوضع الذي يهدد كلوب ويفهمه جوارديولا
ارتفع معدل أعمار لاعبي توتنهام بما يدفع مدربهم للتنازل عن المجهود البدني المضاعف الذي كان يُعتاد بذله في المواسم السابقة. وفيما يخص حالة هاري كين تحديدًا فإنه يحتاج للراحة بعض الشيء، ففي خلال عامين ونصف عانى مهاجم المنتخب الإنجليزي من 5 إصابات في الكاحل.
مع تنازل توتنهام عن الضغط العالي، كان لزامًا على ماوريسيو الاعتماد على رأس حربة صريح يساعد في الكرات المرتدة ويمكنه إنهاء الهجمات وتحويلها إلى أهداف بأقل فرص متاحة. ولأنه يصعب الاستغناء عن هاري كين، فقد تم الاستقرار على استخدامه كمهاجم صريح، على عكس طبيعته المعهودة. مع التنازل عن أي شيء يخص مساعدة زملائه أو بناء اللعب أو صناعة الفرص، وبالطبع كل الأدوار الدفاعية السابق ذكرها.
نعود للمقارنة مع مهاجم فريق ليفربول، روبيرتو فيرمينو. الأخير يُظهر قدرات أكبر على معاونة زملائه. لكن في المقابل، فإن هاري كين يتفوق أمام المرمى خلال موسمين، منذ 2017/18 وحتى 2019/20، حيث نجح في إحراز 74 هدفًا من خلال 417 تصويبة، في حين لم يسجل بوبي إلا 46 هدفًا من 267 تصويبة.
على العكس، فإن أرقام الصناعة تشير إلى تفوق برازيلي، شبه كاسح، حيث نجح فيرمينيو خلال الفترة المذكورة من صناعة 30 هدفًا مقابل 11 فقط لمهاجم توتنهام. مع صنع 171 فرصة سانحة للتسجيل من مهاجم ليفربول، مقابل 103 فقط للإنجليزي.
لم يعد هاري كين
طرح «جوناثان ليو»، رئيس القسم الرياضي بشبكة «independent»، تساؤلًا هامًّا جدًّا: ماذا لو لم يتناسب أهم لاعب عندك مع أفضل طريقة لديك في الوقت الحالي؟
بعد أن تعدل أسلوب توتنهام تحول شكل هاري كين وأرقامه بالكامل. نجح في تسجيل الأهداف بالفعل، لكن من ضمن 14 هدفًا خلال أول 15 لقاء من موسم 2019/20، فإن 6 أهداف قد سُجلت من منطقة الجزاء. وحسب «understat»، فإن معدل التصويب عند مهاجم المنتخب الإنجليزي قد انخفض إلى 3 تصويبات فقط لكل لقاء، بعد ما كان قد وصل لـ 5.32 في أفضل مواسمه.
انخفض كذلك مُعدل صناعة الأهداف، بل بالأحرى يمكن القول إنه انهار. فحسب نفس الشركة، فإن لكل 90 دقيقة يساوي معدل الصناعة المتوقع 0.08، في حين أن المُعدل الفعلي هو 0.11 لكل لقاء، بجانب انهيار معدل صناعة الفرص السانحة للتسجيل «keypass» إلى 0.42 لكل لقاء.
في موسم 2017/18 نجح هاري كين في تسجيل 30 هدفًا، كأعلى موسم له خلال سنواته بالدرجة الأولى الإنجليزية. في حين انخفض إلى النصف تقريبًا بنهاية موسم 2018/19 -17 هدفًا خلال الموسم. وخلال هذين الموسمين خسر لقب الحذاء الذهبي لصالح محمد صلاح مرة ومحمد صلاح وأعوانه في المرة الثانية.
بالرغم من كل الأشياء المُحيطة، من سوء أداء إجمالي وانخفاض تأثيره على فريقه من حيث الجوانب الهجومية والدفاعية، لكن ما يخص الأهداف وحدها فإن مُعدل هاري كين في التسجيل لا يُعد مُنخفضًا، والأهم أنه يجب أن يسعى لرفعه أكثر، واستغلال أسوأ أحواله من أجل محاولة الحصول على الحذاء الذهبي، لا لإضافة إنجاز شخصي جديد، بل لمحاولة الحفاظ على سُمعته التي سيحتاجها للغاية عند خروجه من معقل وايت هارت لين.