فرقة «حرقة كرت»: البوصيري والشاب خالد في أغنية واحدة
جميعها كلمات مألوفة من أغنيات مشهورة يحفظها بعضنا عن ظهر قلب، لكن أن تجتمع مقاطع من هذه الأغنيات في أغنية واحدة، وتتميز بسلاسة الانتقال بين المقطع والذي يليه، فهذا هو الإبداع الذي قدمته فرقة «حرقة كرت» الأردنية وأطربت به عشاقها مؤخرًا، مختتمة «الخلطة» السابقة بأبيات شعرية عذبة باللغة العربية الفصحى.
لم أكن من هواة الفِرق الغنائية، لا الأجنبية ولا العربية، لكن فرقة «حرقة كرت» نجحت في تغيير رأيي. تأسست الفرقة منذ خمس سنوات تقريبًا، وهي مكونة من أربعة أعضاء، واتخذت من فن «الانصهار الموسيقي Fusion» شعارًا لها، واشتهرت بأداء Mash up، وهو جمع مقاطع مختلفة من أغنيات متعددة في أغنية واحدة. الجديد أن هذا الجمع يأتي بين أغنيات عربية وأخرى غربية، باللغة الإنجليزية وأحيانًا الإسبانية، ويختتم غالبًا بأبيات شعرية من عيون الشعر العربي، تارة للشاعر العباسي شرف الدين البوصيري، وأخرى للأصمعي، وثالثة للحلاج، وأخيرًا وليس آخرًا للشاعر الأموي جرير.
التكامل والتناغم بين أداء أعضاء الفرقة واضح وجميل. «سامر خالد» مؤسس الفريق، وهو المسئول عن اختيار مقاطع الأغنيات، وهو الذي يؤدي المقاطع الغربية، حيث إنها ملائمة لطبقة صوته، وهو أيضًا عازف الغيتار في الفريق. «أحمد ديرباني» هو حنجرة الفريق، أو واجهته الطربية، صاحب الصوت القوي، وهو الذي يؤدي المقاطع العربية. «ناصر السبتي» هو عازف الأورج في الفريق. أما «هاني السعدي» فهو الموزع الموسيقي، المسئول عن ذلك التنقل السلس والرائع بين الموسيقى العربية والغربية.
في حوار له مع جريدة القبس الكويتية يوضح هاني «أن هذا الدمج بين الشرقي والغربي في الموسيقى ليس بالعمل السهل؛ لأنه يحتاج إلى موسيقيين محترفين على وعي ومعرفة تامة باستخدام الطبقات الصوتية والمقامات والإيقاعات في قالب جديد محبب للشباب دون الإخلال بالأصول الصحيحة للعمل».
أما عن سبب اختيار هذا الاسم الغريب نسبيًّا للفريق، فيشرح سامر خالد في مقابلات إذاعية وأخرى متلفزة أن هذا الاسم يعني باللهجة الأردنية الدارجة أو المحكية أن الفرقة أحرقت كل كروتها، بمعنى أنها لا تمانع ولا تضع حدودًا في تقديم ومزج أي نوع من أنواع الموسيقى العربية والغربية بشكل سلس وبعيدًا عن العنصرية.
كانت الفرقة قد تأسست في عام 2012، لكن انطلاقتها الرسمية بالشكل الذي عرفها الجمهور به كان في عام 2014، ومنذ ذلك الحين تنوَّعت «خلطاتهم»، فاكتفوا في بعضها بمزج أغنيتين فقط، وفي بعضها الآخر وصل العدد إلى ست مقاطع من ست أغنيات مختلفة. أول Mash Up جمع بين أغنية عايشة للشاب خالد، ومجموعة مواويل مختلفة للفنان الراحل وديع الصافي، بالإضافة إلى بيتين شعريين للشاعر العباسي شرف الدين البوصيري من قصيدته الشهيرة التي مطلعها: «أمن تذكُّر جيرانٍ بذي سلمٍ».
بعدها بأيام أطلقت الفرقة خلطتها الثانية، ومزجت فيها بشكل موسيقي بين أغنيتي Apologize لفريق OneRepublic، وأغنية «كيفك إنت» لفيروز. نجحت الفكرة وأحب الجمهور هذا الخليط، ليتجاوز عدد مشاهدات هذا الفيديو على اليوتيوب ستة الملايين مشاهدة. وواصلت الفرقة بعد ذلك نهجها على نفس الطريق، مجددين أغنيات للمطربة السورية ميادة بسيليس، والفنانة المصرية عايدة الأيوبي، وغيرهما.
يبدو من المألوف والمتعارف عليه لرواد موقع اليوتيوب ولجمهور أي فنان عند مشاهدتهم لإحدى الأغنيات، أن تتنوع التعليقات بين إيجابي وسلبي. لكن اللافت للنظر أن معظم تعليقات الجمهور على أغنيات فرقة حرقة كرت جاءت إيجابية، سواء من المستمعين العرب أو الغربيين. كما يبدو لافتًا إعجاب المعلِّقين باللغة الإنجليزية بفن «الموال»، ما يدل على رواج هذا النوع من الفنون الذي اختارته الفرقة نهجًا لها.
يمكن القول إن «الدمج Mash Up» أو «إعادة الأداء Cover Version» الناجح يعتمد على التجديد في عاملين رئيسيين. الأول هو التجديد في التوزيع الموسيقي، والقدرة على الانتقال الناجح والسلس بين نوعين مختلفين تمامًا من الموسيقى، و”صهرهما” معًا إن جاز التعبير. أما الثاني فهو التجديد في طريقة أداء الأغنية، بمعنى الإبقاء على الكلمات واللحن الأصليين، مع إعطاء مساحات صوتية جديدة أوسع لبعض الجمل.
يظهر هذا التجديد عند «حرقة كرت» واضحًا وجليًا في المزج بين أغنيتي «Hello» للمغني الأمريكي الأسمر ليونيل ريتشي، وبين أغنية الفنان التونسي صابر الرباعي «يا للا»، حيث يقوم سامر خالد بأداء المقطع الغربي على أنغام العود الشرقي. في حين يختار “أحمد ديرباني” أن يؤدي الأغنية العربية برِتْمٍ أبطأ من أداء الفنان التونسي، معطيًا الجُمل مساحة صوتية أكبر ومبرزًا جمال صوته ور قة إحساسه وتمكُّنه في الأداء. ولعله في أدائه هذا يعود إلى اللحن التركي الأصلي لأغنية «Leylim Ley» كما أداها الفنان التركي إبراهيم تاتليسيس.
خلال العامين الأوَّلين من تأسيسها، كان أعضاء فرقة «حرقة كرت» يشتكون من غياب الدعم المادي، وهي المشكلة المعروفة بشكل عام على الساحة الأردنية، بمعنى غياب المنتج المستعد لتمويل مشاريع غنائية. لكن يبدو أن الفرقة نجحت مؤخرًا في الحصول على الدعم المادي، من خلال اقتناص عقد مع شركة «أمنية»، إحدى شركات شبكات الهاتف المحمول في الأردن، وعليه أصبح أعضاء «حرقة كرت» سفراء «أمنية» للثقافة والفنون.
أيضًا كان أعضاء الفريق قد أعلنوا أنهم قد يتجهون إلى تقديم أعمال أصلية Original خاصة بهم، أي إلى كتابة كلمات وألحان جديدة، وستكشف لنا الأيام القادمة إذا ما كان الجمهور سيحب هذا التوجه الجديد للفرقة، أو سيطالبها بالبقاء على النهج الذي اعتاده منها وأحبها من خلاله.