حماس والسلفية الجهادية.. محطات الصدام
رغم ما تحمله أدبيات السلفية الجهادية من نقد لاذع للإخوان المسلمين؛ إلا أن الفرع الفلسطيني للجماعة متمثلًا في حركة حماس شكل استثناء على مدى وقت طويل من هذه القاعدة. فقد حظيت حركة حماس وجناحها العسكري بالاحترام كونها اعتُبرت منذ نشأتها قاطرة العمل الإسلامي المسلح ضد إسرائيل.
غير أن العام 2006 شهد انعطافًا كبيرًا في تلك العلاقة، حين قررت حماس خوض غمار السياسة، والترشح في الانتخابات التشريعية، وأدى فوزها وما تبعه من اقتتال داخلي انتهى بسيطرتها على القطاع إلى تغير نظرة السلفية الجهادية إلى الحركة.
هذه النظرة للجماعة التي تغيرت من كونها جماعة مقاومة تقود قاطرة الجهاد ضد «الصهيونية»؛ إلى اتهامها بأنها باعت المقاومة بالسياسة، وسارت على نهج سلطة «أوسلو» إلى الحد الذي نعى فيه «أيمن الظواهري» قيادة حماس، واتهمها بأنها حذت حذو الرئيس الراحل «أنور السادات» بعد توقيعها اتفاق مكة مع حركة فتح قائلًا: «عظم الله أجركم في حماس».
ثم جاء صعود تنظيم الدولة ليزيد من تعقيد العلاقة بين السلفية الجهادية وحماس. فالتنظيم الذي قاتل جماعته الأم -القاعدة نفسها- ونازعها النفوذ، لم يجد حرجًا في تكفير حماس، وتهديد قيادتها بالتنكيل والقتل، معتبرًا أن الحركة أحد العوائق في طريق وصوله إلى القدس.
باستعراض تاريخ السلفية الجهادية؛ نجد أنها لم تكن فاعلًا أساسيًا مباشرًا في الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. ولم يعرف القطاع تنظيمات مؤثرة تعلن ولاءها لفكر القاعدة إلا بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007.
كما فشلت كل المحاولات لتشكيل كيان موحد لها في القطاع؛ بل بقيت تحت تنظيمات صغيرة متفرقة حملت أسماء مختلفة أبرزها؛ «جيش الإسلام، جند أنصار الله، جماعة التوحيد والجهاد، جيش الأمة».
وفيما يلي؛ أبرز محطات الاشتباك في العلاقة بين حماس، والسلفية الجهادية.
جيش الإسلام
أبرز التنظيمات الجهادية حضورًا على الساحة الغزاوية. أسسه «ممتاز دغمش» الذي عمل في صفوف الأمن الوقائي، ثم انضم لحماس قبل أن يغادرها ليلتحق بلجان المقاومة الشعبية، ثم أسس «جيش الإسلام» الذي ارتبط فكريًا بتنظيم القاعدة.
يغلب على تنظيم «دغمش» الطابع العشائري. فأغلب قياداته وعناصره هم من أفراد عائلة «دغمش» ومن الدائرة المقربة من مؤسسه أثناء عمله في الأمن الوقائي، كما تركزت مناطق نفوذه في حي الصبرة بمدينة غزة.
في بدايات تأسيسه، تمتع «جيش الإسلام» بعلاقة جيدة مع حماس فشارك في عملية أسر الجندي «جلعاد شاليط» عام 2006، الذي تمت مبادلته بمئات الأسرى الفلسطينيين. غير أن الخلاف بين الحركتين؛ ما لبث أن ظهر حين اختطف «دغمش» صحفيًا بريطانيًا يدعى «آلان جونسون»، وطالب بإطلاق سراح معتقلين تابعين لتنظيم القاعدة في بريطانيا. تمكنت أجهزة الأمن في القطاع من تحرير الصحفي بعد عدة أشهر بعد الضغط على الخاطفين.
تكررت الاشتباكات بين جماعة «دغمش» وأجهزة حماس في حي الصبرة عام 2008، حين قتل 11 شخصًا بينهم شقيق «دغمش». اتهم التنظيم حماس بتعمد استهداف عناصره، غير أن حماس ظلت تؤكد أن تلك الحملات كانت على خلفية قضايا جنائية وليست سياسية أو فكرية.
يواجه «جيش الإسلام» اتهامات متكررة بالضلوع في العنف المتصاعد في سيناء، بدءًا من اتهام وزارة الداخلية له بالمسؤولية عن تفجير كنيسة القديسين عام 2011، ثم اتهام بعض عناصره بالمشاركة في الهجمات المتكررة على كمائن للجيش في سيناء. كما زعمت صحف مصرية اعتقال قائده «ممتاز دغمش» بعد تسلله إلى سيناء، وهو ما نفته أجهزة الأمن في حينها.
في 7 يوليو/ تموز 2015، أصدر «جيش الإسلام» شريطًا مصورًا بعنوان «بل ملة إبراهيم» مطلقًا على زعيم تنظيم الدولة لقب «خليفة المسلمين»، واعتبر حماس «طائفة رِدّة وكفر» بسبب «تحكيمها للقوانين الوضعية وموالاتها للمشركين والتزامها بالديمقراطية».
جند أنصار الله؛ إعلان الإمارة
كان «عبد اللطيف موسى» والملقب بـ«أبي النور المقدسي» طبيبًا درس في جامعة الاسكندرية قبل أن يعود إلى القطاع، ويعمل مدرسًا بمعهد الحديث الشريف، ثم خطيبًا بمسجد النور في رفح، ثم خطيبًا بمسجد «ابن تيمية» في المدينة ذاتها، ليصبح زعيمًا روحيًا لتنظيم سلفي نشأ في رفح سمي بـ«جند أنصار الله».
وفي الـ14 أغسطس/ آب 2009، أعلن «المقدسي» قيام «الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس». وهاجم حكومة حماس، وطالب أعضاءها بالانضمام إلى جماعته، وهدد بقتالها إذا قررت التعرض لجماعته أو لإمارته الوليدة.
حاصرت حماس المسجد، ودارت اشتباكات في محيطه أسفرت عن مقتل العشرات من بينهم «عبد اللطيف موسى» نفسه، واعتقال العشرات، قبل أن تعود لإطلاق سراحهم بعد إعادة «تأهيلهم فكريًا».
(أبو النور المقدسي يعلن “إمارة إسلامية” في غزة)
ظلت أحداث مسجد «ابن تيمية» حاضرة في الوجدان السلفي منذ ذلك الحين، حيث تمثل «مظلومية» السلفية الجهادية التي تعزز سرديتها عن خروج حماس من خندق المقاومة، وانخراطها في تقاليد السياسة والسلطة، إلى الحد الذي جعل تنظيم الدولة الإسلامية يشكل سرية باسم «سرية أبي النور المقدسي» ضمن «ولاية حلب»، وجل عناصرها من الفلسطينين الذين تمكنوا من اللحاق بالتنظيم.
عاد اسم «جند أنصار الله» إلى الواجهة بعد أن تبنت الجماعة تفجير عبوة ناسفة بالمركز الثقافي الفرنسي، وهو التفجير الذي ألحق أضرارًا بالسور الخلفي للمركز. ودعت الجماعة في التسجيل المصور للعملية إلى نصرة تنظيم الدولة الإسلامية قائلة:
جماعة التوحيد والجهاد ومقتل فيتور أريغوني
فيتوريو أريجوني الصحفي الإيطالي الذي اختطفته سرية الصحابي محمد بن مسلمة.
جاء الصحفي الإيطالي «فيتوريو أريجوني» إلى غزة عام 2008 ضمن أول مجموعة من المتضامنين الأجانب الذين حاولوا كسر الحصار المفروض على القطاع منذ 2006.
أقام في مدينة غزة برفقة متضامنين آخرين، وعرف عنه أنه أكثرهم نشاطًا في نقل معاناة أهل غزة عبر تقاريره ومقالاته الصحفية، ومقاطع الفيديو التي كان ينشرها لدى وسائل إعلام إيطالية وغربية. كما ألف كتابًا عن معاناة أهل القطاع عنونه «غزة.. أن تكون إنسانيًا».
اختطف «أريغوني» يوم الـ14 أبريل/ نيسان 2011 من قبل مجموعة تطلق على نفسها «سرية الصحابي محمد بن مسلمة»، وأعلنت ذلك عبر تسجيل فيديو قصير يظهر «أريغوني» والدم يسيل على وجهه، وطالبت الحكومة المقالة التي تقودها حماس بالإفراج عن معتقليها، وعلى رأسهم زعيم جماعة التوحيد والجهاد «هشام السعيدني» الملقب بـ«أبي الوليد المقدسي» الذي اعتقل في مارس/ آذار 2011 .
نفت جماعة التوحيد والجهاد أي علاقة لها بقتل الصحفي الإيطالي «أريغوني»، لكن ما أثار الجدل هو أن الجماعة أظهرت تبريرًا لعملية القتل من خلال تصريحاتها، والتي اعتبرت فيها الحادثة هي نتاج طبيعي للظلم الذي تنتهجه حماس ضد أبناء التيار السلفي، وحذرت الحركة من التمادي في قمع التيار السلفي في القطاع إرضاء للمجتمع الدولي.
لاحقت حكومة حماس المجموعة الخاطفة حتى اشتبكت معها في منزل في مخيم النصيرات وسط القطاع. قتل اثنان في الاشتباك بينهما زعيم المجموعة أردني الجنسية، واعتقل فرد ثالث وحوكم فيما بعد، قبل أن يتمكن من الهرب مؤخرًا وسط شائعات عن مغادرته للقطاع، والتحاقه بتنظيم الدولة في سوريا.
أفرجت حماس عن السعيدني بعد عام ونصف من الاعتقال، وقد قتل السعيدني في غارة اسرائيلية استهدفته في أكتوبر 2012.
مخيم اليرموك
يعتبر مخيم اليرموك أكبر تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، إذ كان يقطنه حوالي 360 ألف من أصل حوالي النصف مليون لاجئ فلسطيني. يقع المخيم داخل حدود مدينة دمشق، ويبعد عن مركزها نحو عشرة كيلومترات ما يمنحه أهمية استراتيجية كبيرة في الصراع الدائر بسوريا.
تحول المخيم في بداية الثورة السورية إلى ملاذ آمن لأهالي ريف دمشق، الذي كان مسرحًا للاشتباكات بين قوات الجيش النظامي، والمعارضة المسلحة.
تعرض لحصار شديد لعدة شهور إلى درجة أن البعض في داخله قضى نحبه من الجوع بعد أن فشلت كل المساعي الأممية في إدخال المساعدات الإنسانية، قبل أن يتحول إلى ساحة للقتال حين حاولت قوات النظام السيطرة عليه فتصدت لها قوات المعارضة المسلحة بالإضافة إلى بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة داخل المخيم، وفي مقدمتها «أكناف بيت المقدس».
وفيما لا تعلن «أكناف بيت المقدس» عن تبعيتها صراحة.. تنسبها مصادر عدة إلى حركة حماس. نفت الحركة أي علاقة رسمية بينهما في محاولة لتأكيد استراتيجيتها القائمة على رفض أي عمل مسلح خارج الحدود.
غير أن هذا النفي فشل في فك الالتباس الواضح في العلاقة بين الحركة و«أكناف بيت المقدس» مع ما يتردد عن أن معظم مقاتليه هم من المرافقين السابقين لرئيس المكتب السياسي للحركة «خالد مشعل»، قبل أن ينتقل من دمشق إلى الدوحة.
دخل تنظيم الدولة على الخط بمحاولة السيطرة على المخيم في أبريل/ نيسان 2015، وتمكن من السيطرة على أجزاء كبيرة منه بعد ما سهلت «جبهة النصرة» دخوله إلى المخيم -في تعاون نادر بين الطرفين- وخاض معارك عنيفة مع «أكناف بيت المقدس» قبل أن تتلقى الأخيرة الدعم من فصائل سورية معارضة.