حماس ما بعد مشعل: أربعة مرشحين لرئاسة المكتب السياسي للحركة
هكذا أراد خالد مشعل أن يتخلص من موقعه في المكتب السياسي لحركة حماس بعد أن قضى عشرين عامًا بخمس ولايات متتالية، كان فيها حريصًا على تطوير الحركة بما يُحسن دورها في مقاومة المحتل وتحرير الأرض.
مشعل الذي صرّح خلال ندوة لمركز الجزيرة للدراسات حول «التحولات في الحركات الإسلامية» أنه سيتنحى وأن حماس ستكون على موعد مع رئيس جديد مُنتخَب لمكتبها السياسي خلال عام 2017.
يرى مشعل أن خروجه من عباءة المسئولية الرسمية للمكتب السياسي سيمنحه فرصة أكبر وأوفى لخدمة الحركة والقضية الفلسطينية بشكل عام، وسيمنح التنظيم فرصة لتجديد الدماء وضخ قيادات حيوية قادرة على فهم الحاجات وتلبيتها بأفضل الطرق والوسائل.
لكن التكهن بالشخصيات المرشحة لخلافته في رئاسة المكتب السياسي ليس بالأمر اليسير، فحماس تُصر دومًا على السرية والكتمان في كل ما يخصها، معللة ذلك بأنها حركة تحرر ومقاومة وأي إفصاح عن قادتها أو تحركاتهم قد يُعرضهم لخطر الملاحقة الأمنية الإسرائيلية، فينتهي الأمر بهم إما شهداء أو أسرى.
ولعل الباحث في جوهر الآليات التي يتم بها انتخاب الرئيس الجديد للمكتب السياسي للحركة يجدها مُعقدة، وهو ما أكد عليه خالد مشعل في مقابلة تلفزيونية سابقة مع قناة الجزيرة في مايو/آيار 2013 بعد شهر تقريبًا من توليه فترة الولاية الخامسة.
وقتها أشار في خضم الحديث إلى أن عملية الانتخاب والتصعيد تتم وفق ضوابط ونواظم محددة؛ كالعمر والتاريخ النضالي في الحركة والأقدمية والقبول العام على المستوى الإقليمي والدولي، وأضاف أن تلك الضوابط تفتح المجال واسعًا لإيجاد مرشحين كُثر لتولي مسئولية رئاسة المكتب السياسي.
وبالتقصي والبحث، يمكن القول إن هناك أربع شخصيات لها الحظ الأوفر في خلافة عرش مشعل في المرحلة القادمة.
1. إسماعيل هنية
تصدّر إسماعيل هنية قائمة المُرشحين لخلافة خالد مشعل، حيث يُشير تحليل شخصية الرجل إلى قدرته على تحمل أعباء المرحلة القادمة، فهو بحسب المحلل السياسي القريب من حماس «إبراهيم المدهون» يمتلك كاريزما وتجربة مُفعمة بالأحداث تمكّن من بلورتها لخدمة الصالح العام للقضية الفلسطينية، وخدمة الحركة وتطورها في العمل المقاوم والسياسي في آن واحد.
يقول المدهون في مقابلة خاصة لـ «إضاءات»: «إن حالة القبول الجماهيري على المستوى الشعبي والإقليمي التي يتمتع بها إسماعيل هنية من شأنها أن ترفع نسبة الأصوات المؤيدة له في مجلس الشورى العام، الذي سيجتمع خلال الأشهر الأولى من عام 2017، لاختيار رئيس جديد للمكتب السياسي وأعضاء آخرين».
وأضاف أن تجربته في قيادة قطاع غزة حيث يشغل رئيس الحركة هناك، إلى جانب توليه رئاسة الحكومة العاشرة التي أفرزنها الانتخابات التشريعية عام 2006، منحته المزيد من القدرة على إدارة شئون الحركة بما يخدم القضية الفلسطينية.
ورغم الشعبية الجارفة التي حاز عليها هنية خلال مسيرته السياسية وإدارته لشئون القطاع بعد الانقسام، إلا أنها تراجعت قليلًا بعد عشر سنوات من الحصار، واجه فيها الشعب الفلسطيني ثلاث حروب كانت آخرها في صيف 2014.
حيث أشار استطلاع «مركز أوراد» (5 نوفمبر/تشرين الثاني 2015) إلى تراجع شعبية حماس بنسبة 10% عن شعبية فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفسر المركز ذلك بالتجربة التي خاضتها حماس في قطاع غزة، وأكد أن تلك النسبة لا يُعول عليها كثيرًا خاصة في ظل التجاذبات التي تعصف بين الحين والآخر بحركة فتح، وبدأت تخرج للعلن.
على المستوى الإقليمي تبدو فرصة هنية سانحة للحصول على كرسي رئاسة المكتب السياسي، ولعل علاقاته المتشعبة مع قوى المنطقة العربية، سواء تركيا أو إيران أو قطر أو السعودية أو حتى مصر، تؤهله لأن يكون وجهًا مقبولًا قادرًا على إدارة الملفات المُعقدة التي تُعاني منها القضية الفلسطينية، وتحياها المنطقة العربية.
فالعديد من المراقبين يرون أن كاريزما هنية هي إحدى مميزاته الرئيسية التي ينفرد بها من بين قادة الحركة، ناهيك عن الظروف التي مر بها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والتي جعلت منه رمزًا.
ومع ذلك يرى البعض ضرورة تأجيل انتخاب رئيس المكتب السياسي لعامين آخرين؛ لأن وجود هنية في دفة العمل السياسي داخل غزة ضروري للمرحلة الانتقالية، إضافةً إلى أن وجود مشعل لعامين آخرين سوف يُمكنه من تحقيق نقلة نوعية في تجاوز بعض التحديات الصعبة أمام الحركة، والتي ستقفز للواجهة دون إعداد سياسي كافٍ لتجاوزها خاصة في واقع عربي وإقليمي شديد التعقيد.
2. موسى أبو مرزوق
يُعد موسى أبو مرزوق من أهم قيادات الحركة المعروفة بانفتاحها إزاء قضايا الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي والشأن الداخلي الفلسطيني، وذلك من واقع احتكاكه بالبيئة الإقليمية، وخبرته بتعقيدات الواقع الدولي التي جعلته أكثر مرونة في التعاطي مع الأفكار والأحداث، وغالبًا ما يصطدم بالتيار المُتشدد الذي يؤمن بالحل العسكري أولًا وأخيرًا ولا يعترف سوى بمنطق القوة الرادعة.
تجدر الإشارة إلى أن الاختلافات بين التيارين لا تتحول إلى صراع خارج المؤسسة، بل يتم تقنينها وإدارتها بمنطق العقل والاحتكام إلى المعايير الداخلية والأصول التنظيمية التي تجد احترامًا والتزامًا تامًا من الجميع.
وفي هذا الصدد يُشير الكاتب والمحلل السياسي «مؤمن بسيسو» في مقال له بعنوان «حماس: ديناميات التحول والانفتاح»، إلى أن تيار موسى أبو مرزوق يواجه الكثير من الصعوبات في تسويق رؤيته في مقابل التيار الأكثر تشددًا في الحركة، الذي تكون له غلبة القرار في قطاع غزة.
أما إذا ما أردنا الحديث عن فرص اعتلاء التيار الانفتاحي الذي يُمثله أبو مرزوق لرئاسة المكتب السياسي خلال السنوات الأربع القادمة، فلا أحد يُمكنه أن يجزم بذلك من عدمه، ويبقى الاحتمال قائمًا يُغذيه التاريخ النضالي للرجل الذي شارك في تأسيس حركة حماس عام 1987 إبان الانتفاضة الأولى، وعمل على تنظيم صفوفها بعد اعتقال الاحتلال الإسرائيلي لمعظم قياداتها وكوادرها عام 1989.
كما تم انتخابه كـ «أول» رئيس للمكتب السياسي لحركة حماس في الفترة 1992 – 1995، ثم نائبًا لرئيس المكتب السياسي خلال عام 1997 بعد الإفراج عنه من سجون الولايات المتحدة التي اعتقلته عامين كاملين دونما تُهمة.
ومنذ ذلك الوقت مكث في سوريا حتى غادرها بعد الأحداث الدامية هناك، واستهداف القيادات الفلسطينية من قبل نظام الأسد، فبات جوالًا بين مصر وقطر، حاملًا على عاتقه الملفات المُعقدة في القضية الفلسطينية؛ كالمصالحة، حيث ترأس وفد حركة حماس في حوارات القاهرة الخاصة بالمصالحة الفلسطينية منذ عام 2009، وحتى بعد إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني عام 2014.
3. محمود الزهار
يؤمن محمود الزهار بأن المركز الرئيسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس هو الأراضي الفلسطينية المُحتلة؛ ففيها يتم التضحية بالدماء. ويُشير دائمًا إلى أن «حماس الخارج» جزء أصيل ومُكمل للحركة، لكن تجربتها تحتاج إلى المزيد من المراجعة خاصة في ظل ما تُبديه قيادة الخارج من مرونة في التعامل مع قضايا الصراع مع المحتل وقضايا الوضع الفلسطيني الداخلي بعد الانقسام.
ويرى مراقبون أن رؤيته تعكس انتقاصًا لهيبة وأهمية المكتب السياسي في الخارج؛ مما يجعل فرص قبوله على المستوى الإقليمي والدولي غير متوازية مع سابقيه: هنية وأبو مرزوق، لكنه يتمتع بقبول شعبي واسع داخل فلسطين، وخاصة قطاع غزة؛ كونه قائدًا ميدانيًا وأبًا لشهيدين قضيا نحبهما فداءً للوطن؛ فخالد ابنه البكر ترجل شهيدًا أثناء محاولة الاغتيال التي تعرض لها والده خلال قصف منزله بتاريخ 10 سبتمبر/أيلول 2003 بطائرات الإف 16، فيما استشهد ابنه الثاني حسام، والذي كان عضوًا فاعلاً في كتائب الشهيد عز الدين القسام خلال الحرب الأولى على قطاع غزة 2008 بعد عام من الانقسام.
يؤكد مراقبون أن الزهار يحظى بمكانة متقدمة في القيادة الفعلية للحركة في قطاع غزة مع هنية، وأن قراره مؤثر في في مواقف حماس في غزة، وعلاقتها بالضفة الغربية والشتات والداخل المُحتل عام 1948.
كما يُعرف عنه تشدده في رفض الحل السياسي وانحيازه للحل العسكري من أجل التحرير وتحقيق الردع للمحتل؛ مما يُدخله في العديد من التجاذبات مع قيادة الخارج، خاصة وأنه عبَّر في أكثر من مرة عن رفضه لمواقف القيادة في الخارج من الحوار الوطني والوحدة والمصالحة الفلسطينية.
واعتبر الزهار أن بعض الاتفاقات بين مشعل والسلطة الفلسطينية غير ملزمة للحركة في الداخل، وأنها اجتهاد شخصي منه ولا يوجد إجماع عليها داخل قيادة الحركة، وفي هذا يرى الكاتب والمحلل الأردني «ياسر الزعاترة» أن انتقادات الزهار التي وصلت إلى حد الاستخفاف بدور حماس في الخارج تجاه القضية الفلسطينية وقضايا الداخل، لا تُنبئ بخير للحركة ومستقبلها أبدًا، وأشار إلى ضرورة الإيمان بدور كل ضلع من أضلاع معادلة القضية الفلسطينية الأربعة والمتمثلة في الضفة الغربية، الشتات الفلسطيني، الأراضي المحتلة عام 1948، والعمق العربي والإسلامي، مؤكدًا أن كل ضلع له دور ريادي لا يُمكن عزله أو نفيه عن الآخر.
4. عماد العلمي
هذا الرجل الذي سطع بريق اسمه كعضو للمكتب السياسي، وكان أول من مثّل حماس في إيران، عاد إلى قطاع غزة عام 2012 بعد أن قضى ثمانية عشر عامًا في الإبعاد منذ عام 1994.
ويُعد العلمي من مؤسسي حركة حماس، ويتمتع بقبول على المستوى الحركي والتنظيمي في الداخل والخارج، كونه نائبًا لرئيس الحركة في قطاع غزة منذ عام 2013، ولعل شغله هذا المنصب جعل الكثيرين يتنبأون بأن يرث عرش هنية في قطاع غزة إذا ما صعد في انتخابات الحركة ليكون رئيسًا جديدًا للمكتب السياسي، لكن سرعان ما توارى هذا الاحتمال وبات منافسًا لهنية على رئاسة المكتب السياسي خاصة في ظل دوره الفعّال والمؤثر في قرارات الحركة داخليًا وخارجيًا.
وختامًا يُمكننا القول بأن أيًّا من المرشحين الأربعة السابق ذكرهم، قد لا يواجه صعوبًة في اعتلاء كرسي الرئاسة على المستوى الشعبي والإقليمي والحركي، وهو ما يجعل أقسى التحديات تُواجههم فيما بعد الاختيار؛ حيث يشير الوضع الدولي والإقليمي، غير المتوافق مع سياسات وتحركات حركة حماس الحالية، أن العديد من الضغوط سوف تُمارس على رئيس المكتب السياسي الجديد، وهو الأمر الذي قد يصل إلى فرض المزيد من الحصار على قطاع غزة، وموارد الحركة، ومن ثَمَّ تكبيل تحركات الحركة السياسية والعسكرية.