ما من كتاب صدر للمختار الإسلامي إلا كان هدفه أن يفيد المسلمين، ويعمل علي رفع شأنهم، ويعبر ويكون له دور في تشكيل وجدانهم

الحاج حسين عاشور متحدثًا عن الهدف من إنشائه «دار المختار الإسلامي»

ودعنا بالأمس القريب رائد من رواد الصحافة الإسلامية، تزامن بداية نشاطه الصحفي في السبعينيات من القرن العشرين، تلك الفترة التي اتسمت بزخم واسع ونشيط للتيار الإسلامي في مصر والعالم العربي، وكان لمجلة «المختار الإسلامي» دور مؤثر ولافت في هذه «الصحوة»، ذاك هو الحاج حسين عاشور مؤسس دار ومجلة «المختار الإسلامي»، الذي رحل عنا متجاوزًا الثمانين من العمر.


الأسرة العاشورية: صحافة ونضال

نشأ والده الشيخ أحمد عيسى عاشور نشأة ريفية في بلدة الشنباب بالجيزة، فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر له من القرآن في كُتاب القرية، ثم التحق بالأزهر للدراسة وهو في الثامنة عشرة من عمره حتى تخرج فيه سنة ١٩٣١م، كان للشيخ عيسى شغف بالعلم، فتتلمذ على الشيخ محمود خطاب السبكي، والشيخ حسن البنا في مجلس الثلاثاء، كما شارك وهو طالب في الأزهر في تحرير مجلة الفضيلة الإسلامية، ثم في تحرير المجلة الشرعية لمدة سنة، فأدرك أهمية الكلمة المقروءة من خلال تجربته في هذه الصحف؛ إذ كان العصر الذي نشأ فيه الشيخ عيسى عصرًا تعد المجلات فيه أهم وسيلة لنشر الأفكار والمعلومات، فقد بلغت عدد المجلات والصحف الأسبوعية فقط ١٥٨ مجلة حسب إحصاء السجل الثقافي لسنة ١٩٥٣م، فعزم على إنشاء مجلة أسبوعية سماها مجلة الاعتصام، والتي أصبحت بعد ذلك لسان الجمعية الشرعية، ثم أنشأ دار الاعتصام لطباعة الكتب الإسلامية، لكي تكون ممولا مستمرًا للمجلة.

وقد حرص الشيخ عيسى رحمه الله على تربية أولاده كل الحرص، يقول محمد المجذوب: «ومما لمستُ في ذلك البيت الكريم من فضائل تلك التربية الإسلامية البارزة الطابع في كل من عرفت من أبنائه»، وكان أثر الشيخ أحمد عيسى عاشور في أولاده كبيرا، خصوصا في منهجهم الفكري وطريقتهم في الدعوة إليه، يقول الحاج حسين: «من خلال والدي تعلمنا المهنة وتعلمنا الإخلاص والصدق والعمل المتجرد لوجه الله تعالى، كل واحد له خط ولكن في النهاية يخدم الإسلام».

تعرض الشيخ عيسى لمضايقات بسبب ما ينشره في مجلة الاعتصام، حتى إن بعض أولاده طالهم الاعتقال، ومنهم ابنه حسين، الذي هاجر عام 1969 بعد خروجه من السجن إلى الكويت ثم سافر إلى بيروت وأقام فيها أربع سنوات. وهكذا تربى الحاج حسين في هذه البيئة الأسرية تربية دينية، كما نشأ محبًا للصحافة الإسلامية المتخصصة، التي كونت شخصيته، وحددت مسار حياته.


دار «المختار الإسلامي»

أنشأ الحاج حسين أثناء إقامته في بيروت دار نشر متواضعة في بادئ الأمر، كان لها أكبر الأثر فيما بعد في إدارة دور النشر التي أشرف عليها، لقد كان حريصًا على قراءة كتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب رحمهما الله، وقد تأثر بهما وبمواقفهما الباسلة التي دفعا فيها ضريبة أفكارهما، فكان حلمه أن يؤسس دار نشر تنشر هذا التراث والأفكار لعموم المسلمين في كل بقاع الأرض، لا سيما العالم العربي، فأسس بعد عودته من لبنان دار المختار الإسلامي، ثم بدأ بتحقيق حلمه فنشر كتابات رواد التيار الإسلامي الكبار، وكانت باكورة الكتب التي نشرها كتاب «الإسلام يتحدى» للمفكر الإسلامي الهندي وحيد الدين خان، فطبع منه حوالي مائة ألف نسخة، فحقّق صدى واسعًا وتأثيرًا طيبًا في الناس، ونفدت نسخ الطبعة الأولى في وقت قليل، وكان ثمن هذا الكتاب خمسة وستين قرشًا، خُفّضت فيما بعد إلى خمسين قرشًا في الطبعات التالية، هذا النجاح الكبير الذي حققته التجربة الأولى لدار المختار الإسلامي دفعه لنشر كتابات المفكرين الإسلاميين بقوة، فطبع كتابات الشيخ المودودي والشيخ الشعراوي والشيخ عبد الحميد كشك والدكتور مصطفى محمود وأحمد ديدات وغيرهم من رواد هذا التيار، وتمكن من توزيع ملايين الكتب بأسعار زهيدة جدا، ومن الغريب أن جل هذه الطبعات نفدت، وحققت الانتشار الذي كان يرجوه الحاج حسين.

والحق أن الذي ساعد على هذا الانتشار الواسع لمنشورات «المختار الإسلامي» تزامنها مع بداية الصحوة الإسلامية، يقول الحاج حسين: «وكأننا كنا مسخرين لخدمة هذه الصحوة وساهمنا فيها بما أوتينا من قوة». ومن أهم عوامل النجاح أيضًا أن الساحة الفكرية في مصر كانت حكرًا على اليساريين من منتصف الخمسينات حتى أواخر الستينيات، بسبب اتجاه الدولة المؤيد لهم والداعم لفكرهم، والمعادي للحركة الإسلامية عداء ضاريا، فلما ظهرت المختار بقوتها في قلةٍ من دور النشر الإسلامية حققت هذه الطفرة الكبيرة والنجاح الواسع في نشر الكتب الفكرية الإسلامية. أما عن نوع الكتب التي كان ينشرها، وهدفه من نشرها فيقول: «وما من كتاب صدر للمختار الإسلامي إلا كان هدفه أن يفيد المسلمين، ويعمل علي رفع شأنهم، ويعبر ويكون له دور في تشكيل وجدانهم».


«المختار الإسلامي» مدرسة الصحافة الإسلامية

بالرغم من هذا النجاح الباهر الذي حققته دار النشر، يبدو أن حلم تأسيس مجلة ناطقة بلسان الصحوة الإسلامية كان يراوده قبل تأسيس دار النشر. لقد كان الحاج حُسين متأثرا بمجلة «ريدرز دايجست Reader’s Digest» وهي مجلة أمريكية كان إصدارها العربي يسمى المختار، وكان العلامة فؤاد صروف والعلامة محمود محمد شاكر قائمين على تحريرها وترجمة مقالاتها، ومن هنا يتضح سبب اختيار اسم «المختار الإسلامي».

كان الحاج حسين يعتقد بأن الصحافة في السبعينات «أداة تأثير سريع ومباشر على عقول الناس، تصوغ الاهتمامات .. تصافح كل يد .. تخاطب كل فكر» فأراد لمجلته المختار الإسلامي أن «تكون نواة لمدرسة صحفية إسلامية حديثة» وقد كانت؛ فقد صدر العدد الأول من مجلة المختار الإسلامي الشهرية في ١٥ شعبان ١٣٩٩ = يوليو ١٩٧٩، ونفد بعد ثلاثة أيام من صدوره فقط، وفيها كان يستعين بأعلام الحركة الإسلامية في عصره في الكتابة مثل العلامة أبي الحسن الندوي، والعلامة أبي الأعلى المودودي، الشيخ الشعراوي، وفتحي الشقاقي مؤسّس الجهاد الإسلامي في فلسطين، والكاتب المعروف أحمد بهجت، والدكتور محمد يحيى أستاذ الأدب الإنجليزي، والكاتبة صافي ناز كاظم وغيرهم. كما فتح المجال لناشئة الكُتاب من الشباب مثل الأستاذ جمال سلطان والدكتورة هبة رؤوف عزت وغيرهما، وكان يسعى دائما لكل جديد، ويقول: «أنا دائمًا أحب الأفكار الجديدة وأجري وراءها».

لذا؛ فاقت المجلة دار النشر في شُهرتها، وأصبح لها ملحقات تخاطب كل فئات المسلمين، فأصدر ملحق اسمه «هاجر» للمرأة المسلمة، وجعل على تحريره فريق تحرير من النساء حصرًا، وملحق «زمزم» للطفل، وملحق «المسلم الواعد» للشباب؛ فقد كان همه أن تخاطب المختار كل من تشمله كلمة الإسلام دون النظر إلي توجهه أو الأسلوب الذي يتخذه في حياته ما دام ينتظم في الاتجاه الإسلامي العام، ولم تحصر نفسها في مدرسة أو تيار، فكان شعارها «مجلة كل المسلمين».

لذلك عنيت المجلة بأخبار الإسلام والمسلمين في كل مكان منذ عددها الأول، ففي ذبك العدد كانت الموضوعات تتطرق إلى الجهاد الأفغاني ضد روسيا، ومعاناة المسلمين في بورما، وعن الثورة الإيرانية، وأجرت المجلة حوارا مع الخُميني مرشد الثورة، وكانت المجلة تذهب إلى أماكن الصراع لتتابع الواقع كما هو، وفي بعض الأوقات كان الحاج حسين يجري الحوارات بنفسه مع رموز تلك الوقائع، فقد سافر إلى أفغانستان، واحتك بالمجاهدين بها، وأجرى حوارا مع عبد رب الرسول سياف. وكذلك سخرت المجلة جهودها للدفاع عن القضية الفلسطينية والتعريف بها، ونشر أخبار الانتفاضات الفلسطينية، وفضح السياسات الصهيونية لتهويد القدس.

بالرغم من اتخاذ المجلة طابعا هادئا لا يسعى للاصطدام مع السلطة، لكن واقع الحال فرض على المجلة ذلك حين هاجمت المجلة سياسة الرئيس السادات مع إسرائيل، وزيارته للقدس، واعترضت على هجومه على علماء الإسلام فأصدر السادات قراراته بمصادرة المجلات الإسلامية سنة ١٩٨١م، وظلت «المختار الإسلامي» مغلقة لمدة ثلاث سنوات، ثم أعيد إصدارها مرة أخرى بحكم قضائي، وما زالت تصدر إلى الآن.


مآثر الأسرة العاشورية

لقد ترك الشيخ أحمد عيسى عاشور رحمه الله، ذرية محبة للتراث والثقافة والصحافة الإسلامية، ناشرة له، حريصة عليه، فابنه حسين عاشور تولى إدارة دار الاعتصام من بعد والده، وابناه مصطفى وعبد اللطيف أسسا دار القرآن، وابنه الدكتور محمد له مشاركة في التصنيف ومقالات بمجلة الاعتصام، وفي هذا الأسرة يقول الشاعر محمد المجذوب:

يا آل عاشورٙ أثقلتم كواهلنا … بما بذلتم من المعروف والكرمِ وكيف نشكر أو نجزي صنيعكم … وقد عدا كلّٙ مختار من الكٙلِم سجيّٙة تلك فيكم غير مُحدٙثٙة … لو رُمتُمُ كفّٙها أعيٙت ولم تُرٙمِ دامت عليكم ولا زالت مؤيّٙدة … من الإله بموصول من النعم فإن أمثالكم في الأرض زينتها … إذا خبا ضوؤها أفضت إلى الظُّلٙمِ

توفي الحاج حسين أحمد عيسى عاشور ظهر يوم الجمعة ١٠ من مارس ٢٠١٧ الموافق ١٣ من جمادى الآخرة ١٤٣٨ هـ، بعد معاناة شديدة مع المرض، وقد شيعت جنازته عقب صلاة العصر من مسجد السيدة نفيسة، ودفن بمقابر الجمعية الشرعية بالأوتوستراد، بعد حياة مليئة بالعطاء في مجال الصحافة الإسلامية التي كان لها دور مؤثر وبارز في مسيرة الصحوة الإسلامية في العقود الأربعة الأخيرة.

المراجع
  1. علماء ومفكرون عرفتهم – محمد المجذوب – الجزء الثاني – الطبعة الرابعة ١٩٩٢ دار الشواف.
  2. تتمة الأعلام – محمد خير رمضان يوسف – الجزء الأول – الطبعة الثانية ٢٠٠٢ دار ابن حزم.
  3. حسين عاشور يتحدث للشبكة حاوره الدكتور كمال حبيب على شبكة إسلام ويب بتاريخ ٢٧/ ١١/ ٢٠٠١ http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=6769
  4. مجلة المختار الإسلامي العدد الأول والثاني من السنة الأولى ١٣٩٩- ١٩٧٩.
  5. في وداع حسين عاشور – جمال سلطان – موقع جريدة المصريون
  6. تشييع جثمان الحاج حسين عاشور مؤسس مجلة “المختار الإسلامي” عصر اليوم – صحيفة صاد الإلكترونية