حيدر العبادي: رحلة رئيس وزراء عراقي في لوبيات واشنطن
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
تسلَّم حيدر العبادي رئاسة وزراء العراق في أغسطس (آب) 2014 بعد خلاف على شرعية تسلُّمه للمنصب أثاره نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، والذي فقدَ منصبه بعد الانتخابات البرلمانية المنعقدة في ذلك العام.
سعى المالكي لرئاسة وزراء العراق لمرَّة ثالثة، بعد أن حكم البلاد منذ منتصف 2006، ورغم أن حزبه، حزب الدعوة الإسلامية، الحزب العراقي الشيعي، حازَ أكبر عدد من المقاعد في البرلمان فإنه لم يحقق الأغلبية، وقرَّرت التيارات التي كوَّنت ائتلافًا برلمانيًّا مع الحزب أن ترشح حيدر العبادي بدلًا من المالكي ليكون رئيسًا للوزراء.
وهنا اعترض المالكي واعتبر هذه الإجراءات «غير دستورية»، ولكنه سحب لاحقًا طعونه وتراجع عنها بعد الترحيب والدعم المحلي والإقليمي والدولي للعبادي.
في هذا التقرير نستعرضُ تحرُّكات حيدر العبادي من خلال عقودٍ مع ثلاث شركات ضغط سياسي كبيرة في واشنطن، ونُلقي الضوء على اتصالاته من خلالها مع مسئولين أمريكيين بعضهم من جهات أمنية أمريكية، ومع العديد من أعضاء الكونجرس ومسئولي وزارة الخارجية.
تَرِكة المالكي للعبادي: تنظيم «داعش» في توسع
لم تكن أعوام حكم نوري المالكي سهلةً على العراق والعراقيين، وشهدت آخرها أزمات متتالية فاقمها تهميش السُّنة، والخلاف المستمر بين حكومة بغداد المركزية وحكومة إقليم كردستان العراق ومساعيها المستمرة للانفصال عن العراق وتوسيعها لصلاحيتها من حصة حكومة بغداد وسلطاتها.
ومنذ 2011 شهد العراق سلسلة من التظاهرات في المدن السنية احتجاجًا على تردِّي الأوضاع الاقتصادية والتهميش السياسي للسنة، وفي فتراتٍ مختلفة ردَّت حكومة المالكي بالقوة على هذه الاحتجاجات، ما أدَّى لتفاقمها وتوسعها، ثم بدأت المواجهات مع «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)».
ومنذ منتصف 2012 وحتى منتصف 2013 أطلق التنظيم حملةً لتحرير سجناء تنظيم القاعدة والجهاديين من السجون العراقية، وخلال 2013 توسَّعت سيطرة التنظيم على أجزاءٍ من العراق وصولًا إلى منتصف 2014 ليسيطر أيضًا على الموصل، والفلوجة، وتكريت، وفي تلك اللحظة تدخَّلت إيران تدخلًا مباشرًا في الحرب ضد التنظيم، وطلبت الحكومة العراقية من الولايات المتحدة أن تنفِّذ هجمات جوية ضد «داعش»، وفي 29 يونيو (حزيران) 2014، أعلن التنظيم تأسيس «الخلافة»، وخرجَ المالكي بعدها بشهور من رئاسة الوزراء والحرب على أشدِّها ضد التنظيم.
في هذا السياق تسلَّم العبادي رئاسة الوزراء من المالكي، بعد خلافٍ محلِّي معه وتوسُّعٍ جموحٍ لتنظيم داعش في العراق وفي سوريا. لم تعمل آنذاك لصالح الحكومة العراقية سوى شركة ضغط سياسي واحدة، «مجموعة بوديستا – Podesta Group» للضغط وللعلاقات العامة.
تأتي أهمية الشركة من علاقاتها الوثيقة والقوية بالحزب الديمقراطي، وقد تضخَّم نفوذها ومعه تضخَّمت سمعتها، بعد فوز الديمقراطيين بأغلبية في مجلس النواب عام 2006 ثم بعد عامين في 2008 تلاه فوز مرشح الحزب الديمقراطي، باراك أوباما، برئاسة الولايات المتحدة.
ومع قدوم أوباما تولَّت هيلاري كلينتون منصب وزيرة الخارجية، ما رفع من أسهم الشركة، إذ أدارها آنذاك توني بوديستا، وأخوه هو جون بوديستا الذي عملَ مع الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون منذ دخوله البيت الأبيض، وكان مديرًا لموظفيه منذ نهاية 1998 وحتى خروجه عام 2001، وبعد فوز أوباما بانتخابات الرئاسة عام 2008، ترأس جون الفريق الانتقالي لأوباما، ثم عملَ مستشارًا له لمدة عام بين 2014 – 2015، وللشركة علاقةٌ قوية أيضًا بجو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي باراك أوباما آنذاك، ولجو بايدن تأثيرٌ كبير في السياسة الأمريكية في العراق؛ إذ ولَّاه أوباما إدارة الملف منذ بداية رئاسته.
من المالكي إلى العبادي: «مجموعة بوديستا» تتابع تقديم خدماتها للحكومة العراقية
وظَّفت حكومة المالكي مجموعة بوديستا في 5 فبراير (شباط) 2013، وتابعت تقديم خدماتها له حتى نهاية فترته، وللاطلاع على تقرير شامل عن أنشطة المالكي في اللوبيات الأمريكية اضغط (هنا).
نفَّذت الشركة خدمات ضغط سياسي بشكل أساسي على وزارة الخارجية الأمريكية، وبكثافة أكبر على الكونجرس، ومثَّلت الحكومة العراقية في التواصل مع وسائل إعلام أمريكية كبرى مثل صحف «واشنطن بوست»، و«نيويورك تايمز»، و«وول ستريت جورنال» ومنصة «بلومبرج».
ومع تولِّي العبادي لرئاسة الوزراء تابعت حكومته العمل مع مجموعة بوديستا، حتى 31 مايو (أيار) 2017، ومنذ عمل الشركة في 2013 للحكومة العراقية أخذت 3 ملايين و865 ألف دولار أمريكي، وقد وقَّع على التعاقد جابر حبيب، السفير العراقي في أمريكا آنذاك.
بعد تسلُّم العبادي لرئاسة الوزراء العراقية بشكل كامل في سبتمبر (أيلول) 2014 عادت الشركة للعمل بكثافة أكبر، إذ قلَّت أنشطتها مع اندلاع الخلاف في العراق على رئاسة الوزراء.
وتستفتح الشركة خدماتها للعبادي باتصالاتٍ عديدة مع وزارة الخارجية الأمريكية، أهمها مع السفير ستيوارت جونز، السفير الأمريكي للعراق (2014 – 2016) وقد عملَ سابقًا سفيرًا للأردن (2011 – 2014)، وقد عملَ دبلوماسيًّا في العراق عام 2004، وعملَ أيضًا مديرًا لشئون العراق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض.
واجتمعت الشركة مع ستيوارت مرة ثانية، ولكن حضرَ الاجتماع هذه المرة دبلوماسيان آخران، جوناثان كوهين، نائب رئيس البعثة الأمريكية في بغداد (2014 – 2016)، واشتغل في السفارة الأمريكية هناك منذ 2004 وحتى 2008، وحضرَت الاجتماع مارتينا سترونج، التي كانت آنذاك مستشارة سياسية بالسفارة الأمريكية ببغداد، وللشركة في هذه الفترة اجتماعات مع موظفين آخرين بالخارجية الأمريكية.
ومن اللافت للنظر اجتماع الشركة بإليوت إيفانز، وهو ضابطٌ في سلاح الجو الأمريكي، عملَ في العراق عام 2004 وعاد إليه في 2008 ليعمل مسئولًا عن السلامة والحماية للقوى الأمريكية في الرمادي، بحسب ما ذكرَ إيفانز عن نفسه في حسابه على منصة «لينكدإن».
أما في الكونجرس، فقد اجتمعت الشركة مع توم كوتون، عضو لجنة الشئون الخارجية، الجمهوري الذي كانَ حينها نائبًا ثم صارَ سيناتور في 2015، وستتواصل الشركة معه لاحقًا عدة مرات.
توم كوتون، حاربَ في غزو العراق وأفغانستان لخمسة أعوام من 2005 وحتى 2009، وترشح وفاز بمقعد في مجلس النواب الأمريكي بين 2013 – 2014 ثم ترشح ليكون سيناتور في مطلع 2015، وفي مجلس الشيوخ انضمَّ للجنة القوات المسلحة ولجنة الاستخبارات.
وتواصلت الشركة في الفترة نفسها مع زميله النائب الجمهوري مايكل تيرنر، عضو لجنة القوات المسلحة ولجنة الرقابة والإصلاح الحكومي، وتواصلت الشركة معه لاحقًا بشكل متكرر، وأخيرًا اجتمعت الشركة مع السيناتور الجمهوري مارك كيرك، عضو لجنة المخصصات المسئولة عن جزء المساعدات الأمريكية المالية والعسكرية.
وقد عارض كوتون الاتفاقية النووية الإيرانية التي رعتها إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، وروَّج للتدخُّل العسكري ضدَّ إيران، وفي مقابلةٍ معه قال إنَّ الحل العسكري لن يكون معقدًا وصعبًا، ولن يتطلب إنزالًا بريًّا للقوات وسينتهي في غضون أيام، وشبَّه الوضع مع إيران بما حصل لإدارة بيل كلينتون حين ضربت العراق في ديسمبر (كانون الأول) 1998 بقصف جوي وبحري ردًّا على تدخُّل الحكومة العراقية في عمل المفتِّشين الدوليين الذين عملوا على التحقق من وجود أسلحة دمار شامل في العراق.
وكوتون من مؤيدي التدخل العسكري الأمريكي الخارجي، ودعمَ قرارات أوباما بتمديد بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، وأشارَ إلى ظهور «داعش» بوصفه من آثار الانسحاب الأمريكي من العراق عام 2011.
مُتسقًا مع مواقفه السياسية الأخرى، رحَّب كوتون باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
عام 2015: العبادي يُصعِّد الضغط في واشنطن
تكشف وثائق مجموعة «بوديستا» عن تصاعد كثيف في أنشطتها لصالح حكومة العبادي مع بداية عام 2015 وحتى نهايته، وربما كان سبب الزيادة في الأنشطة هو التمهيد لزيارة العبادي للولايات المتحدة في أبريل (نيسان) 2015، والتي قصدَ فيها البيت الأبيض ليطلب دعمًا أمريكيًّا أكبر لحكومة العراق في حربها ضد تنظيم «داعش»، واجتمع العبادي أيضًا مع جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، واجتمع أيضًا برئيسي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لتأمين ديون لمساعدة الحكومة العراقية في الحرب ولإعادة الإعمار، خاصة مع انخفاض سعر النفط عالميًّا في ذلك الوقت.
لكن العبادي خرجَ من البيت الأبيض بـ200 مليون دولار أمريكي فحسب، رغمَ أنه جاء بفاتورة من مليارات الدولارات، واقتصر الدعم الأمريكي على الوضع الإنساني، وفي وقتٍ سابق لزيارة العبادي، صرَّح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن الولايات المتحدة تتوقع من «الدول العربية الغنية نفطيًّا» أن تدفع معظم الأموال التي يحتاجها العراق، وفقًا لما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز».
وتأتي زيارة العبادي بعد حملة عسكرية لاستعادة مدينة تكريت تمَّت بمساعدة وضربات جوية أمريكية في مارس (أذار) 2015. وفي معرض شكر العبادي للولايات المتحدة قال: إن أمريكا وشعبها قدَّما «تضحيات عظيمة» للعراق، وإنَّ «دم أبناء وبنات أمريكا امتزج بدم العراقيين».
ومن الملاحظ أن الشركة وسَّعت في تلك الفترة من تواصلها مع وسائل الإعلام الدولية والأمريكية الكبرى، وضمَّت جهات جديدة بالإضافة لوسائل الإعلام التي ذكرناها سابقًا، ومنها مجلة «بوليتيكو»، ووكالات الأنباء «رويترز»، و«أسوشيتد برس»، وصحيفة «فاينانشيال تايمز».
مع الكونجرس
نفذت الشركة ما يزيد على 27 اجتماعًا مع أعضاء في الكونجرس، معظمهم جمهوريون، ويعملون في لجان القوات المسلحة ولجان الشئون الخارجية.
يبرز من بينهم النائب الجمهوري آدم كينزينجر لتواصل الشركة معه عدة مرات، وهو عضو بلجنة الخارجية، ولجنة الطاقة والتجارة. شاركَ كينزينجر في حربي العراق وأفغانستان، وهو وتوم كوتون الوحيدان المؤيدان للتدخُّل العسكري الأمريكي على خلاف زملائهما من أعضاء الكونجرس الذين شاركوا في حرب العراق وأفغانستان.
صرَّح كينزينجر عام 2013 لصحيفة «واشنطن بوست» بأنَّه قَلِق من عدم القبول الشعبي في الولايات المتحدة لمُقترح الرئيس جورج بوش الابن بزيادة أعداد القوات الأمريكية في العراق عام 2007، وحينها قرَّر أنَّه إذا دخل الكونجرس فلن يتوانى عن تأييد ما يراه صائبًا في شئون السياسة الدولية، وفي حالة كينزينجر، الصائبُ إرسال المزيد من القوات وإبقاء الموجود منها في موقعها.
في 12 يونيو 2014 دعا كينزينجر الرئيس أوباما ليأمر بضربات جوية وبهجمات طائرات مسيَّرة ضد تنظيم «داعش» في العراق، وطالب بتقديم الدعم العسكري للعراق.
تواصلت الشركة أيضًا مع السيناتور الشهير جون ماكين، وهو عضو في لجنتي القوات المسلحة والخارجية. كان ماكين من أشرس الجمهوريين المؤيدين للحرب على العراق في 2003، وظلَّ ثابتًا في موقفه الداعم للحرب حتى آخر عمره، وأيَّد في السنوات التالية للغزو إرسال المزيد من القوات الأمريكية للعراق، وكان يرى أن النصر الأمريكي قريب. لكن موقع «بوليتيكو» نقلَ أنه قال في مذكراته إن حرب العراق كانت خطأً كبيرًا فعله الأمريكيون.
نافسَ ماكين في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2008 ضدَّ باراك أوباما، وفي حملته الرئاسية انتقدَ دعوة أوباما والديمقراطيين لسحب القوات الأمريكية من العراق، وكان ضدها.
تواصلت الشركة أيضًا مع شيوخ مهمِّين، منهم السيناتورة الجمهورية جوني إرنست، عضوة لجنة القوات المسلحة ولجان أخرى، ومع السيناتورة الديمقراطية البارزة والقوية ديانا فاينشتاين، عضوة عدَّة لجان مهمة، منها لجنة الاستخبارات، وقد ترأستها حتى نهاية عام 2014، ثم صارت زعيمةً للأقلية الديمقراطية فيها، وهي عضوة في لجان القضائية والمخصصات أيضًا.
ديانا من أهم داعمي حكومة إقليم كردستان العراق داخلَ الكونجرس، وتواصل معها اللوبي الكردي بكثافة وبشكل مستمر خلال السنوات الماضية، وقد انتقدت فاينشتاين سياسة إدارة أوباما تجاه سوريا والعراق وفي الحرب على داعش ودَعت أوباما لتدخُّل أقوى وأكبر في الحرب ضد التنظيم في العراق وسوريا.
وقد طالبت فاينشتاين في حديثٍ لها مع «سي إن إن» بمنح صلاحيات أوسع للأكراد، ودمج السُّنة في العملية السياسية والسماح لهم بالدخول في الحكومة العراقية.
وللشركة خلال عام 2015 اتصالاتٌ مع قادة الحزب الجمهوري في الكونجرس، فمثلًا اجتمعت مرة مع جون بينر، النائب الجمهوري ورئيس مجلس النواب، وتواصلت عدَّة مرات مع مكتبه، واجتمعت أيضًا بموظفين يعملون للنائب كيفين مكارثي، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب منذ مطلع 2015، وأخيرًا مع ميتشل ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، وعضو لجان الاستخبارات والمخصصات ولجان أخرى.
ومن الجدير بالذكر أن العبادي اجتمع بهؤلاء الأعضاء في زيارته إلى واشنطن في أبريل 2015.
مع وزارة الخارجية الأمريكية
اجتمعت الشركة مرتين بستيوارت جونز، السفير الأمريكي للعراق (2014 – 2016) وقد سبق ذكره، واجتمعت الشركة لمرة ثالثة معه برفقة الدبلوماسي الأمريكي بريت ماكجورج، بصفته نائبًا لمساعد وزير الخارجية آنذاك، ولاحقًا عُيِّن مبعوثًا أمريكيًّا للتحالف الدولي لمحاربة «داعش» سبتمبر 2014 – نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
واجتمعت الشركة بدبلوماسيين آخرين مثل ستيفين جيلين، الذي عمل بمكتب شئون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية، وكان نائبًا للقنصل في القنصلية الأمريكية في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق.
وتكشف وثائق الشركة أن الاجتماعات بهؤلاء المسئولين تكرَّرت خلال عام 2015، ولكن الشركة لم تقتصر على التواصل معهم، بل اجتمعت أيضًا مع تشارلز كين كومر، رئيس قسم المبيعات العسكرية في وزارة الخارجية الأمريكية، وفقًا لحسابه على منصة «لينكدإن»، ومع ماكس بيرجمان، المساعد الخاص لنائب وزير الخارجية لشئون التحكم في السلاح والأمن الدولي.
وتكشف وثائق الشركة عن اجتماعاتٍ أمنية لافتة للنظر، أولها اجتماع مع مايك كورتز، عميل خاص في وزارة الخارجية لشئون الحماية الدبلوماسية، وثانيها مع باتريك جلايز، من وزارة الأمن الداخلي الأمريكية، ولكن لم نستطع التوثق من هويته أو طبيعة عمله في الوزارة.
ومن الجدير بالذكر هنا اجتماع الشركة في النصف الأول من عام 2017 مع جون كيلي، وزير الأمن الداخلي الأمريكي.
وأخيرًا تواصلت الشركة لصالح حكومة العبادي مع البيت الأبيض، لأول مرة منذ تعاقدها مع الحكومة العراقية، فاجتمعت مع روبرت ماركوس، مساعد تشريعي خاص للرئيس باراك أوباما للتنسيق مع الكونجرس في قضايا الأمن القومي والشئون الخارجية، وهو مسئول عن التنسيق بين البيت الأبيض ولجان أمنية وسياسية مهمة في مجلس النواب مثل: لجنة القوات المسلحة، والشئون الخارجية، والأمن القومي، والاستخبارات.
2016.. هدوء نسبي للعبادي في عالم اللوبيات
تُظهر وثائق الشركة هدوءًا نسبيًّا لأنشطتها في عام 2016، إذ اقتصرت اجتماعاتها في الكونجرس على 12 اجتماعًا فقط، ولكنها اجتماعاتٌ مُختارة بعناية أيضًا، مع شخصيات مفصلية، فمثلًا اجتمعت الشركة بتشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية في لجنة القواعد، اللجنة المسئولة عن تحديد وترتيب أجندة الكونجرس.
واجتمعت الشركة بمكاتب شخصيات أخرى، مثل النائب الجمهوري باول ريان، رئيس مجلس النواب منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015، ثم مع كيفين مكارثي، زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس منذ مطلع 2015.
واجتمعت الشركة بشكل مباشر مع النائبين الجمهوريين: إد رويسي، رئيس لجنة الشئون الخارجية، وماك ثورنبيري، رئيس لجنة القوات المسلحة. في يناير (كانون الثاني) 2007 وصفَ ثورنبيري الحرب في العراق بأنها صراعٌ أيديولوجي وسياسي، وأيَّد مطالب الرئيس بوش بإرسال المزيد من الجنود الأمريكيين للعراق.
وفي مايو 2015 عملَ ثورنبيري ومعه أغلبية في الكونجرس على إقرار مخصصاتٍ مالية لتسليح جهات داخل العراق مثل الأكراد والسُّنة، ليستطيعوا محاربة «داعش»، ونصَّت تشريعات الكونجرس التي اقترحها ثورنبيري على أن يقدم السلاح والتمويل بشكل مباشر من الولايات المتحدة لهذه المجموعات السنية والكردية، دون المرور بالحكومة المركزية في بغداد التي يرأسها العبَّادي.
وخصَّص الكونجرس في ميزانية الولايات المتحدة لعام 2016 قرابة 715 مليون دولار من الدعم العسكري للعراق، ونصَّ تشريع ثورنبيري على أن يحوِّل 25% منها بشكل مباشر إلى قوات البيشمركة الكردية، وإلى جهات سُنية أخرى، دون المرور بحكومة بغداد.
وفي هذا الصدد صرَّح مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق آنذاك، بأنَّ حكومة بغداد لم تمد القوات الكردية بالسلاح بشكلٍ كافٍ ولا بالسرعة المطلوبة.
عارضَ العبادي هذا المقترح، وساندته جهاتٌ عراقية شيعية أخرى، فردًّا على هذا التشريع هدَّد مقتدى الصدر، المرجع الشيعي، بإطلاق يد الأجنحة العسكرية الشيعية لتُهاجم المصالح الأمريكية في العراق وخارجها، واعتبر هو وسياسيون شيعيون آخرون أن هذه محاولة أمريكية لتقسيم العراق ومنح استقلال للسُّنة والأكراد.
ولهذا المقترح معارضوه أيضًا داخل الولايات المتحدة، على رأسهم إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، ومعه وزير الدفاع آش كارتر (2015 – 2017)، الذي صرَّح حينها بأن مقترح التسليح المباشر للسُّنة والأكراد قد يهدِّد وحدة العراق، ما سيصعِّب مهمة محاربة «داعش» على المدى البعيد.
وفي 9 ديسمبر 2015 مرَّرت لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب، وبالإجماع، تشريعًا يخوِّل الحكومة الأمريكية بالتنسيق المباشر مع الأكراد دون المرور بالحكومة المركزية ببغداد، وجاء التشريع بدعم جمهوري وديمقراطي، قاده النائب الجمهوري البارز إد رويسي، رئيس اللجنة، الذي أبدى تعاطفًا كبيرًا مع الأكراد وقال إنهم يُحاربون «داعش» بأسلحة بالية وقديمة وهم من أقرب الحلفاء لأمريكا في حربها على التنظيم، وأيَّده زعيم الديمقراطيين في اللجنة، إليوت أنجل.
وقدَّر رويسي آنذاك – نهاية 2015 – عدد قوات البيشمركة بـ160 ألف مقاتل.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن الشركة اجتمعت مرتين مع النائب الجمهورية إليانا روس ليتنين، عضوة لجنة الخارجية ورئيسة اللجنة الفرعية فيها عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي عضوة لجنة الاستخبارات أيضًا.
يُلاحظ أن الشركة لم تجتمع بوزارة الخارجية في النصف الأول من 2016، ولكنها عاودت الاتصال بها في النصف الأخير، بثلاثة اجتماعات جميعها مع موظفين يعملون في الشئون الاقتصادية.
أولها مع إريك كاموس، مستشار اقتصادي بالوزارة لم نستطع التوثق من منصبه في وقت الاجتماع، ويعمل الآن في السفارة الأمريكية في البوسنة والهرسك، وثانيها مع مات أميترانو، نائب المدير الاقتصادي في الخارجية، ويعمل في مكتب العراق في الوزارة، وأخيرًا مع مايكل جريفيث، موظف اقتصادي في مكتب العراق في الخارجية بين عامي 2015 – 2017.
تموضعٌ جديد للعبادي مع قدوم ترامب
مع فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، ودخوله البيت الأبيض في يناير 2017، بدأ لوبي الحكومة العراقية في تغييراتٍ هيكلية، وأنهى تعاقده مع مجموعة «بوديستا» التي مثَّلت الحكومة منذ 2013 وحتى 31 مايو 2017، ومقابل خدماتها لحكومات المالكي والعبادي، أخذت الشركة 3 ملايين و865 ألف دولار أمريكي، بحسب وثائق وزارة العدل الأمريكية.
إنهاء تعاقد الحكومة العراقية مع الشركة يأتي بعد فوز دونالد ترامب، بوصفه مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، ما عنى آنذاك تراجع قوة شركة «بوديستا» ونفوذها في سوق اللوبيات، لأن هيلاري كلينتون خسرت الانتخابات، وقد رفعت احتمالية فوزها من أسهم شركة «بوديستا» لما بينها وبين عائلة كلينتون من علاقاتٍ قوية، ورغم ذلك قال مسئول عراقي لم يكشف عن هويته لموقع «المونيتور»، إنَّ الحكومة العراقية تحتاج لتقليص نفقاتها، ولهذا السبب أنهت علاقتها بالشركة.
ومما يبدو أنه استعداد لقدوم ترامب، كثَّفت الشركة من اتصالاتها في مطلع 2017 لتجتمع 28 مرة بشكل مباشر مع أعضاء في الكونجرس، و10 مرات مع موظفين يعملون بمكاتب الأعضاء.
وأعادت الشركة التواصل مع معظم الجهات التي ذكرناها سابقًا في التقرير، ومن اللافت للنظر اجتماعاتها المتكررة مع لجان القوات المسلحة ولجان الخارجية في الكونجرس، وهي لجان معنية بشكل مباشر بالسياسة الأمريكية تجاه العراق، وبالوجود العسكري الأمريكي هناك.
وتجهيزًا للمشهد الجديد في واشنطن، وقبل إنهاء تعاقد مجموعة بوديستا، وقَّعت حكومة العبادي عقدًا قصير العمر، امتدَّ من 23 فبراير 2017 وحتى 6 أكتوبر 2017، مع شركة «براونستين هايت فاربر شريك – Brownstein Hyatt Farber Schreck»، وقَّع على التعاقد فريد مصطفى ياسين، السفير العراقي إلى الولايات المتحدة، وأخذت الشركة طوال مدة العقد 120 ألف دولار أمريكي.
عملَ في الشركة لصالح الحكومة العراقية ألفرد موتور، وهو ديمقراطي عملَ سابقًا في مجلس الشيوخ وعملَ في فريق هيلاري كلينتون الانتخابي، ومعه أيضًا جيم نيكولسون، سياسي أمريكي من الحزب الجمهوري عملَ وزيرًا لشئون المحاربين القدامى (2005 – 2007)، وتعكسُ هذه التشكيلة رغبة اللوبي العراقي بالتواصل مع كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. فماذا قدمت الشركة الجديدة لحكومة العبادي؟
بدأت الشركة عملها على ملفين، الأول رفع العراق من قائمة الدول التي حظرت إدارة ترامب مواطنيها من دخول الولايات المتحدة، وكان العراق من بينها مع دول أخرى غالبية سكانها من المسلمين، هي: الصومال، وليبيا، وإيران، وسوريا، والسودان، واليمن.
وقَّع ترامب على هذا القرار في 27 يناير 2017، ولكنه رفع العراق من القائمة في 6 مارس 2017 بعدما بدأت الشركة حملة ضغطها في هذا الملف، وبدأتها بمراسلات لوزير الدفاع، جيمس ماتيس، ووزير الخارجية آنذاك، ريكس تيلرسون.
الملف الثاني الذي عملت عليه الشركة كان التمهيد لزيارة العبادي الأولى لأمريكا بعد تولِّي ترامب؛ إذ جاء العبادي لواشنطن في مارس 2017، وبدأ سلسلةً من الاجتماعات، أهمها بالطبع اجتماعه مع ترامب في البيت الأبيض يوم 21 من الشهر نفسه.
وعملت الشركة أيضًا على تنسيق اجتماعات للعبادي مع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، ريكس تيلرسون، ومع وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس، وأخيرًا مع الكونجرس.
واستطاعت الشركة بالفعل أن تنسق عشاءً جمعَ العبادي بوزير التجارة الأمريكي، ولم نستطع التوثُّق إذا ما اجتمع العبادي بوزير الخارجية الأمريكي في تلك الزيارة.
وتذكرُ وثائق الشركة أن العبادي اجتمعَ بتسعة أعضاء بمجلس الشيوخ يعملون في لجنة القوات المسلحة، في يوم 22 مارس 2017، وممن حضروا الاجتماع السيناتور الجمهوري الشهير جون ماكين أحد أهم دعاة الحرب على العراق ومن مناصري استمرارها.
وضمَّ الاجتماع أيضًا السيناتور الديمقراطي جاك ريد، سيناتور بارز وعضو في لجان مهمة مثل لجنة الاستخبارات، ولجنة المخصصات.
وجاءت زيارة العبادي آنذاك بالتوازي مع تقدُّم الحرب على تنظيم «داعش» في العراق في تلك الفترة، بعد ثلاث سنوات من حكم العبادي، وقبيل الزيارة أعلنَ العبادي سيطرة القوات العراقية على شرقي مدينة الموصل، وفي منتصف العام، يوم 10 يوليو (تموز) 2017، أعلنَ الانتصار على داعش في العراق.
وتواصل طاقم الشركة مع مسئولين بالحكومة الأمريكية، فتواصلوا مع جويل رايبورن، مسئول أوَّل بمجلس الأمن القومي عن إيران والعراق وسوريا ولبنان، وقد أصبح في يوليو 2018 نائبًا لمساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى ومبعوثًا خاصًّا لسوريا.
وتواصلت الشركة مع بريت ماكجورج، الذي كان حينها المبعوث الأمريكي الرئاسي للتحالف الدولي لمحاربة داعش، وهو من أهم الدبلوماسيين الأمريكيين العاملين على الشرق الأوسط، وقد عيَّنه الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، في 2021 ليكون منسق شئون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي.
وتُورد وثائق الشركة اجتماعًا وحيدًا بوزارة الخزانة الأمريكية، مع دانيال جلاسر، مساعد وزير الخارجية لشئون تمويل الإرهاب والجرائم المالية.
ومن الجدير بالذكر أن الشركة تواصلت مع صحيفة «ذا هيل» لتطلب تعديلات على مقالٍ نُشر عن الحكومة العراقية، وطلبت اجتماعًا للحكومة العراقية مع فريق من الصحيفة، وطلبت الشركة اجتماعًا آخر مع فريق صحيفة «واشنطن بوست».
ومن الجدير بالذكر أنَّ الشركة قدَّمت نوفل الحسن لمجموعة من السياسيين الأمريكيين، وعرَّفت به آنذاك بأنه نائب مدير مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي، وقد عمل الحسن سابقًا مستشارًا للعلاقات الخارجية لرئيس الوزراء نوري المالكي بين 2007 – 2008، بحسب الوثائق، ووصفته وسائل إعلام عراقية بأنه مستشارٌ للعبادي.
بدأ هذا التعاقد في فبراير 2017 وانتهى في أكتوبر من العام نفسه، وحصلت فيه الشركة على 120 ألف دولار مقابل خدماتها.
شركة جديدة تنضم لطاقم اللوبي العراقي
فور انتهاء التعاقد السابق، بدأت الحكومة، من خلال وزارة الخارجية العراقية، في تعاقدٍ جديد مع «مجموعة ليفينجستون – Livingston Group»، في 1 ديسمبر 2017، ويأتي هذا التعاقد لحكومة العبادي قبل شهور من الانتخابات البرلمانية في العراق، ووقَّع عليه مجددًا فريد ياسين، السفير العراقي إلى أمريكا.
عُقدت الانتخابات البرلمانية في العراق في 12 مايو 2018، وهذه المرة تنافس في الانتخابات حيدر العبادي مباشرة مع نوري المالكي؛ إذ شارك كل منهما بقائمة منفصلة.
وبعد صدور النتائج، كانت قائمة ائتلاف السياسي الشيعي مقتدى الصدر متصدرةً بحصولها على 54 من 239 مقعدًا في البرلمان العراقي، يليها ائتلاف الفتح، المقرَّب من قوات الحشد الشعبي وفقًا لـ«بي بي سي»، وثالثًا ائتلاف النصر الذي حصل على 42 مقعدًا بقيادة العبَّادي، وأما تحالف المالكي فقد جاء في المرتبة الخامسة، وفاز فقط بـ25 مقعدًا.
وبعد مفاوضاتٍ طويلة وشاقة استمرت قرابة خمسة شهور، توافقت القوى السياسية على تعيين السياسي الشيعي عادل عبد المهدي رئيسًا للوزراء في 25 أكتوبر 2018، وبذلك كان العبادي، وخصمهُ المالكي، جميعًا خارج السلطة التنفيذية في العراق، مع احتفاظهما بقوائمهما في مجلس النواب.
شركة ليفينجستون أحد أكبر شركات الضغط السياسي في واشنطن، وقد عملت سابقًا لصالح الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك، ثم خَدَمت المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية خلال أوَّل عام من ثورة يناير، ويمكنك الاطلاع على تفاصيل تعاقدها مع المجلس العسكري من (هنا).
عملت الشركة على ترتيب وتنسيق العديد من الأنشطة والاتصالات لصالح السفير العراقي في واشنطن، فريد مصطفى ياسين، أولها عشاء في المجمع السكني للسفير حضرته أسماء لافتةٌ للنظر.
كان من بين الحضور جون نيجروبونتي، أول من تولى منصب مدير المخابرات الوطنية الأمريكية سابقًا، وقبل تسلمه المنصب عملَ سفيرًا للولايات المتحدة إلى العراق (2004 – 2005)، وموريس شوحيت، من «المنظمة العالمية لليهود من العراق» بحسب الوثائق، وهو باحثٌ أيضًا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ونسَّقت الشركة زيارة وفد من العراق إلى واشنطن فيه مسئولون عراقيون، منهم كاظم الحسني، الذي عرَّفته الوثائق بأنه مستشار اقتصادي في مكتب رئيس الوزراء، وسليم شلبي، وزيد العطار، وكلاهما من وحدة الإصلاح الاقتصادي في مكتب العبادي، بالإضافة لمسئولين آخرين.
وكانت هذه آخر الخدمات التي قدَّمتها مجموعة ليفينجستون لصالح الحكومة العراقية في قيادة حيدر العبادي، ومع خروجه من رئاسة الوزراء، استمرت الشركة في تقديم خدماتها للحكومة العراقية منذ ديسمبر 2017 وحتى كتابة هذا التقرير، وأخذت مقابل خدماتها للعبادي والحكومات التالية حتى الآن 770 ألف دولار أمريكي، بحسب وثائق وزارة العدل الأمريكية.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.