حافظ السبسي: حصان طروادة في تونس الديمقراطية
مقولة مر عليها ما يزيد على 6 أعوام أطلقها النظام المصري عقب قيام ثورة الياسمين في تونس، ورحيل نظام زين العابدين بن علي. لم يمر عليها عدة أشهر ليعلن الشعب المصري عكس ما قاله نظامه، والمتابع الجيد للمشهد العربي سيجد الكثير من أوجه التشابه بين مصر وتونس ما قبل الثورة وما بعدها، وخاصة في ملف التوريث.
فقد كان جمال مبارك نجل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والذي كان يحلم بحكم مصر أحد أهم أسباب سقوط والده، ليعود الشبه اليوم بين مصر وتونس بعد 7 سنوات من الثورتين التونسية والمصرية، على يد نجل الرئيس التونسي حافظ قائد السبسي، والمدير التنفيذي لحركة نداء تونس.
من رجل أعمال غير مهتم بالسياسة إلى زعيم
حافظ السبسي هو النجل الأكبر للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، لم يكن يعرف عنه أي نوع من أنواع المشاركة في الحياة السياسية، لكنه وفي أعوام قليلة من العمل في نداء تونس أصبح في يناير/ كانون الثاني من العام 2016 زعيمًا لنداء تونس خلفًا لوالده.
لم يكن حافظ من الشخصيات البارزة أو ذات الصيت في المشهد السياسي التونسي، ولم يظهر اسمه في عالم السياسة سوى في عام 2011، بعد تولي والده الباجي قائد السبسي لرئاسة الوزراء، ورغم تجاوزه الخمسين من عمره إلا أنه كان مهتما بالعمل التجاري وعالم رجال الأعمال، لينضم لحركة نداء تونس .
في 26 يناير / كانون الثاني من عام 2012 ا نطلقت حركة نداء تونس والتي أسسها الباجي قايد السبسي، وبعد شهور قليلة وفي 16 يونيو/ حزيران من العام نفسه تحولت نداء تونس إلى حزب سياسي، وأصبح حافظ السبسي من أهم القيادات في الحزب الذي أسسه والده، ويضم الحزب خليطا من اليسار وقيادات وشخصيات سياسية تنتمي لعهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
نداء تونس على طريقة الوطني
على طريقة الحزب الوطني في مصر والذي كان يتحكم في الأغلبية البرلمانية، وكان رئيسه هو رئيس الجمهورية حسني مبارك، فقد تحول نداء تونس إلى نموذج مشابه بعد سنوات قليلة من تأسيسه، فالحزب يسيطر على الأغلبية البرلمانية، وكذلك رئاسة الجمهورية.
فرغم قصر عمر الحزب، إلا أنه وفي أكتوبر/ تشرين من العام 2014،أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فوز نداء تونس بـ86 مقعدا في البرلمان التونسي والبالغ عدد مقاعده 2017 مقعدا تلاها حركة النهضة الإسلامية في المركز الثاني بـ69 مقعدا، وليست مفارقة إذا ما قورن ذلك بالوضع في مصر قبل الثورة وحتى بعدها فقد كانت جماعة الإخوان في مصر تحصل على عدد مقاعد هو الأكبر بعد الحزب الوطني.
ولم يكتف نداء تونس بالانتخابات البرلمانية، فقد ترشح الباجي قايد السبسي والد حافظ السبسي في الانتخابات الرئاسية التي أمام منصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق خلال الانتخابات التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2014، وعلى طريقة إعلان نتائج انتخابات الرئاسة المصرية في 2012، فقد استبق أنصار السبسي إعلان هيئة الانتخابات للنتيجة رسميًا وأعلن نداء تونس فوز السبسي بانتخابات الرئاسة، لتعلن النتيجة رسميا بفوزه بنسبة 55,68% على المرزوقي.
وبعد قرابة العام وفي يناير/ كانون الثاني من العام 2016،عقد الحزب مؤتمره العام ليختار الحزب، قيادته بالتوافق، وكان ضمن من وقع عليهم الاختيار حافظ السبسي ليتولى قيادة الحزب خلفا لوالده، وهو ما يفتح المجال للحديث عن أحلام مستقبلية، وهل يكتفي حافظ السبسى بخلافة والده فى رئاسة نداء تونس فقط أم له أحلام أخرى؟
الوريث والحزب الحاكم: خلافات واستقالات
قَبل أن يتولى حافظ السبسي زعامة نداء تونس، وبعدها شهد الحزب العديد من الخلافات كان هو جزء رئيسي منها، ففي الشهور الأخيرة لعام 2015 على سبيل المثال اشتعل صراع بين حافظ السبسي والأمين العام للحزب في ذلك الوقت محسن مرزوق، والذي اتهم خلاله حافظ السبسي بتأجير أشخاص لإفشال اجتماعات أشرف عليها مرزوق.
وأكد الصحراوي في تصريح إعلامي أن حافظ السبسي قام «بتأجير أشخاص من المنحرفين»، قصد إفشال اجتماعات أشرف عليها محسن مرزوق، واحتمد الصراع على خلافة الباجي السبسي بزعامة الحزب من كلتا الجبهتين .
وفي يناير/ كانون الثاني من العام 2016 شهد نداء تونس استمرار حالة الانقسام بعد استقالات عدد من نواب الحزب بالبرلمان،وكذلك أمينه العام محسن مرزوق، احتجاجا على ما وصفوه بالتهميش داخل الحزب، قبل تدخل باجي السبسي بصفته مؤسسه وإعلان تشكيل لجنة لأعداد مؤتمر توافقي فى نفس الشهر، وهو ما سمي بمؤتمر الوفاء، ثم تولي حافظ قايد السبسي منصب المدير التنفيذى لنداء تونس.
ولم يتوقف الأمر بعد ذلك ولكن يظل الخلاف هو سيد الموقف فقد حاولت مجموعة الإنقاذ والإصلاح بنداء تونس تحويل دفة الصراع بإبلاغ المصالح الحكومة بوجود مجموعة لتسيير الأعمال داخل الحزب مؤقتًا، بل وأقدمت على التفاوض مع حركة مشروع تونس والاتحاد الوطني الحر لتكوين «الجبهة الجمهورية» .
وفي يناير/كانون الثاني من العام الجاري قررت هيئة تسيير الأعمال طرد حافظ السبسي من الحزب، وهو ما نفاه الممثل القانوني للحزب، وأن من أصدر القرار لا يمثل قيادة نداء تونس من الأساس، ويظل الصراع دون حسم ويظل باب الخلاف داخل نداء تونس حول حافظ السبسي مستمراً.
حافظ السبسي بعيون الرأي العام
هكذا أ جاب منصف المرزوقي الرئيس التونسي السابق، حين سُئل عن حافظ السبسي فى فبراير/ شباط من العام الجاري، خلال لقائه مع الإعلامي معتز مطر على قناة الشرق، وهو رد فعل يمكن القياس عليه لاستطلاع الرأي العام التونسي، خصوصا إذا ما وضع فى الاعتبار أيضًا أن المرزوقي كان رئيس الجمهورية، فى مرحلة صعبة من تاريخ تونس وتعد أيضًا رسالة قوية لنداء تونس.
وفي فبراير /شباط من العام الجاري أيضاً خرج تسريب لنبيل القروي مالك واحدة من القنوات الفضائية التونسية، والذي تحدث فيه عن طلب حافظ السبسي مساعدته لضرب محسن مرزوق القيادي السابق بنداء تونس، والأمين العام لحركة مشروع تونس.
وأكد نبيل القروي في التسريب الصوتي أن نجل الرئيس حافظ قايد السبسي وصف نفسه بـ«زعيم تونس وحزب النداء».
واستكمالا لردود الأفعال على حرب التسريبات وأيضاً إعلانا لموقف صريح من حافظ السبسي فقد قالت النائبة البرلمانية عن حزب نداء تونس ليلى الشتاوي، إن حافظ قايد السبسي لا يملك الكفاءة والقدرة لتسييره وأنه كحصان طروادة بالنسبة لبعض الأطراف الانتهازية التي تسعى للسلطة، لتعاقب بتجميد عضويتها فى الحزب بعد اتهامات بتسريب تسجيلات لاجتماعات داخلية للحزب.
كرسي الرئاسة وحلم التوريث
بهذه الكلمات أ كد عمر سليمان أثناء المظاهرات الغاضبة بميدان التحرير أثناء أحداث ثورة 25 يناير، عدم نية ترشيح الرئيس الأسبق حسني مبارك لنجله فى انتخابات الرئاسة، وهو الحديث الذى ردده المقربون منه قبل الثورة وبعدها، رغم أن كل الشواهد كانت تؤكد عكس ذلك.
ليعود وبعد 6 سنوات من الثورة المصرية الباجي قايد السبسي و يقول: «تونس ليست مملكة»، نافيا نية نجله الترشح لانتخابات الرئاسة التونسية في 2019، وفي قول آخر قال أيضًا: «نجلي مواطن مثل جميع المواطنين، وله الحق في خوض الحياة السياسية، فابني يبلغ من العمر 55سنة».
برغم أن ما يحدث في نداء تونس وآخرها يدل أن حافظ السبسي يتدخل بالفعل في طريقة الحكم بتونس، وأن الحلم يراود نجل الرئيس التونسي، ففى مارس/آذار الجاري ظهرت تسريبات لنجل الرئيس التونسي، على طريقة التسريبات المصرية أيضاً.
فقد أبدى حافظ السبسي استياءه من التعديل الوزاري في الحكومة التونسية والتي أجريت في 27 شباط/فبراير الماضي، والذي تم دون علمه و قال حافظ السبسي في التسريب: «ندما وضعنا الشاهد على رأس الحكومة، كان هدفنا أن يتعاون معنا، ولم نتوقع أن يدير ظهره لنا».
ولم ينف حافظ السبسي التسريب و اعتبر أن التسجيلات المسربة عملية تخريبية تسهدف الحزب وقياداته.
أوجه التشابه بين الحالة المصرية والحالة التونسية، أو التشابه بين جمال مبارك وحافظ السبسي ربما ليست هي الدوافع الوحيدة للتركيز على حافظ السبسي، فدور الرجل البارز والصعود المستمر يجعله تحت دائرة الضوء، وربما تجيب الفترة المقبلة عن التساؤلات حول الدور الذى سيلعبه حافظ السبسي وإذا كان سيدفع به نداء تونس ليحل محل والده في الرئاسة كما حدث في الحزب.