قمة خليجية لبحث الاتحاد بحضور بريطانيا «البركسيت»
تستضيف البحرين غدًا السادس من ديسمبر/كانون الأول 2016م الدورة الــ37 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي، وسط مخاوف خليجية متزايدة من تنامي النفوذ الإيراني، يقابله تخلٍ أمريكي عن الحلفاء التقليديين، إضافة إلى تورط الخليج في أكثر من أزمة لم يستطع أن يحل أيًا منها. ولهذا من المرجح أن تحمل هذه القمة الكثير من التغيير في مستقبل مجلس التعاون وسط حديث عن وجود رغبة جادة في التحول إلى «حالة الاتحاد» رغم معارضة سلطنة عمان، التي تخالف باقي دول المجلس في الكثير من القضايا.
مخاوف تناقشها القمة
تستعد القمة الــ37 لمناقشة العديد من القضايا والأزمات التي تهدد مستقبل دول المجلس، ومنها الإرهاب وتراجع الدعم الأميركي والأزمات في اليمن وسوريا والعراق، فيما تأتي التدخلات الإيرانية على رأس هذه المناقشات حيث استطاعت طهران الإضرار بأمن الخليج، بأدوار تلعبها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان والبحرين.
أصبحت إيران بالنسبة للخليج العدو الأول، ولهذا تجيش أدواتها الثقافية والسياسية والعسكرية لمواجهة هذا الخطر، الذي تكشفه أقوال وأفعال الإيرانيين؛ ففي تصريح صادر عن مسؤول عسكري إيراني، مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، أكد فيه أن مضيق هرمز والخليج منطقة إستراتيجية وأن طهران تبسط سيطرتها في هذه المنطقة بشكل كامل، وقبله أعلن رئيس هيئة الأركان محمد باقري، أن بلاده تتجه لبناء قواعد بحرية في سواحل سوريا واليمن!
وتعتبر مثل هذه التصريحات الإيرانية معتادة، فمن الصعب أن تسمح واشنطن أو غيرها من القوى الكبرى بمثل هذه السيطرة التي تعتبر تهديدًا مباشرًا لمصالحها، وفي المقابل تمثل هذه الاستفزازات قلقًا كبيرًا لدول التعاون الخليجي، فهي إن لم تتحقق بشكل كامل إلا أن جزءًا كبيرًا منها نُفذ بالفعل.
ومن ضمن الملفات الرئيسية التي تتصدر القمة، الأزمة اليمنية التي ما زالت تراوح مكانها، بل تزداد تعقيدًا. فقد فشلت دول الخليج بقيادة السعودية حتى الآن منذ انطلاق عاصفة الحزم في أن تحسم الأمور لصالحها، فالأمور تتجه من سيء إلى أسوأ والحوثيون هم من يرفضون المصالحة والتفاوض نظرًا لقوتهم على الأرض، فقد أعلنوا مؤخرًا عن تشكيل حكومة إنقاذ لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
وهذا يمثل نسفًا لجهود المشاورات السابقة، ولا يترك مجالًا للخليج إلا الحسم العسكري أو السير في تقسيم اليمن، وهو ما يمثل ضررًا كبيرًا لهم وخاصة للسعودية فهي بذلك لن تكون قد أنجزت شيئا في اليمن إذ لم تمنع الحوثيين من السيطرة على باب المندب أو إقامة أية دولة لهم في الشمال، التي بدت بوادرها تظهر بالفعل وهذا ما يعني أن الرياض ستخوض مواجهات مريرة مع الحوثيين في دولتهم الوليدة.
وتعتبر هاتين القضيتين أهم ما يؤرق الخليج، أما بالنسبة لسوريا فهي ليست بذات الأولوية إضافة إلى اختلافهم فيما بينهم على كيفية حلها، أما القضية الفلسطينية فلم تعد تذكر في اللقاءات العربية إلا لرفع الحرج، فالخليج منشغل الآن بنفسه، إضافة إلى البحث عن صيغة جديدة لتحالفاته الدولية والإقليمية خاصة مع بدء التخلي الأميركي عنهم، الذي ترتسم ملامحه بتصريحات دونالد ترامب المعلنة، وقد سبقه في هذا التغير باراك أوباما.
اقرأ أيضًا:أمريكا والخليج: الدفع مقابل الحماية
وبالنسبة للشأن الداخلي تبحث القمة سبل التوجه نحو صيغة الاتحاد بدلًا من حالة المجلس وذلك من أجل توحيد «السياسات العليا» مثل الخارجية والدفاع، ولكن ترفض عُمان مثل هذا التوجه وتعتبر أن حالة المجلس كافية، كما تبحث دول المجلس سبل تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية ومحاولة تحقيق اندماج اقتصادي أكثر بين أعضائه، مثل مناقشة ربط أنظمة المدفوعات المالية وهذا سيساهم بقدر كبير في تحقيق العملة الخليجية الموحدة.
الاتحاد: عامل توحيد أم تفكيك؟
كانت هذه تصريحات وزير شؤون مجلس الشورى والنواب البحريني، غانم البوعينين قبيل انعقاد القمة الخليجية ليكشف عن المزيد من الخطوات الجدية نحو التحول إلى الاتحاد لمواجهة التحديات التي تمر بها دول المجلس، على الرغم من نفيه لهذه التصريحات بعد ذلك.
وسيحتل ملف الاتحاد حيزًا كبيرًا من مداولات القمة، وذلك من أجل صياغة رؤية قوية عسكرية وأمنية لمواجهة التحديات، وخاصة ملفي إيران واليمن، اللذين تختلف فيهما سلطنة عمان مع الخليج بقدر كبير، وإذا ما أصرت دول المجلس على ذلك فإن عمان قد تنسحب من هذا التكتل،وأعلنت عن ذلك مسبقًا أكثر من مرة.
اقرأ أيضًا:تقدير موقف: عمان المتأرجحة بين الخليج وإيران
وقد ظهر موقف السلطنة المخالف لدول المجلس في إطار الاجتماعات التحضرية لهذه القمة فعلى سبيل المثال رفضت تصنيف المجلس للحوثيين كجماعة إرهابية، فهي لا تريد أن تورط نفسها كطرف في الأزمة بل تعمل على تقديم نفسها كوسيط لحل الأزمة.
لماذا تشارك بريطانيا؟
تشارك رئيسة الوزراء البريطانية «تيريزا ماي» في قمة المنامة، وذلك للقاء قادة الخليج لمناقشة قضايا التعاون الأمني وتعزيز التجارة بينهما، كما ستعقد لقاءات ثنائية منفصلة مع قادة دول المجلس، وذلك لبحث الوضع في اليمن وسوريا، إلى جانب العلاقات مع إيران.
وتأتي هذه الزيارة المهمة في إطار مساعي بريطانيا للبحث عن دور جديد لها في المنطقة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، فهي تريد إعادة التموضع في الشرق الأوسط ومحاولة استعادة جزء من الإمبراطورية الضائعة، وأيضًا لاستغلال حالة التراجع الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط لتحل مكانه، ولكن أقرب إلى التوافق مع واشنطن وليس عن طريق المنافسة مثل روسيا.
وعززت بريطانيا في هذا الشأن علاقتها بدول الخليج مؤخرًا، وفي هذا الإطار أنشأت قاعدة عسكرية لها في البحرين. ومن الملفت أنها علقت على هذه العودة باستخدام مصطلح «شرق السويس» وهذا يوحي بوضعها تقسيمًا جغرافيًا للمنطقة، وليس مجرد قاعدة عادية في إطار تعاون ثنائي أو حتى خليجي.
ولهذا تبحث بريطانيا عن دورها الجديد في المنطقة انطلاقًا من الخليج، حيث ستستغل حاجته إلى غطاء سياسي وأمني بعد التخلي الأمريكي، وستحاول تقديم نفسها كبديل أو على الأقل شريك في مواجهة التحديات المشتركة، وفي المقابل ستستثمر دول الخليج حاجة بريطانيا إلى أموالها بعد خروجها من الاتحاد الأوربي، وهو ما أضر بقطاع الاستثمار، لإعادة بناء اقتصادها بقوة ليتوافق مع دورها العالمي الجديد.
وتصر الإدارة البريطانية على علاقتها بدول الخليج رغم الانتقادات سواء فيما يتعلق بدعمها للعمليات العسكرية في اليمن أو فيما يخص صفقات الأسلحة، فهي تركز على مصالحها ولا يهمها الانتهاكات الخليجية سواء الداخلية أو الخارجية. ولهذا علقت «ماي» على هذه الزيارة قائلة: «لا ينبغي أن نسعى لتقوية علاقاتنا التجارية والأمنية مع هذه الدول بسبب سجلها المتعلق بحقوق الإنسان، لكننا لا نتمسك بقيمنا وبحقوق الإنسان عن طريق إدارة ظهورنا لهذه المسألة».
مستقبل مجلس التعاون
رغم الخلافات التي توجد بين دول المجلس إلا أنها تظل محدودة مقارنة بالتكتلات الأخرى، كما أنها في طريقها إلى اتخاذ المزيد من الخطوات نحو تحقيق التعاون بصورة أكبر وصولًا إلى مرحلة الاتحاد، فقد استطاعت ببراجماتية شديدة تجاوز الكثير من هذه الخلافات والتركيز على إيجاد قدر كبير من التوافق.
ويتضح اعتماد الخليج كثيرًا على مجلسه في إيجاد موقف موحد وذلك بديلًا عن الجامعة العربية والتي لم يستطع السيطرة عليها بقدر كبير حتى الآن في دعم مصالحه إضافة إلى وجود خلافات كبيرة داخل أعضائها وآلية صنع وتنفيذ القرار داخلها، ولهذا يسعى مجلس التعاون إلى بذل أكبر قدر ممكن من الجهد وبسرعة للتحول نحو صيغة الاتحاد وإن أدى إلى خروج عمان من هذا التكتل، فهي تدخل الآن مواجهة مصيرية ضد إيران ولا تريد مواقف الحياد أو التردد.
وفي محاولة من السعودية لإيجاد موقف موحد في هذا الشأن يجري الملك سلمان زيارة إلى دول المجلس كافة باستثناء عمان، فيما يبدو أنه تنسيق للمواقف فيها بينهم تجاه عدة قضايا تستثنى منها عمان وقد يأتي في مقدمة هذه التحركات التحول نحو الاتحاد مما يعني خروج السلطنة من الفلك الخليجي، وهذا إن حدث سيعتبر خسارة كبيرة للمجلس، وقد يكون مقدمة لتطورات أكثر سوءًا.
ولهذا يرى متابعون، أن دول المجلس في هذه المرحلة قد تتأنّى في خطوة الاتحاد حفاظًا على عمان، إضافة إلى أن المجلس يواجه تحديات جمة تستدعي الوحدة أو على الأقل عدم خلق المزيد من الخلافات بين أعضائه. فهم لا يستطيعون ضمان التحالف مع تركيا، إضافة إلى تنامي حدة الخلاف المصري السعودي مؤخرًا، والذي فشلت فيه المساعي الإماراتية للصلح، خلال زيارة الرئيس السيسي للإمارات بالتزامن مع زيارة الملك سلمان إلى هناك.