مطرقة المخدرات وسندان المنشطات:مارادونا وجوارديولا وآخرون
كرة القدم عالم واسع، معقد، ومتشابك، تنعدم فيه المساحات المطلقة للأبيض والأسود لصالح اللون الرمادي،لا تعترف المستديرة ببطل دائم أو مهزوم أزلي، ولا ملائكة أو شياطين بل أُناس تتعرض أفعالهم ومسيراتهم للعرض والتقييم وأحيانًا النقد وحتى العقاب؛ قاسية كانت كرة القدم أو مُنصِفة ففي النهاية هي اللعبة الساحرة التي ارتضينا بقوانينها كمشجعين وقبلنا بالتأكيد اللاعبين والمدربين!
ولأنهم بشر في البداية قبل أن يكونوا لاعبي كرة القدم فمن البديهي توقع تعثر مسيرة بعضهم، استسلامهم للحظات الضعف والإحباط، انحراف المشوار والانخراط بسلوكيات غير مقبولة لأهداف نبيلة في كثير من الأحيان!
تذكر دائمًا أن صانع اللعب الإسطوري الذي يمنحك جرعة الإدرنالين الإسبوعية بقدرة استثنائية على اختراق خط دفاع الخصم، والمدافع البطل الذي أنقذ لتوّه مرمى فريقك من هدف كاد أن يغير ترتيب الدوري، والمدرب الذي تحترق أعصابه في سبيل الوصول لأفضل أسلوب لعب، كل هؤلاء أُناس يتعرضون أحيانًا لنفس القدر من الضغط العصبي والمشاكل التي تنالها في يومك العادي وبالتالي احتمالات وقوعهم فريسة للخطأ لا تقل عنك بل أحيانًا تتضاعف بفضل إغراءات الشهرة الخبيثة والغرور الخادع الذي قد يصيب أحدهم.
الخطأ الذي أقصده لا يتعلق بالمساحات الشخصية للاعب، بل بتلك التي تلعب دورًا رئيسًا وغالبًا وحيدًا في إنهاء مسيرته، لو كان للمسيرة المهنية لكل واحد منا كلمات محظورة فإن «المخدرات والمنشطات» هي محظورات لاعب كرة القدم.
مارادونا، لأن الملك يأتي أولًا
في أحد اللقاءات الصحفية، جلس «دييجو» كعادته قادرًا على جذب أنظار الحضور قبل عدسات الكاميرا، طاغيًا على المشهد بسمته المعتاد، شعر غجري ولحية خفيفة وصليب أسفل الرقبة لكن صوتًا بداخله انطلق ليبوح بحسرة الدنيا وندم السنوات على الوقوع فريسة أمام الكوكايين.
يقول موقع «التليجراف» بتقرير نشره عن مسيرة الملك، إن الأزمة بدأت بعدما انتقل لكتالونيا صيف عام 82، أحب الكوكايين ولم يأبه لوتيرة المشكلات التي بدأت بالتصاعد مع مسئولي النادي فكانت أن انتهت مسيرته مع برشلونة بعد شجار حاد وعنيف بنهائي «كوبا دي راي 84» مع لاعبي «أتليتكو بلباو» تحت أنظار ملك أسبانيا «خوان كارلوس»!
رحل لإيطاليا، ليقدم 6 مواسم ساحرة مع نادي الجنوب «نابولي» قادهم فيها لأعالي المجد قبل أن يسقط هو مرة أخرى بعد أن تفاقمت أزمة تعاطي الكوكايين وغياب الملك عن التدريبات والمباريات خصوصًا مطلع التسعينات، أضف لذلك أخبارًا عن علاقته بعصابة المافيا «كامورا».
بعد خضوعه للتحليل، عوقب بالإيقاف عن اللعب مدة 15 شهرًا، عاد بعدها ليلعب بعض الوقت لـ«إشبيلية» ثم عاد للأرجنتين، لكن لقطة الملك الأبرز كانت عقب استدعائه الدولي بمونديال 94 بعدما سجل بشباك «اليونان» ليطلق صرخته الأشهر بوجه الكاميرا معلنًا عودته، المؤسف أن «مارادونا» خضع مرة أخري للتحليل بعد المباراة ليتم ترحيله للأرجنتين، انتهت مسيرته وأعلن الاعتزال عام 97.
جوارديولا برئ
انتقل «بيب» لإيطاليا عام 2001 ليلعب رفقة « روبرتو باجيو ولوكاتوني » بنادي «بريشيا»، أتت الرياح بما لا تشتهي السفن عندما خرجت إحدى تحاليل تناول المنشطات «Nandrolone» إيجابية لقائد برشلونة السابق.
بالنظر إلى شخصية عاشت طيلة حياتها تحاول أن تحافظ على سمعتها الرياضية فإن الأمر كان صادمًا، لكنه أبدًا لم يكن محبطًا، وحتي وإن كان فإن «بيب» كان شجاعًا عندما خرج عقب إعلان إيقافه عن اللعب مدة 4 شهور ليؤكد تحديه للنتائج وطلب إعادة التحاليل.
دارت الأيام وعاد لكتالونيا مرة أخرى كمدرب للفريق الثاني حينما خرج الاتحاد الإيطالي عام 2007 بعد إعادة التحقق من التحاليل ليثبت براءة «جوارديولا» بشكل مبدأي من تناول المنشط، لاحقًا في 2009 أعفى الاتحاد نفسه مدرب برشلونة من أي اتهامات؛ ربما كانت 2001 هي أصعب سنواته لكن الأكيد أن الرجل فاز بكل ما يتمناه في 2009.
هيجيتا.. هل شاهدت ناركوس؟
خلال التسعينات بزغ نجم الحارس الكولومبي «هيجيتا» الذي شارك بمونديال 90 خصوصًا بعد شهرة واسعة نالها عقب صدّة العقرب الشهيرة، لكن ما لم يشتهر عنه بقوّة هو انحراف مسيرته لتتلاقى مع إجرام أعتى تجّار المخدرات بالعالم، لو كنت تشاهد مسلسل «ناركوس» المثير فإنك بالتأكيد تعرفه ولديك تصوّر عن مدى نفوذه ببلد كـ«كولومبيا»؛ نعم بالتأكيد هو «باولو إسكوبار»!
الأمر بدأ عندما ظهر اسم «هيجتا» عام 93 بصفقة تحرير طفلة مختطفة لم تتجاوز الحادية عشرة بين عصابات «ميدلين»، السلطات الكولومبية تحركت للقبض على الضالعين بالأمر لذلك لم يشارك «هيجيتا» في الفوز العريض الذي حققه منتخب بلاده علي الأرجنتين لأن الرجل كان معتقلًا في زنزانة حقيقية.
لكن عام 2004 كان أكثر إثارة، الكولومبي الذي لعب حينها بالدوري الإيكوادوري يخضع لتحليل أكد تناوله الكوكايين، الواقعة نفسها حدثت بعام 2002 حينما تعرض لإيقاف 6 مباريات، لكن 2004 شهدت نهاية مسيرته كلاعب.
الجميل أن «هيجيتا» لم يستسلم للحظات الضعف، بل عاد للملعب كمدرب يحمل مسيرة جيدة جدًا كلاعب فكان أن انضم عام 2008 لجهاز نادي «بلد الوليد» الفني ثم مدربًا لحراس نادي «النصر» قبل أن يقيم مباراة اعتزاله عام 2010 بـ«ميدلين»، البلد الذي شهد أسعد وأتعس لحظات «المجنون» كما يطلقون عليه.
إيدجار ديفيدز وياب ستام.. الهولنديون حاضرون
لم تكن مواجهة «اليوفي مع أودنيزي» بمارس 2001 مباراة عادية، ليس بسبب نتيجة اللقاء أو لحدث جماهيري استثنائي، بل لأنها المباراة التي سبقت تحليلات لوسط ملعب البيانكونيري حينها «إيدجار ديفيدز» والتي أثبتت بدورها تعاطيه منشطًا يحتوي مادة الـnorandrosterone وهو غير المسموح به بطبيعة الحال.
في البداية رفض «البيتبول» كما يطلق عليه الاتهام، لكن المثير أنه سارع بإيكال القضية لمحامين من أمريكا لهم شأن بقضايا المنشطات خصوصًا بعد أن نشرت «التليجراف» حينها بأن الهيئة الأولمبية الإيطالية تتابع القضية بحرص وربما تصدر عقابًا غليظًا كإيقاف يمتد لعامين!
بالطبع كانت تصفيات مونديال 2002 نصب أعين «إيدجار» لذلك حاول قدر الإمكان إلغاء العقوبة وتبرئة نفسه، مدعيًا أن الأمر يعود لمشكلة ببعض الأدوية المسموحة أدت لنسبة عالية من المنشط، بالفعل كان محظوظًا بتقليص مدّة العقوبة من 16 شهرًا لنحو 4 أشهر.
الباعث للتأمل أن مسيرة «ديفيدز» استمرت بقوة بعد تلك الواقعة، فاستكمل مشواره مع اليوفي ثم انتقل لبرشلونة ثم الإنتر فتوتنهام والعودة لأياكس من جديد.
أما المدافع الصلب «ياب ستام» الذي فاز بكل شيء أثناء مسيرة حافة مع «مان يونايتد» كان يحزم حقائبه للمغادرة لـ«لاتسيو» الإيطالي، لم يمضِ سوى أسابيع معدودة حتى كشفت التحاليل تعاطي الهولندي منشطًا يحتوي على المادة نفسها بحالة «ديفيدز»، الاتحاد الإيطالي عانى الأمرين خلال ذلك العام من نتائج التحاليل لذلك أصدر عقوبة بإيقاف 5 أشهر لـ«ستام» الذي حاول تبرئة نفسه ونفي التهمة حتى ادعى بأن أعصابه كانت متوترة للغاية خلال أيامه الأخيرة بالأولد ترافورد ولابد أن عضلاته قد أفرزت المادة المحظورة، ولكن ما لبثت أن قُلِصت العقوبة لشهر واحد، «ستام» هو الآخر تجاوز الواقعة وواصل مسيرته بـ«لاتسيو ثم ميلان».
أدريان موتو.. مع سبق الإصرار والترصد
على رادار ميلياردير تشيلسي الجديد حينها «رومان أبراموفيتش» ظهر مهاجم «بارما» الإيطالي اللاعب «أدريان موتو»، انتظرت جماهير البلوز انضمام الروماني لكتيبة تشيلسي التي تستعد حينها تحت قيادة «مورينهو» لغزو البريمرليج، بالفعل ظهر اللاعب ببداية جيدة ومبشرة لكن رويدًا رويدًا انتجهت الأمور لتسير بشكل سيئ.
البداية كانت دخان الخلافات مع المدير الفني، ثم انتهت بتحليل إيجابي لمخدر الكوكايين، لم يخرج اللاعب لينفي تمامًا علاقته بالأمر بل بأن لجان الفيفا لم تستمع له أصلًا وسارعت بتوقيع عقوبة الإيقاف لمدة 7 أشهر وغرامة مالية أخرى، النادي اللندني سارع للتخلص منه فوافق على انتقاله لليوفي لكن «أبراموفيتش» لم يحب أن تذهب أمواله هباء فقدم شكوى باللاعب حكمت الفيفا له بتعويض يتحمله الأخير بقيمة تجاوزت الـ17 مليون يورو؛ قسوة الردع في صورتها المتطرفة!
صحيح أن «موتو» استطاع مواصلة طريقه فلعب لـ«فيورنتينا، تشيزنا» ونافس حتى العام الفائت بالدوري الروماني، إلا أنه لم يعرف التوبة بعد.
عام 2010 يخضع لتحاليل المنشطات لاعب الفيولا حينها ليتم الكشف بأنه عاد لعادته القديمة، «موتو» صادقًا كعادته لم ينفِ التهمة لكنه أبدى انزعاجه من الحكم المبدأي عليه بإيقاف لمدة 10 أشهر من يناير وحتى أكتوبر لينتهي موسمه مع ناديه.
يوتوبيا
كانت هذه هي أشهر الحالات التي تم اتهام أصحابها بتعاطي المخدر أو المنشط، لكن حالات أخرى كانت حاضرة بالتأكيد فعلى سبيل المثال عانى البرتغالي «ديكو» خلال خواتيم مسيرته بالبرازيل من الإعلان عن تعاطيه المنشطات، كان لاعب البلوجرانا والبلوز السابق محظوظًا بما فيه الكفاية لأن ذلك تزامن مع إعلان نهاية مسيرته وبالتالي عدم تعريضه لعقوبات الإيقاف بل إن الأمر أصلًا لم ينتشر كما حدث مع غيره، لكن الإيفواري «كولو توريه» مدافع «الأرسنال، مان سيتي، ليفربول» السابق وصاحب المسيرة الاحترافية الحافلة كان أقل حظًا، عندما تم الكشف عن تورطه بالمنشطات أثناء مسيرته بسماوى مانشستر وتعرضه للإيقاف قبل أن يجد دعمًا من الفرنسي الذي أتى به لإنجلترا «أرسين فينجر».
صحيح أن أغلبنا كمشجعين لكرة القدم نجد فيها ما لا نجده في غيرها، بل إن كرة القدم تحوّلت من زمن طويل من مجرد مكان تتم ممارسة فيه رياضة لمساحة يمكن أن يستمد منها معاني وقيمًا، المهم أن نتذكر جميعًا أن أبطال كل الأندية لم ولن يكونوا يومًا منزهين عن الخطأ، يمكن أن يكونوا أقوياء بالملعب، بالبطولات، أمام الصحافة لكن وارد جدًا أن يضعف أحدهم أمام الخطأ ويتورط به وينهش الندم روحه عقب ذلك.
لا مجال أبدًا لتبديل الحقائق، «مارادونا» نفسه يخبرنا بشديد أسفه لكن البعض لا يحب أن يتلطخ أسطورته بجرم فادح فيذهب بعيدًا لتحويل الذنب الذي قضى على مسيرة الملك لفعل شخصي لا يجب لأحدنا المساس بحرية اتخاذه من عدمه؛ لو كان العالم بهذا القدر من اليوتوبيا لما خسرت «إنجلترا» بلمسة يد خلال أحد أيام 86!