الأولى أن تصبح نباتيًا: دليلك لحماية خصوصية بياناتك
«أسعى لشراء هاتف يحمي خصوصيتي ولا أضطر لكشف هويتي عند شرائه، تتمثل أفضل الحلول في شراء هاتف حارق من متجر بعيد عن منزلي، ودفع ثمنه نقدًا، لذا سحبت 200 دولار نقدًا وذهبت إلى متجر مجهول بشكل مناسب، وهناك طلب البائع أن أملأ بيانات بطاقتي الائتمانية؛ للاستفادة من خصوماتها، فرفضت، وأخبرته أنني سأدفع نقدًا، فعرض خصمًا إضافيًا إذا سجلت بياناتي الشخصية، لكنني رفضت تحديد هويتي، بعدها غادرت المتجر وأنا أنظر حولي لأبتعد عن كاميرات المراقبة خارج الباب، وتمنيت لو كنت أرتدي قبعة بيسبول؛ كي لا يتعرف أحد على وجهي».
إذا علمت أن شخصًا يفعل كل ذلك ماذا ستعتقد: إرهابي يحاول التخفي، أم مؤلف كتاب عن المراقبة؟
إذا كنت إجابتك هي الأولى فإليك هذه المغامرة برواية بطلتها.
أنا جوليا أنجوين، وهذا كتابي
عملتُ صحفية في تغطية الأعمال والتكنولوجيا لصحيفة وول ستريت جورنال لمدة 13 عامًا، وحصلتُ على جائزة بوليتزر.
أمضيتُ عامًا في محاولة للعيش دون ترك آثار رقمية، ورصدت تجربتي في كتاب أصدرته عام 2014، بعنوان «Dragnet Nation» (أمة المصيدة: بحث عن الخصوصية والأمن والحرية في عالم من المراقبة المتواصلة).
أُعرّفك في كتابي على من يراقبك، وما يعرفه عنك، ولماذا يهتم بمراقبتك، وكيف تتخلص من ذلك، من خلال تجربتي (المثيرة) للهروب من شبكات المراقبة، والتعقب العشوائي لحياتنا اليومية عن طريق تخزين الحكومة والقطاع التجاري لبياناتنا، وأرصد في تجربتي استخدام التكنولوجيا في اكتساحنا بعشرات من طلبات البيانات الشخصية التي تضع حيواتنا تحت المجهر، وأرى أننا نتعرض للاحتيال والتجسس عند استخراج البيانات، فعندما يتيح لك Facebook تنزيل أرشيف لبياناتك فهو لا يعطيك سوى جزء صغير من المعلومات الموجودة به، والبقية يحفظها لعلماء البيانات والشركاء التجاريين.
إنهم يعرفونك بدقة
لعلي أريد أن أسألك: هل تعتقد أن جمع البيانات يجعلنا آمنين من الإرهاب؟
الإجابة قد تدفعنا لرؤية الخطر الأكبر على المدى الطويل، والذي يتمثل في ترسيخ المراقبة والرقابة على كلماتنا وأفكارنا حتى نفقد الحرية التي تجعلنا أفرادًا ذوي إرادة؛ بسبب تداعيات عميقة للمراقبة على قيمنا ومجتمعنا وأنفسنا، في ظل شعورنا باليأس الشديد حول ما يتعلق بالخصوصية في العصر الرقمي؛ لأن الكثير من معلوماتنا أصبحت معرضة للخطر، والأخطر أن المراقبة قد تُلحق ضررًا بالأرواح، حيث تستغل بعض شركات الأدوية منتديات دردشة خاصة وتقوم بمراقبتها وتسجيلها؛ لتستفيد من المعلومات المتوافرة بها.
قواعد البيانات التجارية والحكومية ليست منفصلة كما تظن؛ فالحكومات تجمع بيانات مواطنيها لأغراض إحصائية، كمعدلات المواليد ونسب الأمراض، لكنها لا تسطيع حصر كل شيء، وقد كشفت لنا حوادث انتهاك البيانات مدى تعمق الحكومات في قواعد البيانات التجارية، إذ تحصل على بيانات من Google وFacebook وYahoo، وحتى من لعبة Angry Birds؛ لاحتوائها على الكثير من بيانات المواطنين والمطوّرين والمعلنين، وهو ما يفيد استخباراتيًا، فجمع البيانات جزء من مهمة رجال الاستخبارات الذين يجمعون ويخزنون كل البيانات عن شخص ما؛ لتحديد هوية دقيقة له، وإذا كنا نعلم ما يفعلونه بالبيانات التي تشير إلى أنشطة محظورة، فليس معلومًا ما يفعلونه بالبيانات الأخرى غير المحظورة، ويمكنني القول إن نظام المراقبة الشرطية Stasi التي أرعبت الألمان الشرقيين لا تعد شيئًا مقارنة بالخرائط الاجتماعية لفيسبوك.
لماذا خضت التجربة؟
الكثير منا استسلم وقَبِلَ أن يُراقب كل يوم في كل مكان، لكنني لم أستسلم، وكتابي هذا عن جهودي لحماية الخصوصية والتهرب من المراقبة بعد أن بدأت أشعر باليأس، فحاولت البحث عن أي أمل لإيجاد طريقة للتحكم في البيانات والمعلومات التي يجمعونها عنّا.
لم أكن أرغب في الحياة كراهبة أو عمل كتاب عن تجربة العيش في كهف، بل أردت التمتع بكل فوائد مجتمع المعلومات، فيكون لدي هاتف، وأستخدم الإنترنت، وأتفاعل وأتواصل مع الآخرين، كل ما أردته هو تخفيف بعض مخاطر عصر البيانات، بالطبع لم أتمكن من السيطرة على كل شيء، لكنني نجحت.
إليك ما فعلته لتأمين معلوماتي
1. جهاز الكمبيوتر
ينصحوننا باختيار كلمات مرور معقدة، وتغييرها باستمرار، وألّا ندونها… هذا مستحيل، لذا فمعظمنا لديه كلمة مرور واحدة لكل حساباته تقريبًا.
لقد اتّبعت إستراتيجيتين: الأولى استخدام Ghostery extension لحظر تتبع الإنترنت، ومدير كلمات المرور 1Password لإنشاء سلسلة عشوائية من الأرقام والحروف لاستخدامها ككلمات مرور، وهكذا فعلت مع المواقع التي لا أهتم بها كثيرًا، أما الأمور المهمة كبطاقة الائتمان والبريد الإلكتروني فاستخدمتُ الإستراتيجية الثانية الشيقة: DICEWARE password، وهو اختيار كلمات عشوائية من القاموس لإنشاء كلمة مرور غير قابلة للسطو؛ لأنك إذا اخترت كلمات عشوائية من تفكيرك فقد تكون مرتبطة، ونظم الاستخبارات تجيد تخمين عشوائيتنا.
دَوّنتُ كلمات المرور في ورقة، وأحملها في محفظتي دائمًا، فلن يسرق أحد ورقة مدون بها سلسلة عشوائية من الكلمات والحروف ثم يحاول معرفة الحساب الذي يستخدم كلمات المرور هذه.
2. شبكات Wi-Fi
لكي أستخدمها بأمان اشتريت جهاز MyFi المحمول، لأستخدمه في الأماكن التي تمنح Wi-Fi مجانيًا، والحقيقة أن عالمنا ليس به شيء مجاني، وإذا وجدت شيئًا مجانيًا فهو بالطبع يحصل على بياناتك.
3. بطاقات الائتمان
تحتوي بطاقات الائتمان على شريحة صغيرة تنبعث منها ترددات إذا اقتربت منها بدرجة كافية وكانت لديك المعدات المناسبة، فسيمكنك قراءتها، هذه -ببساطة- آلية عمل الشريط المغناطيسي في ATM أو ماكينة الكاشير، إنه قارئ، لذلك إذا اقتربت منه بشيء يمكنه قراءته فسيحصل على المعلومات منه، لذا أحمل محفظة مبطنة بالمعدن؛ لأنه يعزل الترددات كقفص فاراداي.
4. السيد جوجل
لم تكن هناك دقيقة في يومي دون خدماته؛ فكل ما تفكر فيه يمكن لجوجل أن يجده لك، وعندما تبحث باستخدام جوجل، فأنت لا تبحث عما كتبته؛ لأنه يملك معلومات عنك، فإذا بحثت عن متحف، فهو يعرف موقعك ويبحث عن المتاحف القريبة منك، وهذا أمر رائع، لكنني لم أُرِد أن يعرف كل ذلك عني، لذا بحثت حتى وجدت محرك بحث يحمي الخصوصية يُسمى DuckDuck Go، عند استخدامه يجب أن أكتب كل ما أريد البحث عنه: المتاحف وموقعي والتاريخ، ليعطيني ما أريد؛ لأنه لا يعرف شيئًا عني، ولا يخزن بياناتي، ولا يحفظ طلبات البحث.
5. الهواتف المحمولة
ترافقنا الهواتف في كل أفعالنا، وتنام بجوارنا، لذا فهي تنقل مواقعنا إلى شبكة الهاتف والتطبيقات، والمعلنين داخل التطبيقات، وكل ما نفعله يُنقل إلى شخص ما، فيمكنه الحصول على موقعك، ومعرفة ما تبحث عنه عبر الإنترنت، والتطبيقات المستخدمة، وأوقات ضبط المنبه.
لقد جربت شيئين: الأول امتلاك هاتف حارق burner phone؛ لأقوم بكل ذلك دون كشف هويتي، ولم أقم بتشغيل Wi-Fi على هاتفي؛ لأن إشاراته تحدد المكان والمحيط، وقمت بتثبيت جميع البرامج لحماية خصوصيتي، ومنها تطبيق Tour الذي يوجه حركة المرور على الإنترنت عبر أماكن أخرى؛ لأظهر في موقع مختلف عما أتواجد به، وكذلك برامج تشفير المكالمات والرسائل، وتمثلت المشكلة في إقناع الآخرين باستخدام البرامج نفسها للتواصل معي.
أصبحت نباتية: هكذا حميت خصوصيتي
عشت تجربة مستترة خلف هوية أخرى، شعرت أنني كالمجرمين، فكل ما فعلته يجعلني مشتبهًا به، من الانسحاب من ماسحات الجسم في المطار إلى استخدام برامج التشفير وإخفاء الهوية.
لقد وجدت أن الخصوصية أصبحت رفاهية فاخرة، فالخروج من هذه الرقابة باهظ الثمن، جهاز MyFi مكلف، ولديّ بطاقتا ائتمان، وهاتفان، ومدير كلمات مرور، كل ذلك يجب أن أدفع ثمنه، لذا فهي طريقة مكلفة للعيش.
لقد تمكنت من حماية بياناتي ربما بنسبة 50%؛ لأنني لم أُرِد العيش في قفص، بل أردت أن أظل في العالم الحديث، وهناك ثمن تدفعه للعيش في العالم الحديث، جزء من هذا الثمن مرتبط بمشاركة بياناتك، لقد غيّرت طريقة استهلاكي للتكنولوجيا، ورغم البطء والتكلفة لكنني انتصرت، وكان الاستمرار على الأمر بمثابة تغيير عاداتي الغذائية، أشعر أنني أصبحت نباتية.
خطوات صغيرة تصنع طريقًا طويلًا
لا يجب أن نحيى بهذه الطريقة، هناك نقص في إجراءات الخصوصية وقوانينها، وليس عدلًا أن يتم الاحتفاظ بكل هذه المعلومات دون أن نراها أو يُسمح لنا بإزالتها، نحن لا نريد أدوات تحتفظ بالبيانات إلى الأبد.
لا أريد أن تكون هناك صورة لجسدي العاري في قواعد البيانات الحكومية حصلت عليها من إحدى الماسحات الضوئية بالمطار، لقد حصلوا بالفعل على ما فيه الكفاية عني، حتى لأشعر وكأنهم يضعون أيديهم في ملابسي.
في رأيي أن تصرفات بسيطة وقوانين أفضل قد تُحسِّن الخصوصية تدريجيًا، وكما هو الحال مع التلوث، فإننا لم نغلق المصانع لوقف التلوث بل طلبنا من الملوثين أن يكونوا أكثر مسئولية عن أفعالهم، نحن بالمثل نحتاج من جامعي البيانات مسئولية أكثر عن أي ضرر، فهم يقولون إنهم يحذفون هذه البيانات، ولكن هذا لا يحدث، وحوادث انتهاك البيانات خير دليل، فقد كشفت عن أنواع من البيانات لم يكن أحد يتخيل أن الحكومة تحتفظ بها.
تجربتي مع أطفالي
كانت الخصوصية سبب رفضي لطلب أطفالي نشر فيديو على YouTube أو إنشاء حساب سوشيال ميديا، ولكن خلال تجربتي أدركت أنني بحاجة إلى تغيير التعامل من «لا» إلى «نعم، ولكن تعالوا أعلّمكم الطريقة»، كنت بحاجة لمنحهم شيئًا يحمسهم للخصوصية، لذلك أشركت ابنتي في تكوين كلمة المرور الخاصة بي، فتعلمتها، وبدأت في بيع الواحدة منها بدولار، كنت سعيدة بشرائها منها لأنني تعبت من فعل ذلك بنفسي، والآن تبيعها لجميع أصدقائنا وأقاربنا، وأعتقد أن الحافز المالي ساعدها على التفكير بأن الخصوصية رائعة؛ فقد أكسبتها المال، وبعد ذلك بدأت تهتم بالأمور الأخرى، كالأسماء المزيفة والوهمية، وإرسال رسائل مشفرة، لكنني قلقت من تمادي ابنتي، فعندما كتبت رقم الضمان الاجتماعي بنموذج مدرسي قالت لي: عليكِ أن تضعي رقمًا مزيفًا!
في النهاية، يمكن أن أُلخّص تجربتي لحماية خصوصيتي في هذه العبارة: