دليلك لاستكشاف سماء ليل الوطن العربي — ديسمبر/كانون الأول 2018

تجري الأرض حول الشمس كسيّارة مرهقة في ميدان ضخم، تتم دورة كاملة مرة كل 365 يومًا تقريبًا، يمكن أن نضع قوسًا حول أي «31 يومًا» في تلك الدورة لنقول إنها أول السنة أو آخرها، لكننا، نحن البشر، لأسباب اعتباطية من الأساس، قررنا أن يكون ديسمبر هو آخر شهر، ما نحدد فيه أحلامنا لعام جديد، ونقيّم فيه ما أنجزناه خلال عام مضى، إنها تلك اللحظات التي نجلس فيها جانبًا لنسأل «ما الذي أريده حقًا؟».

أما بالنسبة للسماء ليلًا، فإنها لا تعترف بذلك، لكنها تميز ديسمبر بمشاهد غاية في الروعة، حيث يبدأ الجبار، ملك الشتاء، وأجمل الكوكبات، في تسيد السماء بداية من العاشرة مساءً، بينما تنحاز الكوكبات الخريفية ناحية الأفق الغربي، في إشارة إلى دورة سماوية جديدة، ديسمبر كذلك يعطينا هدية مميزة، إنها التوأميات الرائعة، واحدة من أفضل الزخات الشهابية في السنة كلها!

أهم الأحداث

4 ديسمبر

فجرًا، في مشهد بديع، يقف القمر بإضاءة 8.5% فقط، بجوار الزهرة الذي يقترب في لمعانه من القدر الخامس، إنها إحدى أفضل الفرص لرصد الثنائي البديع، أعلى المشهد يمكن لك كذلك أن ترصد نجمًا لامعًا بدرجة متوسطة، إنه Spica السماك الأعزل ألمع نجوم برج العذراء Virgo

5 ديسمبر

الهلال، فجرًا، قبل الدخول إلى منطقة الشمس، يشرق بين الزبانين، الجنوبي والشمالي، وهما نجما برج الميزان Libra الرئيسيين، المشهد صعب بالنسبة لمبتدئ، ويتطلب بعض التركيز والصعود لأعلى مكان في المنزل لأنه سيكون قريبًا للأفق، لكنه رائع ويستحق.

9 ديسمبر

غربًا، الهلال الوليد، بإضاءة 5% فقط من سطحه، يقف إلى جوار زحل في مشهد أخير لهذا العام، يمكن أن تلتقط الاقتران في اللحظات الأولى بعد غروب الشمس، لأنه سوف يختفي سريعًا خلف الأفق الغربي، الأمر يستحق.

10 ديسمبر

في الساعة 07:57 مساءً بتوقيت مصر، القمر في «العقدة النازلة – Descending node»، لا يدور القمر في المستوى نفسه الذي يضم الأرض والشمس معًا، بل ينفصل بـ5 درجات. لذلك في أثناء دوران القمر يتقاطع مرتين مع مستوى الأرض، مرة في أثناء صعوده، لذلك تسمى «عقدة صاعدة – Ascending Node»، ليبلغ أقصى ارتفاع عنه، ثم يعود ليتقاطع مرة أخرى مع المستوى في أثناء نزوله حتى يصل إلى أقل انخفاض عن المستوى، وهكذا. سوف يكون القمر في العقدة الصاعدة صباح يوم 24 ديسمبر في الساعة 01:54 تحديدًا. يحدث كل من الكسوف والخسوف فقط في تلك المناطق.

12 ديسمبر

القمر في «الأوج – Apogee»، أي أنه في أبعد نقطة له عن الأرض. يدور القمر حول الأرض في مدار إهليلجي، حيث يقترب منها في بعض الأوقات، ويبتعد عنها في البعض الآخر كل شهر. في حالة الأوج يقع القمر على بعد 405.504 كيلومترات منها، سوف يحدث ذلك في تمام الساعة 14:25 بتوقيت مصر، بينما في حالة «الحضيض – Perigee»، وهي أقرب نقطة للأرض، يقع القمر على بعد 363.396 كيلومترًا من الأرض، وسوف يحدث ذلك يوم 24 ديسمبر المقبل في تمام الساعة 11:52 بتوقيت مصر.

14 ديسمبر

في تمام الساعة الثانية ظهرًا، أوج زخة شهب التوأميات، سنراها بوضوح أكبر في الليلة بين 14 و15 ديسمبر، كلما اقتربنا من الفجر ارتفع عدد الشهب، سوف نرى في تلك الليلة 50 شهبًا فأكثر بالمناطق النائية، في الأسفل ستجد تفصيًا أكبر.

14 ديسمبر أيضًا

القمر، في التربيع الأول، إلى جوار جرم أحمر لامع، إنه المريخ، والذي سيستمر في مرافقتنا حتّى الصيف القادم، كان 2018 هو عام مليء بالأحداث الممتعة، منها اقتراب المريخ من الأرض في أفضل فرصة منذ حوالي 18 سنة، في 2019 لن نلتقي بمثلها للأسف

15 ديسمبر

فجرًا، عطارد في أكبر استطالة غربية، يعني ذلك أنه يمتلك في تلك اللحظات أكبر ارتفاع ممكن في السماء الشرقية، فقط قبيل الشروق يمكن أن تراه بوضوح على ارتفاع 21.3 درجة في السماء، أي فوق الأفق بمسافة تساوي تقريبًا ما بين الخنصر والإبهام حينما تفتح كفة يديك وتمدها أمام عينيك.

بالأسفل من المشهد يمكن أن ترى نجوم الإكليل الثلاثة من برج العقرب، والمشتري بالأعلى

21 ديسمبر

21 ديسمبر

بعد الغروب بساعات قليلة، القمر يقف إلى جوار الدبران Aldebaran ألمع نجوم كوكبة الثور Taurus، وهو بذلك يعلن دخوله إلى سداسي الشتاء البديع لهذا الشهر، سوف يتكرر هذا المشهد السماوي الرائع مرة كل شهر حتى الصيف القادم.

22 ديسمبر

في تمام الساعة 00:22 بعد منتصف الليل تتركز أشعة الشمس تمامًا على مدار الجدي، إنه أول أيام فصل الشتاء.

22 ديسمبر أيضًا

26 ديسمبر

بعد منتصف الليل، يقف القمر بجوار ألمع نجوم كوكبة الأسد Regulus، ألمع نجوم كوكبة الأسد، قلب الأسد في الحقيقة ليس نجمًا واحدًا، بل هو نظام نجمي معقد مكوّن من 5 شموس

ألمع نجوم الشهر

علامات رصدية

طالما أننا هذا الشهر سنرصد شهب التوأميات، إحدى أفضل الزخات الشهابية على مدى العام، سوف تكون علاماتنا الرصدية هذا الشهر متعلقة بشكل رئيس بالسماء بعد منتصف الليل في ديسمبر، لأن أعداد الشهب ترتفع كلما اقتربنا من الفجر، مما قد يتطلب منك أن تسهر قليلًا، أما عن سماء ديسمبر ما قبل منتصف الليل فيمكن لك أن تتأمل العلامات الرصدية لنوفمبر 2018.

للوصول بسهولة إلى موضع الزخّة الشهابية ابدأ بالبحث عن الجبار في السماء، الصيّاد العظيم Orion الذي بدأ في قتل أشكال الحياة على سطح الأرض فارتعبت الأخيرة، جايا، وأرسلت عقربًا لقتله، وقد فعل، وإن كان بشكل مباشر، الجبار هو العلامة الرئيسية المميزة لسماء الليل الشتوية، ويمكن لك إيجاده بسهولة عبر البحث عن ثلاثة نجوم لامعة تقف فوق بعضها البعض.

من كوكبة الجبار، حدد نجميها اللامعين: رجل Rigel وابط الجوزاء Betelgeuse، ثم قم بمد الخط بينهما للأعلى وصولًا إلى كوكبة التوأم، رأسي التوأم هم Castor وPollux، وهنا يقع مركز تلك الزخّة.

روائع سماوية أخرى يمكن أن تراها بسهولة في سماء ما بعد منتصف ليل ديسمبر:

1. استخدم كل من الدب الأكبر، والسيدة كاثي، ذات الكرسي، والتي تتخذ حرف W الشهير، للوصول إلى النجم القطبي، في سماء حالكة يمكن بسهولة تحديد كامل نجوم الكوكبات الثلاثة.

2. يمكن لك كذلك، باقتراب الفجر، أن تستخدم المغرفة، من الدب الأكبر، كي تصل بقوس عظيم إلى ثلاثة كوكبات هامة، عبر مد الخط من ذيل المغرفة، تصل إلى السماك الرامح Arcturus ثم بعد قليل إلى السماك الأعزل Spica ألمع وأجل نجوم كوكبة العذراء، منها إلى الغراب Corvus وتشمل مربع نجوم متميزًا جدًا يمكن رصده بسهولة.

3. يمكن كذلك استخدام الدليلين (نجمي الدبة والمراق المستخدمين في المغرفة لتحديد الشمال الجغرافي)، لكن بالعودة للخلف هذه المرة، كي تصل إلى كوكبة الأسد Leo، عبر نجمها الألمع (قلب الأسد Regulus).

4. انطلاقًا للجنوب، من قلب الأسد، ستجد أحد أروع الكوكبات، وأكثرها خفوتًا على حد سواء، وهي الشجاع Hydra

5. لا تنس أن الجبار بدوره يقع داخل سداسي الشتاء، وهي مجمة Asterism تتكون من 6 نجوم تصنع شكلًا سداسيًا يشبه حلقة البنزين، تلك التي تعلمنا الكثير عنها في المرحلة الثانوية، الكيمياء المرعبة.

6. هكذا تكون قد كوّنت صورة مبسطة للهيكل العام للسماء بعد منتصف الليل، في أثناء بحثك عن الشهب.

دليلك إلى رصد شهب التوأميات 2018

الزخات الشهابية Meteor Showers هي تساقط لأعداد من الشهر في مواعيد محددة، يحدث ذلك بسبب مرور الأرض، أثناء دورتها السنوية، في بقايا مذنب أو كويكب ما تركها أثناء رحلته، تتميز كل زخة شهابية بــ3 علامات:

1. موعد الأوج: لا تسقط الشهب في يوم واحد، لكن في نطاق واسع يمتد عدة أسابيع، لكن على الرغم من ذلك توجد دائمًا ليلة واحدة تنشط فيها تلك الزخة بشكل أكبر من البقية، ليلة الأوج في التوأميات Geminids ستكون الليلة الممتدة بين 14 و15 ديسمبر.

2. معدل التساقط في الساعة (Zenithal Hourly Rate) (ZHR): وهو عدد الشهب الساقطة في الساعة الواحدة، وهناك رقم مميز لكل زخة، في بعض الأحيان يكون العدد هو 120 شهابًا في الساعة كما في حالة البرشاويات، وأحيانًا يكون 20 فقط كما في حالة الأسديات، أو 5 فقط في حالة الثوريات، في التوأميات سترى حتى 120 شهابًا في الساعة لحظة الأوج، لكن للأسف لن تتواجد تلك اللحظة في النطاق الزمني للوطن العربي، لذلك في الأماكن النائية سترى حتّى 60 شهاب في الساعة.

3. مركز الزخة: لكل زخة شهابية مركز تخرج منه في سماء الليل، لهذا المركز علاقة بميل اتجاه الأرض أثناء مرورها بتلك البقايا. في التوأميات – كما قلنا – فإن المركز هو كوكبة التوأم.

نصائح رصد الشهب

1. ابتعد عن التلوث الضوئي قدر الإمكان.

2. سوف تحتاج لشيء تستلقي عليه بحيث تواجه أكبر مساحة ممكنة من سماء الليل.

3. للتعرف على الكوكبة مركز الزخة يمكنك أن تعتمد على تطبيق كـ «جوجل سكاي ماب – Google sky map»، أو – فقط – ارفع رأسك للأعلى فوقك تمامًا.

3. سوف تحتاج لربع ساعة تقريبًا لكي تتكيف عيناك مع الظلام في مكان الرصد.

4. اتخذ تدابير السلامة البسيطة، معظم الزخات الممتعة تكون في جو قارس البرودة وفي وقت متأخر بعد منتصف الليل، لذلك تأكد من تدفئة ذاتك قبل الخروج لأن غفوة طويلة في طقس بارد قد تتسبب في مشكلات صحية خطيرة.

5. قم بعد الشهب التي تراها في كل ساعة وسجّلها في دفترك الخاص مع تسجيل كل من الوقت والتاريخ واسم الزخة.

6. لاحظ أنه قد تكون هناك شهب غير منتمية لتلك الزخة التي ترصدها non-shower meteor، يمكن أن تعرف ذلك ببساطة من اتجاه الشهاب، سوف يكون مركز انطلاقه هو نقطة أخرى مختلفة.

علامات تلسكوبية

دعنا نبدأ برصد أجرام مسييه الأشهر لنوفمبر:

بقيت هنا ثلاثة من أجرام خاصة بكوكبة ممسك الأعنة لم نتعرف إليها، وكلها تجمعات نجمية مفتوحة، وهي الأشهر والأكثر سهولة في الرصد – بنظارة معظمة – بعد الثريا والقلائص من كوكبة الثور، التجمعات هي M 36 وM 37 وM 38.

جهز تلسكوبك الآن، لكن يُفضّل أن يكون بقُطر 6 إنشات أو أكبر، حيث إن أروع أجرام السماء العميقة (Deep Sky Objects) في كوكبة الأسد هي من المجرات، تلك التي لا تتمكن من التقاطها بسهولة عبر تلسكوب صغير.

ثلاثية الأسد (Leo Trio)، موضع اهتمامنا الآن، والتي تضم ثلاث مجرات تقع بنفس الموضع، تتراوح درجات لمعانها الظاهري بين 9 و11، بينما لا يمكن لك بتلسكوب صغير إلا أن ترصد حدود القدر الظاهري السادس أو ربما السابع في ليالٍ حالكات.

توجد ثلاثية الأسد «Leo Trio» ناحية ذيل الأسد في كوكبة الأسد (تأمل الخريطة السابقة)، وأسماء المجرات هي «M65» و«NGC 3628» و«M66»، يرمز «M» إلى ما نسميه بأطلس مسييه والذي يضم 109 جرمات سماوية، و«NGC» إلى الأطلس العام الجديد الذي أسسه ويليام هيرشل والذي يضم آلاف الأجرام.

يمكن لك رصد المجرات الثلاثة معًا حينما تستخدم تلسكوبا بقُطر ثمانية إنشات مع عدسة عينية بقيمة متوسطة (17 مليمترا مثلا)، سوف تظهر كثلاث غمامات خافتة، لا يمكن بسهولة أن تستوضح تركيبها إلا حينما تدور بعينيك على حواف الصورة الموجودة في التلسكوب، هنا يجب أن نوضح أن الصور في التلسكوبات، مهما بلغت أقطارها في الكبر، لا تظهر بالألوان التي نراها في وسائل التواصل الاجتماعي، أو عبر مواقع كـ«ناسا» أو «وكالة الفضاء الأوروبية»، لكنها تظهر أكثر خفوتا وباللونين الأبيض والأسود، أما تلك الصور الملونة فتحتاج إلى فترات تعريض طويلة بكاميرات خاصة مع معالجة ببرامج كالفوتوشوب.

حكايات النجوم

وقع زيوس ملك الآلهة في حب ليدا زوجة تينداريوس، كانت حاملاً من تينداريوس بطفل بشري حينما تعرف زيوس بها وحملت منه فأصبحت حاملاً بطفلين، بشري وإله، هنا. حينما أنجبت ليدا خشيت أن يكتشف زوجها علاقتها بزيوس فألقت بمولوديها في الغابة، ثم وجدتهما ذئبة من أحد القطعان فحملتهما إلى جحرها وأرضعتهما ووفرت لهما بيئة مناسبة حتى أصبحا يافعين.

كان زيوس من وقت لآخر يطمئن عليهما، تعلما ركوب الخير والصيد وسافرا برًا وبحرًا، لكن في أثناء معركة ضارية بينهما وبين الأخوين أيداس ولينسيوس قُتل كاستور (البشري)، أما بولكس فبقي لأنه ابن إله والآلهة لا تموت، لكن بولكس رفض ذلك وطلب من زيوس والده أن يموت كأخيه، فهو لا يعرف للحياة طعمًا من دونه، هنا قرر زيوس رفع كليهما للسماء كوكبة، سميت التوأم.