دليل المبتدئين للقراءة في فلسفة الأخلاق
شكّل البحث الأخلاقي أحد أعمدة الفلسفة منذ سقراط، فإذا كانت الفلسفة هي «محبة الحكمة»، فقد وصف الأخير هذه الحكمة بأنها «كمال العلم لكمال العمل». وقد حاول جميع الفلاسفة تقريبًا في كل عصر تلاه الإجابة على سؤال: «كيف يعيش المرء حياة جيدة؟» فقدموا إجابات مُختلفة، نتجت بالأساس من اختلافهم حول ماهية الحياة الجيدة ومصدرها، هل هو الواجب أم اللذة أم الفضيلة،.. إلخ؟
نُقدم هنا بعض المداخل المناسبة (اليسيرة نسبيًا) التي تُسهّل الدخول إلى عالم فلاسفة الأخلاق الغني بالعبقرية والتأملات والسجالات الفكرية الشيقة. ويجب أن نؤكد على أن تلك القائمة ليست بأي حال أفضل قائمة ممكنة، أو أنها شملت كل ما هو مهم حقًا، وإنما هي محاولة بسيطة قد تدفع خطوة إلى الأمام أولئك الراغبين في الاطلاع على ذلك الفرع من المعرفة الإنسانية لكنهم مترددون بشأن نقطة البداية.
1. المشكلة الخُلقية — زكريا إبراهيم
هذا الكتاب هو أحد أجزاء سلسلة «مشكلات الفلسفة» للمُفكر الكبير وأستاذ الفلسفة المصري زكريا إبراهيم، ويُمثل مدخلًا موسوعيًا للقضايا الأساسية التي تطرحها الفلسفة الأخلاقية مثل: الأنانية والإيثار، أو النسبية الأخلاقية التي تُنكر وجود حقائق أخلاقية ثابتة، وهل الأخلاق التي يطرحها الفلاسفة بلا معنى مثلما تعتقد بعض المدارس (كالوضعية المنطقية وغيرها)؟
يبدأ الكتاب ببحث العوامل التي دفعت الإنسان منذ القدم للتساؤل الأخلاقي، ومن ثم يناقش ضمن إطار تاريخي سلس، النظريات الأخلاقية العديدة التي طرحها الفلاسفة كنظريات الواجب، والنفعية.. إلخ. وينتهي بمناقشة خبرات الإنسان المُختلفة: الحب، والشر، والألم، حيث يستعرض الكاتب تأملات الفلاسفة القدام والمحدثين حولها بطريقة بارعة وسلسة للغاية.
2. الفلسفة الخُلقية: نشأتها وتطورها — توفيق الطويل
يستعرض مُفكر مصري كبير آخر هو توفيق الطويل كامل تاريخ الفلسفة الأخلاقية منذ سقراط وحتى القرن العشرين مرورًا بالعصور الوسطى. يتميز هذا الكتاب بمناقشة المذاهب الأخلاقية “الفرعية” (وليس المذاهب الرئيسية فقط) كالمدارس السقراطية الصغرى: الكلبية وغيرها. وأيضًا بمناقشة القضايا المعرفية المتعلقة بالأخلاق مثل: هل الأخلاق ذاتية (خاضعة لدوافع وبيئة ومشاعر الإنسان أم موضوعية (مستقلة عن ذات الإنسان)؟
3. مباحث في فلسفة الأخلاق — محمد يوسف موسى
هذا الكتاب هو أحد المباحث العربية المُبكرة في فلسفة الأخلاق، وكاتبه هو مُدرِس شريعة أزهري نال دكتوراه في الفلسفة من باريس.
يبدأ موسى بتعريف الأخلاق كـ «علم»، ثم بيان الموضوع الذي يدرسه ذلك العلم، والغاية من دراسته. ثم ينتقل إلى دراسة العلاقة بين الأخلاق والعلوم الطبيعية، وهل يُبطِل أحدهما الآخر أم يساعده على أداء مهمته؟ بالإضافة إلى أنه يُناقش طبيعة السلوك الأخلاقي لدى الإنسان: تعريفه وتكوينه، وما يتأثر به. بالإضافة إلى مقاصده، ودوافعه.
ربما تجاوزت المعرفة الحديثة بعض ما تحتويه الكتابة، إلا أنه يظل بداية جيدة ومُنظمة للغاية للدخول إلى عالم فلسفة الأخلاق.
4. أُصول الأخلاق — ي.دني
يستعرض هذا الكتاب المذاهب الأساسية للأخلاق، فيقسمها إلى: حدسية (أي فطرية داخل الإنسان)، وغائية (تحكم على أخلاقية الفعل بناء على الغاية المرجوة منه)، ونفعية (تحكم على العفل بناء على مقدار ما يحققه من لذة ويبعده من ألم) بالإضافة إلى مناقشة مفاهيم الشعور، والضمير، والوجدان، والأخلاق بين الالتزام الفردي، والالتزام النابع من وجود قانون.
5. تاريخ الفلسفة اليونانية — يوسف كرم
تُعد قراءة الفلسفة الأخلاقية اليونانية مهمة، لأن الأخلاق اللاحقة عليها (وحتى تلك المُعاصرة) غالبًا ما تدور في فلك الأطروحات المؤسسة التي وضعها فلاسفة اليونان، إما بالتأييد أو الشجب أو التعديل. يُؤرخ هذا الكتاب للفلسفة اليونانية ككل، ويُعد مدخلًا عامًا ممتازًا للفلسفة، وليس الفلسفة الأخلاقية فقط. وهو يتميز بجزء يُعالج أخلاق كل فيلسوف محل البحث، على سبيل المثال، عندما يستعرض الكاتب أفلاطون فإنه يُناقش: حياته ونظريته في :المعرفة، والوجود، والسياسة، والأخلاق.
لولتر ستيس كتاب بنفس العنوان، وبإمكاننا أن نصفه بنفس ما وصفنا به سابقه دون زيادة أو نقص.
6. محاورة مينون — أفلاطون
يُناقش أفلاطون على لسان أبطاله مفهوم الفضيلة: ما هي؟ وما أهميتها؟ وكيف يكتسبها البشر؟ لكنه لا يحدد على لسان سقراط إجابات قاطعة على ذلك، وإنما (كعادته) يضعنا على طريق البحث، وتُعد هذه المُحاورة إحدى الخطوات المهمة الأولى على طريق الفلسفة الأخلاقية. كما أنها ليست صعبة على قراء الفلسفة الجُدد، نظرًا لأسلوب أفلاطون اللغوي السلس والحريص على شرح الأفكار والمصطلحات بدقة، بالإضافة إلى أنها تأتي (ككل كتابات أفلاطون الأكيدة) في قالب أدبي حواري.
7. محاورة جورجياس — أفلاطون
يُناظِر سقراط جورجياس المُعلم والفيلسوف السفسطائي، والذي يتفاخر زاعمًا أن بإمكانه الإجابة على أي سؤال يُطرح عليه. ويختلف سقراط مع جورجياس أولًا حول مفهوم «البيان» (أي الخطابة)، حيث يرى سقراط أن هدف البيان الرفيع هو إظهار الحق والعدل، ويختلف معه جورجياس حول ما يقصده ب «العدل»، ومن ثم يستعرض كلاهما تعريفه لما هو عادل، ومَن هو الشخص العادل؟ وهل العدالة هي حقيقة موضوعية أم ذاتية؟ كما يختلفان حول ما إذا كان الإنسان الظالم سعيدًا أم لا؟ وما الأفضل للإنسان: أن يكون ظالمًا منتصرًا أم مظلومًا منكسرًا؟
8. تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق — إيمانويل كانط
هنا يبين كانط مذهبه الأخلاقي: الواجب. والذي يقضي بأنه حتى يمكن وصف فعل ما بأنه أخلاقي، فإنه يلزم للفعل أن يصدر عن شعور بالواجب نابع من اتباع القانون الأخلاقي الداخلي (الأزلي)، ذلك القانون الذي يشرح كانط هنا كيف يُقرّه العقل بصورة قبْلية (a priori) سابقة على التجربة (الوقائع الاجتماعية).
يُعد مذهب الواجب أحد المذاهب الكبرى والأساسية في فلسفة الأخلاق، ويُمكن اختصاره في القاعدة التي صاغها كانط نفسه «افعل بكيفية تتحول بها قاعدة السلوك إلى قانون بالنسبة لكل الكائنات العاقلة».
وللذين لم يطلعوا بعد على فلسفة كانط، يُمكنهم البدء بكتاب «كانط» للفيلسوف الأمريكي ألن وود.
9. النفعية — جون ستيوارت مل
يُمكن القول بأن مذهب النفعية هو العملاق الآخر الكبير رفقة مذهب الواجب، وهو أيضًا خصمه الرئيسي. كان الفيلسوف الإنجليزي جيريمي بنثام رائده، ثم حل من بعده تلميذه الفيلسوف جون ستيوارت مل.
ترتكز النفعية على الفرضية القائلة بأن «مقياس الخير والشر هما اللذة والألم»، وبالتالي فإنها تحكم على الفعل بأنه أخلاقي أم لا، على أساس إمكانيات تحقيقه للذة، أو تخفيفه من الألم. مع شرط ضروري هو أن يتحقق ذلك لأكبر عدد من الناس. وتؤكد النفعية (على خطى أرسطو) أن السعادة هي الشيء الوحيد المرغوب فيه كغاية في ذاته وليس كوسيلة لشيء آخر، وأن رغبة البشر في كل الأشياء ليست سوى وسيلة لتحقيق هذه الغاية أي السعادة، وبالتالي فإن السعادة (التي تُقاس بمقادير اللذة والألم) تمثل المقياس المرجعي للأخلاق.
يشرح مِل مذهبه كالعادة بلغة واضحة وسرد مُنظم للغاية، ويرد على الانتقادات المُوجهة للنفعية، ابتداءً من تسمية النفعية التي تُوحي للبعض بالأنانية وفقدان المعايير.
وللذين لم يطلعوا بعد على فلسفة جون ستيوارت مل يُمكنهم البدء بكتاب «جون ستيوارت مل» لوندي دونر وريتشارد فمرتون.
10. مذهب المنفعة العامة في الأخلاق — توفيق الطويل
يناقش هذا الكتاب بصورة مُفصّلة مذهب بنثام ومل النفعي وجذوره في الفلسفة اليونانية، ويُفضّل الاطلاع عليه قبل قراءة كتاب مِل السابق.
11. مبادئ الأخلاق — جورج مور
يُعد جورج مور أحد أهم فلاسفة القرن العشرين، وهو أحد الرواد الأوائل للفلسفة التحليلية الغالبة على التقليد الفلسفي الأنجلو-أمريكي، وقد أدت أبحاثه إلى ظهور فلسفة الأخلاق التحليلية، والتي تهتم بتحليل القضايا والأحكام الفلسفية لغويًا، وتحديد معنى دقيق للمصطلحات بهدف إزالة الغموض المحيط بها، واستبعاد القضايا والأحكام التي يكشف التحليل عن كونها خالية من المعنى أو استحالة الحكم عليه بالصدق أو الكذب، أي عن كونها مُجرد «لغو» فلسفي لا تربطه صلة بالواقع.
وقد طبّق مور هذا المنهج على الأخلاق، حيث أوضح بأننا عادة ما نناقش المشكلات والقضايا الأخلاقية بطريقة تعسفية، وذلك بطرح أسئلة دون التأكد مما إذا كان في وسعنا الإجابة عنها، وذلك لأن كثيرًا من القضايا والمفاهيم الفلسفية تفتقد لأي ارتباط بالواقع، وتدور فقط في عقل الفيلسوف الذي لم يتأكد قبل انخراطه في البحث مما إذا كان السؤال الذي يطرحه يُمكن الإجابة عنه بالإيجاب أو السلب، وذلك لأن كثيرًا من الأسئلة التي طرحتها الفلسفة عبر تاريخها في رأي مور (والتيار التحليلي) لا يُمكن الجواب عنها، كما أن كثيرًا من القضايا الفلسفية (والأخلاقية منها) بالمثل لا يمكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب.
12. الطبيعة البشرية والسلوك الإنساني — جون ديوي
ديوي هو أحد رواد الفلسفة البراغماتية الأمريكية، وقد سعى في هذا الكتاب إلى تأسيس الأخلاق على أسس نفسية واجتماعية، بوضع السلوك الإنساني في إطاره النفسي -البيولوجي، والاجتماعي المُرتبط بالمؤسسات والبيئة الاجتماعية والسياسية التي يحيى بها الإنسان، وكيف يتأثر/يتحدد السلوك الأخلاقي بها. فالأخلاق كما يرى ديوي تتشكل على إثر الوقائع التجريبية، وهي تنشأ نتيجة تراكمات العادات ضمن بيئة اجتماعية معينة.
13. مشكلات مع الغرباء — تيري إيجلتون
تيري إيجلتون ليس فيلسوفًا، لكن بإمكانه قول أشياء مهمة بشأن الفلسفة. وهو يستعرض هنا تطور الفكر الأخلاقي الحديث منذ سبينوزا، مرورًا بالتجريبين البريطانيين كديفيد هيوم، وصولًا إلى التفكيكيين المُعاصرين كدريدا.
من الوارد وجود صعوبة بالجزء المُعنون بـ «طور المرآة» نظرًا لحاجته إلى معرفة مسبقة بالتحليل النفسي، لكن الصعوبة ستختفي بمجرد مُتابعة باقي فصول الكتاب.