ثلاثية «Guardians Of The Galaxy»: في حب الصداقة والموسيقى 

لم أكن أتخيل أنني سأستخدم كلمات أحد أكثر أغاني الروك البديل حزنًا واغترابًا في افتتاحية مقال عن أحد أفلام عالم مارفل السينمائي، لكننا نفعل ذلك اليوم في افتتاحية مقال عن ثلاثية حراس المجرة. 

يستخدم جيمس جن كلمات راديو هيد في افتتاحية الجزء الثالث من السلسلة، والأخير – على الأقل بالنسبة للمخرج – يصاحبها تجول لروكيت «الراكون الغاضب» وسط ما تبقى من شخصيات حراس المجرة بعد كل ما مروا به طوال ٩ سنوات شاهدنا خلالها الفيلمين السابقين، بالإضافة لظهورات متفرقة في أفلام أخرى ضمن عالم مارفل السينمائي. 

قد يبدو الأمر مبالغة إذا ما نظرنا للثلاثية بشكل سطحي كأفلام عن كائنات خيالية فضائية تحاول إنقاذ المجرة، لكن ماذا لو نظرنا بشكل أكثر تسامحًا مع هذا النوع من السينما؟ ماذا تمثل هذه الشخصيات وماذا يمثل هذا العالم؟ هل يحاول حراس المجرة بالفعل إنقاذ المجرة؟ 

مجموعة من المنبوذين 

على عكس أعضاء الأفينجرز فإن أعضاء حراس المجرة مجموعة من المنبوذين، «كويل» أو «ستار لورد» يبدأ السلسلة من خلال حادثة سرقة، لص يحب الموسيقى وينشط في الفضاء، تعترض طريقه «جامورا» ابنة ثانوس التي تحاول أيضًا سرقته، يتم إلقاء القبض عليهما وإيداعهما أحد السجون في الفضاء، حيث يتعرفان على دريكس، رجل يبحث عن الانتقام، وروكيت، الراكون فائق الذكاء، وجروت الشجرة التي لا تتحدث إلا بجملة واحدة. 

إذا نظرت لهذه المجموعة في مواجهة مجموعة مليئة بالأبطال المحتفى بهم على الأرض، فستجد الفارق بشكل واضح، لا بطل حربيًّا مثل كابتن أمريكا، لا رجل فاحش الغني والثروة مثل أيرون مان، ولا حتى فتى محبوبًا مثل سبايدرمان، هنا مجموعة من المنبوذين من أهلهم وشعوبهم، أو مشوهين بفعل صدمات نفسية وجسدية، والأهم هنا مجموعة لا تحوي سوى بشري واحد، البقية حيوانات ونباتات وفضائيين. 

إذا كنت لم تجد من يشبهك وسط الأفينجرز بسطوتهم وثقتهم بأنفسهم، فربما تجد في هذه المجموعة ضالتك، هذا ربما سبب أول لمحبة الكثيرين لحراس المجرة.

مع المهمشين لا الألهة 

جانب آخر من جاذبية حراس المجرة هو انحيازهم بشكل مستمر وبشكل قد يبدو غير ذكي أيضًا لضعفهم. 

في الجزء الثاني يتعرف بيتر كويل على والده، الإله الذي يحكم كوكبًا بأكمله، كويل إذن نصف بشري ونصف إله، يحاول أبوه أن يعلمه كيفية التحكم في قوته الفضائية، ينجح كويل بعد محاولات قصيرة، لكنه حينما يدرك أن والده يعتمد على طاقة الكواكب للخلود يختار أن ينهي حياته، يصرخ والده فيه: «أنت تقتل فرصتك للخلود إن قتلتني، ستصبح مجرد إنسان فانٍ»، لا يؤثر هذا الإغراء في كويل، ويطعن والده ثم يدمر مركز طاقته وينهي خلوده. 

في الجزء الثالث نتعرف على كائن شبه إلهي آخر هو «المتطور الأعلى»، والذي يشبه كثيرًا «ثانوس»، حيث اعتقاد بالقدرة على صنع اليوتوبيا من خلال التضحية بنصف سكان الدنيا في حالة ثانوس، أو كل من يمثل كائن غير مثالي بالنسبة إلى «المتطور الأعلى» الذي يبدو وفيًّا تمامًا للدارونية الاجتماعية. 

في الجزء الثالث يميل «روكيت» أيضًا لجانب المهمشين والمشوهين وغير المثاليين، ويكتسب صراعه قيمة مضافة من خلال الانتقام بأكثر الطرق عنفًا من هذا المتطور الأعلى الذي عذب ملايين المخلوقات بسادية من قبل. 

في حب موسيقى البوب

خلق جيمس جن إذن سلسلة من أفلام المنبوذين وأبطال المهمشين، سلسلة مبنية على شخصيات ظهرت في قصص مصورة ضمن الأقل شهرة في عالم مارفل، معالجة ذكية وحس ساخر مستمر طوال أحداث الثلاثية، حس ينبع في الأساس من خلفية كل شخصية. 

كويل يتلعثم في معظم الأوقات، روكيت يريد أن يبدو كشخص غاضب أو غير لطيف، دريكس يفهم كل شيء بشكل حرفي، جامورا تحمل جانبًا مظلمًا، وجروت، حسنًا إنه جروت. 

لكن ما صنع لهذه السلسلة نجاحًا استثنائيًّا هو أمران، أولهما موسيقى البوب. 

في بداية الجزء الأول من «حراس المجرة» نتعرف على بيتر كويل وهو يسرق على أنغام «come get your love» التي تنساب من سماعات أذنه من الووكمان الخاص به، يبدأ الجزء الثاني بافتتاحية لبيبي جروت على أنغام «Mr blue sky»، وبين هذا وذاك نسمع «hooked on a feeling» للمرة الأولى حينما يجتمع أبطالنا في السجن في الجزء الأول. 

في حقيقة الأمر حينما نستمع إلى hooked on a feeling يهرول بيتر كويل لاستعادة الووكمان الخاص به من حارس السجن، يخبره بغضب أن هذه الأغنية تخصه، هذا هو الرابط الأهم للموسيقى في هذا العالم، موسيقى البوب القادمة من الأرض، والتي منحتها والدة بيتر كويل له كهدية أخيرة قبل موتها، هي ما يربط كويل بأمه وبالأرض، وهي ما يربطنا كمشاهدين أرضيين بهذا العالم. 

يدرك جيمس جن كيف تربطنا موسيقى البوب والروك البديل بالأحداث، كل ما هو غرائبي ومريب يستحيل أكثر ألفة حينما تستمع لموسيقاك المفضلة في الخلفية. 

كل هذه الأغاني عادت لتصدر قوائم التشغيل بعد ٥٠ عامًا من صدورها، أغاني الجزأين الأول والثاني قادمة من السبعينيات، ثم بهدية أخيرة من أبيه البديل «يوندو» بعد أن تم تدمير الووكمان يحصل بيتر كويل على موسيقى تحميل مزيجًا من الثمانينيات والتسعينيات والألفية الجديدة. 

تعمل الثلاثية إذن كرسالة حب لموسيقى البوب، رسالة تحمل دورًا رئيسيًّا في السرد، وهنا تظهر جودة الصنعة. وأيضًا أصالتها وصدقها. 

من أغانٍ يغلب عليها طابع السبعينيات الاحتفالي والخيالي في بعض الأحيان، إلى حزن واغتراب مع الاقتراب للألفية الجديدة وزمننا الحالي، كيف انتقلنا من «I want you back» الاحتفالية للإخوة جاكسون إلى «creep» لراديو هيد. 

نحن جروت، نحن روكيت 

إذا كانت الموسيقى هي العنصر الأول في جعل هذه الثلاثية استثنائية، فالعنصر الثاني هو كونها ليست في حقيقة الأمر عن إنقاذ المجرة، الأحداث الكبرى والإنقاذات الكبرى تتم في حقيقة الأمر في أفلام الأفينجرز، هذه السلسلة هي في الواقع محاولات مستمرة لمجموعة من الأصدقاء لإنقاذ بعضهم بعضًا. 

في نهاية الجزء الأول وحينما يوقن أفراد المجموعة أنهم منهزمون، هم في سفينة فضائية على وشك الارتطام بكوكب والانفجار، يقرر جروت أن ينمو بأغصانه وفروعه حولهم، حتى يلتف حولهم جميعًا، يصرخ روكيت فيه، لا تفعل هذا، ستموت، يرد جروت للمرة الأولى بصيغة الجمع «نحن جروت». 

تضحية جروت ليست هنا من أجل المجرة، هي من أجل أصدقائه، في الجزء الثاني يحاول الأصدقاء إنقاذ بيتر كويل من براثن والده، وفي الجزء الثالث يذهب الأصدقاء في رحلة هدفها الوحيد هو إنقاذ حياة صديقهم روكيت.  

لا يضحي حراس المجرة بحياتهم من أجل إنقاذ كوكب الأرض أو المجرة، قوتهم الخارقة الأهم هي التضحية من أجل بعضهم البعض. 

أجمل لحظات السلسلة في الجزء الثالث تأتي من اكتشافنا لأصل «روكيت» كل ما عاناه منذ طفولته، تعذيبه وقتل أصدقائه، ثم تأصيل لمدى محبته لدى أصدقائه الجدد. 

تخبرنا ثلاثية حراس المجرة أنك يمكنك أن تجد أصدقاءً مهما كنت منبوذًا، والأهم أن هؤلاء الأصدقاء سيكونون أوفياء ومحبين لك، سيضحون بحياتهم من أجلك، حتى لو لم تكن الأجمل ولا الأذكى ولا الأقوى. 

في نهاية الثلاثية يرقص روكيت وجروت معًا، يقوم بالأداء الحركي لهذه الرقصة المخرج جيمس جن وشقيقه الذي يعتبره أيضًا صديقه المقرب، وكأنه يختتم رحلته مع حراس المجرة برسالة حب أيضًا للموسيقى والصداقة. 

قد يكون هذا هو أفضل ما صنعت مارفل منذ سنين، والأكيد أن رحيل جيمس جن لعالم دي سي سيكون خسارة كبيرة لعالم مارفل.