طحن مّو: جرس إنذار للنظام بالمغرب
غرد المغاربة غاضبين على هاشتاج (طحن مو) -اطحن أمه- تعاطفًا مع موت بائع الأسماك الثلاثيني محسن فكري بعد أن تم طحنه يوم الجمعة 28 أكتوبر/تشرين الأول بأمر من الشرطة المغربية بمدينة الحسيمة في شمال المغرب.
القصة كاملة
ولد محسن فكري في سبتمبر/ أيلول 1985 بمدينة «إمزورن»، تربى وسط 7 أشقاء بين عائلة تنتمي للطبقة المتوسطة، تفرغ للعمل تاركًا دراسته في عامه الأول من التعليم الثانوي وعرف وسط منطقة سكنه بأخلاقه الطيبة، وحصل فكري على دبلوم بحار بعد التحاقه بمعهد تكنولوجيا الصيد البحري بالحسيمة؛ ليصبح بحارًا ثم تاجرًا.
وأكد نشطاء مغربيون اقتراض فكري مبلغًا ماليًا لاقتناء كمية من السمك بهدف بيعها لإعالة أسرته الكبيرة، ثم شحن البضاعة وانتقل إلى وسط المدينة دون أن يوقفه أحد من أمن المرسى.
بدأت النهاية بعدما قرر أحد مسئولي الأمن بالمدينة توقيف فكري، وعندما اعترض على القرار الظالم استدعى الشرطي شاحنة النفايات للتخلص من مصدر رزق فكري من سمك؛ مما أثار حنقة الشاب الباحث عن فرصة للعمل للهروب من البطالة التي غزت مدينته، وقام فكري بالقفز وراء كل ما يملك محاولًا إنقاذ أموال أسرته، ولكن سرعان ما أمر الشرطي بالتخلص منه آمرًا سائق الشاحنة: «طحن مو»، لتنتهي قصته بتلك الكلمتين التي هزت عرش النظام المغربي اليوم.
والجدير بالذكر أن البطالة تعتبر من المشاكل الخطيرة التي تهدد أمن المجتمع المغربي، وارتفع معدل البطالة بعام 2016 عن عام 2015 بزيادة 0.1% ليصل إلى 10%، كما وصل عدد العاطلين بالبلاد إلى مليون و169 ألف عاطل بنسبة 79.2% لسكان الحضر، هذا إلى جانب أن ثلث الموظفين حاملون لشهادات ذات مستوى عالٍ.
رواية الحكومة
نفى جهاز الأمن المغربي ما تم تداوله من خلال مواقع التواصل الاجتماعي حول أمر أحد الضباط لسائق الشاحنة بطحن محسن فكري، كما أعلنت وزارة الداخلية بدء التحقيقات في ملابسات الحادث وأكدت على شفافية الإجراءات للوصول إلى المسئول الحقيقي عن قتل الشاب فكري.
كما أعرب رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، عن أسفه الشديد لموت الشاب في بيان أصدره بعد وقوع الحادث بساعات، إلا أنه دعا أنصار حزبه «العدالة والتنمية» بعدم الاستجابة لأي من دعوات الاحتجاج، وأضاف إلى بيانه: «إن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية يعبر عن أسفه الشديد للحادث المؤلم لوفاة بائع السمك بمدينة الحسيمة المرحوم محسن فكري، مساء أمس الجمعة، والذي فتح بشأنه بحث من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي انتقلت لعين المكان لهذه الغاية».
وأوضح موقع «المغرب 24» أن ملك المغرب محمد السادس قد أصدر تعليماته لوزارة الداخليةبعدم التسامح مع «أي مسؤول عن وفاة محسن فكري»، كما كلف وزير الداخلية بمتابعة التحقيقات بنفسه.
مواقف معارضة
عاشت مدينة الحسيمة بالمغرب منذ لحظة وفاة الشاب محسن فكري حالة من الغضب الموجه ضد الحكومة، فخرجت المظاهرات على مدار ثلاثة أيام بداية من الجمعة -يوم مقل الشاب- حتى الأحد، لترج حالة السكون المغربي من بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية التي أقيمت في الشهر الجاري.
كما نادى النشطاء والجمعيات الحقوقية بضرورة التظاهر غدًا الإثنين 31 أكتوبر/تشرين الأول؛ احتجاجًا على موت الشاب محسن فكري بتلك الصورة المخزية، لتشمل التظاهرات عددًا من المدن المختلفة، من بينها مراكش وطنجة والرباط والجديدة وأكادير.
وطالب حزب العدالة والتنمية بالغرفة الثانية بالبرلمان بفتح تحقيق فوري حول مقتل فكري، حيث وجه نبيل الأندلسي سؤالًا إلى كل من وزيري الداخلية والعدل والحريات قائلا: «قررت السلطات المحلية في موقف غريب وغير مفهوم إتلاف كميات السمك المحجوزة لديه، باستعمال حاوية ضاغطة لشاحنة نقل النفايات. هذا الأمر أثار استفزاز الشاب وغضبه واحتجاجه؛ مما جعله يهدد بالارتماء في الحاوية إن أصر المسؤولون على إتلاف المحجوز، قبل أن يقدم فعلاً على النزول بها، وهذا الفعل تمَّ قبل أن تتحرك آلة الضغط والتدوير. من قام إذن بتشغيل هذه الآلة؟، وكيف تم هذا الأمر؟، ومن هي الأطراف المتورطة في هذا الفعل الذي كان سببًا مباشرًا في وفاة الضحية؟!».
كما راسل مجلس جهة طنجة تطوان حسيمة الجهات الحكومية المسؤولة، «لمعرفة تفاصيل وملابسات ما جرى، والإجراءات المتخذة في هذا الموضوع؛ من أجل إجلاء الحقيقة وتطبيق القانون وإنصاف الضحايا، ومعالجة الاختلالات التي أفضت إلى هذا الحدث الأليم»، حسبما أوضح رئيس المجلس.
وفي السياق ذاته استنكر الحزب المغربي المعارض «الأصالة والتنمية» ما حدث من طحن الشاب محسن فكري، وحمّل الحكومة المسئولية كاملة وطالب بفتح تحقيق عاجل مع كل المسئولين عن تلك الحادثة مهما كانت درجاتهم، كما دعا الحزب «كل مناضلاته ومناضليه إلى مساندة أسرة الضحية والانخراط التام في كل أشكال النضال المشروعة لرفع الظلم والحيف والدفاع عن كرامة المواطن وحقه في العيش الكريم والحياة، ومعاقبة المسؤولين».
كما قام الحزب بتكليف «برلمانييه بمجلسي النواب والمستشارين بمساءلة الحكومة بشأن هذه الفاجعة، كما شكّل لجنة محلية على مستوى مدينة الحسيمة لمتابعة كل التطورات الميدانية عقب هذه الفاجعة المؤلمة».
محسن فكري جرس إنذار للنظام الحاكم
تعتبر المملكة المغربية من الدول العربية التي تأثرت إيجابيًا بثورات الربيع العربي، بعدما تنازل الملك محمد السادس عن بعض صلاحياته عقب اندلاع التظاهرات بالبلاد في فبراير/شباط 2011، كما أقرت الدولة دستورًا جديدًا يسمح بهامش أكبر من الحقوق والحريات للمواطنين. هذا إلى جانب تسليم الحكومة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي -تحت إشراف النظام القائم- وفقًا للانتخابات البرلمانية، عقب الاستفتاء الشعبي على التعديل الدستوري في يوليو/تموز 2011.
كما اهتمت المغرب من بعد الربيع العربي بتنمية اقتصادها وإصلاح أجهزتها الحكومية وتنويع صناعتها المحلية؛ بغية التخلص من البيروقراطية وتعميق اللامركزية من خلال تقسيم البلاد إلى مناطق للاستثمار مما يخدم عملية التوازن، كما يوضح الخبير الاقتصادي الطيبي سعداوي.
ومقارنةً مع مصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا، تمكنت المغرب منفردة أن توفر الحد الأدنى من الحرية بمجتمعها، وفقًا لخريطة مؤسسة فريدوم هاوس، مع الإبقاء على نظامها السياسي واحتجاج المعارضة؛ مما جعل البعض يؤمن أن تجربة المغرب كانت أكثر ملاءمة للدول العربية عن الثورات التي أطاحت بأنظمتها، حيث دفعت الأولى القليل من الخسائر مكنتها من بعض الإصلاحات الهامة، في حين قدمت الثانية الكثير من التنازلات بلا أي تغيير حقيقي.
ربما تكون نهاية محسن فكري منبهًا للشعب المغربي بضرورة استكمال الضغط على النظام المغربي للحصول على المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية، كما أنها جرس إنذار ليفيق النظام الحاكم من غفلته حتى يستكمل إصلاحاته التي بدأها للهرب من سيناريو الربيع العربي، فما زال الخطر قائمًا.