في السنوات الأخيرة بدأ الأهتمام بالأعمال الفنية المقتبسة من القصص المصورة أو «comics»، بل وقامت أشهر شركتين لأنتاج مجلات «الكوميكس»، بأنتاج الأفلام المقتبسة من مجلاتهم بنفسهم وهما شركتي «Marvel» و«DC»، ولذلك أصبحت الأعمال المقتبسة من قصص أبطال الكوميكس من أهم الأعمال والأكثر انتظاراً من قبل الجماهير والنقاد، انتظار غير مسبوق لنهاية الصراع بين «Captain America » و«Iron man»، وصراع «Batman» و «Superman»، ومن هي «Wonder Women»، وهل سيقنع «جاريد ليتو» الجمهور والنقاد في دور الجوكر، أم ان الراحل «هيث ليدجر» أتي علي جميع الفرص لأتقان هذه الشخصية.لم يتوقف الأمر علي الإنتاج السينمائي، بل انتقلت الظاهرة أيضا للإنتاج التليفزيوني، فرأينا شخصيات «Flash» و «Arrow»، و«Daredevil»، كمسلسلات تتفاوت قوتها الفنية بين المقبول والممتاز، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أمتد ليصل لمحاولة نقل طفولة بعض الأبطال الخارقين، والتعرف علي مرحلة تكوينهم والصراعات التي حدثت في مجتمعهم وتفاعلهم معها، وهذا مارأيناه في مسلسل «Gotham»، الذي يتحدث عن قصة المدينة الشهيرة وتأثير مقتل رجل الأعمال «مستر واين» وزجته «مارثا» علي القرية، وعلي دفع قوي الشر الجديدة، وتكون شخصية «بروس واين» الذي لن نعرفه في المسلسل قط كـ«الرجل الوطواط». جميع أحداث المسلسل في موسميه الأول والثاني، مستوحاه من قصص مدينة «Gotham» ولكنها لم يتم أستعراضها بشكل تفصيلي في القصص المصورة «كوميكس» كما في المسلسل.


الأخيار: شخصيات شديدة التقليدية.

شخصيات المسلسل تنقسم بوضوح لجانبي الخير والشر، باستثناء عدد محدود من الشخصيات سيتم ذكرهم لاحقا، وظاهرة التباين الواضح بين الخير والشر مقبولة في عالم «الكوميكس» بل تعتبر أحد ركائزه الأساسية.نبدأ مع فريق الأخيار الذي يمثله شخصيات «جيمس جوردن» وشريكه في العمل «هارفي»، و«بروس واين» ووصيه بعد مقتل والديه «ألفريد»، وصديقة «بروس» غريبة الأطوار «سلينا كايل» التي تحب أن يطلق عليها «القطة»، وزوجة جوردن «ليزلي تومبكنس». برغم أهمية هذه الشخصيات في مجريات الأحداث، بل يعتبر أغلبهم أبطال العمل الأساسيين، ولكن خلت هذه الشخصيات من العمق الكافي أو حتي الإمتاع الكافي المتواجد في جانب الشر كما سنذكر.ـ«جيم جوردن» بطل العمل الأساسي، لم نر في شخصيته ما يمثل أي شيء جديد، أو أي محاولة للخروج عن البناء التقليدي للشخصيات، مجرد شرطي شريف يحاول مواجهة الفساد الذي لا يعلم أنه أكبر من إمكانياته، وبالتالي يعرِّض نفسه للمخاطر، وعلي المستوي الذي رسمت به الشخصية جاء تمثيل «بين ماكينزي» الذي لم يخرج عن حيز التقليدية المكتوبة له، بينما أضاف الممثل «دونال لوغ» لشخصية «هارفي» جاذبية وتميز بأدائه التمثيلي، برغم أن الشخصية لم تخرج عن الحيز التقليدي في كتابتها، بقية الشخصيات لم تخرج عن المستوي التقليدي كذلك سواء كتمثيل أو كرسم للشخصية. مشاهد «بروس واين» و«سلينا كايل» أضافت الكثير من المتعة بأجوائها الطفولية، حيث نري العالم القبيح في أعين مراهقين، مروا بخبرات أكبر من عمرهم. وقد أدي الطفلين «ديفيد مازوز» و«كامرين بيكندوف» الشخصيتين ببراعة، واستطاعوا تأدية مشاهد مهمة ومعقدة ، وإظهار الإعجاب المتبادل وتباين الخبرات واختلاف الطبقة الاجتماعية ببراعة.


الأشرار: مرونة في استغلال الشخصيات

كما ذكرنا، فإن المسلسل يعتمد بشكل أساسي علي الفصل الواضح بين الخير والشر، ولكن استخدام الشخصيات الشريرة جاء بشكل أكثر ذكاء وحيوية، فالشخصيات الشريرة هم، «البطريق»، «فالكون»، «ماروني»، و«فيش موني» في الجزء الأول و«غالفان» و«نيجما» و«بربرا » و«دكتور سترانج هوجو» في الجزء الثاني.شخصية البطريق برغم وجودها بشكل واضح في جانب الشر، فهو تقريبا أكثر من قتل وتسبب في المجازر طوال الموسمين الأولين، وأحيانا يكون القتل عنده بسبب الغضب لا أكثر ولا أقل، ومع ذلك فشخصية البطريق شخصية إنسانية جاذبة لتعاطف المشاهدين بدرجة كبيرة، فدائما تشعر أن بواعثه طيبة وأنه لم يختار طريق الشر سوي ليثبت ذاته، بالتأكيد لن تجد تبريرات لأغلب أفعال البطريق، ولكن هنا ظهر ذكاء صناع العمل، فهم جعلوك تتعاطف مع البطريق بل وربما تحتسبه في جانب الخير، مع عدم مقدرتك علي تبرير أو تبرئته من جرائمه الكبيرة، وفي لحظات المسلسل الحاسمة كانت أفعال البطريق تكون لصالح الأخيار، برغم دوافعه الانتقامية. أدي شخصية البطريق ببراعة الممثل «روبن لورد تايلور»، ومن المستغرب عدم ترشحه لأي من جوائز المسلسلات الشهيرة. شخصية فالكون كذلك من الشخصيات المميزة، فهو مثال للمستبد المستنير، الذي يريد مصلحة مدينته مع مصلحته الشخصية. أغلب أفعال فالكون تتسم بالحكمة حتي في جرائمه، فهو شخص مدرك أن «جوثام» مدينة استشري فيها الفساد بدرجة لايمكن علاجها، والحل بالنسبة له هو حفظ التوازن بين قوي الشر في المدينة. أفعال فالكون كذلك تأتي علي نمط البطريق ولكن بصورة أقل في نتيجتها النهائية التي تكون غالبا في صالح الخير. شخصيتا «بربرا» و«نيجما» في الجزء الأول كانوا من الشخصيات الخيرة، ولكن نتيجة لأحداث مختلفة تحولوا لشخصيات شريرة، ولكن تأتي شخصية «بربرا» أكثر تميزا في كونها شريرة رغما عنها، فشرها يأتي من مرض نفسي وليس من اختيار شخصي، وساهم في ظهور هذا المرض «جيم جوردن» نفسه بتعريضها للخطر أولا، ثم الانفصال عنها ثانيا، ثم عدم مسامحتها عن الخطأ الذي ارتكبته ثالثا. هذه امثلة للشخصيات الشريرة الأساسية التي تدلل علي أن جانب الشر في المسلسل رسم بطريقة أعمق وأكثر حيوية وأكثر إرباكً للمشاهد وهذا ماميز تلك الشخصيات عن الفريق الأول.


الحبكة:

أعتمد المسلسل في حبكته طوال الموسمين علي تصاعد الخطر، فبدأت الحلقات الأولى بمخاطر بسيطة يسهل مواجهتها من «جوردن» و«هارفي»، واعتمدت بشكل كامل علي أسلوب مسلسلات كشف الجرائم كمسلسل «CSI» الشهير. يعاب علي الحلقات الأولي كشف الألغاز سريعا بلا إثارة أو ضرورة درامية، ولذلك بدت هذه الحلقات مملة وسطحية، مع تصاعد الخطر وتصاعد الحبكة والتعاون الذي حدث بين الأبطال، أزدادت المخاطر لنري صراع شديد الإثارة بين «ماروني» و«فالكون» و«البطريق»، إلي إن انتهي الموسم الأول وانتهت معه الأخطار البشرية الطبيعية، وبدأنا في التحول الحقيقي للأخطار كما يجب في قصص الكوميكس، وبذلك تصاعدت الأحداث والحبكة ومستوي الخطورة ومستوي نضج قوي الخير وقوي الشر.اعتمد الموسم الثاني علي خطرين رئيسيين؛ الأول هو «غالفان» ورغبته في نهاية نسل عائلة «واين»، الحلقات الأولي من الموسم الثاني كانت شديدة السوداوية، ولوحظ وجود الكثير من خطوط التماس بين سوداوية الحلقات الأولي و فيلم «The Dark Knight» حيث النقد السياسي للمؤسسات الحديثة و الدعوة للفوضة من قبل بعض المختلين عقليا، ومع تتابع الحلقات قلت سوداوية المسلسل لنعود مرة اخري لجانب الإثارة علي حساب الجانب السياسي الذي ظهر بتميز. أما الخطر الثاني فتمثل في شخصية دكتور «سترانج هوجو»، الذي يحول الموتي لأحياء شديدي الخطورة عن طريق تغيير صفات ال DNA الخاص بهم، ولذلك واجه فريق الخير أخطارا غير بشرية وقدرات تدميرية أعلي. وانتهي المسلسل بالتلميح لخطر أكثر صعوبة يستحيل نهايته. ولذلك يبدوا أن الموسم القادم لن يختلف عن سابقيه في التصاعد المتتابع لدرجة الخطر.في النهاية نستطيع القول أن مسلسل «Gotham» يسير بخطوات ثابته، فالموسم الثاني أفضل بمراحل من الأول، ونهاية الثاني تنبيء بموسم ثالث أقوي، وبرغم تجاهل الجانب السياسي الذي ظهر بتميز في ثلاث حلقات فقط، ولكن لم يخلُ المسلسل من السوداوية والفوضوية التي تمتاز بها قصص الكوميك بصفة عامة ومدينة «Gotham» بصفة خاصة.