جوجل بلس: كيف تفشل الشركات الكبرى؟
عندما يُذكر اسم جوجل، يرى الناس صورة النجاح المبهر. لكن هذا ليس الواقع دائمًا. في الحقيقة، ليست جميع تجارب جوجل ناجحة، بل إنّ بعض خدماتها تعرضت للفشل، من أشهرها خدمة جوجل بلس، وهو ما يعلّمنا أن الشركات الكبرى قد تفشل أحيانًا، لكن الأهم هو أن نتعلم؛ لماذا وكيف تفشل الشركات الكبرى؟
جوجل بلس: من 600 ألف مستخدم يوميًا إلى النهاية
بدأت خدمة جوجل بلس عملها في 2011، كشبكة تواصل اجتماعي جديدة، بوجود تجارب سابقة لجوجل في المجال ذاته. لكن هذه المرة كانت التوقعات من الخدمة أعلى من مثيلاتها. وكانت البداية واعدة كليًا للخدمة، إذ اضطرت جوجل في البداية إلى تعليق دعوات الانضمام للشبكة بسبب الإقبال الشديد عليها.
استفادت جوجل بلس من خدمة أخرى تابعة لجوجل وهي «Hangouts»، إذ وفرت خيار الدردشة المرئية لـ10 مستخدمين من جوجل بلس في الوقت نفسه. بالتالي كان هذا جاذبًا لدخول العديد من المستخدمين على الشبكة، والتسجيل على الموقع.
أظهرت الأرقام المسجلة في الشبكة، إقبال المستخدمين على الشبكة إذ بلغ عدد المشتركين عليها بنهاية عام التأسيس 90 مليونًا. وفي إحصائية غير رسمية، أشار تحليل لأنّ عدد المستخدمين الجدد يوميًا تخطى الـ600 ألف مشترك.
في عام 2018، أي بعد مرور 7 أعوام من بدأ جوجل بلس، أعلنت الشركة عن إيقاف الخدمة تمامًا. كان أحد الأسباب في ذلك هو وجود خطأ استمر لمدة عامين، ترتب عليه كشف بيانات ملايين المستخدمين، لمطورين خارج الشركة.
لم يكن حال الخدمة وقتها في أفضل أوضاعه، لذا كان الإغلاق وشيكًا لأسباب أخرى، نتيجة لعدم قدرة جوجل بلس على تحقيق النجاح المطلوب منها، لذا كانت مسألة التسريب هي ما سرّع بالإغلاق. إذًا، من 600 ألف مستخدم إلى الإغلاق؛ لماذا فشلت جوجل بلس؟
1. عدم وجود ميزة تنافسية
لعل السر الأساسي وراء إغلاق جوجل بلس هو أنّه لم تكن هناك ميزة تنافسية في المنتج ذاته. ببساطة، لم يكن الهدف من المنتج هو إرضاء احتياج معين لدى الجمهور. لا نتحدث هنا عن الفكرة عامة من المنصة كوسيلة للتواصل الاجتماعي، فهذا يحدث في جميع المنصات الأخرى.
بل الحديث بشكل محدد عمّا سيكون مميزًا في الشبكة دونًا عن غيرها من الشبكات. بالتالي سيجد المستخدمون دافعًا للتوجه إليها، سواءً كمنصة بديلة للتواصل، أو حتى كمنصة إضافية إلى جانب بقية المنصات التي يستخدمونها في التواصل فعلًا.
على سبيل المثال، عندما تخصصت لينكدإن كمنصة في التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بعالم الأعمال تحديدًا، كان ذلك سببًا في تميزها عن بقية المنصات في هذه المساحة، وأصبح شائع استخدامها مع بقية منصات التواصل الاجتماعي، لأنّها تحقق غرضًا معينًا بالنسبة للمستخدمين.
ماذا كان الهدف الفعلي من جوجل بلس؟ منذ بدايتها كان الأمر واضحًا للبعض هو رغبة جوجل في الاستحواذ على عالم التواصل الاجتماعي، وسحب السيطرة من فيسبوك، تأكيدًا على رؤيتها وقدرتها في التحكم بالبيانات حول العالم.
وهو الأمر الذي يظهر في واحدة من تغرديات كنوتسون، الذي عمل مصممًا في هذا المشروع في الفترة بين عامي 2011 و2012، وقام بنشر التفاصيل حول الفترة التي قضاها في جوجل بلس، وكيف كانت رغبة جوجل في التفوق على فيسبوك هي السبب في هزيمتها.
في كتاب «استراتيجية المحيط الأزرق: كيفية إنشاء مساحة سوق غير متنازع عليها وجعل المنافسة عديمة الأهمية» الصادر عام 2005، يوضح الكاتبان دبليو تشان كيم ورينيه موبورني الطريقة المثلى التي يجب للشركات اتّباعها في العمل، وخلق فكرة مشروع ناجحة.
يشجع الكاتبان روّاد الأعمال على التفكير في المساحات الخالية التي يمكن الاستفادة منها، وخلق عملاء محتملين لهذه المساحة، وهو ما يشبه المحيط الأزرق. بدلًا من المنافسة مع بقية الأشخاص الآخرين الذين لهم ثقل، الذين يشبهون أسماك القرش في هذه الحالة، ويستحوذون على العملاء الحاليين بالفعل، وهو ما تم تشبيهه بالمحيط الأحمر.
ربما هذا هو الخطأ الذي وقعت به جوجل عند إنشائها جوجل بلس، إذ وقعت في فخ المحيط الأحمر بدلًا من المحيط الأزرق، بالتالي لم تكن استراتيجيتها في المنافسة صحيحة. مع التركيز على النمو والزيادة في عدد المستخدمين، دون تقديم إضافة حقيقية لهم، في ظل وجود منافس قوي يستحوذ بالفعل على اهتمامهم.
2. تجربة مستخدم سيئة
في عالم التقنية، لا يمكن لأحد تجاهل أهمية تجربة المستخدم في جميع تفاصيل المنتج، إذ هو الفيصل في نجاح هذه المنتجات من عدمه. بالعودة إلى تصميم جوجل بلس، ورحلة المستخدم داخل الخدمة، ستجد هناك مشكلتين رئيسيتين؛ تضربان قيمة التواصل في مقتل، التي هي القيمة الأساسية لهذه المنصات.
1- طريقة نشر المشاركات: لم تكن طريقة نشر المشركات على جوجل بلس مفهومة بالشكل الكافي للمستخدمين، ربما لأنّهم وجدوا بها قدرًا من التعقيد. إذ اعتمدت على خاصية تسمى بـ«الدوائر»، فيقوم كل مستخدم بإنشاء دوائر من الأصدقاء والعائلة ومن يرغب بهم لنشر المحتوى معهم.
كانت المشكلة الأساسية في هذه الطريقة هي أنّها من اتّجاه واحد فقط. إذ لا يمكن للآخرين المشاركة في الدائرة، إلى جانب أنّ بقية المستخدمين لا يعرفون الأشخاص الموجودين معهم داخل الدائرة من الأساس. هذه الطريقة لا تشجع على التفاعل، بعكس مثلًا ميزة «المجموعات» في فيسبوك، التي تشبهها لكن بتفاصيل محددة تحفّز المشاركة.
2- طريقة التفاعل مع المشاركات: يهتم المستخدمون بطريقة تفاعلهم مع المحتوى المنشور. لذا، يمكنك رؤية كيف طوّر فيسبوك مثلًا طريقة تفاعله من زر الإعجاب قديمًا، إلى تضمين مجموعة من الخيارات، التي تعبّر عن الأحوال المختلفة كالإعجاب والغضب والدهشة. ستجد خيارات مشابهة للتفاعل كذلك على لينكدإن، وأخرى على تويتر.
بالعودة إلى جوجل بلس، كانت طريقة التفاعل مع المنشور بالضغط على زر «Plus one». على الرغم من ارتباطها مع هوية الخدمة ذاتها، لكن هذه الطريقة لا تشجّع على التفاعل، لأنّها لا تضع مبدأ التواصل والمشاعر في المقدمة.
على الرغم من بساطة هذه التفاصيل، إلّا أنّها كما ذكرنا تضرب قيمة التواصل في مقتل بالفعل. في الوقت الحالي، أصبح هناك اهتمام كبير وتخصص يركّز فقط على تصميم المواقع والتطبيقات، بما يمنح المستخدم أفضل تجربة في الموقع.
ليس ذلك فقط، بل بعد الإطلاق الفعلي للموقع، تبدأ عملية التحليل وجمع المعلومات، لمعرفة ما الذي يحدث مع المستخدم بالضبط داخل الموقع، وكيف يمكن تطوير الشكل العام له ليمنحه التجربة التي تجعله يبقى داخل الموقع أطول وقت ممكن.
إذا قررت البدء في مشروع يعتمد على موقع إلكتروني أو تطبيق، فامنح الأولوية لوجود تصميم جذّاب حقًا للمستخدمين. لو كنت لا تملك خبرة كافية في مجال التصميم، يمكنك الاستعانة بالمستقلين المحترفين على موقع مستقل لمساعدتك في تنفيذ التصميم بالشكل المناسب لمشروعك.
3. المستخدم يأتي ثانيًا
بعكس ما يجب حدوثه في شبكات التواصل الاجتماعي، شعر الجميع أنّ المستخدم يأتي ثانيًا في جوجل بلس، وأنّ الخدمة تدور حول شركة جوجل ذاتها لا حول المستخدمين. على سبيل المثال، في سبيل الترويج لخدمة جوجل بلس، أصبح المستخدم مطالبًا بالتسجيل فيها للتعليق على اليوتيوب، أو لتقييم أحد التطبيقات على متجر جوجل.
ربما كانت هذه الفكرة بهدف الترويج للمنصة، لكنّها لم تعطِ النتائج المطلوبة، إذ ترتب عليها الشعور السابق. في الوقت ذاته، زاد عدد المسجلين على المنصة، لكن لم يترتب على ذلك أي تغيّرات في أرقام المستخدمين النشطين عليها.
أيضًا ظهرت هذه الفكرة للمستخدمين برؤيتهم أنّ جوجل بلس لم تتوافق مع التطور الحادث في منصات التواصل. إذ حرصت منصات مثل فيسبوك وتويتر على تقديم تجربة مميزة للمستخدم على الهاتف، لا سيّما مع كونها الوسيلة الأساسية لاستخدام هذه المواقع من الكثيرين.
بينما تأخرت جوجل بلس في تقديم الخدمة ذاتها، وكانت جودتها ليست هي التي يبحث عنها المستخدم، الذي كان بحاجة إلى مجهود أكبر وقتها لإقناعه بالتبديل في الاستخدام بين المنصات، طالما لا تقدم له ميزة إضافية تشجعه على التغيير.
4. مغادرة المؤسس مع عدم وجود خطة للاستمرارية
في شهر أبريل من عام 2014، غادر مؤسس جوجل بلس فيك جوندوترا الشركة في تغيير مفاجئ. الأمر الذي شبهه أحد الموظفين بقوله: «لقد كان هنا في يوم، وغادر في اليوم التالي». ولم تكن هناك رؤية محددة أو خطة لكيفية الاستمرارية في الشركة.
في الوقت ذاته بدأت جوجل في تحويل بعض الميزات الناجحة، مثل الـHangouts والصور إلى خدمات مستقلة. مع إلغاء ضرورة التسجيل على جوجل بلس من أجل التعليق على يوتيوب، أو تقييم التطبيقات على متجر جوجل. وهو ما كان خبرًا سعيدًا لمستخدمي المنصتين من صنّاع الفيديوهات وأصحاب التطبيقات.
في النهاية لا تنجح الأفكار بمعزلٍ عن أصحابها. لذا، عندما لا تكون هناك خطة محددة للاستمرارية والعمل على المدى البعيد، مع مغادرة الشخص المسئول عن وضع هذه الخطط، من الطبيعي حدوث تخبط يؤدي إلى خلل في عملها. وهو ما حدث حتى لحظة الإعلان عن التسريب، الذي كان بمثابة المسمار الأخير في نعش جوجل بلس، وإصدار القرار بإغلاقها.
تؤسس قصة فشل جوجل بلس لمبدأ أنّ النجاح لا يتحقق مع الشركات الكبرى لأنّها كذلك فقط. فعلى الرغم من حجم الإمكانيات التي سخرتها جوجل لهذا المشروع تحديدًا، فإنّها لم تكن كافية لتحقيق النجاح المطلوب.
إذ كونك كبيرًا لا يعني العصمة من الفشل. والموارد باختلافها سواءً أموالًا أو أفرادًا هي في النهاية أدوات للعمل لا أهداف في حد ذاتها. بالتالي الأهم دائمًا هو حسن توظيفها في خلق فكرة ناجحة، لا مجرد امتلاكها.
تؤسس تجربة جوجل بلس لمبدأ الأعمال التجارية الناجحة، وأنّها تُبنى على الميزة التنافسية الحقيقية، التي تمنح المستخدمين تجربة فريدة، وأنّ هذا ما يبحث عنه المستخدم في النهاية لا مجرد اسم الشركة التي يحصل على خدماتها.
لهذا، يجب تسخير الموارد لأجل المستخدم، لا للمنافسة مع الشركات الأخرى فقط، فهذا ما يخلق فكرة ناجحة، حتى لا تكون النهاية مثل جوجل بلس، أو كما وصفها مستشار جوجل كينت ووكر: «جزء من قائمة طويلة مؤلمة من منتجات جوجل غير الناجحة».