جنود طيبة: أقباط المهجر في ملكوت السياسة
بيان لإيبراشيات الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بالولايات المتحدة الأمريكية
خمّن ماذا؟ هذا أمرٌ مفهومٌ وليس أمرًا مستغربًا بالمناسبة؛ أن تعلن الكنيسة الأرثوذكسية دعمها الكامل غير المشروط لزيارة السيسي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وترسل اثنين من أهم أساقفتها لترتيبات هذه الزيارة، وتكليف أساقفتها في أمريكا بالأمر، مع إعلان البابا تواضروس الثاني في عظة الأربعاء الماضي «نصلي من أجل إنجاح زيارة الرئيس السيسي لنيويورك وندعم ذلك». كل هذا طبيعي، وليس مستغربًا في سياق الدور الذي تنتظمه الكنيسة الأرثوذكسية في تدعيم نظام الثالث من يونيو في مصر، وفي سياق النشاط الممتد لأقباط المهجر، وخصوصًا الأرثوذكس، وخصوصًا في أمريكا.
الجديد هذه المرّة، هو مشاركة الكنيسة الإنجيلية في هذا الدعم من خلال أتباعها في المهجر، «القيادات المصرية للكنائس الإنجيلية في أمريكا طالبت أبناءها بدعم مصر والالتفاف حول الرئيس السيسي ودعمهم له وللاقتصاد المصري» حسب البيان الصادر عن مكتب الإعلام بالكنيسة الإنجيلية بمصر.
يمكن فهم هذا الدور الجديد الذي تقوم به الطائفة الإنجيلية في المهجر، بالتنسيق مع الكنيسة الأرثوذكسية، من خلال الوضع الجديد الذي أتاحه «مجلس كنائس مصر» الذي أنشئ في فبراير/شباط 2013م، على غرار مجلس كنائس الشرق الأوسط، ومجلس الكنائس العالمي، ويضم المجلس المصري الكنائس الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية والروم الأرثوذكس والأسقفية، وله دستور خاص ولائحة نظامية منذ تأسيسه.
لكن كل هذا محاولة فهم للمستجدات التي يبرز فيها اسم «أقباط المهجر»، نحتاج معه أولاً إلى فهم للخلفيات التي أدت إلى تشكل هذا التواجد القبطي في المهجر الذي كان ولا زال «أرثوذكسيًا» في أغلبه، وكيف كان صعود تأثيره السياسي والحقوقي والإعلامي.
الطريق إلى المهجر
وفقًا لآخر نشرة سنوية متاحة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ووزارة القوى العاملة والهجرة، يبلغ عدد المهاجرين المسيحيين في 2013م، 123 مهاجرًا (60 إلى أمريكا، و55 إلى كندا، و8 إلى أستراليا).
ووفقًا لنشرة 2012م، المعتمدة على التقارير الواردة من السفارات المصرية بالخارج، وتقديرات المهاجرين عبر الحدود من مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بوزارة الداخلية، وتصاريح العمل من وزارة القوى العاملة والهجرة، فإن إجمالي عدد المصريين المهاجرين هجرة دائمة في الدول غير العربية يقارب حوالي 824 ألفًا، نصفهم تقريبًا في أمريكا وكندا، وربعهم في أستراليا وإيطاليا واليونان، والبقية تتناثر في دول غرب أوروبا خاصة هولندا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وسويسرا والنمسا وإسبانيا.
وفقًا لتفاصيل إحصائيات النشرات ذاتها، ليس كل من في المهجر الأجنبي أقباطًا، والأقباط منهم ليسوا جميعًا أرثوذكس وإنجيليين، وبطبيعة الحال لا يمكن الجزم بأن الأرثوذكس والإنجيليين منهم من مؤيدي نظام السيسي. قبل أن نقفز إلى أية نتائج لابد أن نعرف كيف تشكل الوجود القبطي في المهجر.
في بدايات القرن العشرين لم تكن الهجرة المصرية ظاهرة ملائمة للمجتمع المصري، وهو ما يؤكده «وليم كليلاند» الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في كتابه «مشكلة السكان في مصر 36، 52» بقوله: «من المعروف عن المصريين أنهم يفضلون تراب الوطن، ولا يغادر الوطن سوى القليل منهم لأغراض الدراسة والرحلات، ودائمًا ما يعودون، فالمصريون لا يهاجرون».
لكن مع الخمسينيات وبداية الستينات جاء النظام الناصري بالتطورات والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي دفعت بعض المصريين للهجرة الدائمة إلى أمريكا وأوروبا بحثًا عن ظروف علمية ومالية أفضل من تلك السائدة في مصر حينها، تزامنًا مع بداية للوعي المصري بدور الهجرة في تخفيف ضغوط العمل للسكان المتزايدين، وبدأت موجات الهجرة القبطية إلى الخارج، وخصوصًا إلى أمريكا وكندا وأستراليا؛ الموجة الأولى عقب قانون الإصلاح الزراعي بمصر سنة 1952م، الموجة الثانية بعد تمصير الشركات الأجنبية سنة 1957م، الموجة الثالثة عقب قوانين التأميم سنة 1961م، والذي كان سببًا رئيسيًا لهجرة نسبة كبيرة من الأقباط وجميع الأقليات من الأجانب تقريبًا.
وقد غلبت على هذه الهجرات روح الثأر والانتقام من «مصر ثورة يوليو» والتي حرمت هؤلاء المهاجرين من ميزات الاستغلال الإقطاعي، ومن سيطرتهم على الشركات في حقبة سيطرة رأس المال الأجنبي المتحالف مع الاستعمار. وكانت الدولة تفرض القيود على هجرة الفنيين والعمال المهرة حتى منتصف عام 1966م، ولكن بعد تخفيف بعض تلك القيود بدأت موجة جديدة من الهجرة الدائمة، بالإضافة لذلك فضل معظم الخريجين الحاصلين على منح دراسية أو الدارسين على نفقتهم الخاصة البقاء في الخارج بعد هزيمة 1967م؛ نظرًا لسوء الأحوال الاقتصادية في البلاد.
وفي عام 1971م، تم إقرار الهجرة الدائمة والمؤقتة بمقتضى المادة 52 من دستور 1971م، التي تنص على أن «يتمتع جميع المواطنين المصريين بالحق في الهجرة والعودة للوطن»؛ ليهاجر إلى الولايات المتحدة وحدها حوالي 45 ألف مصري ما بين أعوام 1970 و 1985م [مكتبة الكونجرس، 2003م].
وكان أمرًا طبيعيًا أن يعيش الكثير من المصريين في المهجر حياة صعبة ويضطروا للعمل في المطاعم والمحلات التجارية ومحطات البنزين والأعمال الحرفية لكسب الرزق وتوفير ضروريات الحياة، [«المغتربون» لعبد اللطيف اليونس، و«ذكرى الهجرة» لتوفيق ضعون]، دون أن تكون لديهم رفاهية الاهتمام أو التطلع إلى النفوذ السياسي. فمن أين جاء النشاط السياسي لأقباط المهجر؟، بل من أين جاء النشاط السياسي للأقباط من الأساس بشكلٍ عام؟.
صعود السياسة إلى ملكوت المهجر الأمريكي
ظل الموقف الذي اتخذه الأنبا أثناسيوس من الإمبراطور الروماني قسطانطيوس، وسار عليه من بعده الأنباوات والبطاركة الأرثوذكس المصريون، باستقلال الكنيسة الأرثوذكسية في الاعتقاد، والفصل بين السلطتين الزمنية والروحية، والابتعاد برعاياها عن الصراع السياسي – قائمًا منذ صياغة مبدأ «ما لقيصر لقيصر، وما لله لله».
مع بدايات القرن العشرين، بدأ يظهر -داخل الكنيسة الأرثوذكسية المصرية- تيارٌ «انعزالي متطرف» له طموحات سياسية عالية السقف، مثّل انقلابًا على مسار الكنيسة التاريخي والروحي، متمثلاً في نخبةٍ أرثوذكسية (إنتلجنسيا) تلقت تعليمها في الغرب، لا تتمسك بالتراث القبطي القديم، وتمتلك المال والنفوذ.
وكان أول ظهورٍ لهذه الإنتلجنسيا عندما أدخلها الأنبا كيرلّس للإشراف على الشئون المالية والمدنية للكنائس؛ فبدأت في بسط نفوذها على المجالس الملّيّة التي كان يرأسها حينذاك «بطرس غالي»، بطل موقعة دنشواي الشهيرة. وعلى إثر اغتياله بعدها في 1910م، استثمرت هذه النخبة حادثة الاغتيال في تشكيل حراكٍ سياسي، وعقدت مؤتمرًا باسم «حقوق الأقلية»، رافعين مطالب سياسية تطالب بنصيب أكبر من السلطات للأقباط، وتوفير نوع من الاستقلال الذاتي، وإعادة النظر في مصادر التشريع داخل الدستور.
خلال العقود التالية، تزايد اختراق الإنتلجنسيا للإكليروس عبر ضخ خريجي كليات الهندسة والحقوق والآداب والفلسفة في سلك الرهبنة، وتوسيع الأنشطة التربوية والتعليمية بإنشاء مدارس الأحد عبر أبرشيات جديدة، مع بدء الاهتمام بتفعيل الدور الاقتصادي والسياسي لأقباط المهجر، وإنشاء علاقات بناءة مع «مجلس الكنائس العالمي»؛ ليتم بناء أول كنيسة أرثوذكسية بأمريكا سنة 1970م، وتوالى بعدها إنشاء أبرشيات وكنائس مستقلة بالمهجر، وبدأت تتشكل تنظيمات وهيئات قبطية ذات دور مؤثر.
في أمريكا، كانت باكورة الهيئات، الهيئة القبطية الأمريكية (ACA)، التي أسسها ورأسها الدكتور شوقي فلتاءوس كرّاس، أستاذ الرياضيات في جامعة جنوب ولاية كونيتيكت، عام 1972م، بمساعدة «حكيم سرجيوس» عضو جمعية الأمة القبطية، وذلك سيرًا على خطى الأنبا صموئيل ممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مجلس الكنائس العالمي في عهد البابا كيرلس، والذي أنشأ الجمعية القبطية للأقباط بأمريكا وكان سكرتير هذه الجمعية شوقي كراس، وكان مقر اجتماعاتهم في روكفلر تاور بمنهاتن نيويورك.
وقد حددت الهيئة القبطية أهدافها على النحو التالي: خلق مجتمع قبطي دولي متحد، والمساهمة في دعم كيان الأقباط في مصر، والمطالبة برفع الظلم الواقع على الأقباط في مصر، وإشعار المجتمع الدولي بقيمة الفكر القبطي. كان الدكتور شوقي كرّاس يدور على رجال الكونجرس وجمعيات حقوق الإنسان ليجمع توقيعات عديدة لمناشدة الحكومة المصرية لإطلاق سراح البابا شنودة.
ومن خلال الهيئة واصل كراس إثارة القضية عن طريق الجرانيل والإذاعات المحلية الأمريكية والإعلانات والمسيرات والندوات وكان يقود الأقباط في شوارع نيويورك أمام مبنى الأمم المتحدة ومداخل البيت الأبيض في شوارع واشنطن، وألّف كتاب «الأقباط منذ الغزو العربي، غرباء في وطنهم»، وتوفي عام 2004م.
وبرزت بعد الهيئة القبطية، منظمات أخرى مارس الأقباط من خلالها التأثير السياسي والحقوقي، مثل «الاتحاد المسيحي العالمي»، الذي أنشأه الدكتور «منير داوود»، الذي انضم من قبل إلى الهيئة القبطية في 1994م، ومثل «التجمع القبطي الأمريكي» الذي أنشأه المهندس «كميل حليم»، الذي هاجر إلى أمريكا عام 1968م، هربًا من القوانين الاشتراكية التي أقرها عبدالناصر، ومثل «الجمعية الوطنية القبطية بالولايات المتحدة» التي ترأسها الناشط المعروف «موريس صادق» منذ عام 2001م، ومثل منظمة «الاتحاد القبطي الأمريكي»، ذات المطالب المتطرفة، التي أسسها المحامي «رفيق إسكندر»، ومثل «منظمة الأصوات القبطية الأمريكية» بولاية نيوجيرسي بأمريكا، العاملة على إحياء العمل القبطي في «الـساحل الشرقى East Coast»، وقد أعلنت أن هدفها استرداد الحق المسلوب للشعب القبطي، مؤكدين أنهم سوف يسلكون كل الطرق والدروب المؤدية لعودة هذه الحقوق كاملة.
وتأتي منظمة «أقباط الولايات المتحدة» في واشنطن على رأس الهيئات القبطية في أمريكا، من خلال عملها الدائم على تنسيق المواقف بين أقباط الداخل والخارج في طرح قضايا الأقباط في المحافل الدولية، دون الاعتماد فقط على المنظمات القبطية في تدويل الملف، وقد أسسها المهندس «مايكل منير»، الذي رشحه الحزب الجمهوري الأمريكي عضوًا في الكونجرس عن ولاية فيرجينيا، ويتمتع بعلاقات ممتازة مع الكنيسة المصرية ومعظم الأساقفة، وعاد منير بعد ثورة 25 يناير إلى مصر ليؤسس ويرأس حزب “الحياة” الذي يوصف بأنه حزب سياسي ليبرالي، وللمنظمة موقع نشط على الإنترنت ومركز إعلامي دولي في الولايات المتحدة.
خارج المَهجر الأمريكي
لا يقتصر التواجد القبطي المؤثر سياسيًا وحقوقيًا على المهجر الأمريكي فقط، وإنما يمتد خارجه إلى كندا وأوروبا واستراليا، وإن كان بمستويات أقل كثافة بشكل واضح. وقد تزايد عدد وانتشار هذه المنظمات بشكل ملحوظ سواء في أوروبا أو أستراليا، وتنامى نشاطها عبر تنظيم المؤتمرات وتدشين مواقع الإنترنت والمراكز الإعلامية الدولية بغرض عرض مطالب وقضايا الأقباط في مصر، ومطالبة الحكومات الغربية بممارسة الضغوط على مصر وإجبارها على حل مشاكل الأقباط .
في سويسرا، يبرز بقوة اسم «عدلي أبادير»، المعروف بكبير أقباط المهجر، وبالأب الروحي لأقباط المهجر، وبالبابا العلماني، وذلك بعد هجرته من مصر إلى سويسرا للعلاج حيث أصيب بالشلل، واستقر هناك. تزعّم أبادير «التنظيم الدولي للمنظمات القبطية في الخارج»، كما أسس منظمة «الأقباط متحدون» ذات النشاط الحقوقي البارز بمشاركة عدة منظمات أمريكية وأوروبية «فريدم هاوس، وكريستيان سولدرتي، ويواس كوبتس، ومد إيست فريدم ووتش».
كما قام بتنظيم وتمويل ثلاثة مؤتمرات حول حقوق ومشكلات الأقباط في مصر، كان المؤتمر الأول في زيورخ في 25 سبتمبر/أيلول عام 2004م، تحت رعاية المنظمة الفيدرالية المسيحية الدولية لمناقشة مشاكل الأقباط المصريين، والثاني في واشنطن في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2005م، تحت شعار «مسلمون ومسيحيون من أجل الديمقراطية وحقوق المواطنة في مصر»، بينما عقد المؤتمر الثالث في مدينة زيورخ بسويسرا في مارس/آذار 2012م، بعنوان «الأقليات في الشرق الأوسط».
توفي أبادير في أوائل 2010م، تاركًا إرثًا ممثلاً في مشاركته في رعاية موسوعات الأقباط الصادرة بالعربية والإنجليزية في 12 جزءًا، وفي امتداد عمل منظمته «الأقباط متحدون» المالكة لقناة «كيمي» الفضائية.
وفي كندا، تأتي منظمة «مسيحيي الشرق الأوسط»، التي يرأسها نادر فوزي، وتعلن المنظمة أن هدفها الأساسي هو حصول مسيحيي الشرق الأوسط على حقوقهم. وقامت المنظمة بتنظيم مؤتمر المساواة بكندا في يوليو/تموز 2004م، ثم إصدار كتاب «المضطهدون» باللغة العربية والإنجليزية.
وتضم القائمة منظمات وهيئات أخرى أصغر في الحجم والتأثير، إلا أنّ لها حضورًا متكررًا، منها منظمة «الأقباط الأحرار» ويرأسها جاكوب كيرياكي أندرو فانوس وتأسست في مارس/آذار 2006، ومنها «الهيئة القبطية الأوروبية» ويرأسها «ناجي عوض»، و«الهيئة القبطية الأسترالية» التي أسسها «صموئيل فاهد» ويرأسها حاليًا «سمير حبشي»، ومنظمة «أقباط متحدون إنجلترا» ويرأسها «إبراهيم حبيب» وتأسست في يناير/كانون الثاني 2006م، وكلها منظمات تعرض لقضايا الأقباط في مصر سياسيًا وحقوقيًا باعتبارها أقلية مضطهدة.
من أقباط السادات إلى أقباط السيسي
في الوقت الذي كان السادات يحاول فيه خلق صورة جيدة للحكومة المصرية أمام المجتمع الدولي، خاصةً أوروبا والولايات المتحدة، كان أقباط المهجر يتسببون في إحراجه وزعزعة هذه الصورة بقوة، وينتهجون مسارًا «يشوّه» الرئيس أمام مضيفيه، فقاموا بتنظيم المظاهرات خارج البيت الأبيض أثناء زيارة السادات الرسمية للرئيس الأمريكي «جيمي كارتر»، ومن بعده «رونالد ريجان»، إلى جانب المظاهرات أمام متحف المتروبوليتان أثناء افتتاح السادات لقسم الآثار المصرية.
لم تأتِ مظاهرات أقباط المهجر من فراغ؛ ففي محاولاته لمقاومة السياسة الناصرية وأيديولوجية القومية العربية، استخدم السادات الإسلام كأداة حشد وتعبئة وقدّم نفسه كـ «رئيس مسلم لدولة مسلمة»، لتشهد مصر بعضًا من أسوأ أحداث العنف الطائفي في تاريخها الحديث؛ الأمر الذي أدى إلى نفور الأقباط من سياساته، والهجرة خارج مصر، لتبدأ ملامح التعبئة العامة والتنظيم المبدئي لأقباط المهجر في الظهور والتأثير والإحراج.
وجاء رد السادات على هذا الإحراج سريعًا، فأصدر في 3 سبتمبر/أيلول قرارًا يعاقب فيه البابا شنودة ويحدد إقامته في دير القديس بيشوي في صحراء النطرون، ثم اغتال الإسلاميون السادات بعد هذه الحادثة بشهر تقريبًا. وكان لا بد من إطلاق سراح البابا شنودة، فمارست الهيئة القبطية الأمريكية جهودها الحثيثة، وتعرض مبارك لضغوطٍ متتالية خلال أعوام 83 و 84 من أعضاء الكونجرس المتنفذين والمتعاطفين مع قضيتهم؛ ليطلق سراح البابا شنودة في يناير/كانون الثاني 1985م.
عادل عجيب، رئيس الهيئة القبطية بأمريكا معلقًا على زيارة السيسي الأخيرة
الآن، في 2016م، وبعد 31 عامًا على واقعة السادات المذكورة، تشارك المنظمات والهيئات القبطية في أمريكا، تبعًا للكنيسة الأم (إكليروسًا وشعبًا)، في تظاهراتٍ احتفالية مبهرجة، استخدمت فيها الكنيسة سلطتها الدينية والروحية لتوظيف الدين وتبعاته الحقوقية كأداة حشدٍ وتعبئة لـ «تلميع» الرئيس الحالي أمام مضيفيه.
يأتي هذا «التلميع» في الوقت الذي يشكو فيه الأقباط ونشطاؤهم ورجال دينهم من الاضطهادات التي يبرزونها على مواقع التواصل الاجتماعي، ممثلة في الاعتداء على الأفراد والمنازل ودور العبادة العُرفية والمعتمدة، وفي ظل تظلمهم الممتد ضد قانون دور العبادة، ورفضهم لتطبيق صور معدلة من الخط الهمايوني، وإقرارهم بتأخر حصولهم على المكاسب المأمولة مجتمعيًا وسياسيًا وحقوقيًا، التي على أساسها اندفعت الكنيسة وقياداتها وشعبها لتأييد نظام الثالث من يونيو وعلى رأسه السيسي، وإقرار بعض رجال الدين منهم بتدني مستوى الحياة والمعيشة لدى فئات المجتمع، بما فيهم الأقباط.
ما الذي يراه أقباط المهجر من أوضاع وطنهم وأبناء كنيستهم داخل مصر ليبهجهم إلى هذا الحد الاحتفالي المبهرج؟ ما الذي وعدهم السيسي بتحقيقه ويثقون على أساسه أنه سيفعل، أم أن أقباط المهجر يحاولون تطييب خاطر قيادات الكنيسة لا أكثر؟