لف ودوران: الرومانسية على طريقة «تيمور وشفيقة»
على الرغم من أننا بعام 2016 وأن المجتمع المصري قد تغير تغيرًا كبيرًا عن الصورة التي رسمها نجيب محفوظ لأبطال «الثلاثية»؛ السيد أحمد عبد الجواد (سي السيد) والست أمينة، في بداية القرن العشرين وقبل ثورة 1919 التي غيرت المجتمع المصري، إلا أن فيلم «لف ودوران» يفاجئنا بتبني أفكار رجعية عن المرأة مدعيًا أن هذه الأفكار ما هي إلا إكرامًا للمرأة ومكانتها في المجتمع ودليلاً على حب الرجل لها. فهذه الرجعية في رأي صناع الفيلم تعتبر قمة الرومانسية التي على الجميع الاقتداء بها من أجل حل «المشكلة الأبدية» بين الرجل والمرأة على حسب قول أحد شخوص الفيلم.
يحكي فيلم «لف ودوران» عن نور (أحمد حلمي) الذي يعمل مرشدًا سياحيًا وليلى (دنيا سمير غانم) التي تعمل في موقع إلكتروني للزواج، واللذين تضطرهما الظروف للعيش معًا كزوج وزوجة في أحد الشاليهات في فندق بمدينة شرم الشيخ السياحية بينما يصاحب نور في الرحلة أمه (ميمي جمال) وخالته (صابرين) وجدته (إنعام سالوسة) وأخته الصغرى (جميلة عوض) وفتاة إيطالية يساعدها نور في رحلتها العملية إلى مصر، وتظن أسرته أنه يريد الزواج منها فيحاولون بمساعدة ليلى أن يثنوه عن ذلك حتى لا يتزوج الفتاة الإيطالية ويتركهم مسافرًا إلى إيطاليا للعيش بها.
الفيلم الذي يدور في قالب من الكوميديا الرومانسية يشارك في بطولته أيضًا بيومي فؤاد – الذي لا يخلو فيلم تقريبًا من مشاركته – وتأليف منة فوزي، وموسيقى تصويرية عمرو إسماعيل، وديكور باسل حسام، وتصوير أحمد يوسف، ومونتاج خالد سليم، وإنتاج الإخوة المتحدين، وإخراج خالد مرعي.
بين فطين عبد الوهاب وخالد مرعي
بالتأكيد فيلم «لف ودوران» لا يحل ولا يربط أي مشكلة لها علاقة بالرجل والمرأة، بل أنه يزيد الطين بلة عبر الرؤية الرجعية التي تبناها صناع الفيلم. يعتبر هذا الفيلم أول الأعمال السينمائية للمؤلفة وهو ما يوضح عدم تماسك السيناريو وترهله، وضعف استخدام الشخصيات التي رسمتها المؤلفة، والحوار الساذج والمقطوع والذي لا هدف من ورائه، والأحداث المبتورة التي نسيتها المؤلفة وصناع العمل كله، وسماجة «الإفيهات» التي لم تُضحك أحدًا في دور العرض ولولا محاولات أحمد حلمي ورصيده السابق لدى جمهوره لخرج المتفرجون من السينما يملؤهم الغضب والسخط.
الأفلام الكوميدية تعتبر من أكثر الأنواع الفيلمية المناسبة والمستخدمة لتوصيل أفكار جديدة للمشاهدين وهو ما قام به الكثير من صناع السينما حول العالم ومصر عبر تاريخها، ومنهم المخرج الكبير الراحل فطين عبد الوهاب (1913 – 1972) ومن أفلامه الكوميدية التي تناولت علاقة الرجل بالمرأة (الأستاذة فاطمة) 1952، و(الآنسة حنفي) 1954، و(الزوجة 13) 1962، و(آه من حواء) 1962، و(مراتي مدير عام) 1966 وغيرها. ونلاحظ هنا أن أول هذه الأفلام قد أنتج في العام الذي قامت فيه ثورة 23 يوليو، وهو ما يوضح أن فطين عبد الوهاب كان واعيًا أن المجتمع المصري يدخل في مرحلة جديدة تتطلب أفكارًا جديدة وبالتالي سينما جديدة وهو ما حققه وطوره في أفلامه الواحد تلو الآخر.
يتطور فكر فطين عبد الوهاب تجاه المرأة من «الأستاذة فاطمة» بطولة فاتن حمامة حيث البطلة التي لا تستطيع أن تثبت نفسها كمحامية إلا بعد مساعدة الرجال لها إلى «مراتي مدير عام» بطولة شادية حيث تنجح البطلة في عملها وترأس زوجها (صلاح ذو الفقار)، ولكن على الرغم من الأفكار المتقدمة طوال الفيلم، إلا أن صناعه اختاروا أن ينتهي الفيلم بحل المشكلة بين البطل والبطلة – من وجهة نظرهم – وبأن تستقيل البطلة من عملها الذي كانت ناجحة فيه من أجل إرضاء زوجها.
النهاية نفسها تم تقديمها في فيلم «تيمور وشفيقة» 2007 وهو أيضًا من إخراج خالد مرعي، ومن بطولة «منى زكي» و«أحمد السقا» وتأليف «تامر حبيب»، وذلك حينما تستقيل بطلة الفيلم من عملها كوزيرة ناجحة من أجل عيني حبيبها وزوجها. ولكن إذا كنا قد قبلنا من فطين عبد الوهاب هذا الحل المؤقت في فيلمه الذي عرض منذ 50 عامًا، فبالتأكيد لن نقبل ذلك من فيلم عرض منذ عشرة أعوام فقط؛ وذلك لأن العالم والأفكار تتطور، فنحن في عصر تطور فيه وعينا – بعد نضال طويل لترسيخ حقوق المرأة – لندرك أن المرأة مساوية للرجل تمامًا وأن من حقها أن تعمل وأن تكون رئيسته في العمل إذا كانت ناجحة وأن واجب الرجل يحتم عليه أن يعمل هو الآخر في وظيفته حتى لو كان تحت إمرة زوجته، وبالتأكيد من غير المقبول أن يجبر الرجل المرأة أو حتى يطلب منها أن تستقيل من أجله بل إن المرأة نفسها عليها أن تدرك وتؤمن بنفسها وقدرتها ولا تستجيب لمطالب شريك في الحياة لا يريد لها النجاح مستعينًا بحجج واهية مثل أن بيتك أولى بك أو أن المرأة يجب أن تعيش في بيتها كملكة متوجة ومثل هذه الأقاويل التي تخطتها الحضارة الإنسانية والتي تعيدنا إلى عصور الظلام بل ما قبل الظلام.
هذا هو الإسفاف بعينه
ويمكن القول إن فيلم «لف ودوران» الذي تفوق على فيلم «تيمور وشفيقة» في الرجعية والرؤية المتدنية للمرأة بالرغم من اندلاع ثورتين أُخْريين تطالبان بتغييرات أكثر راديكالية، إلا أن الفيلم يتبنى أفكارًا مثل أن النساء لا يستطعن أن يعشن بدون رجل على طريقة المثل القائل «ضل راجل ولا ضل حيطة»، وأن المرأة يجب أن تترك عملها حتى لو كانت ناجحة ومتحققة مهنيًا حينما تتزوج لأن مكانها هو بيتها، وأن المرأة المصرية أفضل من الأجنبية على الرغم من أن الفيلم لم يقدم شيئًا يسيء للمرأة الأجنبية، وكأن الأجنبية يجب أن تكون بالضرورة امرأة فاسدة، وأن حل المشكلة الأبدية بين الرجل والمرأة –وهي مشكلة وأبدية– هي في مجرد حضن من الرجل قادر على مسح كل منغصات حياة المرأة ومشكلاتها!.