حراسة المرمى: صناعة اللعب طريقك للتخلص من ملل الوحدة
عندما تذهب للعب مع أصدقائك، لا أحد يريد أن يظل في المرمى طول الوقت. تتبادلون الدور في حراسة المرمى لأن لا أحد يريد أن يقف وحيدًا هكذا. الأمر ممل حقًا. سيقولون لك إننا نلعب كفريق، وعندما تخطئ ستجد نفسك وحيدًا. وظيفتك هي أن تمنع ما أتى الجمهور لمشاهدته؛ الأهداف. يقولون إنك نصف الفريق أو أكثر بقليل، لكن عند ذكر طريقة اللعب يقولون 4-4-2 أو 3-5-2 ولا يذكرك أحد. لعلها الوظيفة الأكثر مللاً وانتقادًا ولتتحملها عليك أن تتحلى بشيء من الجنون.
يصنف البعض مركز حراسة المرمى بأنه الرقم واحد في الفريق. وعلى الرغم من طبيعته ووجود ضوابط لحركة الحارس ولمسه للكرة، إلا أن ذلك لم يمنعه من التطور وعلى عدة مراحل، حتى وصلنا إلى مرحلة المشاركة في الهجوم!
ومع هذا التطور، أصبحنا نقسم حراس المرمى إلى ثلاثة أنواع: الأول هو الحارس الدفاعي الذي يتصدى للكرات فقط «Defensive Goalkeeper»، الثاني هو الذي يستطيع القيام بدور الليبرو «Sweeper Keeper»، والثالث هو الذي يجيد اللعب بكلتا قدميه «Possession Keeper»، وسنحاول معًا إلقاء الضوء على كل منهم.
تصدي النجمة
ذلك التصدي الذي يلجأ له الحراس للتعامل مع الكرات المسددَة من مسافة قريبة. يقوم الحارس بالقفز، فاردًا قدميه وذراعيه في وضع يشبه النجمة. تكنيك مشابه لما يستخدمه حراس كرة اليد، لكن من كان أول من استخدم ذلك التكنيك؟ إنه بيتر شمايكل الحارس الأسطوري لمنتخب الدانمارك.
كان لشمايكل العديد من التصديات والإنجازات، إلا أن ذلك التصدي جعله واحدًا من المجددين في مركز حراسة المرمى، وقد أكد الكاتب الإنجليزي جوناثان ويلسون على ذلك في كتابه «The Outsider»، والذي تحدث فيه أيضًا عن تأدية حارس المرمى لدور الظهير الرابع لأول مرة.
المجر 1953 والظهير الرابع
في عام 1953 وتحديدًا على ملعب ويمبلي، التقى منتخبا المجر وإنجلترا في مباراة سميت بـمباراة القرن. كانت التسمية لأسباب تسويقية ليس إلا، والمنتخب المجري حينها كان يمتلك جيلاً ذهبيًا لا يُضاهى. انتهت المباراة بفوز كاسح لمنتخب المجر بستة أهداف مقابل ثلاثة. كانت لحظة اكتشف فيها الإنجليز كم كانوا متأخرين في اللعبة التي اخترعوها، لكن اللقطة التي استحوذت على اهتمام البعض بجانب الهزيمة كانت في نهاية الشوط الأول.
تمريرة طولية باتجاه المهاجم الإنجليزي «ستان مورتنسن»، ليتفاجأ الجميع بخروج حارس مرمى المنتخب المجري «جيولا جورسيكس» خارج منطقته ليشتت الكرة قبل وصول «ستان» إليها. كان تصرفًا غير معتاد من قبل حراس المرمى. تم تسجيل ذلك باسم «جورسيكس» في كتاب جيليت لكرة القدم والكريكيت الذي نُشر في عام 1963 تحت مسمى «الخروج من المرمى لمواجهة المهاجم القادم» أو كما أطلق عليه البعض بتأدية الحارس لدور الظهير الرابع؛ لأن المنتخب المجري حينها كان يلعب بثلاثة لاعبين في خط الدفاع.
سمح ذلك للفرق فيما بعد بإمكانية اللعب بخط دفاع متقدم، حيث يقوم الحارس بتغطية المساحة التي يتركها المدافعون خلفهم. الدور الذي نعرفه الآن باسم «الليبرو»، وأبرز الأمثلة عليه هو حارس توتنهام الإنجليزي «هوجو لوريس». لكن هذا الدور تطور أكثر فأكثر مع ظهور حراس يجيدون اللعب بأقدامهم ليشاركوا في عملية بناء الهجمة.
لا للتشتيت
مع الانتشار الواسع لهذه الفلسفة مع مدربين كجوارديولا وماوريتسيو ساري وغيرهم، زاد الاعتماد على حراس المرمى الذين يجيدون اللعب بكلتا قدميهم. يساهمون في عملية البناء من الخلف بتمريرات قصيرة دون خوف. ويتقدم هؤلاء الألماني مانويل نوير في حقبة بايرن ميونيخ رفقة جوارديولا.
استمر جوارديولا في الاعتماد على نفس النوعية من الحراس في مانشستر سيتي. حتى أصبح الدوري الإنجليزي تحديدًا يملك ما يقارب خمسة أندية تُشرِك الحارس في عملية الاستحواذ والبناء.
قدمت شبكة سكاي سبورت تقريرًا لمحاولة رصد ذلك التطور الذي طرأ على حراس البريميرليج. مساهمة الحراس في التمريرات القصيرة كانت 21% في موسم 2015-2014، والآن وصلت إلى 31%. وتساءلت هل الأمر يستحق تلك المخاطرة؟
تفيد الأرقام بأن عملية البناء التي اشترك فيها حارس المرمى بتمريرات قصيرة نتج عنها عدد أكبر من التسديدات، مقارنة بالتمريرات الطويلة.
وتعبّر تلك الإحصائيات عن النقلة التي حدثت في نوعية الحراس، وطريقة اختيارهم. أصبح من الضروري أن يجيد الحارس اللعب بقدميه، لذلك فضل جوارديولا كلاوديو برافو على حساب جو هارت حارس إنجلترا الأول في ذلك الوقت. لكن برافو خيب ظن مدربه ليُستبدَل هو الآخر بالبرازيلي «إيديرسون مورايس»، الذي يمثل حالة خاصة تستحق الانتباه.
أستطيع اللعب كلاعب وسط
يمتلك إيديرسون قدم يسرى ممتازة، قد لا يمتلك مثلها لاعبون في مراكز أخرى. لا عجب في ذلك لأنه برازيلي، وهم يملكون الموهبة بين أقدامهم بالفطرة. بدأ حياته بلعب الكرة في شوارع البرازيل ثم انضم إلى ساو باولو ليلعب كظهير. وعندما ملّ من مطاردة المهاجمين والأجنحة، طلب من مدربه أن يتحول إلى حراسة المرمى.
وصلت مسيرته في النهاية ليلعب في مانشستر سيتي تحت قيادة بيب جوارديولا، ليقدما معًا شيئًا جديدًا كما هي عادات جوارديولا. يستخدم جوارديولا دقة تمريرات إيديرسون الطولية في ضرب الفرق التي تلجأ للضغط على السيتي في مناطقه.
يقوم لاعبو المقدمة في السيتي بالنزول إلى نصف ملعبهم تاركين أجويرو وحيدًا في المقدمة، والذي يضع نفسه خلف المدافع مستغلاً عدم وجود تسلل في ضربات المرمى. ليقوم إيديرسون بتمريرها طويلة في المساحة، تمامًا كما حدث في هدف أجويرو ضد هادرسفيلد تاون. الأمر أشبه بالسرقة المفاجئة.
الحل هو أن يتراجع المدافع مع أجويرو مسافة كافية لتغطيته لضمان عدم حدوث تلك السرقة، ويعود معه مدافع أو اثنان للتغطية حسب عدد لاعبي السيتي المتمركزين في الأمام. مع هذا التقهقر تزيد المسافة بين خطي دفاع ووسط المنافس. قد يستطيع أحد أجنحة السيتي التسلل إلى تلك المساحة للاستلام، أو يتمكن السيتي من الحصول على الكرة الثانية بسهولة قبل خط وسط المنافس. تمامًا مثل التمركز في اللقطة التالية، في هذه اللقطة استطاع ستيرلنج استلام تمريرة خارقة من إيديرسون.
التعاون بين جوارديولا وإيديرسون قدم لنا آخر صيحة في هذا المركز، حتى وصل الحال إلى استغلال أصغر التفاصيل كضربة المرمى. تتصفح اليوتيوب اليوم لتجد مقاطع فيديو لحارس مرمى بعنوان «Best Passes of» وكأنه صانع ألعاب.
عندما تنظر إلى معاناة حارس مخضرم كبيتر تشيك مع التمريرات القصيرة في طريقة لعب أوناي إيمري، تتساءل: هل كانت مسيرته ستنتهي مبكرًا لو كان مدربوه السابقون يملكون نفس الفسلفة؟ لا أحد يستطيع تقديم إجابة حاسمة، لكن ما يمكن أن نحسمه الآن هو أن عصر التخصص قد انتهى من كرة القدم دون رجعة.