أوكسفام: 3 طرق تحرر الاقتصاد العالمي من خدمة الأثرياء البيض
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
خلص تقرير صادر عن منظمة «أوكسفام» إلى أن جملة من عمليات رفع القيود عن المعاملات المالية بشكل متهور، ومراكمة ثروات الأغنياء الـ1% الأكثر ثراء في العالم، وانسحاب الدولة من مهمة تقديم الخدمات الأساسية… كل ذلك أفضى إلى مستويات متطرفة من الاستقطاب الاجتماعي والاقتصادي.
كانت النقطة المحورية للتقرير هي أن عدد المليارديرات قد تضاعف تقريبًا، خلال العقد المنصرم منذ انفجار الأزمة المالية العالمية في 2008، ورَبَت ثرواتهم بمقدار 900 مليار دولار خلال العام الماضي وحده (2018)، أي بمعدل 2.5 مليار دولار يوميًا، بينما تراجعت خلال الفترة ذاتها حصيلة ثروات نصف سكان العالم، أو ما يساوي 3.8 مليار نسمة، بنسبة 11%.
وبعبارة أخرى، فإن 26 مليارديرًا فقط – وكان عددهم 43 في 2017– يكنزون حجم الثروة عينها التي يتقاسمها النصف الأفقر من سكان العالم. ولحساب حجم هذه الثروة من منظور التنمية، يذكر التقرير أن ثروة «جيف بيزوس»، مالك شركة «أمازون»، تبلغ 112 مليار دولار، بينما تبلغ الميزانية المخصصة للصحة في إثيوبيا 1% من هذا المبلغ.
ويجادل تقرير «أوكسفام» بأن واحدًا من أسباب هذا التوزيع المشوه للثروة هو تحصيل ضرائب أقل من اللازم من الأشخاص الأكثر ثراء، الذين يبلغ حجم ثرواتهم 7.6 تريليون دولار.
ودعا التقرير إلى «إقرار قواعد ومؤسسات عالمية جديدة لإعادة تصميم نظام ضريبي أكثر عدالة». بيد أن التهرب الضريبي ليس أكثر من عامل واحد يشد باتجاه عدم المساواة، التي يتناولها تقرير «أوكسفام». هناك عاملان أساسيان آخران للفقر؛ هما التمييز على أساس النوع وتآكل الخدمات العامة.
عمل النساء غير المأجور
على مستوى العالم، تكسب النساء أجورًا أقل من أجور الرجال بنسبة 23%، وفي الولايات المتحدة يكسب الرجال البيض العزاب 100 ضعف ما تكسبه النساء الإسبانيات (القادمات من أمريكا اللاتينية) العزباوات. وتجادل «أوكسفام» بأنه أينما اتسعت الفجوة بين الأثرياء والفقراء، ارتفع مستوى التفاوت بين الرجال والنساء.
وأجرت المنظمة عملية حسابية أظهرت أنه لو قدمت شركة واحدة جميع الخدمات غير المدفوعة التي تقدمها النساء، مثل الرعاية الأسرية والطهو والتنظيف، فستحقق تلك الشركة عائدًا سنويًا يبلغ 10 تريليونات دولار، وهو ما يساوي 43 ضعف الدخل السنوي لشركة عملاقة متعددة الجنسيات مثل «آبل»، بيد أن تلك الخدمات تغفلها عادة مؤشرات التنمية وتقارير المنظمات التنموية متعددة الأطراف، التي تعتمد بالأساس على مؤشر جاف غير كاشف؛ هو الناتج المحلي الإجمالي.
الأمر الآخر الذي يظل طي الإغفال على نطاق واسع، هو الوقت المسلوب من النساء، وبالأخص ذوات الدخول المتدنية، المحرومات من استغلال الفرص التعليمية والسياسية والاقتصادية، التي من شأنها تعزيز التنمية الفردية والمجتمعية على السواء.
أظهر تقرير «أوكسفام» أن إهمال الاستثمار في الخدمات العامة، نتيجة «الإصلاحات» النيوليبرالية، هو أحد العوامل الأساسية المسببة للتفاوت بين الجنسين. يقول التقرير:
لا يُضيّق الاستثمار في الخدمات العامة فجوة الفقر بين الجنسين فحسب، وإنما يعزز إمكانيات المجتمعات إزاء الفجوة التي تخلقها النيوليبرالية بين شمال العالم وجنوبه. وتُصنِّف «أوكسفام» الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية عوامل ضرورية للتغلب على العوائق أمام المساواة، وتوسيع فرص الحياة لملايين الأشخاص من ذوي الدخول الدنيا.
يعيش اليوم ما يقرب من نصف سكان العالم (نحو 3.4 مليار نسمة) على أقل من 5 دولارات ونصف في اليوم، في الوقت الذي يتم تحصيل ضرائب أقل من اللازم من الأثرياء، فمن كل دولار من حصيلة الضرائب يدفع الأثرياء 4 سنتات، وفي دول مثل المملكة المتحدة والبرازيل، يدفع الـ10% الأفقر من السكان نفس نسبة الضرائب التي يدفعها الـ10% الأكثر ثراءً، ولا يمكن تسويغ هذا الوضع الذي يفرض الفقر فرضًا على العمال الفقراء.
كشف تقرير لمقرر الأمم المتحدة حول التقشف في المملكة المتحدة صدر العام الماضي (2018) أن العقد الذي تلا انفجار الأزمة المالية العالمية في 2008، شهد تزايد معدل الفقر في النصف الشمالي من العالم. وعلى سبيل المثال، فقد وزعت منظمة «تراسل تراست» الخيرية مؤن طوارئ غذائية تكفي 3 أيام بتكلفة 1.3 مليون دولار على فقراء في المملكة المتحدة بين أبريل/نيسان 2017 ومارس/آذار 2018، وبزيادة نسبتها 13% في 2017، حيث ذهبت 484 ألفاً و26 باقة مساعدات غذائية لأطفال.
يعاني اقتصادنا (يقصد الاقتصاد البريطاني) من خلل، وتطالب «أوكسفام» بإعادة هيكلة الضرائب لضمان أن يدفع الأثرياء ما يتوجب عليهم دفعه. ويُقدّر تقرير المنظمة أن زيادة ضئيلة بنسبة 0.5% في الضرائب المحصلة من الـ1% الأكثر ثراءً من شأنها تكوين حصيلة مالية كافية لتعليم جميع الأطفال المتسربين من التعليم، والبالغ عددهم 262 مليون طفل، وتقديم الرعاية الصحية لـ3.3 مليون نسمة.
تناقضات أهداف التنمية المستدامة
تُعلّق الحكومات وحركات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية آمالها في مجتمع أكثر مساواة على الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة، التي اتُفق عليها في 2015، وبينها «القضاء على الفقر، وحماية الكوكب، وضمان تمتع الناس كافة بالسلام والرخاء» بحلول عام 2030.
ولكن هل صيغت أهداف التنمية المستدامة بحيث تعالج المسائل المتعلقة بمراكمة الثروة وتوزيعها، التي تناولها تقرير «أوكسفام»؟ وهل تضمن تلك الأهداف تمويل وإتاحة الخدمات العامة لكل من يحتاج إليها؟
لا توحي أهداف التنمية المستدامة بأن الإجابة عن الأسئلة المطروحة تلك هي الإيجاب، وفضلًا عن ذلك فهي تبدو متناقضة؛ فعلى سبيل المثال، يدعو الهدف الثالث عشر إلى «تحرك عاجل لمكافحة تغير المناخ وآثاره»، بينما يدعو الهدف الثامن، إلى «تعزيز نمو اقتصادي مستمر وشامل ومستدام، وتوظيف كامل ومثمر وعمل لائق للجميع».
وعن هذا التناقض الجلي،يقول «جيسون هايكل»، المحاضر بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، إن «كل ذلك ينبه إلى أن شيئًا ما في نظامنا الاقتصادي قد انحرف عن مساره بشكل خطير. إن اللهاث وراء نمو صناعي بلا حدود يستنزف كوكبنا الحي ويورث الفقر ويهدد وجودنا، بينما يستند جوهر برنامج أهداف التنمية المستدامة للإنماء وتقليل الفقر إلى النمط العتيق من النمو الصناعي: مستويات متصاعدة من الاستخراج والإنتاج والاستهلاك».
ثمة شكوك قوية بشأن ما إذا كانت أهداف التنمية المستدامة بوسعها تجسير فجوة الفقر الحالية، بينما هي تنطلق من داخل إطار نفس النموذج الاقتصادي النيوليبرالي القديم المُجرَّب والفاشل. وحتى الآن لا توجد مؤشرات تنبئ بأن الـ1% الأكثر ثراءً يجدون مصلحتهم في توزيع ضريبي أكثر عدالة وتوازنًا، كون ذلك يتعارض مع طبيعتهم النيوليبرالية.
تطرح «أوكسفام» ثلاث توصيات رئيسية معقولة، استنادًا إلى حقائق تقريرها: الأولى هي «تقديم خدمات عالمية مجانية صحية وتعليمية، وخدمات عامة أخرى يمكن للنساء والفتيات الاستفادة منها».
ولا شك أن الكلام أسهل من الفعل، لكن تطبيق التوصية الأولى يغدو أكثر سهولة مع تطبيق التوصية الثانية، وهي «وضع حد للتساهل الضريبي مع الأثرياء والشركات الكبيرة»، وهو ما من شأنه توفير مزيد من المليارات للخزانة العامة. أما التوصية الأخيرة فهي تخفيف أعباء ملايين الساعات غير المدفوعة، التي تقضيها النساء في «رعاية أسرهن وتدبير شئون بيوتهن».
البديل البغيض لذلك هو فقر أقسى بين العمال الفقراء، والنساء بالأخص، وعزلة أكبر بين الناس والسياسيين الذين يمثلونهم، ودعم أكبر لليمين الشعبوي، وانتفاضة اجتماعية أكبر ناجمة عن الضغوط الاقتصادية لسياسات التقشف وإصلاح نظم الرعاية الاجتماعية.
وكما تلخص «أوكسفام» الأمر، فإن: