حرب العملات العالمية وأثرها على الدول النامية
صراع الأموال والأعمال صراع لا ينتهي، فالعالم من حولنا يمر بأحداث مصيرية حدثت خلال أشهر وسنوات قليلة، لكنها ترسم ملامح الحياة الاقتصادية والسياسية لعقود قادمة، وسوف تؤثر بلا شك على أجيال لم تشهد سبب هذا التغيير.
- خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي
- دخول اليوان سلة العملات النقدية
- فوز دونالد ترامب في الانتخابات
- اضطراب أسعار النفط
- الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط
كل حدث كافٍ لأن نقف ونتأمل أثره على العالم لعقود قادمة، ولكن ما يحدث هو المزيد من التعقيد، والمزيد من التداخل، حتى صعُب على الخبراء أنفسهم دراسة الوضع بالدقة اللازمة؛ حيث اعتاد الاقتصاديون إصدار توقعات النمو والتضخم قبلها بعام، مقاربة جدا للواقع، ولكن التوقعات لهذا العام لم تكن بذات الدقة السابقة، وإليكم المزيد.
تداعيات اقتصادية
1. خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي
نتائج الاستفتاء كان وقعها كحجر ضخم وقع في بركة راكدة، فما زالت تداعيات النتيجة تؤثر في كل من المملكة المتحدة وما له علاقة وثيقة بها كدول الخليج؛ التي مازالت في حالة من الترقب والقلق على استثماراتها في المملكة المتحدة. خسرت بريطانيا على إثر هذه الأزمة تصنيفها الائتماني الأول AAA، وهذا يعني اتجاه الحكومة إلى الاقتراض، وهو ما يخطط له في الوقت الراهن، رغم زيادة أحجام التداول عقب الانفصال وتعافيها بعد الوقوع الدرامي في مؤشر بفسث؛ الذي يضم كل الأعمال الاستثمارية الأساسية في بريطانيا.
ويتوقع البنك المركزي بإنجلترا أن يتخذ قرارًا بتقليل الفائدة من 0.5% إلى 0.25%، ليسجل أقل معدلاته منذ عام 2009 عقب الأزمة المالية العالمية.
2. فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية
طبقا للتحليلات الأولية، ووفقا لبرنامج ترامب الانتخابي، فقد أعلن مسبقا أنه سينفق ما لا يقل عن ضعف ما أعلنت عنه كلينتون للبنية التحتية؛ مشيرا إلى ما يقرب الـ 500 مليار دولار، كما أعلن في تصريح له عن تكلفة إعادة بناء كاملة تصل إلى تريليون دولار، دون أن يعلن كيف سيغطي هذه المبالغ، ما يجعل الانطباعات الأولية سواء لتصريحاته وسياساته تشير إلى تغيرات اقتصادية هائلة ومكلفة للجميع.
ومع ذلك تعتبر سياسة ترامب غير واضحة أو مفصلة، كما هو متعارف عليه في الولايات المتحدة الأمريكية. كما يتجه أيضا لتشجيع الاتجاه القومي، وهو ما سيؤثر على الاستثمارات الخارجية ويجعلها في حالة أكثر اضطرابا، وسوف يؤثر على معدلات البطالة الداخلية، ربما للأحسن، لكنه سيؤثر سلبا بالتأكيد على المستثمرين من خارج هذا القطر. بعض الصناعات خصوصا المتعلقة بالنفط؛ والتي مرت ببعض التقييدات في عهد أوباما ستشاهد مساحة أكبر من الحرية في عهد ترامب.
ربما سيكون هذا جيدا لمشروعات الطاقة في الوقت القريب، ولكن على صعيد آخر فإنها تفقد التزامها نحو العالم بمواجهة مخاطر ومحاذير أثر استخدام الطاقة على العالم، ولكن مقاليد الحكم الآن بيد حزب لا يؤمن بالاحتباس الحراري.
3. اضطراب الإسترليني
التقديرات تشير إلى نمو اقتصادي نحو 0.5% في أول ثلاثة أشهر عقب الانفصال، ورغم أن هذا أبطأ من معدل النمو في الربع المالي الذي سبق الانفصال، والذي قدر بـ 0.7%، فإن المحللين معظمهم قدروا التراجع إلى 0.3%، ما جعل الأمر يبدو وكأن الواقع أكثر تفاؤلا من التوقعات. مما جعل بنك إنجلترا يرفع توقعاته للنمو الاقتصادي في العام القادم إلى 1.4% من 0.8%، ويخفض توقعاته بعام 2018 من 1.8% إلى 1.5% .
عادت مستويات الثقة للمستهلك ببطء إلى معدلات ما قبل الانفصال؛ متجاهلين بعض المخاوف التي انتشرت وساعد في ذلك ارتفاع الأجور. ووصلت نسبة التضخم إلى 0.5% في يونيو/حزيران الماضي، وارتفع مؤشر «أسعار المستهلك القياسي» (CPI) الذي يشير إلى مستوى الأسعار للسلع الأولية الأكثر استهلاكا في الأسواق بنسبة 1%.
بحلول أكتوبر انخفض الإسترليني مقابل الدولار، وهو الانخفاض الأعلى من نوعه لأكثر من 8% في الجلسة المسائية بآسيا فهبط من 1.26 $ الى 1.149 $.
4. اضطراب الدولار
كما الحال في معظم الأسواق المالية التي تحركها الأخبار والشائعات أكثر من الحقائق؛ فالسوق الأمريكي في نوفمبر/تشرين الثاني مر بانحسارات وتصاعدات غير مسبوقة في كلا المعدلين، الصعود والهبوط، نظرا لترقب الأسواق وانتظار الانتخابات، وحتى بعد حسم الأمور لصالح ترامب.
فلا تزال التوقعات الخاصة برفع أسعار الفائدة في ديسمبر/كانون الأول المقبل غير محسومة، فالأمر ضبابي جدا مما يؤثر بالضرورة على التوقعات، وبالتالي يرى المضاربون في هذه الحالة أن الدولار لم يعد ملاذا آمنا كما كان.
فخلال الشهر الماضي تجد عناوين الأخبار الأسبوعية تتقلب، الأسهم الأمريكية تفتح منخفضة بعد ارتفاع تاريخي أو ترتفع بعد انخفاض هائل، الأمر الذي يعزز هروب المضاربين لعملات أكثر استقرارا وانتظار أي حسم في رؤى ترامب واتجاهات الفيدرالي الأكيدة نحو سعر الفائدة؛ فالتسريبات لا تبني استقرارا في الأسواق بل تزيد من حالة الاضطراب.
حرب العملات واضطراب الأسواق
سواء كان الأمر مقصودا أو نتيجة ظروف استثنائية، فالنتيجة واحدة، وهي أن الجميع يتضرر ويجب أن يتكاتف الجميع، ليحول دون ضرر اقتصادي دائم لا يمكن العودة عنه، فمواجهة انخفاض النمو العالمي والبطالة تجعل الامتثال إلى خطة عالمية واحدة ملاذا وحيدا للخروج من هذه المرحلة العصيبة، التي يمر بها العالم، ومن المؤكد أن أكثر المتضررين هم ساكنو الدول ذات الاقتصاد الهش أو الدول النامية.
فالاقتصاد كما هو سعر فائدة ونمو وتضخم وأرقام، هو أيضا يؤثر بشدة على الأرواح بتلك الأرقام الصغيرة،فصراع العملات هذا لم يبدأ اليوم، ولا إثر الأحداث المهمة الماضية فحسب، فهو بدأ بالتدريج من الأزمة العالمية في 2008 حتى وصل إلى ذروته لاحقا.
رغم أن الدول الكبرى تدخل بإرادتها في تلك المعارك المالية للحفاظ على اقتصاداتها، فبعد 2008 حرصت أمريكا على وضع سياسات صارمة لمصلحتها الخاصة بالطبع، حتى تصل إلى مستويات قوية للدولار فى 2014.
كذلك اليابان في عام 2010 أصدرت قرارات حاسمة، فتحرص اليابان على تقليل قيمة عملتها حتى تنتعش صادراتها على عكس بعض الدول الأخرى، والصين كذلك أدارت قيمة اليوان بحنكة شديدة حتى أدخلته سلة العملات، كما كافح الاتحاد الأوروبي الانكماش في 2013 بخفض سعر الفائدة حتى يحافظ على قدرته على تنمية الصادرات.
ولكن كل هذا مجرد صراع كبار للحفاظ على القوة، أما الدول النامية فالأمر بالنسبة لها هو صراع بقاء.
أثر اضطراب العملات العالمية على مصر
كل هذه الألعاب الاقتصادية من أجل التنمية تؤثر بشكل مباشر على أسعار السلع الأولية والأساسية والغذاء والدواء ومعدلات البطالة، وتدخل الدولة النامية فاقدة الرؤية في دائرة مغلقة من الفقر والتعثر تنبئ بمزيد من معدلات التضخم، مع بطء معدلات النمو العالمي وبطء حركة التجارة العالمية، ولا يوجد ما ينبئ بتعافي اقتصادي قريب للدول الفقيرة، التي تفتقر إلى رؤى وسياسات إصلاحية قبل أن تفتقر لأموال وعملات.
فالسباق الآن في الدول النامية هو سباق بقاء أو إفلاس، ولا وسط فيه، فانهيار الدولار يؤثر على سعر النفط، وتخفيض أسعار العملات يؤثر على المنافسة المحلية.
باختصار؛ كل شيء يؤثر على كل شيء، ولن تنصلح الأمور إلا بخطط واضحة الأفق للتنمية، والبعد عن التبعية الاقتصادية، فلا الإسترليني مستقر، ولا الدولار مستقر، وإعادة ترتيب أوراق الدول بيدها وحدها الآن.
وذلك الاضطراب العالمي جعل الصين تفترس الفرص لصالحها لتعقد عدة اتفاقيات اقتصادية لتبادل عملاتها واستبدالها بالدولار ـ، وفي حالة مصر هناك دراسات حول إذا ما كانت الصين ستقبل التعاون بالجنيه المصري، وهو الأمر الذي سيقلل العبء على الطلب على الدولار، خصوصا أن حجم واردات مصر من الصين لا يستهان به، ولكن هذا يعد بمثابة حل مؤقت للأزمة المالية في مصر.
الصين تفوز بنصيب الأسد
أدرج صندوق النقد الدولي اليوان إلى سلة العملات في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لينضم بذلك لكل من الدولار الأمريكي واليورو والين والأسترليني في سلة عملات حقوق السحب الخاصة، التي تتيح استخدامه كاحتياطي نقدي بالتبعية وجعله عملة قابلة للاستخدام الحر، وذلك يوسع دور الصين في التجارة العالمية.
تتجه الآن بعض الدول مثل الإمارات و السعودية ومصر إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين، وبالتالي استخدام و تبادل العملات مع الصين بالين، ونظرا لأن حجم واردات الصين كبير جدا في تلك الدول؛ فذلك سيخفف العبء على الدولار، ولكن الكثير من الخبراء يعتبرونه مسكنا للأزمة الحالية وليس حلا جذريا لها.
هذه الأزمة ككرة الثلج تكبر كلما سقطت، وتؤثر على دول عدة، ومنها القارة السمراء، ولازال السؤال عن إذا ما كانت تلك الدول سوف تصمد أمام تلك التداعيات العالمية والضغوطات الداخلية أم لا، فمازال كثير من الأمور مشوشا وغير واضح.
فخارجيا ينتظر العالم خطة دونالد ترامب لمعرفة أثرها على سعر الفائدة، وبالتالي أسعار النفط وأسعار العملات في دول الخليج، وما إلى ذلك من تأثيرات، وداخليا مصر والسعودية مازالتا قيد إعادة ترتيب أجندتهما السياسية بعد كل هذا الزخم من الأحداث، وكذلك باقي الدول. فمع محاولات الصين لاستقطاب مصر والسعودية لحل أزماتهما الاقتصادية من خلال تقوية اقتصادها، فبكين تسعى أيضا لإبرام اتفاقية تجارة حرة مع بريطانيا؛ الأمر الذي ينذر بأن الصين هي أكبر مستفيد من حرب العملات الدائرة.