«جورج وايا» يمهد طريق لاعبي كرة القدم لرئاسة بلادهم
كانت هذه هي كلمات الرئيس الليبيري الجديد «جورج وايا» لشعبه بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في ليبيريا منذ أيام قليلة. نعم عزيزي القارئ، لقد قرأت الاسم بشكل صحيح. «جورج وايا» لاعب الميلان وتشيلسي وباريس سان جيرمان السابق، واللاعب الإفريقي الوحيد الفائز بجائزة «Ballon D’or» عام 1995، أصبح رئيسًا لبلاده بعد فوزه في الجولة النهائية للانتخابات على منافسه «جوزيف بوكاي» بنسبة وصلت إلى 61.5%. تداول ديمقراطي للسلطة هو الأول من نوعه في البلاد.
70 عامًا من الحروب الأهلية عاشتها ليبيريا حالها حال أغلب دول غرب إفريقيا الفقيرة، حتى نجح أبناء ليبيريا في إقامة أول انتخابات رئاسية حُرة في عام 2005، تبعها أول تداول سلمي وديمقراطي للسلطة في عام 2017.
«وايا» سيتسلم السلطة في غضون أيام من رئيسة ليبيريا السابقة «إلين جونسون سيرليف» التي تولت رئاسة أقدم جمهورية إفريقية في التاريخ في مطلع عام 2006 بعد فوزها على «جورج وايا» نفسه في الانتخابات الرئاسية في عام 2005، لتصبح أول امرأة ترأس دولة إفريقية في التاريخ.
تجربة «وايا» ،وإن كانت ملهمة لشعبه وللبلاد المجاورة لليبيريا وكذلك للعديد من النشطاء الأفارقة، إلا أنها ستكون أكثر إلهامًا وتشجيعًا لغيره من أساطير اللعبة في القارة السمراء كـ «ديديه دروجبا» و «فريدريك كانوتيه» و«محمد أبوتريكة» وغيرهم من النجوم الذين يتشابهون في مكانتهم في بلادهم مع «جورج وايا». من المؤكد أنهم سيتابعون قصة النجم الليبيري المثيرة بانتباه شديد.
العراف «أرسين فينجر»
أتم جورج وايا عامه الخمسين منذ عام واحد فقط. بدأ مسيرته الاحترافية في عام 1988 حينما رآه العراف الفرنسي «أرسين فينجر» في واحدة من الأكاديميات التي كان يشرف عليها في غرب إفريقيا في هذه الآونة. أحضره فينجر إلى موناكو الفرنسي ليقضي معهم أربعة أعوام قدم خلالها مستويات رائعة. انتقل بعدها عام 1992 إلى باريس سان جيرمان. حصل مع النادي الباريسي على لقب هداف دوري أبطال أوروبا في نسخة موسم 1994-1995.
وفي عام 1995 انتقل وايا إلى العملاق الإيطالي «أي سي ميلان»، وهو نفس العام الذي خسر فيه الروزينيري لقب دوري الأبطال لصالح «أياكس أمستردام» الهولندي. حصل مع الميلان على بطولة الدوري الإيطالي «Serie A» مرتين وقضى معهم أربعة مواسم ناجحة. انتقل بعد ذلك للعب في الدوري الإنجليزي، فلعب لتشيلسي ومانشستر سيتي، وعاد مرة أخرى إلى مارسيليا في 2001 قبل أن يختتم مسيرته الكروية في نادي الجزيرة الإماراتي عام 2003.
نحن نحبك، ولكنك لا تصلح
تصريحات جودلاك جوناثان الرئيس السابق لنيجيريا وأحد المشرفين على انتخابات ليبيريا.
اليوم فاز النجم الليبيري بما هو أغلى من الكرة الذهبية التي أذهل العالم بأسره حينما فاز بها عام 1995. اليوم تم إعلان «جورج وايا» رئيسًا لدولة ليبيريا كأول لاعب كرة قدم يشغل منصب رئيس جمهورية في التاريخ. اليوم يحقق الطفل الأسمر حلمه الذي راوده منذ الصغر، الطفل الذي قاده الفرنسي «أرسين فينجر» إلى القارة العجوز منذ ثلاثين عامًا دون أن يفكر مُطلقًا أن ذلك الطفل سيعود لهذه البلاد مرة أخرى، ولكنه عاد. عاد من الباب الكبير رئيسًا لها وحاملًا لأحلام شعبها. نعم، التاريخ يُكتب الآن.
قاد «وايا» منتخب بلاده في خضم الحرب الأهلية للتأهل لكأس الأمم الإفريقية مرتين، و دفع فواتير منتخب بلاده كاملة حتى يستطيعوا تكملة التصفيات المؤهلة لكأس العالم عام 2002 بكوريا واليابان. كما أنه كان المصدر الوحيد للفرحة للشعب الليبيري. كل هذا جعل وايا بطل بلاده الأول منذ منتصف التسعينيات تقريبًا حتى الآن، لدرجة جعلت أبناء بلده يطلقون عليه «الملك جورج».
لكن وبالرغم من تلك الإنجازات وتأسيسه حزب التغيير الديمقراطي في بلاده عام 2004، أخفق «وايا» في الانتخابات الرئاسية لعام 2005. وبالرغم من حصوله على المركز الأول في الجولة الأولى، إلا أن الجولة النهائية قد حُسمت لصالح المُرشحة المنافسة «إلين جونسون سيرليف». واجه «وايا» حينها بعض الانتقادات التي اتهمته بفقدان الخبرة والتعليم الكافي لإدارة أمور البلاد. نعم، نحن نحبك، ولكن الحب وحده غير كافٍ للوصول لكرسي الرئاسة.
لم يضع ابن مدينة «مونروفيا» وقته، وحصل على بكالريوس إدارة الأعمال من جامعة «ديفري» بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2011. وبعدها بعامين فقط حصل على درجة الماجستير في التخصص ذاته وكأنه يقول لأبناء بلده اليوم قد أصبحت مستعدًا تمام الاستعداد.
أدرك «وايا» أنه يخاطب شعبًا ذا طبيعة خاصة،فـ 70% من الشعب الليبيري أعمارهم أقل من 35 عامًا، أي أنهم لن يلتفتوا بشكل قوي لتاريخه الطويل كما كان الحال في 2005. كما أن 80% من سكان البلد معدل دخلهم اليومي أقل من 1.5 دولار في اليوم الواحد. لذا اعتمد وايا في حملته الرئاسية على ثلاث جمل لا رابع لها، الأولى أنه صاحب مشروع ضخم للبنية التحتية للبلاد، الثانية أن معدل الأجور لابد أن يزيد لأنها لا تليق بالمواطن الليبيري، أما الثالثة فهي العبارة الأبرز وهي «التغيير قادم». يبدو أن الدراسة في أمريكا قد أتت بثمارها!
هل يمكن تكرار التجربة يا عمر؟
لاعبو كرة القدم يمكن تصنيفهم بسهولة لنوعين، نوع تبدأ نجوميته وتنتهي في المستطيل الأخضر. ونوع آخر مثل «فريدريك عمر كانوتيه» تبدأ نجوميته في المستطيل الأخضر ولا تنتهي في قلوب الجماهير حتى بعد موته. نوع حامل لقضايا أمته مُدرك تمام الإدراك أن كرة القدم في حد ذاتها وبشكل مجرد لا قيمة لها. تصريح «كانوتيه» السابق يخبرك بوضوح أي النوعين يُفضل اللاعب المالي.
بعد فوز كانوتيه بجائزة أفضل لاعب إفريقي في عام 2007، قرر إنشاء قرية «سكنية»، والتي تبعد 30 كيلومترًا فقط عن «موباكو» عاصمة مالي. قرية وفّر بها اللاعب المالي كل وسائل الحياة الكريمة والرعاية الصحية والتعليم للأطفال اليتامى الذين واجهوا ظروفًا معيشية صعبة في إفريقيا. لم تكن هذه القرية إلا غيض من فيض أعمال الخير والتنمية التي يقوم بها «كانوتيه» في مالي، والتي جعلته يحتل مكانة كبيرة في قلوب أبناء بلده. ولكن هل تكفي تلك المكانة لتصل بـ «كانوتيه» لكرسي الحكم في مالي وتكررار تجربة «جورج وايا» في ليبيريا إن فكر يومًا ما في خوض التجربة؟
تقول المعطيات إن تكرار التجربة في حالة «كانوتيه» تبدو صعبة للغاية لعدة أسباب، بعضها يتعلق بطبيعة اللاعب، والآخر يتعلق بطبيعة مالي، ألا وهي:
1. ولادة ونشأة كانوتيه في فرنسا لأبوين ماليين، فلم يحتك كانوتيه بالمجتمع المالي إلا في مراحل شبابه.
2. تعداد الشعب المالي والذي يصل إلى 15 مليون نسمة، وهو ثلاثة أضعاف عدد سكان شعب ليبيريا تقريبًا.
3. طبيعة الصراع في مالي بين الشمال والجنوب، والذي بدأ تحديدًا منذ عام 2012 بعد الانقلاب العسكري على الرئيس «أمادو توماني توري» بهدف السيطرة على حركات التمرد في شمال البلاد، فتدهورت الأوضاع وزاد الانقسام أضعاف ما كان عليه في عهد الرئيس المُنتخب «أمادو توري». بالطبع لن يستطيع لاعب كرة قدم لم يمارس السياسة من قبل أن يحل هذا الصراع بمفرده. «وايا» كان محظوظًا بالطبع حينما سلك العمل السياسي بعد انتهاء الحرب الأهلية في بلاده وليس في بدايتها!
4. مساحة مالي الكبيرة والتي تصل إلى 1.25 مليون كيلومتر مربع، أي ما يزيد على 10 أضعاف مساحة ليبيريا.
دروجبا الرئيس الأقرب
النجم الإيفواري «ديدييه دروجبا».
كان هذا هو نص رسالة «ديديه دروجبا» التي وجهها إلى أبناء بلده بعد التأهل إلى كأس العالم عام 2006 من غرفة خلع الملابس بعد الفوز على السودان بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. رسالة أطلقها الفيل الإيفواري لإيقاف الحرب الأهلية التي اندلعت في ساحل العاج في عام 2002 بسبب الخلاف على هوية الجنسية الإيفوارية، وهل هي مستحقة لمن وُلد لأب إيفواري فقط أو أم إيفوارية فقط، وتبعات ذلك في نتائج انتخابات الرئاسة.
حرب خلّفت ما يقارب الـ 4000 قتيل وتهجير ما يقرب من مليون مواطن إيفواري وانقسام البلاد إلى قسمي الشمال والجنوب. حتى أتت رسالة «دروجبا» ولاعبي كوت ديفوار والذين جمعوا زعيمي الشمال والجنوب في مباراة واحدة لعبها المنتخب الإيفواري في شمال البلاد ضد منتخب مدغشقر عام 2006، ليعلن طرفا النزاع بعدها بعدة شهور بدء محادثات السلام، والتي أتت بثمارها في 2010 لتُقام الانتخابات في ساحل العاج بعد عشر سنوات من النزاع، ويصير دروجبا الأيقونة الإيفوارية الأبرز في العقود الأخيرة.
جهود دروجبا في بلاده منذ ذلك الحين تخبرنا أن تجربة «وايا» ليست ببعيدة إطلاقًا عن ساحل العاج. «دروجبا» وُلد من رحم المعاناة كما يقولون، ويستطيع قيادة بلاده إلى ما هو أبعد من ذلك إذا قرر أن يسلك ذلك الطريق الصعب. أيقونة إيفوارية تحظى بتوافق شعبي كبير، وكان لها جهود سياسية عظيمة في بلاده في العقد الأخير، فلمَ لا؟
رد «جورج وايا» على «دروجبا» الذي هنأه بفوزه في انتخابات الرئاسة.
أبوتريكة، القريب البعيد
بالرغم من مكانته في قلوب المصريين التي لا يختلف عليها اثنان وحرصه الدائم على اتخاذ مواقف مُشرفة في أوقات يلجأ فيها أغلب مشاهير مصر إلى المنطقة السوداء أحيانًا والمنطقة الرمادية في أحيان أُخرى، فإن «أبوتريكة» يُعد النموذج الأبعد عن تكرار تجربة «جورج وايا» لأسباب عديدة. أهم تلك الأسباب هو حساسية موقف مصر في منطقة الشرق الأوسط وتدخلها بشكل عميق في أغلب قضايا المنطقة. الأمر في مصر لا يقتصر على حل نزاع سياسي داخلها فحسب، وهو ما يحتاج إلى سياسي بارع وليس مجرد شخص يحظى بتوافق شعبي.
الأمر الثاني هو تعداد مصر الهائل وما يتعلق به من قضايا كارثية في الصحة والتعليم والعشوائيات والبطالة وغيرها. مصر ليست مالي أو ساحل العاج أو ليبيريا. فهذه البلاد وإن عانت من مشاكل فإنها تظل محدودة التأثير نظرًا لقلة تعداد هذه البلاد وتأثر تلك القضايا بالإيجاب بمساعدات منظمات المجتمع المدني. سقف أحلام الشعوب في تلك البلاد منخفض مما سيجعل أي إنجاز مهما كان بسيطًا يبدو مشروعًا قوميًا.
الأمر الأخير هو انعدام مجال العمل العام في مصر في تلك الحقبة، وهو ما سيقف حائلًا بين أبوتريكة وتهيئته للانخراط في العمل العام والسياسة بعد أن كان لاعب كرة قدم فقط.
أغلب الظن أنا ما يدور في رأسك الآن عزيزي القارئ هو التفكير في فكرة ترشح لاعب كرة قدم لم يحصل على قدر كافٍ من العلم لرئاسة بلده. ولكن هل يكون العلم دائمًا هو المطلب ذا الأولوية في رئيس الجمهورية؟ وإذا لم يحالف هؤلاء اللاعبين التوفيق في رئاسة بلادهم هل تتوقع أن يكون أداؤهم أسوأ من أداء قادة الانقلابات العسكرية التي حدثت في هذه البلاد؟