محتوى مترجم
المصدر
the conversation
التاريخ
2018/12/11
الكاتب
مرلين كروسلي

هذا المقال جزء من سلسلة غير دورية بعنوانZoom Out؛ يقوم فيها الكاتب باستكشاف أفكار رئيسية في العلوم والتكنولوجيا في سياق المجتمع والإنسانية.


بغض النظر عن التقرير الوارد بمولد اثنين من الأطفال المعدلين جينيًا في الصين، إلا أنني أعتقد أنك لن ترى في القريب مصممًا للأطفال. ليس لأن القوانين في العديد من الدول وكذلك المعايير العلمية تمنع هذا فحسب، ولكن لسبب أبسط بكثير؛ فلتقنيات تعديل الجينات -وسيظل لها- حدود دائمًا، حدود ليست متعلقة بالتقنية فقط، ولكن متعلقة بالتعقيد الأصيل في الجينوم البشري، أضف إلى ذلك التكلفة والمخاطر الإجرائية وطغيانها على الفوائد في المستقبل المنظور.

قد يشكك بعض الناس في ذلك، ولكن تذكر أن صنع فأر معدل جينيًا قد أصبح أمرًا معتادًا منذ الثمانينيات، وكذلك تم استنساخ حيوانات منذ التسعينيات. لكن، فالإعلان عن أطفال كريسبر لم يخضع بعد للتأكيد من خلال دورية تخضع لمراجعة النظراء، إذ لم تكن هناك محاولات تتمتع بالمصداقية لتطبيق التكنولوجيا الجينية على الأجنة البشرية القابلة للنمو.

دار الحديث لسنوات عن مصمم الأطفال، ولكني أعتقد أنه سيبقى -كما هو الآن- أمرًا شديد الندرة لمدة طويلة.


العميل 007 الصغير

لنلقِ نظرة على حالة افتراضية، تخيل أنك تريد تأسيس عائلة وتريد أن يبدو طفلك كالنسخة الأحدث من جيمس بوند، وتطلب من طبيبة الخصوبة ما إذا كان بإمكانها إجراء نوع من «الجراحة الجينية» لتعديل جينات الجنين.

بكل بساطة لن تستطيع، إنك بحاجة لتغيير آلاف الجينات، أولًا لا يمكن لأحد تحديد أي جينات ستقود لنتيجة كهذه، ثانيًا ومن ناحية عملية؛ يمكن كريسبر الباحثين من تغيير قلة من الجينات في المرة الواحدة فحسب، لذلك عليك بالتفكير مرة أخرى، هل تتخيل طفلك يتمتع بعيني جيسي ويليامز أو شعر جاي زي؟ ليس بإمكان جراحة جينية أن تضمن نجاحًا كهذا بعد، حتى بالنسبة للون العين والشعر فهو نتيجة لتفاعلات جينية معقدة.

ربما تفضل لو كانت والدتك نجمة رياضية، كلاعبة التنس كارولينا بليسكوفا (بطول 1.86م)، يومًا ما قد يكون من الممكن «تصميم» ابنة بهذا الطول من خلال جينات معدلة تتحكم في هرمونات النمو، ولكن مرة أخرى سيكون للجينات ذات الخلفية المتنوعة تأثير، ولن تكون واثقًا من الحصول على المستوى المطلوب.

المخاطرة هنا بالغة –بغض النظر عن الناحية الأخلاقية- سيكون من الأسهل حقن هرمونات لتعزيز النمو بدلًا من اللعب في الجينات والمخاطرة بنمو طفلك إلى مستوى غير متوقع من الطول (بالإضافة إلى عواقب أخرى مجهولة).

لا يعود هذا الضعف في القدرة على التنبؤ إلى حدود تكنولوجيا التعديل الجيني؛ فالتكنولوجيا تخطو خطوات واسعة في تلك النقطة، ولن يكون هنالك شك في مزيد من التقدم خلال السنوات القادمة، وإنما يعود إلى العلاقة التفاعلية بين آلاف من الجينات في الجينوم البشري.

أضف إل هذا المدخلات البيئية (الجزء المتعلق بـ «التنشئة» في تطورنا) وآثار التخلق المتعاقب (حيث تؤثر التعديلات الكيميائية الدقيقة –والتي تحدث غالبًا للتجاوب مع البيئة- على إظهار جينات محددة) تنشئ المزيد من الأمور غير المتوقعة.

لهذه الأسباب لا يمكننا ببساطة البدء في طلب الصفات الجسدية من قائمة جراحية جينية تجميلية -لنحاول فقط تأجيل تعديل الصفات العقلية كالمزاجية والذكاء – فهنالك أيضًا مشكلة المبادلات القائمة في أي تغيير، فأطفال كريسبر المعدلون كما ذكرت التقارير كان من المقصود أن يكونوا مقاومين لفيروس نقص المناعة المكتسبة HIV وليس من الواضح ما إذا كانوا كذلك أم لا -حتى ولو- فما نعلمه الآن يقترح أنهم سيكونون أكثر عرضة للإنفلونزا و حمى غرب النيل بسبب الأدوار العديدة التي يقوم بها الجين المعدل CCR5 في نظامنا المناعي.

هنالك القليل من الأشياء التي ليس لها ثمن في تطورنا البشري، وبمجرد إدراك المخاطر فقليل من الآباء هم من سيقومون بلعبة التجربة والخطأ مع ذريتهم.


الوقاية من الأمراض الجينية

لنضع الصفات الظاهرية جانبًا، فحتى مع استخدام تعديل كريسبر للقضاء على مرض جيني خطير من غير المحتمل أن ينتشر هذا الأمر، فالاستشارة الجينية في العديد من الدول توظف حاليًا لتقليل خطر توريث الأمراض الجينية، مثل داء تاي ساكس (حيث يؤدي تراكم المواد الدهنية في الخلايا العصبية إلى الشلل والجنون والعمى والذهان وحتى الموت).

بصورة متزايدة وفي المستقبل، إذا كان الأبوان يعانيان من حمل طفرات جينية واختارا أن يكون لهما طفل بيولوجي، فقد يفكران في التلقيح الصناعي ويتابعان الحمل مع الأجنة غير المتأثرة بهذه الطفرات فقط، وفي حالة وجود الحمل بالفعل فبإمكان تقييم ما قبل الولادة إعطاء معلومات من شأن الوالدين استخدامها في اتخاذ قرار الإجهاض من عدمه، أو ربما تصحيح الخلايا في الجنين كما هو موضح بالأسفل.

من الممكن في المستقبل القريب أن يتم معالجة بعض الأمراض الجينية على مستوى إصلاح الجينات في خلايا الأجنة والأطفال أو البالغين بدلًا من تعديل الأجنة بأكملها، إذ يمكن أخذ تلك الخلايا خارج الجسد، ثم تصحيح الجينات وحقن الخلايا مرة أخرى، وكذلك أمراض الدم كالخلل في حمل الأكسجين الحيوي للهيموجلوبين والخلايا المنجلية والثلاسيميا، كل هذا من المحتمل علاجه بنفس الطريقة.

أما في حالات أمراض الكبد وا لعضلات فقد يمكن حقن فيروسات غير ضارة تحمل الجين المعدِل للعوامل في هذه الأعضاء.

فقط في حالات استثنائية ونادرة قد يطلب الآباء تغيير الجنين، فمرض الخلايا المنجلية (الذي يؤدي للأنيميا) أو التليف الكيسي (الذي يؤثر على الأجهزة التنفسية والهضمية والتاسلية) هي أمثلة، فكل مرض ينتج من التقاء نسختين متضررتين من الجين المسئول؛ نسخة من كل والد، إذا كان كلا الأبوين يعانيان من أحد تلك الاضطرابات – وهو أمر شديد الندرة في هذه الظروف مستبعد ولكن ممكن – فسيكون خيارهما الوحيد هو تعديل الجينات من أجل الحصول على طفل بيولوجي.

ولكن ليس بإمكان الشخص القفز هكذا إلى تعديل الجينات، إذ يجب أن نوازن المنافع والمخاطر أيضًا، فالمخاطر أمر هام؛ لأنه إذا حدث تغيير جيني غير مقصود تبعته عواقب غير متوقعة، فمن الممكن أن يؤثر هذا الأمر ليس على الطفل فحسب، ولكن على الأجيال القادمة أيضًا.

في الوقت الحالي أجمع العلماء على عدم اعتبار تعديل الأجنة البشرية حتى نعلم ما يكفي عن تلك التقنية لنتمكن من تقييم المخاطر، وكذلك إلى أن يوافق المجتمع أيضًا.


على المجتمع أن يقرر

لكن يبدو أن هذا الإجماع قد انهار مؤخرًا، فهنالك قلق على ضوء عمل «هي جيان كوي» على كريسبر في الأجنة البشرية،فلا يمكننا التأكد ما إذا كانت فاعلية التعديل أم العواقب غير المقصودة هو ما سيحدث للجينوم، (اختفى «هي جيان كوي» على ما يبدو منذ ظهوره الأخير في قمة تعديل الجينوم)، ولا أتوقع الآن اتباع العديد من العلماء لمساره.

في المستقبل قد يكون هناك حالات نادرة للآباء الذين يحملون جينات لأمراض جينية خطيرة ويسعون إلى الحصول على طفل غير متضرر من خلال التعديل الجيني، قد يحظر المجتمع هذا الاختيار، لذا يجب وضع خط محدد من أجل تعديل أقل خطورة ولكن معروف المتغيرات الجينية جيدًا في نفس الوقت. في المستقبل الأبعد قد تكون التحسينات الجينية الفعلية أمرًا متصورًا، ولكن أعتقد أن ردود الفعل على عمل «هي جيان كوي» أقل من درجة اعتباره كاحتمال وليس أكثر منها.

في الوقت الراهن تبقى تقنية تعديل الجينات كريسبر تقنية ثورية غيرت البحث البيولوجي سيكون لها العديد من التطبيقات الطبية والزراعية، كما أنه من الواضح أن التطورات المختلفة المتعلقة بمراحل الجينوم والخصوصية الجينية والتمييز ستقدم لنا العديد من التحديات الرقابية والأخلاقية في السنوات القادمة.

ولكن لا أتوقع مناقشة تلك القضايا مع مصمم أطفال راشد، في الغالب، سيبقى هذا الأمر خيالًا علميًا.