جينيريشن فوت: منجم الذهب الذي خرج منه ساديو ماني
قديمًا، كان هناك مبدأ واحد في القارة الأفريقية: إذا كنت تريد ممارسة كرة القدم في أوروبا، لا تنتظر أن يرسل نادٍ خطابًا لناديك يطلب التعاقد معك، فقط عليك أن تهاجر إلى أقرب دولة أوروبية لبلدك وتخضع للاختبارات في عدة أندية، لعل وعسى أن تحصل على الفرصة أو أن يقف الحظ بجانبك.
كم من حلم بالاحتراف ضاع للاعب كرة قدم بسبب أنه لم ينجح في تسويق نفسه بشكل جيد؟ كم لاعب احترف في الخارج ثم عاد سريعًا بسبب أنه فشل في التأقلم مع الأجواء الأوروبية؟ حسنًا، سنتعرف في هذا التقرير على أكاديمية ظهرت مؤخرًا في أفريقيا، وتحديدًا في السنغال، تساعد الناشئين على تحقيق حلمهم، لكن قبل كل ذلك تقوم بتهيئة الشاب على التأقلم مع الظروف في أوروبا.
أكاديمية جينيريشن فوت «Generation Foot»، ثورة جديدة في أفريقيا في عالم التسويق والاستثمار، قادها السنغالي مادي توريه لتحقيق نجاحات مبهرة على مستوى التسويق والاستثمار والبطولات أيضًا.
كيف بدأت جينيريشن فوت؟
مادي توريه هو لاعب كرة قدم سنغالي سابق، لم تكن الإصابات رحيمة به وجعلته ينهي مسيرته الكروية مبكرًا، لكن رب ضارة نافعة. شرع توريه في تأسيس أكاديمية جينيريشن فوت في العاصمة السنغالية داكار عام 2000.
الشريك الرسمي
بعد أن وضع مادي توريه أساس الأكاديمية، بدأ في تنفيذ مشروعه وتفاوض مع أكثر من نادٍ فرنسي ليكون شريكًا له في الأكاديمية حتى يستطيع تسويق اللاعبين، فجاء عام 2003 ووقع عقدًا مع نادي ميتز الفرنسي ليكون راعيًا للأكاديمية.
يقدم نادي ميتز كل الخدمات والرعاية لنادي جينيريشن فوت، بإمدادهم بالمدربين وتطوير المنشآت والملاعب والملابس الرياضية؛ أما الأكاديمية فتقوم باكتشاف المواهب وتطويرها حتى سن الثامنة عشر، والأفضل من هؤلاء اللاعبين في تلك الفئة السنية يلتحق تلقائيًا بنادي ميتز.
لكن هل يستطيع جينيريشن فوت بيع اللاعبين لنادٍ آخر غير ميتز؟ نعم، تم وضع بند في العقد يتيح للنادي السنغالي البيع لأي نادٍ آخر، لكن تبقى الأولوية لنادي ميتز إذا لم يكن في حاجة لذلك اللاعب، أو اللاعب فشل في أن يثبت أن موهبته تستحق الاحتراف الخارجي.
بداية تنفيذ المشروع
مع تكوين أول جيل في الأكاديمية، كان بابيس سيسيه أول من انضم من جينيريشن فوت لنادي ميتز في عام 2005. وفي2007، تم وضع حجر أساس إنشاء مدينة متكاملة تم الانتهاء من تأسيسها في عام 2013 وتحتوي على ملاعب ومنشآت رياضية، وكذلك مدرسة رياضية يلتحق بها الناشئ من سن الخامسة ويبدأ بتعلم أساسيات كرة القدم وثقافة الدول الأوروبية، حتى يكون قادرًا على الاندماج في المجتمع الأوروبي حين يحترف.
الانطلاق نحو البطولات بقيادة أوليفر بييرن
بعد بداية فريق الأكاديمية في دوري الدرجة الرابعة السنغالي، أرسل نادي ميتز «أوليفر بييرن» لكي يتولى مهمة تدريب فريق جينيريشن فوت. أوليفر كان يعمل مديرًا فنيًا لفريق الشباب لنادي ميتز، ومن أشهر المدربين الذين تولوا الفئات السنية في فرنسا، ليقود جينيريشن فوت في أول موسم لهم للتأهل للدرجة الثالثة.
سريعًا ما نجح الفريق في لفت النظر إليه وهو في الدرجة الثالثة، إذ نجح بالتتويج بكأس السنغال في نسخة 2014 وضمان المشاركة في الكونفدرالية الأفريقية لأول مرة في تاريخ النادي، كذلك الفوز بدوري الدرجة الثالثة والتأهل للدرجة الثانية.
تبع ذلك تأهل الفريق للدوري الممتاز في موسم 2016، لتكون المفاجأة الكبرى وهى التتويج بالدوري السنغالي من المشاركة الأولى ليتأهل الفريق لدوري أبطال أفريقيا، ونجح في إقصاء نادي مصر للمقاصة المصري من الدور التمهيدي للبطولة.
عمل بييرن كمدير تقني للأكاديمية بجانب كونه مديرًا فنيًا للفريق، جميع الفرق في الأكاديمية ينتهجون أسلوبًا واحدًا في كرة القدم، نفس الأسلوب الذي كان يطبقه في نادي ميتز.
منحه مادي توريه كافة الصلاحيات لجعل الأكاديمية تشبه أندية فرنسا في كل شيء حتى في نظام العمل اليومي.
انتهت مهمة أوليفر بييرن مع جينيريشن فوت الصيف الماضي وعاد لميتز مرة أخرى، وعُين الفرنسي «إيمانويل بوشيت» كمسئول عن إدارة الكرة بأكاديمية جينيريشن فوت، كذلك الشاب «ديمباي مباي» كمدير فني للفريق والذي كان قد عمل مع بييرن كمدرب في فرق الناشئين بالأكاديمية.
لم يتأثر جينيريشن فوت برحيل أوليفر بييرن على المستوى المحلي، إذ توج الموسم الماضي بطلاً للدوري السنغالي وتأهل للمشاركة في دوري أبطال أفريقيا للمرة الثانية في تاريخه.
ساديو ماني و ديافارا ساخو وغيرهما
انضم أكثر من 30 لاعبًا حتى الآن من جينيريشن فوت لنادي ميتز الفرنسي، حقق الأمر أرباحًا كبيرة للناديين. من أشهر هؤلاء اللاعبين: ساديو ماني، وديافارا ساخو، وإسماعيلا سار، وبابيس سيسيه.
أدخل الرباعي لميتز ما يقرب من 30 مليون يورو، بالإضافة إلى نسب إعادة البيع التي تحصّل عليها النادي. فـعلى سبيل المثال، تحصل نادي ميتز على قيمة 3 ملايين يورو من عملية بيع إسماعيلا سار لنادي واتفورد قادمًا من رين، حيث كان ينص بند إعادة بيعه بحصول نادي ميتز على نسبة 10% من الصفقة التي بلغت قيمتها 30 مليون يورو.
آخر المنضمين لميتز من جينيريشن فوت كان إبراهيم نياني وابيل جيالو في صيف 2017، وشيخ تيديني في الصيف الماضي.
أما فيما يخص الأمور المادية، فينص الاتفاق على أن يتحمل ميتز كافة الأمور المادية الخاصة بالتجهيزات والمصروفات في الأكاديمية شهريًا، ويحصل أيضًا جينيريشن فوت على نسبة من بيع اللاعبين من نادي ميتز لأي نادٍ آخر حسب الاتفاق بين مادي توريه وبيرنارد سيرين رئيس نادي ميتز.
كيف كان سيقضي الخجل على مسيرة ماني؟
بدأ ساديو ماني مسيرته في جينيريشن فوت، لاحظ موهبته أكبر كشافي النادي «عبده دياتا» وتعاقد معه على الفور. عبده داياتا اقتنع سريعًا بذلك الشاب ولم يمضِ سوى يومين لكي يبلغ جولي باوتشر “مدرب ناشئين في جينيرشن فوت وأول مدرب لساديو ماني في النادي” عن اللاعب ليتم التعاقد معه. عبده دياتا روى بداية ساديو ماني مع الفريق، وكيف كان الخجل سيقضي على مسيرته.
بعد أن انضم ساديو ماني للفريق ونال إعجاب مدرب الناشئين في جينيريشن فوت حينها «جولي باوتشر»، كانت أول مشكلة تواجه اللاعب هو كيفية الانخراط في المجموعة، ماني كان يفضل أن يتدرب وحيدًا بعيدًا عن بقية رفاقه في الفريق.
لم يستمر ساديو طويلاً مع جينيريشن فوت، فقط لعب موسمين مع الفريق حتى أصبح مؤهلاً لأن يكون لاعبًا في نادي ميتز، لكن يبدو أنه لم يكن تخلص من خجله.
جينيريشن فوت منجم ذهب ظهر مؤخرًا في القارة الأفريقية، أبرز مواهب كثيرة لفتت الأنظار وذلك سيفتح المجال أمام الأندية الأوروبية الأخرى للاستثمار في الأكاديميات الأفريقية، لكن يبقى السؤال: متى سنرى ناديًا عربيًا يقوم بشراكة مع إحدى الأكاديميات الأفريقية للاستفادة من تلك المواهب والاستثمار فيها؟