إضراب عام في السودان: هل حان الوقت لهزيمة المجلس العسكري؟
بدأ صباح اليوم الثلاثاء إضراب عام في مختلف أنحاء السودان، تلبية لدعوة تحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير» الذي قاد الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السوداني الأسبق عمر البشير، في نيسان/ أبريل الماضي. الإضراب العام هو أحدث وأقوى تصعيد قامت به «قوى إعلان الحرية والتغيير» ضد المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم السودان منذ عزل البشير، ونتائجه قد تحدد الكثير في مستقبل الشعب السوداني.
اقرأ أيضًا: إعلان الحرية والتغيير: 4 قوى تقود الثورة السودانية
لماذا الإضراب العام؟
خاضت قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) جولات مفاوضات مع المجلس العسكري الحاكم حول ترتيبات المرحلة الانتقالية في سودان ما بعد البشير. انتهت هذه المفاوضات بالوصول إلى اتفاق مبدئي حول هياكل السلطة خلال المرحلة الانتقالية التي تحدِد عمرها بثلاث سنوات. وجاء مضمون الاتفاق كالآتي:1. سيكون هناك ثلاثة هياكل للسلطة في السودان هي: المجلس السيادي، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي. (تم الاتفاق على صلاحيات ومهام المجالس الثلاثة لكن لم تُعلن حتى الآن)2. تشكيل حكومة كفاءات وطنية بمعرفة قوى إعلان الحرية والتغيير.3. تشكيل برلمان انتقالي تحوز قوى إعلان الحرية والتغيير نسبة 67% من تكوينه، وتشكل نسبة الـ33% المتبقية من القوى والأحزاب الأخرى، بالتشاور بين المجلس السيادي وقوى إعلان الحرية والتغيير.4. تشكيل لجنة للتحقيق في حوادث الاعتداء على المواطنين بمحيط مقر الاعتصام أمام قيادة الجيش السوداني بالخرطوم.5. تخصيص الستة أشهر الأولى لحل قضايا السلام والحرب في السودان.تبقت نقطة واحدة فقط لم يتم التوصل لاتفاق بشأنها، وهي التي أدت إلى تصاعد الأحداث حتى وصلت إلى مرحلة الإضراب العام، ألا وهي تشكيل المجلس السيادي. يتمسك المجلس العسكري بأن تكون أغلبية المجلس ورئاسته في يد العسكريين، بينما تصر قوى إعلان الحرية والتغيير أن تكون غالبية المجلس مدنية وأن تكون رئاسته دورية.توقفت المفاوضات بسبب تمسك كل طرف بمطلبه، وقررت قوى الحرية والتغيير أن تستعين بالشارع ليدعمها في وجه المجلس العسكري فدعت إلى الإضراب العام يومي الثلاثاء والأربعاء 27 و28 مايو/ أيار الجاري، مع التلويح بالدعوة لـ«عصيان مدني» دون توضيح آلية تنفيذه.
الاستعداد للإضراب وطعنة حزب الأمة
منذ تحديد موعد الإضراب يوم الجمعة الماضي، أعلنت قوى الحرية والتغيير عن «جدول فعاليات ثورية» طوال الأسبوع الجاري، بدأتها بحملة مناقشات ولقاءات لقيادات الحرية والتغيير مع المجموعات المختلفة خارج الميدان، وإقامة مواكب في الأحياء والمناطق فى العاصمة والأقاليم للإعلان عن الإضراب السياسي والتعريف بفعالياته، كما أطلقت نداء لتشكيل لجان لإدارة الإضراب داخل المؤسسات والشركات والقطاعات المهنية والحرفية، وانتهاء بالإضراب عن العمل يومي الثلاثاء والأربعاء، ثم تسيير المواكب والاتجاه لميادين الاعتصام في الخرطوم وكافة الأقاليم.
كما أصدرت قوى الحرية والتغيير، عبر صفحة تجمع المهنيين السودانيين -أحد أبرز مكونات التحالف- على فيسبوك، العديد من البيانات التي تشرح معنى الإضراب العام وإجراءاته وطلبت من العمال والموظفين التوجه إلى أعمالهم في مواعيدهم الرسمية، ولبس أو تعليق لافتة توضح أنهم مضربون، وتعريف المواطنين أو الموظفين الذين لا يعرفون عن الإضراب بفكرته وأهدافه.وسط الاستعداد للإضراب، أعلن الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة السوداني المعارض أحد أبرز الأحزاب المنضوية تحت لواء قحت، رفضه الإضراب العام، وحذر من «استفزاز» العسكريين باعتبارهم «شركاء في التغيير»، ليشق عصا التحالف الذي ظل متماسكًا حتى الآن رغم الخلافات الداخلية بين مكوناته.
اقرأ أيضًا: حتى لا تموت روح الثورة: قصة العسكر مع الثورة السودانية
المجلس العسكري يهدد
ردًا على دعوات الإضراب،شنّ نائب رئيس المجلس العسكري، محمد حمدان الملقب بحميدتي، هجومًا حادًا على قوى الحرية والتغيير واتهمها بتبني شعارات زائفة والسعي للوصول للسلطة، وحاول الرد على لجوء الحرية والتغيير إلى الشارع بقوله: «ليس هناك من هو أكثر منا شعبية ولا نقفل باب التفاوض، لكن يجب تمثيل كل مكونات الشعب في الحوار». وأضاف حميدتي أن «هدفها (قوى الحرية والتغيير) استلام السلطة وعودة المجلس العسكري إلى ثكناته. لقد غشتنا شعاراتهم ونياتهم الحقيقة ظهرت»، كما تعهد بفرض هيبة الدولة ومحاربة الفساد. بينما شهدت شوارع الخرطوم انتشارًا كثيفًا لقوات الدعم السريع، الموالية لحميدتي، استعدادًا للإضراب. وعلى نفس الجانب، هدد المتحدث باسم المجلس العسكري، شمس الدين كباشي، باتخاذ «الكثير من الخيارات التي تحفظ السودان»، إذا استمر التفاوض مع المعارضة بوتيرته الضعيفة الحالية، والتي لا تُرضي المجلس.
ما أهمية هذا الإضراب؟
يعتبر الإضراب العام الذي دعت له قوى الحرية والتغيير أداة مهمة للغاية لقياس مدى شعبية التحالف، ومدى رضى الشارع السوداني على قراراته وتحركاته، فالتمترس بالإرادة الشعبية هي ورقة القوة الوحيدة التي تملكها قوى الحرية والتغيير في مواجهة المجلس العسكري الذي يمتلك مفاصل الدولة والسلاح.إذا نجح الإضراب بشكل كبير وواضح فسيكون دفعة مهمة للغاية لـ«قوى التغيير» في مواجهة المجلس العسكري، وقد يجبره على الرضوخ لمطالب تسليم السلطة للمدنيين، أما إذا فشل الإضراب في تحقيق الانتشار المطلوب فستكون «قوى التغيير» في موقف سيئ للغاية أمام المجلس العسكري الذي لن يتوانى عن استغلال الموقف لصالحه وإقصاء التحالف من موقعه كوكيل عن الشعب ومتحدث باسمه. والأخطر من ذلك أن يؤدي فشل الإضراب إلى تفكك تحالف قوى الحرية والتغيير.