تحليل عام لأبعاد القوة الشاملة لأقطاب الخليج
القوة التقنيــــــة
القوة التقنية للمملكة العربية السعودية
تتصدر السعودية الدول العربية في الإنفاق على البحث والتطوير، بعد أن زاد معدل إنفاقها من 0.4% إلى 3.4% من إجمالي ناتجها المحلي الذي يتجاوز 700 مليار دولار، في حين حصدت 45% من مجمل براءات الاختراع في العالم العربي المسجلة عالميًّا.
كما احتضنت المملكة 143مركزًا بحثيًا توزعت ما بين القطاعين العام والخاص، تتصدرها الجامعات الحكومية بعدد 89 مركزًا بحثيًا و1167 مختبرًا مخصصًا للأبحاث، وأقرت الدولة خطة وطنية شاملة لاستثمار 2% من الناتج المحلي الإجمالي في مجال البحث والتطوير التقني عام 2019.
كما أفاد مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية الأمريكي (USPTO) في تقريره عن براءات الاختراع لكل مليون شخص من السكان خلال عام 2013، أن المملكة حلت بالمرتبة الثانية عربيًا برصيد 7.79 براءة اختراع لكل مليون شخص، وعلى المستوى العالمي المرتبة 29 برصيد 237 براءة اختراع.
القوة التقنية للإمارات العربية المتحدة
دخلت الإمارات عالم التقنية بإنشاء وتأسيس مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة «اياست» وهي مبادرة إستراتيجية أطلقتها حكومة دبي عام 2006، وتهدف إلى تشجيع الابتكار العلمي والتقدم التقني ضمن دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة.
ترتكز رؤية المؤسسة الأساسية على تعزيز استخدام الوسائل الفعالة في مجال التقنيات المتقدمة والمتطورة والمعلومات الفضائية الدقيقة بالنسبة لمجموعة متنوعة من التطبيقات التي من شأنها تعزيز التطور المستدام ومواكبة النمو المتسارع للقطاع الصناعي والاقتصادي في مدينة دبي ودولة الإمارات العربية المتحدة بشكل عام. و ابرز انجازات ومشاريع المؤسسة الراهنة بحث وتطوير القمر الصناعي المحلي «دبي سات 1» وهو يمثل الانطلاقة القوية لحضور الإمارات على المستوى التقني والعلمي.
كما أن للأمارات دوراً رائداً في تأسيس الحكومة الالكترونية وتطبيقها في ارض الواقع وتعتبر تجربة دبي من أفضل التجارب في المنطقة في هذا المجال.
ففي تقرير الامم المتحدة للحكومات الإلكترونية 2012 الصادر في شهر فبراير 2012، ويعد هذا التقرير، الذي يصدر كل عامين، الأشمل والأكثر دقة لرصد مستوى التقدم على مسار الحكومة الإلكترونية لدى مختلف دول العالم، ويركز تقرير 2012 حول دور الحكومة الإلكترونية في إحداث التنمية المستدامة. جاءت الإمارات في المرتبة السابعة في مؤشر خدمات الحكومة الإلكترونية، ويقيس مؤشر الخدمات الإلكترونية مدى تطور الخدمات الإلكترونية من حيث الوفرة، والجودة، وتنوع القنوات، ومدى استخدام الجمهور لهذه الخدمات.
ويشير التقرير كذلك إلى تقدم هائل للإمارات في مجال المشاركة الإلكترونية فقد جاءت الإمارات في المرتبة السادسة على مستوى العالم، ويقيس مؤشر المشاركة الإلكترونية مدى استخدام الحكومة للإنترنت لممارسة الشفافية والتواصل مع الجمهور وإشراكهم في صياغة السياسات وتطوير الخدمات. وبذلك وصلت الإمارات في التقييم العام للجاهزية الإلكترونية للدولة الى الرتبة الثامنة والعشرين بشكل عام وبهذا الإنجاز تكون حكومة الإمارات الإلكترونية قد تمكنت في خلال فترة قصيرة من استعادة المكانة الرائدة لدولة الإمارات في مجال جاهزية الحكومة الإلكترونية على مستوى المنطقة.
القوة التقنية لقطر
تهتم قطر بتطوير قدراتها البحثية والمعرفية ولهذا تم تأسيس واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر حيث تعتبر واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر جزءاً من قطاع البحوث والتطوير في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، حيث تمثل الحاضنة لمشاريع تطوير التكنولوجيا.
حيث تسعى إلى توفير البيئة اللازمة لتطوير تقنيات صالحة للاستخدام التجاري، ودعم البحوث والابتكار حيث تضم واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر بجانب مراكزها المتعددة شركات صغيرة ومؤسسات دولية كبرى ومعاهد بحثية يميزها بالدرجة الأولى تضافر جهودها وتعاونها في تمويل المشروعات الجديدة وترسيخ مفهوم الملكية الفكرية وتعزيز مهارات إدارة التكنولوجيا وتطوير منتجات مبتكرة تصب في صالح منظومة البحوث العلمية التي تتبناها رؤية قطر الوطنية 2030.
ودخلت قطر بوابة التقنية والبحث العلمي بإطلاقها القمر الصناعي القطري (سهيل 1) حيث تم إطلاقه في 29 أغسطس 2013، وتهدف قطر من إطلاق القمر السيطرة على البث الفضائي لقنواتها بعيدا عن المضايقات وما قد تتعرض له قنواتها من تشويش على بثها الفضائي، حيث اشتمل القمر الجديد على أحدث تقنيات البث الفضائي والاتصالات وخدمات الإنترنت، في إطار خطة (قطر 2030). مما سيُساعد دعم وزيادة قدرات الاتصال من خلال البث بصيغة فائقة الجودة وثلاثية الأبعاد تلبي مطالب وسائل الاتصالات الفائقة التقنية التي تجهزها قطر لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022.[vi]
التحليل والتقييم العام لأقطاب الخليج
بعد استعراضنا لأبزر عناصر القوة في كافة المجالات لدى أقطاب الخليج الثلاثة نستنتج الآتي:
أن الدول الثلاث الخليجية تمتلك موقعا جغرافيا مميزاً، وتشرف على المياه الإقليمية في الشرق الأوسط من البحر الأحمر والخليج العربي لذلك هي مهمة على مستوى الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.
تمتلك الدول الخليجية الثلاث قوة اقتصادية لا تضاهى في الشرق الأوسط وإن اختلفت في طبيعة هذه القوة فمثلا السعودية تعتمد بشكل رهيب في ناتجها المحلي على النفط مع وجود بعض القطاعات الواعدة مثل الصناعة والسياحة الدينية.
بينما نجد الإمارات ذات اقتصاد متنوع إلى حد ما فالقوة الاقتصادية الإماراتية لا تعتمد على النفط بشكل كبير إنما استطاعت أن تخترق الجدار الاقتصادي التقليدي لدول الخليج وأن تبني إمبراطورية اقتصادية خدماتية في مجال الطيران والتجارة والاتصالات وإدارة الموانئ بالإضافة للقطاع العقاري.
لكن قطر مازال اقتصادها ناشئ في المجالات الغير نفطية، فأغلب ايرادتها من الغاز التي تمتلك احتياطات ضخمة منه على مستوى العالم، مع وجود استثمارات لا بأس بها في مجال الإعلام والطيران والاتصالات.
على مستوى القوة العسكرية، انعكست الحالة الاقتصادية الجيدة للدول الثلاث وبالأخص مع الارتفاعات المتزايدة لأسعار النفط، انعكس ذلك على القوة العسكرية، فالنمو العسكري للدول الثلاث في آخر عشرين سنة يمثل أكبر نسبة نمو عسكري على مستوى العالم. وتبقى السعودية متصدرة المشهد العسكري على مستوى حجم التجنيد أو التسليح، تليها الإمارات ومن ثم قطر مع التأكيد على وجود حالة متقدمة من التسليح العسكري النوعي والمتطور على مستوى الشرق الأوسط خاصة في الحالة السعودية والإماراتية، إلا إن غياب المشاريع السياسية الداخلية والخارجية للدول الثلاث يبقي القوة العسكرية لا معنى لها ولا جدوى منها على المسار الاستراتيجي للمنطقة.
فالقوة العسكرية وحدها لا تسوى شيئاً إلا مع وجود شرعية سياسية راسخة داخلياً، وبرنامج سياسي خارجياً، وأن يكونا المسارين -الداخلي والخارجي- في حالة اتساق، وإلا فإن القوة العسكرية لن تكون إلا أداة تكتيكية قد تستفيد منها أحيانا هذه الدول في تحقيق مصالح مؤقتة ومحدودة. أما الاستفادة الإستراتيجية فلن يكون إلا بوجود العاملين السابقين الآنفة الذكر.
على المستوى النظم السياسية تتشابه هذه الدول الثلاث في نظامها السياسي، ومازال أيضا مسار الإصلاح السياسي الداخلي لهذه الدول يسير بطريقة بطيئة جداً، وأحيانا ينعكس في الاتجاه المضاد للإصلاح. إلا إنه يجب أن ندرك أن هذه الدول تحتاج للإصلاح السياسي لكن ليس بالضرورة أن تسير في مسار الإصلاح والتغيير الذي مرت به دول أخرى عربية، فالتمايز في طبيعة النظم السياسية (الملكية والجمهورية) والحالة الاقتصادية المتقدمة بعض الشيء كل ذلك يجعل من هذه الدول ذو طبيعة مختلفة وبالتالي فإنها تحتاج لإصلاح وتغيير بمسار مختلف قد يكون أقرب للتجربة البريطانية في الإصلاح السياسي.
بشكل عام يمكن القول أن الأقطاب الثلاث لدول الخليج تتشارك منطقة جغرافية واحدة، تتمايز بعض الشيء في القوة الاقتصادية وطبيعة الأنشطة الاقتصادية لها، لكنها تتشابه في النظام السياسي ومتقاربة في بعدها عن الإصلاح السياسي والحريات والديمقراطية، حتى وإن كانت تتمايز في المواقف الخارجية، فمصداقية دعم الديمقراطية والحرية والتغيير في الخارج هو أولاً ببدء مسار الحريات والمسار الديمقراطي داخل الدول الثلاث ذاتها، وإن كان هذا لا يمنع الاعتراف ببعض الحسنى لهذه الدول في وقوفها مع بعض مسارات التغيير والإصلاح في المنطقة.
وكما ذكرنا على الرغم من امتلاك هذه الدولة قوة عسكرية هائلة إلا إن هذه القوة تبقى محدودة الفاعلية الإستراتيجية على المستوى السياسي والعسكري وذلك بسبب غياب مشاريع الإصلاح الداخلية وغياب الرؤية السياسية الخارجية المتسقة مع مسار الإصلاح الداخلي ومسار الحرية والديمقراطية في تلك الدول الثلاث.
وتبقى التدخلات العسكرية والسياسية للدول الثلاث في المنطقة مرهونة بارتباط تلك الملفات بقوى دولية، لهذا تسعى هذه الدول الخليجية أن تمثل مصالح هذه القوى الدولية في المنطقة (سواء كان في الملف الليبي أو السوري أو حتى المصري) وتبقى هذه التدخلات الخليجية في المنطقة مرهونة بمزاج وطموح الشباب الحاكم في الخليج وشغفه بتحقيق مزيد من النفوذ وأحيانا قد يصل هذا الشغف للنفوذ إلى درجة التنافس والصراع فيما بينهم وهذا ما ينعكس على اختلاف في الرؤى والمواقف السياسية والعسكرية للدول الثلاث في بعض الملفات وخاصة الملف المصري والسوري.