إدمان «الألعاب الإلكترونية»: كيف تدفع طفلك إلى الانتحار؟
في البداية، كانت مهتمة بأن تشغل طفلها بما يُسليه بينما هي تقضي ما وراءها من واجبات منزلية. اشترت له «الآيباد» ولجأت لألعاب الفيديو ظنًا منها أنها بذلك تُنمِّي قدراته وإدراكه للأشياء من حوله. ولكنها ما لبثت أن وجدت تفاعلاته مع ما يجري من حوله تنحصر. أصبح قليل الحركة، نادر الكلام، ليس لديه الرغبة في اللعب مع أقرانه. سيطرت الألعاب على عقله في يقظته وحتى أحلامه! تحول شغفه بالألعاب إلى إدمان، ومن ألعاب «عادية» انجذب لصورها ثلاثية الأبعاد، إلى ألعاب فيديو عنيفة.
باتت تشتكي فهي لا تعرف ما الحل! «كيف أنقذ طفلي من خطر الإدمان؟ فأنا أخشى عليه وعلى مستقبله». «لم أكن أقصد إيذاء طفلي بتلك الألعاب، ظننتها في البداية وسيلة للتعرف على العالم!»
لم تكن وحدها أسيرة تلك المأساة، فكثير من الأمهات حول العالم وقعن في نفس الفخ، بل وصل الأمر مع الكثيرات منهن إلى انتحار أطفالهن تنفيذًا لأوامر ألعاب عنيفة تملكت عقولهم ووجدانهم. فرغم الفائدة التي قد تمنحها الألعاب الإلكترونية للطفل من مساهمة في تنمية العديد من الوظائف المعرفية، إلا أنه يظل لإدمانها -مع عدم وجود دور رقابي من جانب الوالدين- آثاره السلبية، التي من الواجب على كل أب وأم توخي الحذر منها ومعرفة كيفية تجنبها.
الآثار السلبية لإدمان طفلك الألعاب الإلكترونية
1. تعرض طفلك لمشاكل صحية
إذا كان طفلك يقضي جُل أوقات فراغه أمام ألعاب الفيديو، متجاهلاً وجبات الطعام، فتقل رغبته في الأكل، أو على العكس تمامًا تزداد شهيته حتى ينسى نفسه، فيتناول كميات كبيرة من الطعام. فإن هذه علامة على إدمان طفلك. قد يزيد أرقه وتقل رغبته في النوم، وبدلاً من ممارسة الرياضة أو اللعب مع أصدقائه يظل حبيس غرفته. إذ تجدينه يُفضل التركيز في ألعاب الفيديو دون سواها، وهو ما قد يجعله يعاني من السمنة في مرحلة الطفولة. وقد يتسبب الإدمان في مشاكل أخرى كآلام الظهر والصداع، وإجهاد العين، ومتلازمة النفق الرسغي. فقد يشعر طفلك بالتنميل في المعصمين واليدين والكتفين والمرفقين.
2. انحصار علاقاته الاجتماعية
قد تلاحظين على طفلك ميله نحو العزلة ورغبته في اللعب بمفرده، إذ تجدينه يقضي عددًا كبيرًا من الساعات أمام شاشة الكمبيوتر أو التلفزيون، يشاهد ألعاب الفيديو منفردًا. وقد تنعدم رغبته في الذهاب إلى النادي أو التدريب أو التفاعل مع أصدقائه باللعب أو التحدث معهم. الأمر الذي يُفقده حياته الاجتماعية بالتدريج، ويقلل من فرص خروجه واندماجه مع المجتمع وتكوين صداقات جديدة. وهو ما ينعكس سلبًا على شخصيته فيما بعد، وقد يجعله أكثر شعورًا بالوحدة وأنه شخص غير مرغوب فيه.
3. التأثير النفسي والسلوكي
تتأثر نفسية الطفل والمراهق بما يشاهده عبر الألعاب الإلكترونية العنيفة وشاشات التلفزيون. إذ قد يتولد لديه شعور بالجبن والإحساس بالخوف من كل شيء، فتهتز ثقته بنفسه. وقد يميل إلى العنف والعدوانية وتقليد ما يشاهده نتيجة التصاقه الشديد بتلك الألعاب. الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على سلامته وسلامة من حوله.
ففي دراسات أجراها دكتور «كريج أندرسون» وبعض علماء النفس، ظهر وجود صلة وثيقة بين التعرض لألعاب الفيديو العنيفة والتصرفات العنيفة التي تصدر من الأطفال، كأن يكون العنف وسيلته الوحيدة في التعبير فيدفع صديقه أرضًا؛ إذا رفض إعطاءه شيئًا أراده مثلًا.
بل وصلت بعض الأبحاث لما هو أبعد من ذلك، وربطت تلك الألعاب بظاهرة العنف والقتل التي تحدث في المدارس. لكن هذه الأبحاث تعرضت إلى نقد وتفنيد من قبل باحثين آخرين كأستاذ علم النفس والعدالة الجنائية «كريس فيرغسون»، الذي أشار عبر أبحاثه إلى عدم وجود دليل دامغ يثبت ارتباط تعرض الأطفال لألعاب الفيديو العنيفة بظاهرة القتل الجماعي.
4. تراجع المستوى الدراسي
لاشك أن الانشغال بألعاب الفيديو لساعات طويلة قد يؤثر سلبًا على أداء الطفل ومستواه الدراسي. إذ يميل إلى السهر ليلاً للعب، وبالتالي قد يواجه صعوبات في النوم. فيذهب إلى مدرسته بتركيز أقل، ويحصل في الاختبارات على نتائج أدنى من أقرانه، الذين لا يقضون الكثير من الوقت أمام هذه الألعاب أو التلفزيون. فهو في المنزل لا يرغب في مراجعة دروسه، وفي المدرسة لا يعطي التركيز الكافي لفهم ما يقوله مدرسوه.
5. التأثير الأخلاقي والتربوي والعقائدي
تروج العديد من الألعاب الإلكترونية إلى عدد من المظاهر اللاأخلاقية كالسب والشتم الذي يحدث بين المتسابقين أثناء اللعب. وقد تتضمن بعض الألعاب صورًا عارية وغير أخلاقية، كما قد تشتمل على مصادمات في العقيدة باحتوائها على أشياء منافية لها. فبعض الألعاب وحتى أفلام الكرتون تحتوي على وجود آلهة وكل إله مسئول عن أمر معين، كإله للثلج وإله مسئول عن إحياء الموتى أو الشفاء من المرض أو إنزال المطر وآخر لتسيير الرياح وإرسال الصواعق. الأمر الذي يغرس في نفس الطفل أفكارًا غير سليمة عن قضية التوحيد، إذا لم يجد من الأهل رقابة وتوضيحًا وشرحًا لأصول العقيدة بطريقة مبسطة.
أخطر الألعاب الإلكترونية المنتشرة في الوطن العربي
شهدت العديد من البلدان العربية في الآونة الآخيرة انتشار ألعاب الفيديو العنيفة التي باتت تجتاح أغلب البيوت وتشكل خطرًا كبيرًا على الأطفال، ومن أخطرها:
1.لعبة الحوت الأزرق
تعد هذه اللعبة من أخطر الألعاب الإلكترونية في العالم، إذ تسببت في وقوع العديد من الأطفال والمراهقين في فخ الانتحار تنفيذًا لأوامر اللعبة. تتكون هذه اللعبة من عدة مراحل وتحديات تستغرق خمسين يومًا. يُطلب فيها من اللاعب مشاهدة أفلام الرعب وتشويه أجسادهم بآلات حادة وتصوير أنفسهم في أوقات متأخرة من الليل. وكلما نجح الطفل في تحدٍ وصوّر نفسه كلما حظي بثقة الحوت. وبالتالي ينتقل إلى المرحلة الأكثر صعوبة. وبالوصول إلى اليوم الخمسين يُطلب منه الإقدام على الانتحار بأن يرمي نفسه من سور مبنى أو يشنق نفسه.
2. لعبة البوكيمون جو
هذه اللعبة تقوم بالأساس على بحث اللاعب عن الشخصية الافتراضية «البوكيمون جو»، بالاعتماد على خرائط حقيقية للمكان الذي يتواجد فيه. إذ يقوم بمطاردة شخصيات البوكيمون المختلفة قبل أن تختفي أثناء سيره في الشارع. الأمر الذي تسبب في وقوع عدد كبير من الحوادث بسبب عدم تركيز اللاعب في الطريق بينما هو يجري خلف البوكيمون!
3. لعبة مريم
تتميز هذه اللعبة بجو الغموض والإثارة. انتشرت في دول الخليج وتسببت في إثارة الرعب في نفوس مستخدميها وخصوصًا الأطفال. فاللعبة عبارة عن فتاة صغيرة تائهة تُدعى مريم (تشبه الشبح)، يساعدها اللاعب في العودة إلى منزلها، وفي إحدى مراحل اللعبة تطلب مريم الدخول إلى غرفة لمقابلة والدها، وفي نهاية اللعبة تُحرضه على الانتحار وإن رفض تهدده بإيذاء أهله.
4. لعبة جنيّة النار
هذه اللعبة توهم الأطفال أن بإمكانهم التحول إلى مخلوقات نارية من خلال اللعب بالنار. إذ تطلب منهم فتح غاز مواقد الطبخ في المنزل والجلوس في غرفهم بمفردهم بينما ينام جميع من في المنزل. وترديد كلمات سحرية ومن ثم حرق أنفسهم. الأمر الذي تسبب في موت العديد من الأطفال حرقًا أو اختناقًا بالغاز.
لعبة جنية النار
كيف تحمي طفلك من مخاطر الألعاب الإلكترونية؟
إن كان طفلك قد أدمن الألعاب الإلكترونية أو لم يصل إلى تلك المرحلة، وإذا كان قد وصل إلى مرحلة ألعاب الفيديو العنيفة أو ما زال في مرحلة الشغف بالألعاب الإلكترونية العادية، فإنه من الواجب عليكِ تقنين الوقت الذي يتعرض خلاله طفلك لكافة أنواع الشاشات سواءً كانت أجهزة الكمبيوتر أو التلفزيون أو الأجهزة المحمولة. أخبريه أن لديه ساعتين في عطلة نهاية الأسبوع وساعة واحدة في اليوم الدراسي بإمكانه فيها اللعب «فهل تفضلها بعد الغداء أم قبل النوم؟»
ليس هذا فحسب بل الاهتمام قبل شراء أي لعبة بالنظر إلى غلافها وقراءة إرشادات السلامة المكتوبة عليها، حول نوع اللعبة وطريقة استخدامها والعمر المناسب لها، لتجنب إيذاء طفلك بدون قصدٍ منكِ. وعليكِ أيضًا تفعيل جهاز مراقبة على مواقع الألعاب الإلكترونية كي تتعرفي على نوعية الألعاب التي يفضلها طفلك ومن ثم تتدخلين في الوقت المناسب.
ولكن لا تجعلي الوسيلة الرقابية هي وسيلتك الوحيدة، فإن الاقتراب من طفلك ومصادقته ومحاولتك مشاركته في اهتماماته، سيطمئنه وسيجعله أكثر تقبلاً لآرائك. فمثلاً: إن أردتِ قول «لا» على لعبة أحبها طفلك وأنتِ تجدين فيها لعبة عنيفة أو مخالفة للأعراف أو تحث على سلوكيات تنافي الأخلاق، فعليكِ التحدث معه كصديق، بأن تخبريه برأيك في هذه اللعبة ولماذا لا ترغبين في أن يلعبها. حاولي أن تبتعدي عن الطريقة التحكمية، وأشعريه أنكِ تحترمين خياراته حتى لا يتجه إلى العند ويصبح تمسكه باللعبة عندًا بالمقام الأول.
اقترحي عليه اللعب بأشياء أخرى، كأن تذهبا سويًا إلى متجر الألعاب التي تهتم ببيع ألعاب تنمية الذكاء، واطلبي منه أن يختار ما يشاء. شاركيه في اللعب التي تنمي الخيال والذكاء والإبداع. علميه الرسم وحب التلوين. إقرئي له قصصًا مسلية وكرريها على مسامعه أكثر من مرة واطلبي منه أن يحكيها إليكِ بطريقته.
اجعليه يشارك أصدقاءه الألعاب الجماعية ممن ليس لديهم شغف بالألعاب الإلكترونية. شجعيه أيضًا على ممارسة الرياضة التي تحافظ على رشاقة جسمه، وهو ما سيساعده في إخراج الطاقة الكامنة بداخله في أشياء مفيدة بعيدًا عن إخراجها في لعبة عدوانية. عوديه على مشاركتك في الأعمال المنزلية بطريقة تنافسية «من سينتهي أولاً». حاولي ألا تجعلي عالمه محصورًا داخل جهاز يتحكم فيه ويؤذيه، اجعليه يرى الحياة ويتعلم أن الحياة الواقعية أجمل وأكثر مرحًا.