يتابع مئات الملايين حول العالم مسلسل «Game of Thrones» بشغف، وهو مسلسل مبني على السلسلة الروائية «A Song of Ice and Fire» للكاتب الأمريكي «جورج آر. آر مارتن»؛ مسلسل أطلقت شبكة H.B.O الترفيهية الأمريكية أولى حلقات موسمه الثامن مؤخرًا.

لاحظ عديد من النقاد والمشاهدين منذ البداية تأثر مارتن بالأسلوب الأسطوري والملحمي للكاتب البريطاني جون آر. تولكين صاحب العمل الأدبي الملحمي الشهير «The Lord of the Rings» الذي بنيت عليه سلسلة الأفلام الهوليودية الشهيرة المعروفة بالاسم نفسه، ولكن ما لا يعرفه بعض جمهور المسلسل هو العناصر الكثيرة التي يضمها المسلسل وتعود إلى التاريخ الأوروبي في العصر الوسيط وإلى عالم الأساطير الإغريقية والنوردية.


حرب الوردتين

رسم تاريخي لإحدي معارك حرب الوردتين

أبرز الأحداث التاريخية التي ألهمت رواية «أغنية الثلج والنار» هي «حرب الوردتين»، وهي حرب أهلية استمرت لثلاثة عقود في إنجلترا بين عامي 1455–1485، بين عائلتي لانكستر ويورك المتصارعتين على عرش إنجلترا.

يمكن النظر للعديد من الشخصيات في الرواية والمسلسل كرموز لعدد من الشخصيات التاريخية البارزة في تلك الحرب، كشخصية نيد ستارك وابنه روب ستارك اللذيْن يمثّلان شخصيتي الدوق ريتشارد يورك وابنه الملك إدوارد الرابع، وشخصية الملكة سيرسي التي تمثّل شخصية الملكة مارجريت أنجو زوجة الملك ريتشارد السادس.

في إطار المقارنات بين العمل الدرامي والتاريخ، نلاحظ كذلك التشابه الجزئي حتى في اختيار الأسماء بين «لانكستر» و «لانيستر»، والاسم الأخير هو اسم عائلة الملكة سيرسي وأخويها جيمي وتيريون في المسلسل، وهي العائلة التي دخلت في صراع مع عائلة ستارك على عرش الممالك السبعة بعد موت الملك روبرت براثيون. في المقابل، تعد أبرز شخصيات عائلة ستارك في المسلسل رموزًا لشخصيات رئيسية من عائلة يورك غريمة عائلة لانكستر.

تعود تسمية تلك الحرب التاريخية التي اقتبست منها قصة الرواية والمسلسل باسم «حرب الوردتين» إلى الأديب الأسكتلندي السير والتر سكوت الذي استخدم تلك التسمية في روايته «Anne of Geierstein» بناءً على مشهد مقتبس من المسرحية الكلاسيكية الشهيرة «هنري السادس» للكاتب الإنجليزي وليم شكسبير، ويصوّر هذا المشهد اتخاذ النبلاء من أنصار الطرفين الورود من حديقة الكنيسة لتمييز أنفسهم، حيث اتخذ أنصار عائلة لانكستر الورود الحمراء رمزًا لهم، واتخذ أنصار عائلة يورك الورود البيضاء.

بعد فوز عائلة لانكستر في معاركها ضد عائلة يورك، وصل هنري تيودور إلى سدة الحكم وأنهى الحرب تمامًا بين العائلتين من خلال زواجه من الأميرة إليزابيث ابنة الملك إدوارد الرابع، ومن تلك اللحظة بدأ عصر ملكي جديد وسلاسة حكم جديدة في إنجلترا حكمت البلاد لمدة 118 عامًا، تنتسب مباشرة إلى الملك تيودور.

بسبب كثرة عدد القتلى في طبقة النبلاء الإقطاعية في تلك الحرب، يعتقد بعض المؤرخين أن تلك الحرب أثّرت على استقرار بنية المجتمع الإقطاعي الذي انقسم على نفسه بشدة خلال تلك الحرب، ووحدت من جهة أخرى مصالح طبقة التجار، وهو ما بشر بنهاية العصور الوسطى في إنجلترا، ومهّد لعصر الميركنتالية (التجار) الذي مهّد بدوره لعصر الثورة الصناعية وتوسع الإمبريالية البريطانية.


سور هادريان

العنصر التاريخي الثاني الأكثر تأثيرًا في قصة جورج آر. آر مارتن ومن ثم مسلسل «صراع العروش» هو «سور هادريان»، وهو السور الذي بناه الإمبراطور الروماني هادريان في إنجلترا بغرض حماية حدود الإمبراطورية الرومانية من هجمات القبائل غير المتحضرة التي كانت تسكن في شمال أسكتلندا.

الإسقاط الأدبي لسور هادريان في سلسلة روايات «أغنية الثلج والنار» نجده تحديدًا في الجدار الجليدي الذي يفصل الجزء الشمالي من قارة ويستروس الخيالية عن المنطقة التي كان يسكنها الهمج أو الشعب الحر « The Free Folk»، حيث كان دور هذا الجدار هو حماية ويستروس من هجمات هؤلاء القوم والمخلوقات الأسطورية كالموتى السائرين.

https://www.youtube.com/watch?v=kGcKOXk9Qbs

يرجع بناء سور هادريان إلى عام 122 بعد الميلاد، وكان يمتد من ضفاف نهر تاين بالقرب من بحر الشمال إلى لسان سولواي البحري على البحر الأيرلندي وكان يعد بمثابة الحد الشمالي للإمبراطورية الرومانية.

يتألف سور هادريان من عدد من القلاع والأبراج والحصون والخنادق والجدر الحجرية الممتدة من الشمال إلى الجنوب على امتداد 73 ميلًا (117.5 كيلومترًا) في شمال إنجلترا، ويعد الجدار من أكبر المعالم الأثرية الرومانية الباقية في وقتنا الحاضر، وقد تم تصنيفه كأحد مواقع التراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو في عام 1987.


سرديات مستوحاة من عالم الأساطير في «Game of Thrones»

حرب الوردتين, صراع العروش

أهم المفردات الأسطورية في رواية «أغنية الثلج والنار» هي شخصية «أزور آهاي» التي هي أقرب ما تكون إلى شخصية المخلص كما توجد في الأديان كالمسيحية واليهودية؛ تلك الشخصية التي كانت تعيش في الماضي بحسب الرواية وستعود في المستقبل لتحمي العالم من الموتى السائرين. وهناك العديد من النظريات التي صاغها عشاق المسلسل حول هوية تلك الشخصية المتوقع ظهورها في الأحداث المقبلة خلال المسلسل؛ الشخصية الأبرز في توقعات المشاهدين والنقاد هي شخصية «جون سنو» التي يؤديها الممثل الإنجليزي جون هارينغتون.

أزور آهاي هو محارب من زمن قديم انتصر على الظلام في معركة كبيرة بينما كان يحمل سلاحًا سحريًا باركه الإله الأسطوري المعروف في الرواية بـ «رب النور» أو «إله النار». هناك نبوءة بأنه سيولد من جديد، وهنا تأتي التكهنات للموسم المقبل.

قال مارتن إنه طور فكرة عقيدة «إله النار» في روايته من الديانة الزرادشتية، وهي الديانة الفارسية القديمة المعروفة لدى العرب بالمجوسية، وهي ديانة تولي أهمية مطلقة في طقوسها للنار على النحو ذاته الذي استنسخه مارتن في رسمه لشخصيه ما يدعى بإله النور والنار في عمله الروائي.

بالتأكيد، يعرف أيضًا من تابع حلقات المسلسل في الأجزاء السابقة شخصية الأميرة «شيرين براثيون»، ابنة ستانس براثيون شقيق الملك روبرت براثيون، التي كانت تعاني من تشوه في وجهها بسبب مرض جلدي غريب، وتم إحراقها كأضحية بشرية بطلب من الإله الأسطوري في المسلسل على أمل إزالة العاصفة الثلجية التي كانت تمنع جيش أبيها من اقتحام وينترفيل.

https://www.youtube.com/watch?v=b48fWaLvLyI

يبدو مارتن هنا أيضًا متأثرًا بملحمة «الإلياذة» الإغريقية الشهيرة التي تروي أحداثها غضب الإلهة الأسطورية «أرتميس» (Artemis) من الجيش اليوناني الذي كان يستعد للإبحار إلى طروادة، حيث حرمتهم من الرياح الضرورية للإبحار.

كان السبيل الوحيد لإرضاء Artemis كما جاء في تلك التراجيديا الإغريقية هو التضحية بابنة القائد اليوناني أجاممنون المدعوة «إيفيجينيا» عبر إحراقها قربانًا لتلك الإلهة الأسطورية، بنفس الطريقة التي جرى بها إحراق الأميرة شيرين براثيون في مسلسل «لعبة العروش».

لا تنتهي الأمور بشكل جيد بالنسبة لأجاممنون بعد حرب طروادة على الرغم من التضحية بابنته وحصول جيشه على رياح مواتية، إذ قتلته زوجته عندما عاد إلى المنزل؛ على النحو ذاته الذي جرى مع ستانيس براثيون الذي يموت مقتولًا هو الآخر بعد خسارته الحرب.