رحل عن عالمنا اليوم الفنان الكبير «جمال قطب» عن عمر يناهز 86 عامًا، كان له الحظ الوفير فيه أن واكب رموز الفكر والأدب والفن من «طه حسين»، و«العقاد»، و«بنت الشاطئ»، و«زكي نجيب محمود»، إلى «يوسف إدريس» وكل النجوم اللامعة في سماء الفكر والأدب. كما اقترن اسمه باسم أديب نوبل «نجيب محفوظ» وقد عكس بالصورة التشكيلية دنياه وعالمه الروائي، وعبر عن هذا العالم بلمسة أنيقة تنتمي للواقعية التعبيرية.


الموهبة الكامنة

ولد جمال قطب في الغربية عام 1930م، وبدأت موهبته في الرسم تتفتح عندما شجعه أخيه الأكبر بأن أحضر له ألوان وأدوات الرسم، فتميز وتألقت موهبته وحصد الجوائز المالية في المسابقات المدرسية. ثم تعرف في مكتبة المدرسة الثانوية بطنطا على المجلات الأمريكية والفرنسية والتي منها تأثر بالفنانين الأمريكى «نورمان روكويل» الذي تعلم من مراقبته تكنيك رسم البورتريه،والإيطالي «والتر مولينو» والذي تعلم منه أهمية ديناميكية الحركة في العمل الفني، لقد كانوا بحق فنانين كبار فقد كانت لوحاتهم تنشر في عشر مجلات في وقت واحد، فمثلوا بالنسبة له العالم السحري الذي جذبه ومهد لدخوله كلية الفنون الجميلة.

وبالفعل درس التصوير في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، وبينما هو في عامه الدراسي الأول بالكلية أعلنت «دار الهلال» عن مسابقة لتعيين رسامين، فدخل المسابقة وتفوق حتى على المعيدين بالكلية الذين نافسوه في المسابقة وفاز قطب بالوظيفة، وبدأ رحلته في عالم الصحافة وأفردت له صفحات المصور، وكان الوحيد بعد أستاذه الفنان الكبير «الحسين فوزي» الذي ينشر رسومه على صفحتين فضلًا عن الغلاف في «دار الهلال»، كما صاحبت رسومه قصة العدد بمجلة «حواء»، ثم عُين المستشار الفنى لدار الهلال، فنشر رسومه في جميع مطبوعاتها والتي بلغت عشر مجلات، كما عُين مستشارا لدار «مصر للطباعة والنشر».


«كتبي أمانة لديك»

من روايات نجيب محفوظ التي رسمها جمال قطب
من روايات نجيب محفوظ التي رسمها جمال قطب

كانت هذه وصية «نجيب محفوظ» لـ«جمال قطب» رسام دار مصر للطبع والنشر، الذي عمل قرابة نصف قرن على تصميم أغلفة كتب كبار الكتاب العرب فقد صاحبت رسومه كتب «إحسان عبد القدوس»، و«يوسف إدريس»، و«ثروت أباظة»، و«يوسف السباعي»، و«عبد الحميد جودة السحار» ، و«عبد الحليم عبد الله»، وغيرهم. فهل كان جمال قطب محظوظًا بمصاحبة رسومه لنصوص هؤلاء العظام، أم أن المستفيد هنا كان القارئ الذي رأى شخصيات كتابه الكبار رؤى العين في رسوم تجعل الكلمات تنبض بالحياة وتتجسد على صفحات الكتب؟

لخص جمال قطب فلسفته الفنية في أعماله قائلا «أعمالي في كل بيت فأنا أرسم للناس البسطاء ولذلك يجب أن يكون أسلوبي مفهومًا لديهم، أنا أختلف عن فنان المعرض، كل لوحة لي يراها الملايين، فالصحافة تذهب للناس، وهي معرض يومي لي، أسلوبي يجب أن يكون موازيًا وموضحًا للدراما ويحولها إلى صور بصرية» ولعل فلسفة قطب هذه ما ميزت أعماله التوضيحية بالصحف والكتب حيث ظهرت رسومه المصاحبة للنصوص الأدبية كما لو كانت لوحات تشكيلية مستقلة، وليس رسومات توضيحية بمجلة أو كتاب.


رسام المتاحف

متحف دارة الملك عبد العزيز

في عام 1963م تم تكليف جمال قطب بإقامة متحف «دارة الملك عبد العزيز» بالسعودية، فذهب لليابان ودرس كيفية صناعة متحف من تفاصيل التاريخ، وقضى بها ثلاثة شهور وتعلم كيفية صناعة اللوحات الضخمة من الدراما التاريخية، فذهب للأماكن التي حارب فيها الملك، وقام بتسجيل التراث الخليجي في لوحات بانورامية ضخمة تحكي تاريخ الملك عبد العزيز، وبعد نجاح تجربة متحف السعودية، طُلب منه تأسيس متاحف أخرى في دول الخليج، فكلف بإقامة متاحف في الإمارات، والبحرين، وقطر.


أدب التذوق الفني

متحف دارة الملك عبد العزيز
متحف دارة الملك عبد العزيز

قدم جمال قطب للمكتبة العربية مجموعة هامة من الكتب التي تناقش الفن التشكيلي وقضايا التذوق الفني أهمها كتابه «ملهمات المشاهير» الذي حصد جائزة معرض القاهرة الدولي عام 1994، وكتبه «روائع الفن العالمي»، و«الفن والحرب»، و«ملهمات في الفن والتاريخ»، وكتابه الهام جدًا «التأثيرية والفن الحديث». كما أبدعت ريشته «موسوعة المشاهير» التي أعدها الكاتب والناشر الأديب «سعيد جودة السحار» وتناول فيها عددًا من الشخصيات المرموقة عبر المسيرة الإنسانية في كل زمان ومكان، ممن وضعهم التاريخ في دائرة الضوء، فنرى من بينهم العباقرة المبدعين، والحكام، والقادة، والأبطال، والمصلحين. كما حاضر جمال قطب في جامعة قطر وعمل خبيرًا للفنون بها، وأستاذا لمادتي «التذوق الفني» و«تاريخ الفن» بأكاديمية الفنون بالقاهرة.

إن جمال قطب ليس مجرد فنان تشكيلى أو رسام صحفي، هو بحق تاريخ من الفنون الجميلة شاهد على قرن من الجمال عاش معظمه فناننا الكبير يعطي فيه ويبدع ويرسم ملاحمه العبقرية، معتنقًا رسالة الأدب والفنون الجميلة في ترقية البشر وتربية النفوس، حتى أن آخر وصاياه هي ضرورة الاعتناء بطالب الفنون ورعايته من الطفولة وتعهده بالتدريب اللازم في الأكاديميات الفنية المتخصصة، فقد كان يعي دور الفن التشكيلي الذي أعطى مصر ثقلها الإقليمي وعمقها الثقافي في المنطقة.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.

المراجع
  1. حوار مع الفنان جمال قطب أجراه جمال هلال لمجلة صباح الخير بتاريخ 9 مارس 2010