محتوى مترجم
المصدر
UniverseToday
التاريخ
2017/03/10
الكاتب
مات وليامز

فكرة إعادة تأهيل المريخ – المعروف بـ «توأم الأرض»- هي فكرة فاتنة. فبين إذابة الجليد القطبي، والخلق البطيء لغلاف جوي، ثم هندسة البيئة كي تحوي نباتاتٍ وأنهارًا ومسطحاتٍ مائية دائمة، يوجد ما يكفي لإلهام الجميع تقريبًا! لكن كم من الوقت بالضبط ستستغرقه محاولة كهذه، وما الذي ستكلفنا إياه، وهل هي حقًا استخدام فعّال لوقتنا وطاقتنا؟

تلك كانت الأسئلة التي تعاملت معها ورقتان عمليتان جرى تقديمهما في ورشة عمل «تصوّر العلوم الكوكبية 2050» بـ ناسا منذ فترة (الاثنين 27 فبراير – الأربعاء 1 مارس). الأولى، تحت عنوان «الجدول الزمني لإعادة التأهيل»، قدّمت خطةً تجريديةً لتحويل الكوكب الأحمر إلى مكان أخضر وصالح للسكنى. والثانية، بعنوان «إعادة تأهيل المريخ – الطريق الخطأ»، ترفض فكرة إعادة التأهيل بالكامل وتقدم بديلا.

قدّم الورقة الأولى آرون بيرلينر من جامعة كاليفورنيا بـ بيركلي، وكريس ماكاي من قسم علوم الفضاء بمركز أبحاث آميس التابع لناسا. في ورقتهما، عرض الباحثان جدولا زمنيًا لإعادة تأهيل المريخ، يشمل مرحلة تدفئة ومرحلة أكسجة، بالإضافة لكل الخطوات الضرورية التي ستسبق وتتبع ذلك.

كما يقولان في مقدمة ورقتهما:

«يمكن تقسيم إعادة تأهيل المريخ إلى مرحلتين. المرحلة الأولى هي تدفئة الكوكب من متوسط درجة حرارة السطح الحالية البالغة -60° سلزيوس إلى قيمة قريبة من متوسط درجة حرارة الأرض أيْ +15° سلزيوس، وإعادة خلق غلاف جويّ سميك مشبَّع بثاني أكسيد الكربون. مرحلة التدفئة هذه سهلة وسريعة نسبيًا، ويمكن أن تستغرق حوالي 100 عام. المرحلة الثانية هي إنتاج مستويات من الأكسجين في الغلاف الجوي تتيح للبشر والثدييات الكبيرة الأخرى التنفس بشكل طبيعي. مرحلة الأكسجة هذه صعبة نسبيًا وستستغرق 100000 عام أو أكثر، ما لم نفترض حدوث قفزة تكنولوجية».

قبل بدء هاتين المرحلتين، يعترف بيرلينر وماكاي بأنه ينبغي اتخاذ خطوات مسبقة معينة. وتشمل تفحّص بيئة المريخ لتحديد مستويات المياه على السطح، ومستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وفي صورة جليدية في المناطق القطبية، وكمية النترات في التربة المريخية. كما يفسّران، كل هذه الخطوات أساسية لتقرير المنطقية العملية لصنع محيط حيوي على المريخ.

إلى الآن، تشير الدلائل المتاحة إلى وجود العناصر الثلاثة بوفرة على المريخ. مع أن أغلب مياه المريخ حاليًا في صورة جليدية في المناطق القطبية، إلّا أن هناك ما يكفي لدعم دورة مائية كاملة بالسحب والمطر والأنهار والبحيرات. بينما، تزعم بعض التقديرات أنه يوجد ما يكفي من ثاني أكسيد الكربون في صورة جليدية في المناطق القطبية لصنع غلاف جوي مساوٍ للضغط عند مستوى سطح البحر على الأرض.

النيتروجين أيضًا مطلب أساسي من أجل الحياة ومكوّن ضروري لغلاف جوي صالح للتنفس، والبيانات الجديدة التي جمعتها عربة كيوريوسيتي روفر تشير إلى أن النترات تمثل حوالي 0.03 بالمائة من كتلة التربة على المريخ، وهذا مشجِّع على إعادة التأهيل. وفوق هذا، على العلماء معالجة أسئلة أخلاقية معينة مرتبطة بتأثير إعادة التأهيل على المريخ.

استعمار المريخ كما تتخيله شركة SpaceX

على سبيل المثال، إن كانت توجد أيّة حياة حاليًا على المريخ (أو حياة يمكن إنعاشها)، فسيمثل هذا معضلة أخلاقية لا ريب فيها بالنسبة للبشر المستعمِرين – خصوصًا إذا كانت هذه الحياة قريبة للحياة على الأرض. كما يشرحان:

«إذا كانت الحياة المريخية قريبة للحياة على الأرض – ربما بسبب التبادل النيزكي Meteorite Exchange – إذن فالموقف مألوف، ويجب التعامل مع قضايا بخصوص أيّ نوع من الحياة الأرضية نُدخِله للمريخ ومتى. مع ذلك، إذا كانت الحياة المريخية غير قريبة للحياة على الأرض وتمثل بوضوح أصلا آخر للحياة، إذن ستُطرح قضايا تقنية وأخلاقية ضخمة».

لشرح المرحلة الأولى – «مرحلة التدفئة» – بإيجاز، يوجهنّا المؤلفان إلى قضية مألوفة لنا اليوم. فأساسًا، نحن نغير مناخنا هنا على الأرض بإدخال ثاني أكسيد الكربون و«أقوى غازات الدفيئة Super Greenhouse Gases» في الغلاف الجوي ما يرفع متوسط درجة حرارة الأرض بمعدل درجات مئوية كثيرة كل قرن. وفي حين أن هذا لم يكن مقصودًا على الأرض، يمكن إعادة توجيه ذلك على المريخ لتدفئة البيئة بتعمّد.

«المدى الزمنى لتدفئة المريخ بعد جُهدٍ مُركَّزٍ لإنتاج أعلى الغازات الدفيئة قصيرٌ، حوالي 100 عام فقط» كما يقولان، «لو تمكنّا من احتباس كل الطاقة الشمسية الساقطة على المريخ بكفاءة 100%، فسيكون المريخ دافئًا بدرجة حرارة الأرض في حوالي 10 سنوات. مع ذلك، كفاءة تأثير الصوبة الزجاجية حوالي 10% فقط، بالتالي سيكون الوقت الذي تستغرقه تدفئة المريخ حوالي 100 عام».

الجليد على أقطاب المريخ بعدسة مهمة ناسا Mars Odyssey mission

بمجرد صنع هذا الغلاف الجوي السميك، تتضمن الخطوة التالية تحويله إلى شيء يستطيع البشر تنفسه – حيث تكون مستويات الأكسجين مساوية لحوالي 13% من الضغط الجوي عند مستوى سطح البحر هنا على الأرض ومستويات ثاني أكسيد الكربون أقل من 1%. هذه المرحلة، المعروفة بـ «مرحلة الأكسجة»، ستستغرق وقتًا أطول بكثير. ومرة أخرى، يتجهان إلى مثال أرضي لتوضيح كيف يمكن أن تنجح عملية كهذه.

يقولان إنه، هنا على الأرض، المستويات العالية لغاز الأكسجين والمستويات المنخفضة لثاني أكسيد الكربون سبّبها البناء الضوئي Photosynthesis. تعتمد هذه التفاعلات على طاقة الشمس لتحويل المياه وثاني أكسيد الكربون إلى كتلة حيوية – وهو ما تمثله معادلة H²O + CO² = CH²O + O². وكما يوضحان، ستستغرق هذه العملية ما بين 100000 و170000 عام:

«لو استُخدمت كل أشعة الشمس الساقطة على المريخ بفعالية 100% لإجراء هذا التحويل الكيميائي فسيستغرق 17 عامًا فقط لإنتاج مستويات عالية من الأكسجين. مع ذلك، الفاعليةُ المحتملةُ لأي عملية تستطيع تحويل الماء وثاني أكسيد الكربون إلى كتلة حيوية وأكسجين أقلُ بكثير من 100%. المثال الوحيد لدينا على عملية تستطيع إجمالا تبديل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين لكوكب بكامله هو البيولوجيا العالمية global biology. على الأرض، فاعلية المحيط الحيوي العالمي في استخدام أشعة الشمس لإنتاج كتلة حيوية وأكسجين هي 0.01%. بالتالي، المدى الزمني لإنتاج غلاف جوي غنيّ بالأكسجين على المريخ هو 10000 x 17 عام، أو 170000 عام تقريبًا».

مع ذلك، يأخذان بعين الاعتبار البيولوجيا الاصطناعية والتكنولوجيات الحيوية الأخرى، التي يزعمان أنها تستطيع رفع الفاعلية وإنقاص المدى الزمني إلى 100000 عام فقط. بالإضافة، إن استطاع البشر استخدام البناء الضوئي الطبيعي (الذي له فاعلية عالية نسبيًا تبلغ 5%) على الكوكب بكامله – أي زراعة النباتات في كل أنحاء المريخ –يمكن إذن إنقاص المدى الزمني إلى بضعة قرون.

أخيرًا، يحددان الخطوات التي يجب اتخاذها للبدء في المشروع. تشمل هذه الخطوات مواءمة المهمات الروبوتية الحالية والمستقبلية لتقييم موارد المريخ، والنماذج الرياضية والحاسوبية التي تستطيع فحص العمليات المعنية، ومبادرة لخلق كائنات اصطناعية من أجل المريخ، ووسائل لاختبار تقنيات إعادة التأهيل في بيئة محدودة، واتفاقية كوكبية تضع قيودًا وحمايات.

بالاقتباس من كيم ستانلي روبنسون، مؤلف ثلاثية المريخ الأحمر، (روايات الخيال العلمي العظيمة عن إعادة تأهيل المريخ) يطلقان دعوة للبدء. مشيرين إلى ما ستستغرقه عملية إعادة تأهيل المريخ من وقت طويل، ومؤكدين أنه «ربما ينبغي علينا البدء الآن».

وعلى هذا، فاليري ياكوفليف – عالم فيزياء فلكية وهيدروجيولوجيا من مختبر جودة المياه بـ خاركوف، أوكرانيا – يقترح وجهة نظر مخالفة. في ورقته، «إعادة تأهيل المريخ – الطريق الخطأ»، يدعو إلى صنع محيطات حيوية فضائية في المدار الأرضي المنخفض Low Earth Orbit تعتمد على الجاذبية الاصطناعية (مثل مستعمرة أونيل سيلندر الفضائية) لتتيح للبشر الاعتياد على الحياة في الفضاء.

بالنظر إلى واحد من أكبر التحديات في موضوع استعمار الفضاء، يشير ياكوفليف إلى الخطر الذي قد تمثله الحياة على القمر أو المريخ بالنسبة للمستعمرين البشر. بالإضافة لتعرضهم للتأثر بالإشعاع الشمسي أو الكوني، سيضطر المستعمرون للتعامل مع جاذبية أقل بكثير جدًا. في حالة القمر، ستكون حوالي 0.165 مرة من تلك التي يتعرض لها البشر هنا على الأرض (تسارع الجاذبية هناك يساوي 1)، بينما على المريخ ستكون حوالي 0.376 مرة.

مشهد داخلي لأسطوانة/مستعمرة أونيل

الآثار طويلة الأجل لهذا غير معروفة، لكن من الواضح أنها ستتضمن ضمور العضلات وفقدان العظام. بالنظر لأبعد، من غير الواضح تمامًا كيف سيتأثر الأطفال المولودون في أيّ من البيئتين. متحدثًا عن الطرق التي يمكن بها تخفيف هذه الآثار (والتي تشمل الطب وأجهزة الطرد المركزي)، يشير ياكوفليف إلى أنها ستكون غير فعّالة في الغالب:

«الأمل في التطور الطبي لن يُبطل تدهور العضلات والعظام والكائن بكامله. إعادة التأهيل داخل أجهزة الطرد المركزي هي حل أقل ملاءمة مقارنة بمحيط حيوي داخل سفينة فضائية حيث من الممكن توفير محاكاة مستقرة نسبيًا للجاذبية الطبيعية ومركّب الحماية Protection Complex من أيّ تأثيرات ضارة للبيئة الفضائية. إن كان الطريق لاستكشاف الفضاء هو صنع مستعمرة على المريخ ثم المحاولات اللاحقة لإعادة تأهيل الكوكب، فسيؤدي هذا إلى خسارة غير مبررة للوقت والمال ويزيد من المخاطر المعروفة للحضارة البشرية».

بالإضافة، يشير إلى تحديات خلق البيئة النموذجية لمن يعيشون في الفضاء. فزيادةً على مجرد صنع مركبات أفضل وتطوير وسائل تدبير الموارد الضرورية، توجد أيضًا الحاجة لخلق البيئة الفضائية النموذجية للعائلات. ويتطلب هذا أساسًا تطوير مساكن نموذجية من حيث الحجم والاستقرار والراحة.

في ضوء هذا، يقدم ياكوفليف ما يعتبره التوقعات الأكثر احتمالا لخروج البشرية إلى الفضاء من الوقت الحالي وحتى 2030. سيتضمن هذا صنع المحيط الحيوي الفضائي الأول بجاذبية اصطناعية، ما سيؤدي إلى تطورات رئيسية من ناحية تكنولوجيا المواد الخام، ونظم دعم الحياة، والأنظمة الروبوتية، والبنية التحتية الضرورية لإنشاء وخدمة المساكن في المدار الأرضي المنخفض.

أسطوانة/مستعمرة أونيل من الخارج

يمكن خدمة هذه المساكن بفضل صنع المركبات الفضائية الروبوتية القادرة على تجميع الموارد من الأجرام القريبة، كالقمر والأجسام القريبة من الأرض Near-Earth Objects. لن تزيل هذه الفكرةُ الحاجةَ إلى وسائل حماية الكواكب فحسب، ونعني بهذا المخاوف من تلويث المحيط الحيوي بالمريخ (بافتراض وجود حياة بكتيرية)، بل أيضًا ستتيح للبشر الاعتياد على الفضاء بتدرج أكبر.

كما قال ياكوفليف لموقع Universe Today عبر البريد الإلكتروني، يمكن تفصيل مميزات المساكن الفضائية في أربع نقاط:

«1. هذه وسيلة عالمية لترويض الفضاءات اللانهائية للكون، داخل النظام الشمسي وخارجه. لسنا في حاجة إلى أسطح لإقامة المساكن، بل إلى موارد تنقلها الروبوتات من الكواكب والأقمار الصناعية.

2. إمكانية صنع موطن أقرب ما يكون إلى المهد الأرضي تتيح لنا الهروب من التحلل الجسدي الحتمي في جاذبية مختلفة. كما أنه من الأسهل صنع مجال مغناطيسي وقائي.

3. التنقل بين العوالم ومصادر الموارد لن يكون بعثة خطيرة بل حياة عادية. فهل مستحسن للملاحين أن يكونوا بغير عائلاتهم؟

4. احتمالية موت أو انحلال النوع الإنساني كنتيجة لكارثة عالمية قلّت كثيرًا، لأن الاستعمار يتضمن الاستطلاع وتوصيل الأدوات والنقل المكوكي للبشر، وهذا يستغرق وقتًا أطول بكثير من إنشاء محيط حيوي في مدار القمر. دكتور ستيفن ويليام هوكينج على صواب، لا يملك المرء الكثير من الوقت».

وبمجرد إحلال المساكن الفضائية في مواضعها يمكن البدء بأبحاث علمية مصيرية جدًا، ويندرج تحت هذا البحثُ الطبي والبيولوجي الذي سيشمل أول الأطفال المولودين في الفضاء. سييسر أيضًا تطوير مكوكات فضائية موثوقة وتكنولوجيات لاستخراج الموارد، والتي ستفيد لدى استعمار الأجرام الأخرى، كالقمر والمريخ وحتى الكواكب الخارجية.

في النهاية، يعتقد ياكوفليف أن المحيطات الحيوية الفضائية يمكن إنجازها خلال إطار زمني معقول – أيْ بين 2030 و2050 – وهو ما ليس ممكنًا ببساطة مع إعادة التأهيل. مستشهدًا بالوجود والقوة المتنامية لقطاع الفضاء التجاري، يعتقد ياكوفليف أيضًا أن الكثير من البنية التحتية المطلوبة موجود بالفعل (أو في مرحلة التطوير).

«بعد أن نتغلب على الجمود الفكري +20 عامًا، المحيط الحيوي التجريبي (كاستيطان أنتاركتيكاlike the settlement in Antarctica with watches)، خلال 50 عامًا سيكبر الجيل الأول من الأطفال المولودين في الكون وستتضاءل الأرض، لأنها ستصير بكليّتها جزءًا من الأساطير .. كنتيجة، ستُلغى إعادة التأهيل. وسيفتح المؤتمرُ اللاحقُ الطريقَ أمام الاستكشاف الحقيقي للكون. أنا فخور لأنني على الكوكب ذاته مع إلون ماسك. ستكون صواريخه مفيدة في رفع تصاميم المحيط الحيوي الأول من المصانع القمرية. هذه طريقة قريبة ومباشرة لغزو الكون».

بوجود علماء ناسا ورجال الأعمال كإيلون ماسك وباس لاندروب المتطلعين إلى استعمار المريخ في المستقبل القريب، وشركات طيران الفضاء الجوي المطوِّرة للمدار الأرضي المنخفض، من الصعب التنبؤ بحجم وشكل مستقبل البشرية في الفضاء. ربما سنقرر مسارًا يأخذنا إلى القمر والمريخ وما هو أبعد. ربما سنرى أن من الأفضل توجيه جهودنا نحو الفضاء القريب من الأرض Near-Earth Space.

أو ربما سنجد أنفسنا منطلقين في اتجاهات متعددة معًا. بينما سيؤيد البعض صنع مساكن فضائية في المدار الأرضي المنخفض (ولاحقًا، في أماكن أخرى بالنظام الشمسي) تعتمد على الجاذبية الاصطناعية واستخراج السفن الفضائية الروبوتية للمواد الخام من الكويكبات، سيركز آخرون على إنشاء بؤر استيطانية على الكواكب، بهدف تحويلها إلى «أراضٍ جديدة».

بينهما، نستطيع توقع أن يطور البشر درجة من «الخبرة الفضائية» في هذا القرن، والتي ستكون مفيدة بالتأكيد حين نبدأ في تخطي حدود الاستكشاف والاستعمار إلى ما هو أبعد!