قصر غاضب وأداء حكومي باهت: هل تنهار الديمقراطية المغربية؟
مع الثورة المضادة يتهاوى كل جميل في عالمنا العربي، حتى تلك الإصلاحات الشكلية التي قام بها ملك المغرب وسمح للشعب باختيار حكومة بصندوق انتخابي «نزيه»، ها هو الملك يسحب إصلاحاته من جديد وبأسلوب في غاية الخبث والدهاء .
في عام 2011م قام ملك المغرب بعد مظاهرات 20 فبراير بالإعلان عن إصلاحات ديمقراطية في بيان أذاعته التلفزة الوطنية المغربية وتضمن البيان خطوات «ثورية»، اعتبرت في حينها أنه اتجاه من «المخزن» نحو إقرار الديمقراطية الحقيقية.
ولأن للمغرب من دول الربيع العربي له خصوصية وهي أن نظامه نظام ملكي وراثي وليس نظاما جمهوريا، ولذلك فقد كان أقصى طموحات الشباب هي إصلاح ديمقراطي حقيقي في البلاد، فقد انخدعوا بلعبة القصر وبلعوا طعم الإصلاحات الوهمية وتركوا الشوارع والميادين.
وتمت الانتخابات مع مقاطعة التيارات المعارضة «الرئيسية» من اليساريين و الإسلاميين، وفاز فيها حزب المصباح «العدالة والتنمية» والذي يوصف بين المغاربة بحزب إسلاميي القصر، وتم تشكيل وزراة ائتلافية بين أحزاب الموالاة التي تسبح بحمد الملك، بما فيها حزب العدالة والتنمية، وسمي لرئاسة الحكومة عبدالإله بن كيران.
هكذا كانت حكومة الإسلاميين المغاربة «خالية من الدسم»
حكومة حزب العدالة والتنمية مع الوقت تبين أنها بدون صلاحيات، فالوزارات ووكلاء الوزارات كلهم والموظفون فيها لا يأخذون أوامرهم إلا من القصر، وتحول ابن كيران إلى مسخرة للإعلام المغربي بسبب ضعفه الشديد أمام المخزن، لدرجة أنه أعلن أنه يخاف أن يستخدم صلاحيات أعطيت إياه في الدستور حتى لا يغضب المخزن منه ومقولته المشهورة إن الفساد يحاربه وهو عاجز عن مواجهة الفساد، والتي استخدمت في الدعاية ضده أثناء الانتخابات الأخيرة.
طوال فترة الأربع السنوات فشل عبدالإله بن كيران في تطبيق برنامجه فشلا ذريعا ولم يستطع تغيير وجه الحياة السياسية والاقتصادية، بل إنه راكم العبء على المواطنين بتنفيذه نصائح البنك الدولي دون أدنى اعتراض، فرفع الدعم عن المحروقات وأعلن اتجاه الدولة نحو تعويم العملة ولم يستطيع حل أي من قضايا المغرب المعقدة، بما فيها قضية الصحراء الكبرى، هذا في السياسة الداخلية.
أما في السياسة الخارجية فلم يكن للسيد عبدالإله بن كيران أو حكومته أي موقف دولي يذكر، وكان وزير الخارجية في حكومته مجرد تابع مخلص للتوجهات الملكية حرفيا دون أدنى نقاش، وحتى تلك الانتقادات الخجولة التي أظهرها ابن كيران للعدوان الروسي في سوريا سرعان ما ووجهت بانتقادات حادة من الوسط السياسي المغربي الموالي للملك، حتى أن القصر أرسل إلى الروس ما يفيد بأن السياسات الخارجية المغربية في يد القصر لا في يد الحكومة.
ولم يصدر تعليق حكومي على الأنباء التي كانت تتحدث عن إرسال جنود مغاربة للقتال في اليمن، مما يعني أن القصر أرسل القوات المسلحة المغربية دون استشارة الحكومة أو البرلمان.
حاول حزب العدالة والتنمية تكرار أسطوانة الإسلاميين «المملة» عن مؤامرة دحلان والإمارات ضدهم لتبرير هذا الفشل الذريع لحكومة العدالة والتنمية، وفعلا وجد هذا الحديث صدى عند بعض المغفلين، ولكن كل العقلاء يعرفون أن هذا الأمر غير صحيح، فلم تصل العلاقات المغربية الإماراتية إلى أعلى مستوياتها إلا في عهد حكومة الإسلاميين المغاربة «الخالية من الدسم»، لدرجة أن الإمارات هي المستثمر العربي الرئيسي في المغرب باستثمارات تبلغ 5.5 مليار دولار، وتسيطر اتصالات الإماراتية على 53% من أسهم شركة اتصالات المغرب «شركة الاتصالات الرئيسية في البلاد»، وفي ظل حكومة العدالة والتنمية قامت الإمارات بمنح المغرب 1.7 مليار دولار لتمويل مشروعات تنموية في البلاد في عام 2013م.
لماذا ينهار نموذج الحكم الديمقراطي في المغرب؟
الإصلاحات التي أعلنها ملك المغرب كانت قد جاءت كمنحة من الملك ويمكن للملك أن يسحب منحته متى ما شاء ولم تأت نتيجة لنضال شعبي حقيقي، ولأن شباب 20 فبراير كان شبابا بريئا فقد خدعه الإعلام الفاسد المحلي والخارجي، والذي لم يكن يريد تغييرا في موازين القوى في المغرب، بأن أقنعه أنه حقق إنجازا رهيبا، وأن عليه التوقف عن النضال حتى لا تحصل الفوضى.
حزب العدالة والتنمية كان نموذجا سيئا لتمثيل الشارع، فهو حزب مشبوه من الأساس حتى لو ادعى أنه إسلامي، ويقال إن القصر ساهم في تأسيسه من أجل سحب الأرضية من جماعة العدل والإحسان «الإخوانية»، التي تعلن رفضها لأي من الانتخابات التي يجريها النظام المغربي باعتبار أنها حتى ولو لم تزور فهي انتخابات بلا قيمة؛ لأن من يحكم هو القصر ومجلس الوزراء ورئاسته إدارتهم للبلاد شكلية.
وقد تحدثت وثائق ويكليكس بشكل واضح عام 2008م عن امتعاض مغربي من تزايد نفوذ الإسلاميين في الحياة السياسية المغربية، مما دفع ملك المغرب إلى الدفع بأصدقائه من أمثال «فؤاد عالي الهمة» لإنشاء أحزاب كالأصالة والمعاصرة، والدفع بها للفوز في الانتخابات لملء الفراغ، ومنع الزحف الإسلامي نحو رئاسة الوزراء، واستخدام أساليب قمعية أخرى من أجل تزوير إرادة الناخبين وإجبارهم على التصويت لأحزاب القصر.
عندما جاءت انتفاضة شباب 20 فبراير 2011م خرج السيد ابن كيران في تصريحات شهيرة، وأعلن رفضه للمظاهرة والحشد، ثم ما لبث أن ركب على مسيرات الشباب وادعى أنه سوف يحقق طموحات شباب 20 فبراير عبر الآليات الدستورية والقانونية والبرلمان.
ورغم أن ابن كيران نفذ للملك كل ما يشاء فإن الملك لم يكن راضيا عنه باعتبار أنه شخص اختاره الشعب، ولم يختره هو، وبسبب حكمة ملك المغرب فإنه سمح لابن كيران أن يكمل مدته حتى مع خروج بعضهم من الائتلاف معه، مثل حميد شباط، وتلويحه للإمارات ومصر بأن ابن كيران يرفع شعار رابعة العدوية في الاجتماعات الحزبية مع أنصاره، لكن الملك سمح لابن كيران بالبقاء، وكل ذلك على أمل تغييره عبر صندوق حر ونزيه وتكرار نموذج الباجي قايد السبسي.
تمت الانتخابات وفشلت الأحزاب في إسقاط ابن كيران ولعب المخزن لعبة تعطيل الائتلافات الحكومية عبر أحزابه، وأكبرها هو التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش وزير الداخلية السابق، الذي ماطل ابن كيران في تشكيل الائتلاف بأوامر من القصر، وأصر أخنوش على إضافة الحزب الاشتراكي على تشكيلة الحكومة.
انتهت المدة الدستورية واختار الملك كما أراد مرشحه المفضل داخل العدالة والتنمية، وهو الدكتور سعد العثماني، ويبدو أن الملك سيظفر بمراده، وهو تشكيل حكومة متعددة الأقطاب بدلا من حكومة قطب واحد مهيمن، ومثل هذه الحكومات يكون عمرها قصيرا.
لن أستغرب لو رأيت حكومة سعد العثماني تسقط بعد شهور من تكوينها لو دخل فيها الحزب الاشتراكي الذي يحمل برنامجا يختلف جذريا مع برنامج حزب العدالة والتنمية الذي يميل لليبرالية، وسقوط الحكومة بعد فترة وجيزة من تشكيلها يعني أن البلد في حالة عدم استقرار، وبالتأكيد سيؤثر هذا كثيرا على الاستثمار، وسيجعل الاقتصاد المغربي يعاني، ومن ثم يتدخل جلالة الملك ليلغي إصلاحات 2011م، ويعيد عقارب الساعة إلى ما قبل 20 فبراير، وذلك استجابة لنداءات شعبه الذي سيكون قد أصابه القرف من صراعات السياسيين التي ستؤثر على الاقتصاد.
كان عبدالإله بن كيران يحتاج 15 كرسيا فقط ليضمن حكومته، لولا تعنت عزيز أخنوش، وللمفارقة العجيبة فإن حزب أخنوش التجمع الوطني للأحرار الذي جاء رابعا في نتائج انتخابات أكتوبر، ومع ذلك فإنه استطاع أن يذل الحزب الأول في البلاد حزب العدالة والتنمية ويطيح برئيسه عبدالإله بن كيران خارج رئاسة الوزراء.