وقود المستقبل: ماذا سيكون بعد عشرين عامًا؟
يعيش العالم وسط تحديات اقتصادية وتجاذبات سياسية، تجعل من مستقبل اقتصاد الطاقة والمفاضلة بين أنواعها، معادلة صعبة الحسم.
فواقع الطاقة بشكل عام يتغير بوتيرة متسارعة وعلى نحو غير متوقع، مع تبدل الأوضاع السياسية والاقتصادية والتغيرات المناخية.
وبالرغم من صعوبة استشراف ذلك القطاع، فإن هناك العديد من التقارير الدولية المهتمة بتقديم توقعات ورؤية استشرافية لما سيكون عليه اقتصاد الطاقة في المستقبل، وذلك باعتباره أحد أهم المجالات المؤثرة في الأسواق المالية والعالمية.
أسواق الطاقة الرئيسية
للطاقة ثلاثة مصادر رئيسية لتوليدها، يقف على رأسها الوقود الأحفوري المتمثل في الغاز والنفط والفحم، ثم الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وأخيرًا الطاقة المتجددة كالشمس والرياح والأنهار.
سوق النفط
شكل سوق النفط منذ عقود طويلة تجارة مربحة، وقطاع يمنح عوائد مالية كبيرة للمتداول فيه. ولعل سعر النفط هو المؤشر الأبرز للحالة الاقتصادية والوضع الاقتصادي العالمي.
وقد زاد الطلب في عام 2018 على جميع أنواع الوقود، وحقق الوقود الأحفوري نحو 70% من النمو للعام الثاني على التوالي، كما توسع الطلب العالمي على الغاز بأعلى وأسرع معدل له منذ عام 2018.
إلا أن حالة عدم اليقين التي يشهدها الاقتصاد العالمي وتصاعد الحروب التجارية بين بكين وواشنطن وضعف مؤشرات النشاط أدت إلى تراجع الطلب.
وفي شهر يونيو الماضي، توقع بنك «جولدمان ساكس» استمرار تذبذب أسعار النفط خلال الأشهر المقبلة حول مستوياتها الحالية وبات سوق النفط يعكس احتمالية وجود فائض في عام 2020.
ووفق دراسة قدمتها مؤسسة «مصادر من أجل المستقبل»، في يوليو/تموز الماضي، حول توقعات الطاقة العالمية حتى 2040، فإن الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري على مدى السنوات الـ20 المقبلة سيشهد تباطؤًا بدرجة كبيرة مقارنة بالعقود الماضية.
كما أشارت الدراسة إلى أنه، رغم التراجع النسبي، فإن النفط سيحافظ على موقعه باعتباره المصدر الأكثر وفرة في العالم للطاقة، بما يمثل 31% من استهلاك الطاقة العالمي.
في حين سينمو الغاز الطبيعي بقوة، مدعومًا بالطلب على نطاق واسع، مع توسع مستمر في إمدادات الغاز الطبيعي على مستوى العالم. ومن المتوقع بحلول عام 2040 ، أن تستحوذ الولايات المتحدة على ربع إنتاج الغاز الطبيعي العالمي تقريبًا.
وتبرز جميع توقعات حصص الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري، إلى احتمالية أن يفقد الفحم حصته في السوق لصالح مصادر الطاقة المتجددة وبالأخص الرياح والطاقة الشمسية. لكن ذلك التحول من غير المتوقع أن يمثل انتقالًا عالميًا حقيقيًا وكاملًا بعيدًا عن الوقود القائم على الكربون.
فبينما شكل نصيب الوقود الأحفوري 82% من الطاقة في عام 2015، فإنه وفق سيناريوهات «السياسات المرجعية والمتطورة» سيتراوح نسبته من 74% إلى 79% في عام 2040. بينما تميل سيناريوهات المناخ الطموح إلى انخفاض الوقود الأحفوري إلى 60%.
سوق الطاقة النووية
ظهرت الطاقة النووية كبديل ذي مزايا متعددة عند مقارنته بمصادر الطاقة الأخرى، لعل أبرزها انخفاض تكلفة إنتاجها التي تعد الأقل بالنسبة لعدد كبير من الدول، إذ تتميز بتكلفة تنافسية مقارنة بأنواع الطاقة المولدة للكهرباء.
كما أنه من الممكن إعادة تدوير 95% من النفايات النووية في وحدات إعادة المعالجة، ثم إعادة استخدامها مجددًا في توليد الطاقة. إضافة إلى كونها لا تحمل مستقبل مخاطر ارتفاع تكاليف التشغيل، ولا تخضع لعوامل الجو كما هو الوضع مع الطاقة المتجددة، ولا لعوامل السوق المتقلب لسوق الفحم والنفط والغاز.
يشهد العالم في الوقت الحالي، حوالي 450 مفاعلًا للطاقة النووية يعمل في 30 دولة بسعة مجتمعة تبلغ نحو 400 جيجا واط. وتتزايد قدرة الطاقة النووية في جميع أنحاء العالم بثبات كبير، خاصة مع إنشاء 50 مفاعلًا جديدًا معظمها في المنطقة الآسيوية لا سيما الصين والهند والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن الخطط الرئيسية لإنشاء وحدات جديدة في روسيا.
بيد أن التكلفة الاستثمارية تتفاوت باختلاف المحطات النووية المنشأة في دول مختلفة، فقد أنفقت فرنسا بداية عام 2017 على إنشاء محطتين لتوليد 3300 ميجا واط في الصين، تكلفة قدرت بـ10.5 مليار دولار.
بينما تقيم روسيا محطات طاقة نووية في دول عدة بقدرة 1200 ميجا واط بتكلفة تبلغ من ستة إلى سبعة مليارات دولار، والتكلفة تقل كثيرًا في كوريا الجنوبية عن مثيلتها في روسيا.
وقد تجاوز الطلب العالمي على الطاقة النووية في عام 2014، 2400 تيراواط في الساعة. ومن المقدر أن ينمو بمعدل سنوي مركب يزيد على 4% من عام 2015 إلى عام 2022.
ووفقًا لتوقعات الطاقة العالمية، فإن الزيادة الإجمالية في الطاقة النووية في عام 2040 ستصل إلى حوالي 3400 تيراواط في الساعة. بما يستلزم استثمارات بقيمة 1.5 تريليون دولار أمريكي في الفترة ما بين 2018 و2040 لمتابعة المسار الصحيح.
سوق الطاقة المتجددة
يتجه العالم بشكل متزايد نحو استخدام الطاقة البديلة كوسيلة لتقليل انبعاثات الكربون، لذا قامت كثير من الدول الكبرى، كالصين واليابان وألمانيا والولايات المتحدة، بزيادة سعة مرافق الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة خلال السنوات الأخيرة.
ومن المتوقع أن تحافظ تلك الدول على ريادتها في ذلك المجال في المستقبل وعلى رأسها الصين التي تقود قطاع الطاقة الشمسية العالمي على مدى العشر سنوات الماضية.
وقد شهد سوق الطاقة الشمسية نموًا استثنائيًا بمعدل سنوي تجاوز 8% في عام 2018 . غير أن إنتاجية الألواح الشمسية المعتمدة على كمية ضوء الشمس وارتفاعه وعملية توجيهه وسطحه، لا تمثل سوى 2% فقط من الطاقة الكهربائية العالمية.
ووفقًا لتقرير مؤسسة «جلوبال ماركت انسيتس»، فإن القيمة السوقية للطاقة الشمسية كانت قد بلغت 65 مليار دولار في 2015. ومن المتوقع أن تتجاوز تلك القيمة 140 مليار دولار بحلول عام 2023، لاحتمالية ارتفاع معدل استخدام الطاقة الشمسية في القطاعات التجارية والسكنية كالفنادق والمستشفيات والبيوت.
ولعل منطقة آسيا والمحيط الهادي يمثلان أكثر من نصف سوق الطاقة المتجددة العالمية، وقد تم بالفعل استثمار أكثر من تريليون دولار من رأس المال في مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية على مستوى العالم.
تشير شركة «بريتيش بتروليوم» في توقعها السنوي، إلى الدور القيادي الذي من المتوقع أن تلعبه الطاقة المتجددة في المستقبل. إذ بحلول عام 2040، تتوقع الشركة أن تنمو مصادر الطاقة المتجددة لتمثل 14% من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة بعد أن كانت 4% فقط في عام 2016، كما أنه من المتوقع أن تقود الصين ذلك التوسع.
كما سيمثل النفط والفحم والغاز والوقود الأحفوري، وفق دراسة، نحو ربع الزيادة على طلب الطاقة في العالم، بينما ستلبي الطاقة المتجددة أكثر من 40% من الزيادة الإجمالية في الطلب على الطاقة. ذلك النمو سيدعمه الانخفاض الحاد في التكلفة التي ستشهدها الرياح والطاقة الشمسية في المقام الأول.
إجمالاً، فإنه من المتوقع بحلول عام 2040 أن يحافظ النفط على موقعه باعتباره المصدر الأكثر وفرة في العالم للطاقة، مع التزايد في أهمية ودور الغاز الطبيعي. بينما سيفقد الفحم حصته في السوق لصالح مصادر الطاقة المتجددة وبالأخص الرياح والطاقة الشمسية، مع توسع عالمي في إنشاء مزيد من المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء في عدد أكبر من دول العالم.