الفراولة المجمدة تقصف جبهة الاقتصاد المصري

كانت سلسلة محلات عصائر تروبيكال سموزي اﻷمريكية قد نشرت بيانًا يوم الجمعة الموافق 19 أغسطس/آب 2016م مفاده أن وزارة الصحة بولاية فيرجينيا أبلغتهم أن عددًا من حالات اﻹصابة بالتهاب الكبد الوبائي (أ) في الولاية تم ربطها بثمار فراولة مجمدة مصدرها مصر. وأضافت سلسلة العصائر الشهيرة أن الفراولة المصرية تمثل جزءًا من الفراولة التي يعتمدون عليها، وتم استخدامها بشكل أساسي في فروعهم في فيرجينيا. وعلى سبيل الاحتياط، قاموا بسحب كل الفراولة القادمة من مصر من كل الفروع.

ونقلت شبكة إن بي سي عن مسؤولين بقطاع الصحة في فيرجينيا مطالبتهم كل من تناول عصير يحتوي على فراولة مجمدة خلال الخمسين يومًا الماضية بمراقبة أي أعراض لالتهاب الكبد الوبائي (أ) والتي تشمل الصفراء، والحمى، واﻹرهاق، وفقدان الشهية، والقيء، وآلام البطن، والبول الغامق، والبراز ذو اللون الفاتح.

الفراولة المصرية بها سم قاتل

في الثامن من سبتمبر/أيلول 2016م، أصدرت الوكالة الأمريكية للغذاء والدواء FDA بيانًا، أعلنت فيه أن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية CDC، قد نشر إحصائية تفيد بأن 89 أمريكيا أصيبوا بالتهاب الكبد الوبائي (أ)، من سبع ولايات هي «ميريلاند، شمال كارولينا، نيويورك، أوريجون، فرجينيا، ويسكونسن، غرب فرجينيا»، وبسؤال المصابين فقد أكدوا أنهم تناولوا العصائر المحتوية على فراولة من محلات تروبيكال سموزي. كما تشير المعلومات الأولية إلى أن هذه الفراولة تم استيرادها من مصر.

وجاء في البيان أن التحقيق ما زال مستمرًا، حول مصدر وأماكن توزيع هذه الفراولة، كما أن الوكالة على اتصال مستمر مع «الإدارة المركزية للحجر الزراعي، بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية» لمناقشة ما ورد في التحقيق. وعلى إثر واقعة الاشتباه، بين الفراولة المصرية والإصابة بالفيروس، قد قامت وكالة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA بحظر شامل، للعديد من شركات الأغذية المصرية الشهيرة، التي تقوم بإنتاج العديد من السلع وتصدرها إلى الولايات المتحدة، مثل الأجبان والحلاوة الطحينية، والمربى، والبامية، والملوخية المجمدة، وغيرها من المنتجات.

ويتضح أن هذه المنتجات المصرية الموجودة في القائمة، ليست مرتبطة بموضوع الفراولة المُثار حاليًا، حيث تم إدراج مثل هذه المنتجات في قوائم الحظر الأمريكية منذ سنوات سابقة.

كما أصدرت الوكالة الأمريكية للغذاء والدواء FDA،قائمة تحذيرات من بعض المنتجات المستوردة، من شركات محددة، لأسباب مختلفة، من معظم دول العالم، بما فيها دول متقدمة مثل: كندا، وأستراليا، وفنلندا، وفرنسا، وإسرائيل، وإيطاليا، وغيرها من الدول، وكذلك مصر.

الموقف المصري اعتراه الرفض تارةً والتبرير تارةً أخرى

قرر وزير الزراعة، الدكتور عصام فايد، يوم الأحد الموافق 21 أغسطس/آب 2016، تشكيل لجنة علمية تضم في عضويتها خبراء وأساتذة متخصصين في الأمراض الباطنية والكبد، وخبراء من الحجر الزراعي، للكشف عن حقيقة الادعاءات اﻷمريكية، حسبما نقلت صحيفة المصري اليوم. حيث أثبتت اللجنة عدم صحة هذه الاتهامات.

وقد أوضح «حسين الحناوي»، رئيس اتحاد مصدِّرى الحاصلات البستانية، ورئيس اللجنة التي تم تشكيلها من قبل وزارة الزراعة للوقوف على صحة الادعاءات الأمريكية، أن اللجنة خاطبت المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات، لمعرفة نتائج تحليل عينات الفراولة خلال الموسم التصديري، وتبين بعد فحص 584 عينة طوال الموسم، لمصدرين مصريين للسوق الأمريكي وغيرهما، أنها خالية من مسببات المرض. وأضاف أن صادرات الفراولة المصرية تتبع المعايير الدولية، أو ما يعرف بالممارسات الزراعية الجيدة gap، وهي تصدر بترخيص من بعض الشركات الزراعية العملاقة، مثل sgs، وهي الشركة السويسرية الأكبر عالميًّا في مجالات الفحص والتحليل والاعتماد على المعايير العالمية، إذ يستوجب على أي شركة ترغب في التصدير الحصول على هذه الشهادة المعتمدة.

كما نفى «علي الليثى»، رئيس قطاع التمثيل التجاري التابع لوزارة التجارة والصناعة، تسبب الفراولة المصرية المصدَّرة للولايات المتحدة الأمريكية في ظهور حالات إصابة جديدة بفيروس التهاب الكبد الوبائي (أ). وقد أوضح أن حجم صادرات مصر من الفراولة خلال عام 2015م، قد بلغ 46 ألفًا و673 طنًا، وجاء الاتحاد الأوروبي في مقدمة أكبر 5 مستوردين للمحصول المصري، بواقع 16.2 ألف طن، بما يمثل 35% من إجمالي الصادرات، تلته دول الخليج في المرتبة الثانية بـ 13.7 ألف طن بنسبة 29 %، ثم روسيا في المركز الثالث بنسبة 7%، بواقع 3136 طنًا، واحتلت اليابان المركز الرابع بـ 2835 طنًا، بنسبة 6%، فيما جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الخامس، بـ 2604 طنًا بما يمثل 6% من إجمالي الصادرات. وعلى الرغم من ذلك لم تظهر الشكوى إلا من الولايات المتحدة الأمريكية أقل الدول استيرادًا للمحصول المصري.

كما أوضح الدكتور «عامر عفيفي»، أستاذ الجهاز الهضمي وأمراض الكبد بكلية طب اﻷزهر، أن فيروسات التهاب الكبد الوبائي (أ) و(هـ) تصيب بالعدوى عن طريق الجهاز الهضمي. وأضاف أن حدوث عدوى بفيروس التهاب الكبد الوبائي (أ) يرتبط بالتلوث الخارجي للأطعمة، ولا تحملها اﻷطعمة بداخلها. وأضاف أن حدوث العدوى لا يرتبط بكون الثمار مصرية أو غيرها، وإنما يرتبط بتعامل مصابين بالمرض مع هذه الثمار دون مراعاة معايير النظافة، ما ينقل العدوى للثمار، التي تنقلها بدورها إلى آخرين.

فيما قال الدكتور «علاء عوض»، أستاذ أمراض الكبد في معهد (تيودور بلهارس)، إن قدرة الفيروس على تجاوز وسائل الحفظ المختلفة -كالتجميد والغليان وغيرها- أمر مشكوك فيه، وبالتالي يثير علامات استفهام كبيرة حول إمكانية حدوث العدوى بهذه الطريقة. وأوضح أن الفيروسات ضعيفة بشكل عام، ولا تستطيع البقاء لمدة طويلة خارج بيئتها.

واتفق الدكتور «علاء إسماعيل»، أستاذ جراحة الكبد بكلية الطب بجامعة عين شمس، على أن حدوث العدوى في حالات اﻹصابة اﻷمريكية لا يمكن ربطه بمصر. مضيفًا أنه من المحتمل أن يكون اﻷفراد الذين قاموا بصنع العصير هم من تسببوا في نقل العدوى، مؤكدًا أنه لا سبيل لمعرفة مصدر العدوى سوى عن طريق تحليل الثمار نفسها قبل مرورها بعملية التصنيع. وأوضح أن تجميد ثمار الفراولة يقلل بشدة احتمال كونها ناقلة للعدوى.

إلا أن تلك الادعاءات الأمريكية لم تكن الأولى، فقد سبق أن تم ربط الفراولة المصرية بحادثتي تفشي للمرض بين عدد من مواطني الاتحاد الأوروبي في عام 2013م. الحادثة اﻷولى جاءت وسط دول الشمال، بحسب دراسة أجراها المركز اﻷوروبي للتحكم ومنع انتشار اﻷمراض، وجاءت بسبب فراولة مجمدة تم استيرادها من مصر. فيما كانت حادثة التفشي الثانية بسبب تناول عدد من السياح لثمار فراولة طازجة أثناء زيارتهم إلى مصر.

موسكو تحظر استيراد المحاصيل الزراعية المصرية

لقد نقلت وكالة «إنترفاكس» عن الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة البيطرية والصحة النباتية قولها يوم الجمعة الموافق 16 سبتمبر/أيلول 2016م، إن موسكو ستوقف واردات الفواكه والخضروات من مصر اعتبارًا من 22 سبتمبر/أيلول 2016م. وقد جاء ذلك بعد تهديدات من الهيئة بأنها قد تفرض «قيودًا مؤقتة»، على استيراد المنتجات الزراعية المصرية، بسبب المخاطر الصحية العالية من مصر.

كما أكدت الهيئة الفيدرالية على تكرار وصول شحنات الحمضيات المصرية، والتي تنتهك متطلبات الصحة النباتية الدولية والروسية، حيث جاء في بيان الهيئة الروسية، أنه على الرغم من المناشدات العديدة للهيئة، والموجهة إلى الإدارة المركزية للحجر الزراعي، بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية، بشأن هذه المسألة، إلا أن الجانب المصري لم يتخذ التدابير المناسبة لتصحيحها.

لم يكن الرد المصري أكثر عقلانيةً على الادعاءات الروسية، فبدلًا من إصدار تقارير تنفي صحة ما ذكرته الهيئة الفيدرالية الروسية، قام مفتشو الحجر الصحي المصري يوم الجمعة الموافق 16 سبتمبر/أيلول 2016م، برفض شحنات قمح روسي حجمها 60 ألف طن في ميناء «نوفوروسيسك» بسبب مشاكل تتعلق بفطر «الأرجوت»، على الرغم من أن مصر قد قامت باستيراد شحنة قمح من فرنسا محمل بفطر «الأرجوت» تزن 2300 طن لصالح «شركة روجينا» للصناعات الغذائية، منذ ثمانية أشهر تقريبًا. وقد كان مبرر مصر أن نسبة الأرجوت لم تتغير وبقيت كما هي في الحد المسموح به، وهي (0.05%)، وهي النسبة المسموح بها لاستيراد القمح من الخارج.

ويُذكر أن إجمالي صادرات مصر الزراعية والغذائية للعالم، بلغت نحو 4.7 مليار دولار خلال العام الماضي 2015م، بما يمثل نحو 12% من حجم الصادرات المصرية لنفس العام. ومن المتوقع أن يرتفع عجز الميزان التجاري المصري، بسبب الاشتباه في علاقة الفراولة المصرية بحالات الإصابة بالفيروس، ما لم تنته التحقيقات الجارية حاليًا إلى انتفاء الصلة، بشكل قاطع، بين صادرات الفراولة المصرية للولايات المتحدة، وبين الإصابة بالفيروس. وبذلك تكون الفراولة المجمدة صاحبة الضربة القاضية للصادرات المصرية.