من الأسهم إلى حدود المجرة: كل ما تريد معرفته عن الصواريخ
كان الرماة في الجيوش القديمة أوفر حظًا في النجاة من الجنود المقاتلة في الصفوف الأولى، وذلك لأنهم يتمركزون في مؤخرة الجيش عادة بعيدًا نسبيًا عن خطوط الموت الأمامية. ولذلك دعت الحاجة دائما لسلاح يُحدث أكبر ضرر في صفوف العدو دونما التعرض لخطر المواجهة المباشرة معه. فعكف مطورو الأسلحة الحربية على مر العصور على محاولة صنع هذا النوع من الأسلحة مرورُا بالأسهم والمدافع مع بدايات الألفية الثانية لميلاد المسيح عليه السلام (اختُرع المدفع قبل ذلك بعصور ولكن ذلك لم يوثق بتواريخ يمكن الاعتماد عليها وكذلك صنع الصينيون الألعاب النارية والتي تعدُّ صواريخ بدائية الصنع وكانت في بادئ الأمر تستخدم في الاحتفالات). ولكن هذه الأسلحة كانت وما زالت تتطلب المواجهة المباشرة مع العدو في نطاق يمكَّن العدو من الاشتباك مع القوات المهاجمة.
كانت الفكرة الأساسية للأسلحة الموجهة بعيدة المدى هي إرسال قنابل يمكن توجيهها عن بعد وبدون طيار، ذات دقة عالية تمكنها من انتقاء أهدافها بعناية خلف خطوط العدو. ولكن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح نظرًا لضعف تكنولوجيا المحركات ونظم التوجيه في بدايات القرن العشرين ولم تسجل الأسلحة الموجهة نجاحًا ملحوظًا يمكن الاعتماد عليه إلا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية مع اختراع الصاروخ الألماني V1 وشقيقه المطور منه V2.
فكرة عمل الصواريخ
تبنى فكرة عمل المحرك الصاروخي على قانون الحركة الثالث لنيوتن (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه). حيث يحترق الوقود والمادة المؤكسدة (هي مادة توفر الأكسجين اللازم للاحتراق) في داخل بدن الصاروخ وتخرج الغازات الناتجة عن الاحتراق من فوهة سفلية للصاروخ بسرعة عالية مما يدفع الصاروخ في الاتجاه المعاكس. وينقسم وقود الصواريخ إلى نوعين الوقود الصلب والوقود السائل. وتمتاز الصواريخ ذات الوقود السائل بسهولة نقلها والتحكم في الاحتراق عن طريق المضخات التي تنقل كلا من الوقود والمؤكسد ولكنها معقدة مقارنة بالصواريخ ذات الوقود الصلب، حيث تمتاز الأخيرة بالبساطة ولكنها ثقيلة الوزن نظرًا لوجود الوقود دائمًا بداخلها مما يحد من نقلها والمناورة بها.
تجتاز الصواريخ بعيدة المدى مسافات شاسعة حتى الوصول لأهدافها. فبعض أنواع «توما هوك» الصاروخ الأمريكي بعيد المدى يصل مداه لـ 2500 كم. ولا يستطيع الصاروخ الوصول إلى هذا المدى بالدفع الصاروخي الصلب حيث سيحتاج إلى كمية وقود كبيرة نسبيا. وللتغلب على هذه المشكلة فإنه يستخدم كلا المحركين حيث يستخدم محرك الوقود الصلب في بداية الحركة (الإطلاق ) وهو ما يعرف بمعزز الإطلاق لإكسابه التسارع اللازم في بداية الحركة، ثم ينفصل هذا المحرك عن بدن الصاروخ ويستخدم محرك الوقود السائل ( المحرك النفاث) وينشر جناحان على جانبيه بعد تخطيه مرحلة الإطلاق والتسارع ليتحول إلى طائرة عادية بمحرك نفاث مما يزيد من مداه بشكل كبير.
مشاكل التشغيل وتطوير الملاحة
كان أمام مطوري الصواريخ بعيدة المدى مشكلة عصية وهي كيف سيتم توجيه هذا السلاح إلى مبتغاه وبدقة؟!
كانت ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية كأرض العجائب فيما يخص الاختراعات الحربية فتم صنع الصاروخ V1 الذي أرعب انجلترا. وكانت فكرة التوجيه عبقرية حيث تتحكم الجيروسكوبات في المسار المحدد للصاروخ، وتوجد مروحة صغيرة على مقدمته تحسب المسافة المقطوعة بمعلومية سرعة الصاروخ أثناء المسار وعند الوصول للهدف تقوم مقصلة صغيرة بقطع أنابيب التحكم ونشر مكابح على الأجنحة مما يسقط الصاروخ في الحال على الهدف. على الرغم من بدائية الفكرة إلا أنها أسست لعلم توجيه الصواريخ بعيدة المدى والطيران الآلي.
على الرغم من نجاح الفكرة إلا أنها كانت غير كافية وغير دقيقة، وكذلك نظام الملاحة لا يدرك التضاريس حوله حيث يمكنه أن يصطدم بمبانٍ أو أشجار حيث أن الجيروسكوبات تصحح المسار فقط ولا تدرك وضعها بالنسبة للعوائق المحيطة حتى أنها كانت يتم إعاقتها ببالونات ملغمة قبل وصول الصاروخ لهدفه. وتم إعاقة 300 صاروخ V1 بهذه الطريقة.
في سبيل الحصول على نظام ملاحة جيد كانت هناك محاولات لاستخدام النجوم للملاحة في نظام صواريخ «سنارك» الأمريكي وبالرغم من النجاح الباهر في المعامل إلا أنه فشل فشلا ذريعا في الحياة العملية نظرًا لحركة الصاروخ السريعة وعدم مقدرته على التحقق من مكان النجم المبرمج سلفًا.
اقتُرح بعد ذلك أن يستخدم الصاروخ الطبيعة الطوبوجرافية للأرض حيث أن سطح الأرض مختلف الطبائع من حيث المرتفعات والوديان وما إلى ذلك. وبإرسال موجات رادارية وإعادة التقاطها يحصل الصاروخ على خريطة طوبوجرافية للأرض التي يطير فوقها. وبمقارنتها بما هو محفوظ في ذاكرته يمكنه تعديل مساره والوصول إلى هدفه بدقة عالية. وكان أول تطبيق لهذه التقنية في الصاروخ النووي الأمريكي «سلام».
صاروخ سلام الأمريكي
وحققت هذه التقنية نجاحًا منقطع النظير حتى أنها كانت معتمدة في الصواريخ بعيدة المدى حتى وقت قريب ولكن يشوبها بعض العيوب حيث أن الأرض المنبسطة مثل الصحراء لا يكون بها العديد من المعالم مما يهدد بضياع الصاروخ. ولكن يمكن تغيير مسار الصاروخ بحيث يطير فوق جبال متجنبًا الصحراء كما حدث في حرب الخليج وضرب بغداد بصواريخ توما هوك عبر جبال زاكروس في إيران.
أما الآن فهناك نظم توجيه أكثر تطورًا مبنية على أنظمة GPS أو نظام التموضع العالمي وهو عبارة عن 24 قمرًا، لكل منهم موقع محدد يمكن الراصد على أي بقعة على سطح البسيطة من تتبع أربعة أقمار على الأقل في وقت واحد وبحساب البعد عن كل منهم يمكن تحديد الموقع بدقة تصل الآن إلى السينتيمتر.
أنواع الصواريخ الموجهة اليوم
تبقى فكرة العمل ذاتها منذ اختراع الصواريخ وحتى اليوم وإنما التطوير يطال طرق التوجيه ودقته وأنواع الوقود المستخدم، يوجد الكثير من تطبيقات الصواريخ الموجهة في عالمنا اليوم.
في الاستخدامات العسكرية توجد الكثير من أنواع الصواريخ التي تختلف بحسب بُعد الهدف المراد إصابته (صواريخ قصيرة المدى ومتوسطة وبعيدة المدى) ومكاني الإطلاق والهدف (أرض أرض كالكاتيوشا وصواريخ أرض جو سام 6 وسطح – سطح وهي التي تطلق من الزوارق والسفن الحربية لتصيب سفن العدو مثل الهاربون وجو أرض AGM-114L Hellfire Longbow وجو جو مثل AIM-54 Phoenix)
ويمكن أيضًا تصنيفها حسب طريقة التوجيه فيوجد منها عائلة التاو الأمريكي وهو اختصار الاسم بالإنجليزيةTube-launched ، Optically tracked ،Wire-guided التي يتم توجيهها باستخدام السلك (في هذه الطريقة يوجد شعاع ضوئي أو أشعة ليزر أو أشعة تحت الحمراء تمتد من الرامي إلى الهدف ويوجد في مؤخرة الصاروخ حساس لهذه الأشعة ويعدل مساره باستخدام السلك الواصل به وبين منصة الإطلاق). والصواريخ الموجهة راداريًا كصواريخ Harpoon و AIM-120 AMRAAM أو الصواريخ الموجهة باستخدام GPS وتُعتمد هذه التقنية في الصواريخ بعيدة المدى الحديثة من توما هوك وغيرها. وكذلك الصواريخ الحرارية وهي التي تتبع الحرارة المنبعثة من الهدف مثل و R-73 الروسي وAIM-9 Sidewinder الأمريكي.
وفي الاستخدامات السلمية وغزو الفضاء تستخدم الصواريخ لحمل الأقمار الصناعية ورواد الفضاء إلى المدارات حول الأرض والمحطة الدولية ولكنها تحتاج إلى وقود ينتج الكثير من الدفع للهروب من مجال الجاذبية الأرضية ومن أشهر أنواع الوقود المستخدم الآن الأكسجين السائل والهيدورجين السائل.
تمكن الإنسان الآن من الوصول إلى حافة المجموعة الشمسية باستخدام تلك الصواريخ وتطوير إمكانياتها ولكنه يطمح للوصول لحدود المجرة مما يستلزم محركات تقترب من سرعة الضوء فهل هذا الخيال يتحقق يوما.