الناطق باسم «جيش الإسلام» يتحدث عن الانتصارت الأخيرة التي أحزرها في ريف دمشق


ما هي قصة نشأة «جيش الإسلام»؟

ولد «زهران علوش» عام 1971 في مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية، ووالده هو الشيخ عبد الله علوش الداعية السلفي الذي يقيم بالمملكة العربية السعودية، درس الشريعة في جامعة دمشق، وحصل على درجة الماجستير التي تخللتها دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وعمل في مجال المقاولات إلى جانب نشاطه الدعوي السلفي «السلفية العلمية»، الأمر الذي عرضه لتضييقات من قبل النظام الذي اعتقله في عام 2009 ومكث في سجن صيدنايا حتى اندلاع الثورة.

وإبان اندلاع الثورة، وبعد أن رفع المحتجون في دوما لافتات باسمه وطالبوا مرارا بالإفراج عنه، خرج من صيدنايا ضمن عفو رئاسي ضم العديد من المسجونين الإسلاميين الآخرين.

فيما بعد وعندما يصبح الشيخ «علوش» رقما صعبا في المعادلة السورية، سيعترف في أحد لقاءاته الصحفية بأن النظام «ربما» يكون قد قصد من وراء إطلاق سراح الإسلاميين دفع الثورة دفعا إلى العسكرة، وإن كان سيحاول أن يجد لنفسه عذرا بأن نموذجه في حمل السلاح اختلف عن نموذج «تنظيم الدولة» الذي يرى أن النظام كان يسعى عمدا إلى إيجاده لتشويه الثورة وضرب عمقها الشعبي وفصلها عن داعميها الدوليين.

لم يشترك زهران في المظاهرات بعد إطلاق سراحه، بل سعى وبعض رفاقه إلى تأسيس نواة لعمل مسلح ضد النظام الذي بلغ من العنف في قمع الثورة حينها مبلغا، فأسس بعد خروجه بثلاثة أشهر «سرية الإسلام» في سبتمبر 2011 التي ركزت عملياتها على استهداف مراكز النظام في الغوطة الشرقية والتي سرعان ما توسعت وازدادت عددا لتتحول إلى «لواء الإسلام» في يونيو 2012 الذي توسعت عملياته وأضحى جاذبا للفصائل الصغيرة.

وفي سبتمبر 2013 أعلن «زهران» تأسيس «جيش الإسلام» كحصيلة لاندماج عشرات الألوية والفصائل الصغيرة، التي تنتشر في دمشق وريفها، وحلب واللاذقية وإدلب وحماة ودير الزور والقلمون، لكن نفوذه الأساسي تركز في دوما وباقي مناطق الغوطة الشرقية.


ما هي أيديولوجية ومنهج جيش الإسلام؟

يعد جيش الإسلام أحد أبرز التجليات التنظيمية للسلفية العلمية، فهو يعتمد أدبياتها أيديولوجية ومنهجا، لكنه يختلف عنها في مسائل إشكالية كالثورة والخروج على الحاكم، فهو يرى أن رسالته تقوم على الجهاد ضد الحاكم الكافر وأن هدفه هو إقامة دولة إسلامية يستند دستورها إلى الشريعة الإسلامية ونتاج أهل العلم من الفقهاء والحقوقيين المختصين.

ولعل تفسير هذا الاختلاف عجز أدبيات السلفية العلمية التقليدية القائمة على التربية والابتعاد عن السياسة عن الاستجابة لتحديات المرحلة وقسوة المشهد وحجم العنف الذي مارسه النظام ضد المحتجين، إضافة إلى وجود العامل الخارجي الذي تمثل بمشايخ ورجال دين سوريين وخليجيين دفعوها إلى تغيير نظرتها إلى السياسة، ويتمايز الجيش عن السلفية الجهادية في رؤيته الصراع السوري ضمن الإطار الوطني، ورفضه تحويل جهاده «المحلي» ضد علويي سوريا إلى جهاد «عالمي» متحاوز للحدود.

لقاء«زهران علوش» مع قناة الجزيرة عام 2013


ما هي الإنجازات والإخفاقات العسكرية لجيش الإسلام؟

التكوين العسكري

يتكون «جيش الإسلام» إداريا من مجلس قيادة و26 مكتبا إداريا و64 كتيبة عسكرية، وتتراوح التقديرات حول عدد مقاتليه، ويتميز عن كثير من الفصائل بتنظيم محكم له مكاتب وإدارات لا علاقة لها بالعمل العسكري المباشر ومن أبرز هذه المكاتب مكتب «تأمين المنشقين»، الذي يهتم بالتواصل مع الجنود النظاميين وتأمين انشقاقهم، إضافة إلى مكاتب للخدمات والتصنيع السلاحي والنقل والإعلام.

ويهتم زهران بالإعداد الفكري والشرعي، والإعداد البدني القاسي لمقاتليه الذين يخرجهم على دفعات بعد إخضاعهم لتدريبات مكثفة.

تحرير الغوطة الشرقية

شارك «الجيش» في كثير من العمليات العسكرية في مختلف المدن، ومن أهم إنجازاته انتزاع الغوطة الشرقية بالكامل تقريبا من النظام، وقاد في العام 2013 هجوما واسعا وكاد أن يصبح على تخوم العاصمة لولا الاستنفار الواسع لقوات النظام وحلفائه من حزب الله للدفاع عن دمشق.

يتركز نفوذ « الجيش» كما ذكرنا في الغوطة الشرقية ومركز ثقلها دوما، مسقط رأس علوش، وله العديد من الانجازات العسكرية الواسعة والعمليات البارزة التي تنوعت بين الاقتحامات المتكررة لقواطع عسكرية نظامية غنم خلالها الكثير من الأسلحة والذخائر، من بينها منظومة دفاع جوي روسية الصنع «أوسا» وطائرتا تدريب غير قادر على استخدامهما، وتطوير قدرات صاروخية قصيرة المدى «كاتيوشا وغراد» استخدمت مرارا في قصف العاصمة السورية.

عرض عسكري ضخم لقوات علوش في الغوطة الشرقية


الانسحاب من قرى وبلدات القلمون

رغم هذه الانجازات، وجهت إلى جيش الإسلام اتهامات متكررة بالتحالفات الغامضة والسرية، ووصف بأنه جيش «الانسحابات التكتيكية» نظرا لانسحابه من أكثر من منطقة أبرزها عدة قرى وبلدات في القلمون، رفض «علوش» في إحدي مقابلاته الإعلامية هذه الاتهامات، وقال إن الانسحابات «المزعومة» من بعض المناطق إما كانت بطلب من فصائل أخرى من المعارضة المسلحة – وفقا لتسويات ميدانية مع النظام – أو أن جيش الاسلام لم يكن له أعداد كبيرة من المقاتلين في تلك المناطق أصلا وأن النظام عمد إلى التضخيم من قدرات قواته حينها لأهداف دعائية.

كما يأخذ البعض على علوش «تأخره» عن إغاثة بعض المناطق كمخيم اليرموك، أو مدينة الزبداني التي تتعرض لهجوم واسع من قوات النظام وحزب الله منذ شهور، يرد الرجل مذكرا بمحدودية قدراته العسكرية قياسا إلى الآمال المعقودة عليه.


قصف دمشق

أما أكثر الأحداث التي أثارت الخلاف حول تكتيكات الرجل فقد كان «قصف دمشق »، فقد قامت قواته بقصف مكثف للعاصمة السورية بدفقات من الصواريخ قصيرة المدى في يومي 25 يناير و3 فبراير عام 2015، وتوعد باستهداف جميع مراكز النظام ومقاره في العاصمة ردا على المجازر المروعة التي يرتكبها الأخير في الغوطة، سقطت بعض الصواريخ على مناطق مدنية وخلفت قتلى وجرحى، كما استهدفت بعض الصواريخ مناطق علوية بذريعة وجود مساكن لضباط الجيش والشبيحة فيها.

تباينت ردود الفعل على القصف وتوابعه بين من حمل سكان دمشق المسؤولية عن حصار الغوطة واعتبرهم متحالفين مع النظام سياسيا وعسكريا، وبين من اعتبر أن هذه الخطوة هي استنساخ لسلوك النظام وتؤدي إلى انحياز الأهالي بشكل كامل عن الثورة التي تقصفهم.


ما طبيعة علاقة جيش الإسلام بالفصائل الأخرى؟

تنظيم الدولة الإسلامية

يعد جيش الإسلام من أبرز خصوم التنظيم خاصة على المستوى الدعائي، كما خاض مقاتلوه معارك عدة أدت إلى إضعاف نفوذ التنظيم في غوطة دمشق وأحيائها الجنوبية، إلى الحد الذي زعمت فيه تقارير غربية أن اجتماعات عقدت بين قادة في التنظيم والنظام السوري تم خلالها الاتفاق على خطة لاغتيال علوش عدوهما المشترك.

وفي يونيو 2015 أصدر الجيش تسجيلا مصورا يظهر عملية إعدام لمن قيل إنهم مقاتلون في تنظيم الدولة تم أسرهم خلال معارك بين الجانبين، ويظهر التسجيل، الذي يشبه إلى حد كبير الفيديوهات الترويجية لتنظيم الدولة، عمليات الإعدام من زوايا مختلفة من قبل مقاتلي الجيش الذين ارتدوا أزياء برتقالية تشبه تلك التي يرتديها ضحايا التنظيم قبل إعدامهم، في رسالة وصفت بأنها «الانتقام العادل للضحية».


جبهة النصرة

العلاقة بين الجانبين هي علاقة متوترة لكنها مشوبة بكثير من الحذر، نظرا للخلاف الأيديولوجي بين السلفية العلمية والجهادية، إضافة إلى توجس جبهة النصرة من شخصية علوش ومحاولات تفرده بالقرار وسيطرته على القضاء الموحد في مناطق نفوذه، وكان علوش حريصا على تفادي الاشتباك مع الجبهة مدركا فداحة الثمن الذي يمكن أن يدفعه في معركة كهذه، فتدخل أكثر من مرة لفك الاحتقان الإعلامي والميداني بين الجماعتين.

كما أن للرجل وجماعته علاقة متوترة أيضا بالـ«الجيش السوري الحر» وقد أعلن رفضه التعاون مع «الائتلاف الوطني السوري»، وسبق أن أصدر «الجيش الحر» مذكرة لتوقيفه بتهمة «خيانة الثورة» وتسليم مناطق للجيش السوري في الغوطة الشرقية، على حد زعمهم.

ويتهم زهران بأنه تحول إلى «أمير حرب» في الغوطة الشرقية، والاستئثار بالقرار والسيطرة على القضاء الموحد فيها، وخاض الجيش معارك مع فصيل «جيش الأمة » انتهت بالقضاء عليه وأسر قائده.


ما مصادر التمويل والدعم الأقليمي له؟

تتعدد الروايات حول مصادر التمويل والدعم، لتتقاطع كلها عند المملكة العربية السعودية، يدعم الأمر كون والد زهران أحد دعاة السلفية المقيمين في المملكة، والخلفية الفكرية له ودراسته في المدينة المنورة، وقد نظر إلى تشكيل جيش الإسلام بداية على أنه محاولة سعودية لمواجهة تنامي نفوذ السلفية الجهادية في سوريا.

وقام زهران بزيارة إلى السعودية في العام 2013، الزيارة التي تكررت الزيارة بعدما اعتلى الملك سلمان عرش المملكة، حين زار السعودية وتركيا فيما نُظر إليه أنه مؤشر على تقارب سعودي- تركي – قطري تجاه الأزمة السورية، وباختصار ثمة من يحلو له تفسير كل موقف لزهران علوش بوصفه موقفا سعوديا صرفا.


ما هي أبرز الانتقادات التي توجه إلى جيش الإسلام؟

يؤخذ على علوش خطابه الطائفي تجاه الأقليات، فقد ظل يصف الشيعة والعلويين بـ «الرافضة والمجوس والنصيرية»، و يرى أن الحرب الحالية هي حرب الأغلبية السنية في مواجهة قمع الأقلية «النصيرية»، ويغيب عن خطابه أي حديث عن الديمقراطية بل يزدريها ويدعو إلي دولة إسلامية دون تحديد ماهيتها أو الحديث عن تفاصيل نظام الحكم فيها.

غير أن الأمر قد تغير نسبيا في خطابات الرجل المتأخرة، فبدأ يتخلى عن بعض أدبيات خطابه القديم، ويتحدث عن كون العلويين جزءًا من الشعب السوري وأن الخلاف فقط مع أولئك الذين تلطخت أيديهم بدماء السوريين.

كما بدأ يتحدث عن وجود خطط مدروسة لما بعد سقوط الأسد، تلبي حاجات ضبط الأمن وحماية المرافق العامة ومؤسسات الدولة، وحق الشعب السوري في اختيار شكل دولته ونظام الحكم فيها، وهو ما يُرى على أنه استجابة للمتغيرات الدولية، ومحاولة لإعادة تسويق نفسه كقوة «معتدلة » مستحقة للدعم الدولي على الساحة السورية.

يتهم «زهران» كذلك بأنه تحول إلى «أمير حرب» في الغوطة الشرقية، وبالاستئثار بالقرار فيها والسيطرة على القضاء الموحد، إذ يجبر الفصائل الأصغر حجما على الاندماج معه، وفي مطلع العام الحالي، أعلن الجيش عملية «تطهير البلاد من رجس الفساد »، والتي استهدفت بالدرجة الأولى فصيلا يدعي «جيش الأمة » الأمر الذي أفضى إلى القضاء عليه وإنهاء وجوده، قبل أن يصدر الجيش بيانا يعلن فيه أنه لن يسمح بتشكيل أي فصيل عسكري جديد في الغوطة الشرقية.

ومن أبرز الحوادث التي أخذت على الجيش،قضية اختطاف النشطاء رزان زيتونة وسميرة خليل ووائل حمادة وناظم حمادي، وهم من المعروفين بتاريخهم في النضال المدني ضد النظام، حيث اختطفوا من قبل مجهولين في مدينة دوما، ورغم أن الجيش قد نفى مسؤوليته عن الاختطاف إلا أن العديد من أقارب المختطفين قد أشاروا بأصابع الاتهام صراحة إلى «زهران» بالنظر إلى أن الاختطاف قد وقع في معقله ومركز نفوذه.

وبشكل عام فإن الكثير من الانتقادات توجه إلى جيش الإسلام فيما يخص إدراته الداخلية لمناطق سيطرته وقبوله بالنقد أو المعارضة، ويشار إلى «سجن التوبة» الذي يديره التنظيم بوصفه رمزا لسطوة علوش في ريف دمشق، وفي مطلع يوليو الجاري، اندلعت احتجاجات شعبية طالبت بالإفراج عن المعتقين أو إحالتهم إلى القضاء الموحد، خصوصا أولئك المحتجزين في«سجن التوبة».


خاتمة

أضحى جيش الإسلام القوة العسكرية الكبيرة الأكثر انضباطا في محيط العاصمة، وبسبب وجود قيادة مركزية، وصلابته العسكرية والعقائدية، ووجود حاضنة شعبية تلتف حوله، إضافة إلى تحالفه مع فصائل قوية أخرى، فكرت العديد من القوي الإقليمية في الوثوق به، ودعمه سياسيا وعسكريا ليكون شريكا ميدانيا في مواجهة النظام وتنظيم الدولة علي حد سواء، والتعامل مع أي متغيرات طارئة في الواقع السياسي والميداني السوري.

المراجع
  1. جيش الإسلام: البحث عن دور في مستقبل سورية، ورقة بحثية صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
  2. Saudi Arabia spends milion on new reber force
  3. خريطة المليشيات المسلحة في سوريا، ستانفورد
  4. المقابلات الإعلامية لقائد جيش الإسلام زهران علوش ومن بينها
  5. مقابلة مع تيسير علوني المذيع بشبكة الجزيرة الفضائية
  6. لقاء مع إذاعة سوريا الحرة
  7. جزء من مقابلته مع مكلاتشي الأمريكية في أول ظهور له مع الإعلام الغربي