من كولومبيا إلى لبنان: كيف حرك «مارك» الملايين إلى الشارع؟
يسجل فيسبوك شهريًّا مليار وخمسمئة وخمسين مليون عضو ناشط، حسبما أشارت الدراسات الإحصائية للموقع في عام 2015، بنسبة تجاوزت 10% من سكان العالم، والذي يمتلك ثلث أعضائه اتصالًا بالإنترنت، ليكون موقع فيسبوك حلقة الوصل بين المجتمعات المختلفة في مختلف أنحاء العالم.
من كولومبيا إلى الربيع العربي
ساعد موقع فيسبوك في تحريك الشعوب العربية ضد أنظمتها الحاكمة، حيث بدأت الثورات العربية بتونس، في نوفمبر 2010، بإنشاء صفحة خاصة بـ بوعزيزي (مفجر الثورة التونسية) لتنظيم التظاهرات ضد ابن علي، رئيس تونس الأسبق، حتى هرب في يناير 2011. وفي السياق ذاته، ساعد فيسبوك وخاصة صفحة «كلنا خالد سعيد» في الحشد للتظاهرات ضد مبارك، رئيس مصر الأسبق، في 25 يناير 2011 حتى استمرت التظاهرات إلى أن تنحى مبارك في فبراير 2011.
واستمر فيسبوك في لعبه لدور لم يكن معهودًا عليه في الوطن العربي؛ فبعد أن كان الموقع للتواصل الاجتماعي بين الأصدقاء والأقارب، أصبح أداة سياسية تستخدمها الأحزاب والحكومات في الترويج لنفسها، وتستخدمها الصحف لتداول الأخبار، ويستخدمها النشطاء في التعبير عن آرائهم بحرية.
فعرفه أبناء الوطن العربي بشكل مغاير مع الثورات العربية التي امتدت لتشمل ليبيا، واليمن، والبحرين، إلا أن هذا الدور السياسي الذي لعبه فيسبوك لم يكن بجديد على المجتمع العالمي، واستمر بروزه خلال الفترة الأخيرة.
أسس أوسكار موراليس، ناشط كولومبي، مجموعة «مليون صوت ضد فارك/الجماعة الثورية المسلحة» على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في فبراير 2008، حيث عرفت فارك بأعمالها الإرهابية واحتجازها لمئات الرهان من الكولومبيين.
يُعد موراليس أول من استخدم موقع فيسبوك كأداة للحشد السياسي، وتحريك جمهور واسع إلى الشوارع حيث جذب موراليس في أسبوع واحد 100 ألف شخص ليكونوا أعضاءً بالمجموعة، واستطاع إثارة الاحتجاجات في دول مختلفة ضد تلك الجماعة الإرهابية. فخرج 12 مليون متظاهر في أربعين دولة مختلفة، في يوم 4 فبراير 2008، استجابة لدعوة موراليس للتظاهر ضد «فارك» على مجموعته بفيسبوك.
مارك يزيل الحجاب عن إيران
قفزت في سماء إحدى شواع لندن والهواء يداعب خصيلات شعرها، لتتحول الصحفية الإيرانية مسيح علي نجاد، بتلك الصورة التي دونتها على صفحتها الخاصة بفيسبوك، إلى رمز للمقاومة ضد السلطة الإيرانية التي تفرض الحجاب إجباريًّا على النساء. ونالت الصحفية في غضون ساعات نصف مليون متابع، وحملة دشنتها قنوات التلفزيون الإيراني لتتهم علي نجاد بالجنون والانحراف، حيث بث التلفزيون فيلمًا مفبركًا لها يزعم أنها تتعاطى المخدرات وأنها قد تعرضت للاغتصاب في لندن.
الجدير بالذكر، أن النسوة الإيرانيات غير الملتزمات بقواعد الحجاب، قد طالتهم حملة اعتقالات شرسة منذ يونيو 2013 في عهد الرئيس حسن روحاني، إذ بلغ عدد المعتقلات منهن إلى 18 ألف امرأة وفتاة، بالإضافة إلى عدد 3 مليون و600 ألف امرأة تم إنذارها أو تغريمها أو حبسها، في عام 2014 فقط، بسبب زيها غير اللائق، وفقًا لرئيس قوات الأمن الوطني بإيران.
حصلت علي نجاد على جائزة جنيف لحقوق الإنسان، بعد أن قوبلت بوابل من الإثناء والترحاب من النساء حول العالم، وبدأت تقلدها أخريات من مسقط رأسها، حيث صورن أنفسهن خلسة، بجوار لافتات تذكر المارة بشوارع إيران بضرورة احترام الحجاب، وهن يحملن غطاء رؤوسهن في أيديهن، مما دفعها إلى إنشاء صفحة «My Stealthy Freedom»، أي «الحريات المختلسة» على موقع فيسبوك، في 3 مايو 2014، والتي تخطّى عدد متابعيها 900 ألف متابع. كما تضامنت محجبات إيرانيات على الصفحة بتعبيرهم عن إيمانهم بالحجاب ولكن رفضهن لفرضه بالإكراه من قِبل السلطة.
لديّ الكثير لأقول، أنا عطشى للحرية مثلكم جميعًا، كفتاة إيرانية، كفتاة قروية، حياتي مليئة بالممنوعات.
إحدى المشاركات بالصفحة
خلقت علي نجاد مساحة حرة للمرأة الإيرانية للتعبير عن نفسها مستخدمة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حيث أخذت تنشر صور النساء بعد أن صوّرن أنفسهن دون حجاب بشوارع إيران، كما نشرت الصفحة فيديوهات لردود أفعال الرجال أثناء خلع المرأة حجابها في الشوارع وكانت أغلبها إيجابية، ونشرت بعض السيدات فيديوهات لهن وهنّ يغنّين ويرقصن في محطة مترو طهران – وهو أيضًا ممنوعٌ بطبيعة الحال في إيران -، وامتد الأمر لتصبح الصفحة حركة نسوية تنتقد كل المحرمات السلطوية التي تُفرض بالإكراه على المرأة الإيرانية، لتكسر الصفحة والمشاركين فيها حاجزًا جديدًا من الخوف في تحدٍّ واضحٍ للسلطة الإيرانية.
طلعت ريحتكم
خيّم الغاز المسيل للدموع على الأجواء، وسط صوت هتافات آلاف المحتجين بـ«الشعب يريد إسقاط النظام» منافسة مع صوت طلقات النار في الهواء، حيث استبقت قوات الأمن أي تحرك محتمل وأغلقت مداخل ساحة النجمة في لبنان، عصر يوم 23 أغسطس 2015، تخوفًا من دعوات التظاهر على موقع فيسبوك بعد تدشين النشطاء حملة «طلعت ريحتكم»، احتجاجًا على عدم حل أزمة النفايات، ومطالبين بإقالة وزير البيئة محمد المشنوق، حيث عانت بيروت لشهور من تكدس القمامة وانتشار روائح نتنة.
استطاعت قوات الأمن أن تكبح التظاهرات الأخيرة في لبنان بعد أن تجمّع المحتجون بوسط بيروت، حيث قابلتهم بالغاز المسيل للدموع، والأعيرة النارية في الهواء، وخراطيم المياه. ولكن استمرت الحملة في التدوين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حتى استطاعت أن تنقل ما يحدث في لبنان للعالم الخارجي مما أحرج الحكومة، حيث أعلن وزير البيئة رفضه لتعامل قوات الأمن بالقوة مع المتظاهرين واعدًا بحل الأزمة في أقرب وقت.
استمرت الاحتجاجات اللبنانية – وتعد التظاهرات المدنية الأولى منذ وقت طويل مضى تكون بعيدة عن الاصطفافات المذهبية والطائفية والسياسية – معبرة عن حالة الغضب التي انتابت اللبنانيين نتيجة العجز السياسي والفساد، هذا بالإضافة إلى حالة الاشمئزاز من كل التيارات والحركات السياسية. وطالبت التظاهرات باستقالة الحكومة، وإجراء انتخابات برلمانية فورية ومحاسبة كل من اعتدى على المتظاهرين.
ساعد فيسبوك على تحريك الآلاف من المتظاهرين للاحتجاج في الميادين اللبنانية، والتعبير عن غضبهم من كل القوى السياسية من خلال حملة «طلعت ريحتكم»، حتى وإن لم يتمكنوا من إحداث تغيرٍ واضحٍ فى الوضع السياسي اللبناني، إلا أن موقع فيسبوك أثبت جدارته في كونه أداة للاحتجاج وتحريك الجماهير ضد السلطات الحاكمة وزعزعة استقرارها، مما أقلق النخب الحاكمة، كما لعب دورًا محوريًّا في الترويج للتظاهرات اللبنانية وكسب التضامن العالمي.
احتلال الشوارع
https://www.youtube.com/watch?v=1u11ZIY8dO4
ظهرت حركة احتلوا لأول مرة بأمريكا، في سبتمبر 2011، متأثرة بثورات الربيع العربي، بعد التقلبات الحادة التي شهدتها بورصة (وول ستريت) بمدينة نيويورك، وتعاملات البنك المركزي الأمريكي مع تلك الأزمة من خلال عملية «تويست» لتنشيط الاقتصاد، والتي تسببت في خسائر حادة.
بدأت الانتقادات توجه إلى رجال الأعمال الأمريكيين والحكومة، حيث عملية التنافس بين رجال الأعمال ساعدت في حدوث الأزمة، كما أن سوء تعامل الحكومة معها أدى إلى تفاقم المشكلة. ودشن النشطاء السياسيون في أمريكا حملات «احتلوا وول ستريت» على مواقع التواصل الاجتماعي، وأُنشئت صفحة خاصة بالحملة على فيسبوك، في 17 سبتمبر 2011، وهو يوم اندلاع التظاهرات، والتي استمرت لعدة أيام، بعد أن تم تحريك الجماهير من خلال هاشتاج على فيسبوك وتويتر للتظاهر احتجاجًا على الأوضاع الاقتصادية الأمريكية.
سعت الحركة إلى عولمة التظاهرات، ودعت المجتمعات المختلفة للثورة على الأنظمة ورجال الأعمال المحتكرين للاقتصاد. ومن خلال صفحة «احتلوا وول ستريت» تم اقتراح 950 مدينة في 82 دولة مختلفة للتظاهر في يوم 15 أكتوبر، وقد استجابت 1500 مدينة في مختلف البلدان من بينهم 100 مدينة أمريكية، حيث امتدت التظاهرات إلى أستراليا، وكوريا الجنوبية، وهونج كونج، وماليزيا، وفرنسا، وألمانيا.