الاتفاقات الاستعمارية الودية: هل انتهت؟
تشير إحدى اللوحات التذكارية في متحف مرسيدس إلى أول سيارة من طراز Daimler ، يمتلكها عربي وهو السلطان مولاي الحسن الأول سلطان المغرب في عام 1892م، اشتراها ب500 ألف مارك الماني.
عندما شرحت هذه المعلومة لرفقائي أثناء زيارتنا للمتحف عقبتُ قائلا «كانت علاقة المغرب بألمانيا قوية ومتميزة في ذلك الوقت». رد أحد مرافقي قائلا: «لذلك سمحت ألمانيا لفرنسا باحتلال المغرب».
توقفت عند هذه النقطة طويلاً فعلا إذا كانت العلاقة بهذه القوة لدرجة تبادل السفراء وزيارة الإمبراطور (فيلهلم الثاني) إمبراطور المانيا لمدينة طنجة في مارس/آذار من عام 1905م، إذن مالذي تغير لتستعمر فرنسا المغرب العربي وتصبح تحت سيطرة فرنسية كاملة
نقبت عن السبب فاكتشفت واقعا حادثا درجت عليه السياسات الاستعمارية طوال فترة الاستعمار الغربي للدول الآسيوية والأفريقية.
في عام 1911م ظهرت نية فرنسا الواضحة في احتلال المغرب وذلك بعد استعانة السلطان عبد الحفيظ بالجيش الفرنسي في قمع ثورة القبائل، ومع ظهور هذه النية وتأكدها أرسلت ألمانيا إحدى المدمرات البحرية إلى ميناء أغادير متعللة بحماية الجالية الألمانية وهددت بقصف المدينة وأكدت ممانعتها للوجود الفرنسي في المغرب، الأمر الذي دفع إلى مفاوضات وصفت بالصارمة بين فرنسا وألمانيا انتهت على الاتفاق التالي: أن تطلق ألمانيا يد فرنسا في المغرب العربي مقابل تنازل فرنسا عن مستعمراتها في الكونغو ووسط إفريقيا لصالح الألمان، في ما عرف بالاتفاق الفرنسي الألماني بخصوص المغرب والكونغو، وبهذا تم لفرنسا ما تريد وانسحبت ألمانيا من ممانعتها لاستعمار المغرب.
اتفاق شبيه سابق وبنفس الطريقة
بمجرد قراءتك لهذا الكلام سيتبادر إلى ذهنك اتفاقا شبيها بهذا الاتفاق تم بين بريطانيا وفرنسا بخصوص مصر والمغرب العربي أيضا في عام 1904م حيث زاد التنافس الاستعماري بين إنجلترا وفرنسا مع مساندة كل دولة لحركات التحرر في الدول التي تحتلها الأخرى، حيث كانت فرنسا تستضيف أعلام حركة التحرر الوطني والإسلامي في منتدياتها وجامعاتها مساندة دعاويهم التحررية، إلا جانب مساندتها لاستقلال الخديوي عباس الثاني ووعود بدعم قضية مصر، ولكن مع نية فرنسا إتمام السيطرة على المغرب العربي وضم مراكش وفاس إلى الجزائر ضمن مستعمراتها في الشمال الأفريقي مع تزايد الطموح الألماني في الدخول للسباق الاستعماري، فكان لابد من توقيع وفاق ودي بين الدولتين وقد كان حيث أطلقت فرنسا يد بريطانيا في مصر والسودان، وأطلقت بريطانيا يد فرنسا في المغرب العربي.
ولم يكن الاتفاق فقط بخصوص مصر والمغرب ولكن تألف على حزمة من التنازلات بين البلدين لمنع الانجرار إلى حرب بينهما وهي كالآتي:
- الوثيقة الأولى والأكثر أهمية إعلان احترام مصر والمغرب. في مقابل وعد فرنسا بعدم «عرقلة» التحركات البريطانية في مصر، ووعدت بريطانيا بالسماح «بالحفاظ على النظام … وتقديم المساعدة» في المغرب. وضمان العبور المجاني في قناة السويس، وفي النهاية وضع اتفاقية القسطنطينية في حيز التنفيذ، وإقامة التحصينات على جزء من السواحل المغربية. وتضمنت الاتفاقية مرفق سري للتعامل مع «الظروف المتغيرة» المتحملة في إدارة كلا البلدين.
بطاقة بريدية فرنسية من سنة 1904، تُظهر بريتانيا وماريان ترقصان معا، لترمزا إلى التعاون الوليد بين البلدين.
- تناولت الوثيقة الثانية نيوفاوندلاند وأجزاء من غرب ووسط أفريقيا. تخلى الفرنسيون عن حقوقهم على الساحل الغربي لنيوفاوندلاند، بالرغم من احتفاظهم بحق الصيد أمام ذلك الساحل. ومقابل ذلك، أعطى البريطانيون الفرنسيين بلدة ياربوتندا (بالقرب من الحدود الحالية بين السنغال وگامبيا) وجزر لوس (جزء من غينيا الحديثة. وثمة بند آخر يتعامل مع الحدود بين الأملاك الفرنسية والبريطانية شرق نهر النيجر (حاليا النيجر ونيجيريا).
- والوثيقة الثالثة ناقشت موضوعات سيام(تايلاند) مدغشقر ونيو هبريد؛ في سيام اعترفت بريطانيا بالنفوذ الفرنسي على الضفة الشرقية لحوض مينام؛ وبدورها، اعترفت فرنسا بالنفوذ البريطاني على أراضي غرب حوض مينام. ونفى الطرفان أي فكرة حول ضم أراضي سيام. وسحب البريطانيون اعتراضهم على فرض فرنسا لـتعريفة جمركية في مدغشقر. واتفق الطرفان على التوصل لاتفاقية سوف «تضع حدًا للصعوبات الناشئة من فقدان سيادة أيٍ منهما على أهالي نيو هبريدز».
هل الاتفاقات فرنسية؟
قد يبدو الأمر حديثا متعلقا بنهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حيث كان التنافس الاستعماري على أشده للاستيلاء على تركة رجل أوروبا المريض (الدولة العثمانية) إلا أن اتفاقين تمَّا بعيدا عن تركة الرجل المريض وفي بداية القرن التاسع عشر، وللمفاجأة لم يكن أحد الأطراف فرنسياً،
الأول هو اتفاق تم بين هولندا!! وانجلترا في عام 1824م حيث وقعت الدولتان اتفاقية قضت بموجبها أن تسلم هولندا ميناء ملقا في شبه جزيرة الملايو إلى بريطانيا في مقابل ألا تقوم الملايو (إنجلترا) بأي أنشطة توسعية أو تجارية في سومطرة.
روسيا أيضاً
الاتفاق الثاني كان بين إنجلترا وروسيا وهذه المرة بعيدا أيضا عن وسط العالم كانت بخصوص الشرق الأدنى وتوزيع القوى بين الدولتين الكبيرتين. ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه بريطانيا لتوسيع وجودها في آسيا كعمق استراتيجي لمستعمرة الهند، كانت روسيا تسعى لتوسيع نفوذها في آسيا.
كان الاتفاق في أغسطس/آب 1907م، نهاية لمساعي طويلة حاولتها الدولتان منذ عام 1894م، وتعرضت للتوقف والتأجيل أكثر من مرة حتى سادت روح من التحالف والسعي للتوافق على إثر بروز القوة الألمانية في أوروبا وزيادة قوة التحالف الثلاثي الذي ضم (إيطاليا، النمسا- المجر مع ألمانيا)، وخصوصا بعد هزيمة روسيا في حربها مع اليابان في 1905م –كان هناك تحالفاً بين بريطانيا واليابان- الأمر الذي دفع بشكل كبير لإتمام هذا الاتفاق الذي يعد من أهم الاتفاقات التي مهدت لاستعمار آسيا بين بريطانيا وروسيا.
تم الاتفاق بوساطة فرنسية الذي كان يهدف إلى تسوية المشاكل الاستعمارية خارج أوروبا في مواجهة التحالف الثلاثي الألماني (عارض التحالف أي توسع لروسيا في البلقان)، نص الاتفاق على تقسيم إيران إلى منطقتي نفوذ روسية في الشمال وانجليزية في الجنوب، وقسم في الوسط مستقل ليكون منطقة تجارة حرة للبلدين، إلى جانب اعتراف روسيا بمصالح إنجلترا في الخليج العربي وفي التبت في مقابل تسهيل السبيل لفتح المضايق أمام السفن الحربية الروسية، كما أصبحت أفغانسان تحت حماية بريطانيا، كما تم إثر هذه الاتفاقية اتفاقية بين روسيا واليابان اعترفت فيها الدولتين بمصلحة كل دولة في الصين ومنشوريا، وبهذا الاتفاق تكون تكرست التحالفات التي سبقت ومهدت للحرب العالمية الأولى، كما كرست فصلا جديدا من فصول الاستعمار الغربي للشرق.[1]
في البداية كنت أظن أن تلك الاتفاقات فرنسية خصوصا مع وجود اتفاق فرنسي إيطالي بخصوص ليبيا لكن لم تتوفر لدي المراجع التي تتحدث عن هذا الاتفاق، إلا أنه بقليل من البحث تبين أن هذا النوع من الاتفاقات هو ممارسة سائدة بين الدول الكبرى، الأمر الذي يدفعنا للتساؤل حول عدة أمور أهمها يعتبر الوقت التي تمت في الاتفاقات هو وقت انتعاش حركات التحرر الوطني وبدايات حركة البعث والتجديد الإسلامي، كيف بعد هذا الكم من التحالفات، عول قادة تلك الحركات على وقوف قوة استعمارية ضد أخرى لصالح شعب ضعيف، تساؤل حول مواقف العرب من ألمانيا في الحرب العالمية الثانية – الموقف الشعبي –
تساؤل آخر يجول في ذهني هل هناك توافقات ودية تتم الآن ولا ندري عنها شيئا ماهي بنودها ونطاق عملها، ومن هم أطرافها دول؟ أم شركات ومؤسسات عابرة للقارات.
إن تاريخ الاتفاقات الودية كبير مما لا يتسع المقال لذكره ويحتاج منا إلى التأمل في آثار هذه الاتفاقات وامتداداتها على أمتنا العربية والإسلامية.
[1] تاريخ أوربا الحيث والمعاصر – أ.د عمر عبد العزيز عمر – دار المعرفة الجامعية بالأسكندرية.