فرويد والكوكايين: كيف لمؤثر أن ينشر الإدمان؟
عثر على أول وصف للكوكايين على يد أحد الرحالة في القرن السادس عشر، وبدأ استخدامه كدواء في عام 1860 وفي هذا التوقيت بدأت الشركات في الترويج له كي يستخدمه الأفراد والأطباء في العلاج، وكانت وسيلتهم للإعلان هي استخدام أفراد مؤثرين مثل فرويد، الذي بدأ بتعاطي هذه المادة، وكتب عن الكوكايين مقالة توضح تأثيره الساحر الذي ينقله إلى عالم آخر ممتع بالإضافة إلى محو أحزانه.
تريد أغلب الشركات جني مكاسب وأرباح اكتشافها وتصنيعها لأي مادة مكتشفة، وأفضل طرق الترويج هي استخدام أفراد معروفين وذوي شأن اجتماعي ليستخدموا هذه المنتجات؛ ثم بلمع بريقها في أعين الآخرين وهذه الفكرة ليست وليدة عصرنا كما في السوشيال ميديا، ولكنها قديمة ولكن مع اختلاف صور تقديمها باختلاف وسائل الدعاية ومن المؤثر لكل زمن.
رحلة الإدمان في حياة فرويد
سيجموند فرويد هو أحد أهم المساهمين في مجال علم النفس بنظرياته المختلفة ذات الصيت المميزة حتى يومنا هذا حيث يعد فرويد هو مؤسس التحليل النفسي وأسهم بنظريات عدة مثل:
- وسائل وآليات الدفاع.
- نظرية التحليل النفسي.
- علم النفس من الحياة اليومية.
- مراحل النمو الجنسي النفسي.
كان الكوكايين متاحًا دون وصفة طبية في عصر فرويد أي في أواخر القرن التاسع عشر؛ لأن أضرار إدمانه لم تكن معروفة في هذا الوقت، وبدأ فرويد بتناول الكوكايين على سبيل التجربة تبعًا لتلقيه مقابلًا ماديًا من إحدى المؤسسات ليجرب المادة على نفسه ثم يتحدث عن تأثيرها الفريد.
قد نراها تضحية من فرويد أو نكرانًا للذات كي يجرب مادة على نفسه لا يعرف مدى تأثيرها السلبي فيما بعد كفأر تجارب، وحتى من استخلصها وصنعها لم يجربها بما فيه الكفاية فالأبحاث العلمية لها مبادئ وأساسها عدم الضرر بالإنسان.
لم تُجرِ أبحاث تبين مدى ضرر الكوكايين جيدًا قبل الخوض في تجارب على إنسان، فهل كان فرويد ناكرًا لذاته حقًا أم طامعًا في الشهرة والتجربة الفريدة إضافة إلى المال؟ لكن ينبغي ألا ننسى أن تجربة المواد على الأطباء في هذا الوقت لم تكن ممنوعة أو محرمة، فالأطباء كانوا فئران تجارب، وكل طبيب يمكنه رفض أو قبول التجربة.
لم يلاحظ فرويد إدمانه للكوكايين نظرًا لتوفره الدائم والمجاني في منزله، لكن ذلك لا يمنع الرغبة في تعاطي المادة بعد زوال تأثيرها من النشوة وعلاج التعب، فقد أحب فرويد المشاعر التي غمرته عند تناول الكوكايين إضافة إلى تحرير أفكاره.
اقرأ أيضًا: بعث فرويد من سباته: ثورة على مفاهيم التحليل النفسي
كيف يمكن للمؤثرين أن يدمروا أجيالًا؟
تعاطي المواد المخدرة يغير من كيمياء المخ وفترة النشوة التي تغمر الفرد عند التعاطي قد تجعله يتصور ويتخيل أشياء جديدة فريدة، فهي تفتح آفاقًا جديدة من الفكر والخيال، ومن المحتمل أن تعاطي فرويد له يد بصورة أو بأخرى في ولادة نظرياته.
لكن ماذا عن صورته كقدوة علمية ذات شأن واسم في التحليل النفسي وهو يروج لهذه المادة على أنها دواء السعادة ويجب على كل فرد تناوله؟ فبعد تجربته للمادة كتب ورقة علمية عن الكوكايين يشيد بفوائده على الصحة النفسية لمواجهة الاكتئاب، إضافة إلى علاج عسر الهضم، والتخلص من الإجهاد والتعب.
لا يمكننا إنكار تأثير السعادة الناجمة عن تعاطي الكوكايين، ولكنها سعادة مؤقتة وسرعان ما تجني الدمار على الجسم كله، وهذا التدمير لم يحل بفرويد فحسب بل على أفراد عدة في وقت ترويجه للمادة فهو من دون أن يدري نشر الإدمان.
لم يكن تأثير فرويد دعائيًا فقط بل كان يرسل عينات لزملائه من الأطباء ويشيد بفوائد استخدامه مع المرضى لعلاج حالات مثل:
- علاج الربو.
- منشط عقلي.
- علاج اضطرابات الأكل.
- منشط جنسي.
- علاج إدمان المورفين والكحول.
اقرأ أيضًا: الكيمياء التي تفجر المشاعر: كيف تخلق السعادة داخلنا؟
هل للكوكايين تأثير مبهم على العلم؟
إذا نشأت نظريات فرويد أثناء تعاطيه للكوكايين حينها سنحتاج إلى تحليل كل نظرية له ولا نأخذها على محمل الجد التام علميًا إلا بعد دراستها، ولكن ماذا إذا كانت أغلب نظرياته صحيحة بعد البحث والدراسة؟
حينها سنحتاج إلى أبحاث أخرى لكنها ستكون غير أخلاقية بالطبع لمعرفة هل المخدر يمكنه فتح أبواب جديدة من الأفكار والعلم غير المعروف بعد، لنحدث ضجة علمية على حساب أرواح المؤثرين والعملاء.
لو افترضنا أن الكوكايين يفتح أبوابًا علمية من الخيال يمكننا إثباتها في ما بعد ولكن ينهي حياة الفرد سريعًا، فهل يمكننا القول إن العلم قد استفاد وأثرينا معلوماتنا؟ أم انتهى علم الشخص بوفاته مبكرًا من الإدمان؟
لم يؤثر الكوكايين في عمر فرويد فحسب فقد أفنى عمر الجراح الشهير وليام هالستيد الذي أدخل مفهومًا جديدًا في الجراحة الحديثة من خلال التعقيم، وعدم إدخال الميكروبات والجراثيم إلى الجروح لمنع تلوثها.
كان وليام هالستيد من أوائل من جرب الكوكايين على نفسه، وكان شائعًا استخدام الأطباء والعلماء كأدوات للتجارب في فترة أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فهل فقدنا عالمًا يمكن أن يثري العلم بالمزيد أم الكوكايين هو من دفعه للابتكار منذ البداية؟ لذا سيظل تأثير الكوكايين مبهمًا على العلم.
اقرأ أيضًا: الحشيش هل يذهب العقل فعلا أم يبالغ الأطباء؟
هل كان الكوكايين يستخدم كدواء بالفعل.. وما فوائده الطبية؟
الكوكايين هو مادة تسبب إدمانًا شديدًا، فهي ترفع مستوى التركيز والطاقة والانتباه، وتستخلص من نبات الكوكا الذي يعتبر موطنه الأصلي في أمريكا الجنوبية، والكوكايين هو أحد مشتقات المورفين الذي يرسل مستويات عالية من الدوبامين إلى أجزاء من المخ تتحكم في المتعة؛ مما يسبب مشاعر النشوة واليقظة.
اكتشفت هذه المادة في القرن السادس عشر ولكن لم تختبر إلا في القرن التاسع عشر وبدأ الترويج لها كعلاج لعدة أمراض نفسية وذلك تبعًا لتوصيات فرويد، ومن استخداماتها في الطب النفسي ما يلي:
- الإرهاق النفسي.
- الاكتئاب.
- الدنف وهو فقدان حاد لكتلة العضلات في الجسم نتيجة المرض الشديد.
- الإرهاق الجسدي.
كذلك كان يستخدم الكوكايين كعلاج بديل لإدمان المورفين طبقًا لتوصيات فرويد، ونظرًا لنقص المعرفة بأضراره وصف فرويد علاجًا لإدمان مادة بمادة أخرى تسبب الإدمان أيضًا.
توجد استخدامات طبية أخرى للكوكايين في هذه الفترة مثل:
- يستخدم كمخدر موضعي في جراحات العيون.
- كان يلجأ له الأطباء في العمليات الجراحية البسيطة كمخدر جراحي.
- استخدم في ما بعد في طب الأسنان.
- كان يوصف لعلاج أمراض مثل: دوار البحر، والربو، والقيء خلال فترة الحمل، ودوار الجبال والتشنجات.
لكن نظرًا لأضرار الكوكايين وتأثيره الإدماني في الوقت الحالي أصبحت استخداماته كمخدر في العمليات الجراحية وغيرها من الاستخدامات محدودة للغاية، وتكاد تكون منعدمة إلا في استثناءات مثل تسكين آلام مرضى السرطان في المراحل المتأخرة.
ما أضرار الكوكايين؟
يتعاطى مدمنو الكوكايين هذه المادة بعدة طرق، فقد يستنشقون مسحوقها الأبيض أو يذيبون المادة في الماء ومن ثم يحقنها المدمن في دمه، أو يضعون المسحوق على اللثة، أو تسخن المادة ليستنشق الدخان المتصاعد.
يسبب تعاطي الكوكايين على المدى القصير بعض الأعراض مثل:
- جنون العظمة.
- السعادة الغامرة.
- ضعف الشهية.
- الغضب أو التهيج من أقل شيء.
لا تتسرع في الحكم على الكوكايين وتراه مسحوقًا أبيض طيبًا؛ لأنه يسبب السعادة والنشوة لكن عند استخدامه لفترات طويلة وبصورة متكررة فإنه يظهر أنيابه وتبدأ أعراض إدمانه ومنها:
- نوبات التشنج.
- الصداع.
- مشاكل واضطرابات في الحالة المزاجية.
- الإصابة بالتهاب الكبد أو فيروس نقص المناعة «الإيدز» إذا أخذه المدمن عن طريق الحقن.
- تلف الرئة.
- الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية.
- فقدان حاسة الشم ونزيف وسيلان الأنف مع صعوبة في البلع إذا تعاطى المدمن الكوكايين بالشم.
- الإصابة بمشاكل جنسية.
مشكلة الإدمان تكمن في التعود على المادة تدريجيًا، ثم يحتاج الفرد إلى جرعات أعلى كي يشعر بنفس مستوى السعادة والنشوة التي كانت تغمره من قبل بجرعات بسيطة؛ لأن جسمه ومخه اعتاد على هذه الجرعة وبالتالي يزداد تأثيرها السلبي المدمر للجسم أكثر فأكثر، وقد يموت الشخص إثر جرعة زائدة.
اقرأ أيضًا: 6 أسباب تدفع الشباب لإدمان المخدرات