تحرير سرت: أحدث هزائم «داعش» في عام المحنة
أمس، الثلاثاء، الخامس من ديسمبر/كانون الثاني،أعلن رضا عيسى المتحدث باسم القوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، سيطرة قواته الكاملة على مدينة سرت الليبية، آخر معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. ويأتي الحسم العسكري بعد سبعة أشهر من القتال الضاري بين القوات الحكومية وعناصر التنظيم، التي تحصنت في المدينة وفرضت سيطرتها منذ يونيو/حزيران 2015، مستغلةً حالة الفوضى التي عمّت البلاد بعد مقتل معمر القذافي.
مدينة سرت الساحلية، المطلة على البحر المتوسط في منتصف الشريط الساحلي الليبي تقريبًا، القريبة من حقول النفط الرئيسية، الواقعة شرق طرابلس، وتبعد عن سواحل القارة العجوز فقط حوالي 300 كم، وهو ما يُفسر أهميتها الإستراتيجية لدى البلدان الغربية، وحقيقة أن غالبية مقاتلي تنظيم الدولة المتحصنين بها من الأجانب، غير الليبيين.
البنيان المرصوص، عملية عسكرية،دعا إليها «فائز السراج» رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، والمعترف بها دوليًا منذ ديسمبر/كانون الأول 2015، في أبريل/نيسان 2016. وبدأت المعارك العسكرية في مايو/آيار من نفس العام، منطلقةً من عدة مُدن غربية أهمها مصراتة. وكانت العملية منذ انطلاقها تشهد وتيرة متسارعةً حتى تمت محاصرة عناصر التنظيم في مساحات ضيقة بالمدينة، وتباطأت حينها وتيرة المعارك، لتشمل كل بيت وحارة.
وساعدت القوات الليبية طلعات جوية محددة الأهداف نفذتها الجوية الأمريكية بدايةً من مطلع أغسطس/آب الماضي،وقُدرت بما لا يقل عن 495 غارة. كما شاركت كل من بريطانيا وإيطاليا وفرنسا بتقديم الدعم الاستشاري العسكري.
الدعم الأمريكي لحكومة الوفاق الوطني، جاء بعدما فشلت الحكومة المنبثقة من برلمان طبرق، التي يقودها الجنرال الليبي خليفة حفتر، في دحر «الإرهاب»، بعدما دشّنت عملية الكرامة، لتطهير المدن الشرقية كـ«بنغازي» و«درنة» من ما أسماها «الجماعات الإرهابية»، وكان يقصد جماعة أنصار الشريعة الموالية لتنظيم القاعدة. وكانت القوات الأمريكية توفر له الدعم، بجانب القوات الفرنسية، وبلدان إقليمية كمصر والإمارات.
اقرأ أيضًا:ليبيا: حلبة جديدة لمصالح القوى العالمية
البنيان المرصوص، تكللت بالنجاح لكنها خلفت في صفوف الجيش الليبي قرابة الـ 700 قتيل، وثلاثة آلاف جريح، بينما لا يزال عدد القتلى من أفراد التنظيم مجهولًا، فبينما قدرت واشنطن، بحسب السفير اللبنانية، عدد القتلى من التنظيم ما بين ثلاثة إلى ستة آلاف مقاتل، قدّرت قيادة القوات الليبية الأعداد بما لا يتجاوز الـ2500 قتيل.
وبينما تضع الحرب أوزارها في سرت،تناقش صحيفة الـ«بي بي سي»، الحقيقة الغصة بأن التنظيمات المتشددة لن تنتهي في ليبيا بانتهاء تنظيم الدولة، في ظل دولة هشة، وحكومات متعددة في أنحاء البلاد، حكومة شرقية وأخرى غربية، وإنما ستتغير الإستراتيجية نحو ما يجيده هؤلاء من العمليات الانتحارية، والتفجيرات المتفرقة، التي تصيب المدنيين بقدر ما تنال من العسكريين وأكثر! ومن هذا المنطلق عدّت الصحيفة الانتصار الذي تحقق في سرت، مجرد إضعاف لقوة التنظيم. ما يدفع مقاتلي التنظيم كذلك لتبني هذا التوجه، هو انحسار التنظيم في سوريا والعراق، المعقل الأساسي الذي كان سيوفر لهم الأمان حال بقائه، ويعوض خسارتهم في ليبيا.
وهذا ما بدأت بشائره تظهر، فبينما كان مقاتلو الجيش الليبي يستعدون لإعلان نصرهم والاحتفال به،باغتتهم فلول التنظيم بهجومين انتحاريين أحدهما نفذته امرأة، ما ينذر بمرحلة جديدة مؤلمة ومخيفة، بانتظار الليبيين.
واحدة من التحديات التي ستواجه البلاد كذلك، المعارك الداخلية السياسية والعسكرية، فالقوات الليبية التابعة لحكومة الوفاق، من المحتمل أن تتوجه شرقًا نحو قوات حفتر. لننتقل إلى مرحلة جديدة من الصراع الداخلي، لا سيما وأن الجنرال حفتر في ظل انشغال قوات الوفاق الوطني بهزيمة داعش كان يسيطر تباعًا على حقول النفط، وهي محل الصراعات المنتظرة!
لكن هذه المرة ستختل موازين القوى، في الأغلب لصالح الجنرال، فالدعم الأمريكي لقوات حكومة الوفاق سينكشف بالتأكيد، بينما يتمتع الجنرال بعلاقات إقليمية ودولية متميزة. وبينما تشرب حكومته من آبار النفط ما يسد حاجتها، تواجه حكومة الوفاق الوطني أزمةً اقتصاديًة خانقة، وترديًا في مستوى المعيشة!